
رئيسة قسم المرأة في جاكوفا بجنوب كوسوفا:
استطعنا تحويل التحديات التي واجهتنا لفرص فتحت لنا آفاق واسعة
حوار خاص مع الدكتورة فيوليتا سمايلاي رئيسة قسم المرأة بمحافظة جاكوفا
حول دور المرأة المسلمة في كوسوفا
قالت الدكتورة فيوليتا سمايلاي أن أبرز نجاحات المرأة بكوسوفا يتمثل في كسر الحاجز الاجتماعي الذي يحد من دورها..
مصدر النشر/ صفحة ثقافة ـ الجزيرة نت
أجرى الحوار/ هاني صلاح
دشن رحيل المحتل الصربي عن كوسوفا في 1999، بعد نحو 86 سنة من الاحتلال منذ عام 1913، حقبة جديدة للمجتمع الكوسوفي بشكل عام، ولدور المرأة الكوسوفية المجتمعي بشكل خاص. فقد مثلت السنوات الثماني التالية مرحلة إعادة الإعمار وتشكيل مؤسسات الدولة الوليدة ووضع دستورها وهى العملية التي انتفض لها جميع أبناء كوسوفا رجال ونساء حتى تم الإعلان عن استقلال البلاد من جانب واحد عن صربيا في 17 فبراير 2008م.
ولأول مرة في تاريخ كوسوفا، أن تتحول من إقليم تابع لدولة ما إلى دولة مستقلة ذات سيادة ولها مؤسساتها الوطنية ورؤيتها المستقبلية الخاصة؛ هذا التغيير السريع الذي طرأ بعد محنة طويلة خاصة مع الانفتاح اللامحدود على العالم بعد أن ظلت كوسوفا حبيسة صربيا لعقود طويلة متتالية، تركت بصماته على المجتمع والأسرة والمرأة الكوسوفية جميعها.
فعلى عكس واقع المرأة المسلمة في بعض دول البلقان المجاورة؛ كان دور النساء في كوسوفا على مدار القرن العشرين يكاد ينحصر داخل مؤسسة الأسرة، وهو الواقع الذي تغير وبشكل سريع مع بدايات القرن 21، ومثل العقدين الماضيين فترة انتقالية شابها سلبيات من هذا الانفتاح السريع والواسع، كما صاحبها إيجابيات ونجاحات في مسار دمع المرأة الكوسوفية في المجتمع خاصة فيما يتعلق بملفات التعليم والتوظيف والمشاركة المجتمعية.
والمرأة المسلمة بحجابها وسمتها الإسلامي لم تكن خارج هذا السياق، فقط سارعت بدورها كي تبوأ بنفسها مكانتها العلمية والعملية في المجتمع كما تستحقها، لكنها واجهت في مسارها هذا تحديات جمة كون الحجاب لم يكن منتشر في كوسوفا ورفضه من مؤسسات الدولة الوليدة التي تنبت النظام العلماني في دستورها الجديد. ومع ذلك، حققت العديد من مسلمات كوسوفا نجاحات مبهرة على مختلف الأصعدة الوظيفية والاجتماعية وحتى السياسية.
حول تطور الدور المجتمعي للمرأة المسلمة في كوسوفا، والتحديات التي مازالت تواجهها، والإنجازات التي حققتها بالفعل، كان لـ“الجزيرة نت“، هذا الحوار مع الدكتورة فيوليتا سمايلاي، رئيسة قسم المرأة التابع للمشيخة الإسلامية بمحافظة جاكوفا جنوب البلاد، والأستاذة بكلية الدراسات الإسلامية في العاصمة بريشتينا.
الدكتورة فيوليتا سمايلاي
والدكتورة فيوليتا سمايلاي، من مواليد 14 مايو 1985، في مدينة جاكوفا بجنوب دولة كوسوفا. أنهت المدرسة الابتدائية ثم الثانوية المهنية في الطب العام بمدينتها، ومن ثم درست اللغة العربية في جامعة قطر لمدة عامين. بعد ذلك أتمت دراستها الجامعية بالأردن، وحصلت على الدكتوراه كذلك في الجامعة الأردنية بعمان، قسم الفقه وأصوله، عام 2019 بأطروحة عنوانها: النظام المالي للزوجين في قانون الأسرة الكوسوفي: دراسة فقهية مقارنة.
تعد إحدى قيادات العمل النسائي بقسم المرأة بالمشيخة الإسلامية في كوسوفا؛ فهى تدعى إلى العديد من الأنشطة والفعاليات النسائية الثقافية بالمدن الأخرى لإلقاء محاضرات للنساء والفتيات. كما أنها ضيف حاضر دائمًا في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، للحديث عن القضايا المعاصرة للمرأة المسلمة كالحجاب وحقوق الملكية وحق الوراثة وأساس بناء البيت السعيد وغيرها.
وقد قامت الدكتورة فيوليتا سمايلاي، بكتابة العديد من الأبحاث ونشرها في مجلات محلية ودولية. وشاركت في العديد من المؤتمرات العلمية التي تنظمها المشيخة الإسلامية وكلية الدراسات الإسلامية، وهي عضو فاعل في جمعية المثقفين بمدينتها جاكوفا، وتم تكريمها لدورها النشط.
قرأت الدكتورة فيوليتا واقع المرأة الألبانية في كوسوفا مبكرًا، وأدركت بأن المرأة والأسرة الكوسوفية في بداية حقبة جديدة ونهضة غير مسبوقة في دورها المجتمعي؛ فقررت أخذ زمام المبادرة في التوجه للتخصص الإسلامي الشرعي في قضايا المرأة والأسرة، بهدف المساهمة في تصحيح أوضاع سلبية من موروثات تقاليد وعادات قديمة، كانت تحد في الماضي من تطور دور المرأة المسلمة في المجتمع الكوسوفي.
وعبر قلمها في العديد من المجلات والدوريات، ومحاضرتها في ندوات ثقافات ومؤتمرات علمية، ظلت الدكتور فيوليتا تناصر حقوق المرأة المسلمة وتؤكد على شرعية هذه الحقوق؛ بل وتجزم بأن المجتمع الكوسوفي المعاصر في ظل تحديات بناء دولته الحديثة الوليدة لن ينجح ما لم يفسح الطريق أمام المرأة كي تشارك وتؤدي دورها المجتمع وفي ذات الوقت مع التمسك بالقيم الإسلامية والتقاليد الوطنية العريقة لشعب كوسوفا.
وكان لتأسيس قسم المرأة في المشيخة الإسلامية بكوسوفا في عام 2005م، دور محوري في تفعيل دور العديد من الكوادر الإسلامية النسائية في المجتمع بدءًا من الدور التوجيهي في مجال التعليم الإسلامي ومرورا بالدور المجتمع لمعالجة الإشكاليات والتحديات المعاصرة التي تواجه الأسرة والمرأة الكوسوفية.
نجاح تجربة قسم المرأة بالمشيخة الإسلامية سواء في العاصمة أو بمختلف المدن الأخرى؛ ترجع الفضل في ذلك الدكتورة فيوليتا إلى العمل المؤسسي المنظم الذي صاحبه آليات متابعة وإشراف واضحة، وكذلك برامج تدريب مستمرة ومتنوعة لكافة معلمات القسم اللاتي يزيد عددهن عن 100 معلمة في مختلف محافظات كوسوفا. وقالت رئيسة قسم المرأة في جاكوفا بأنهن تمكن مع جميع المعلمات من التغلب على التحديات التي كانت تواجهن باستمرار؛ بل استطعن تحويل بعض هذه التحديات إلى فرص فتحت لهن آفاق واسعة في العمل الدعوي والمجتمعي
وعن أبرز نجاح حققته المرأة الكوسوفية، تقوم الدكتور فيوليتا، بأنه يتمثل في كسر الحاجز الاجتماعي المتعلق بالنمط السائد حول دورها في المجتمع، فقد استطاعت تبوء العديد من المراكز المتقدمة في مجالات مختلفة ونجحت في توظيف القيم والمبادئ التي تحملها في حيزها الوظيفي ونطاقها المجتمعي لصالحها ولصالح المجتمع بأثره.
وفي ذات الوقت تلفت الدكتور فيوليتا النظر إلى أن مسلمو كوسوفا لديهم نوع من الخصوصية التي قد تميزهم عن مجتمعات مسلمة أخرى، وبسبب هذه الخصوصية قد يختلفون في الطرح وفي الممارسة بموجب واقعهم الذي يملي عليهم أنهم أوروبيون أصليون في اللغة والثقافة والجغرافيا، وليسوا مهاجرون من بلاد أخرى، وفي ذات الوقت فهم مسلمون من حيث المعتقد والحضارة والتاريخ. لذا؛ فألبان كوسوفا يجمعون بين حبهم للدين الإسلامي وحبهم للثقافة الأوروبية؛ إذ كلا منهما يعتبر من صميم هويته.
وإلى الحوار..
ـ لقسم المرأة بالمشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا تجربة مميزة؛ حيث أن أقسام المرأة بإدارات إفتاء محافظات كوسوفا تذخر بالعديد من الأنشطة والفعاليات. كيف حققتم هذا النجاح سواء في العاصمة بريشتينا أو في مختلف المدن والمحافظات الأخرى؟
بشكل عام، أي نجاح يمكن أن يتحقق فقط من خلال العمل الدؤوب المستمر والاحترافية والابداع في العمل. لذلك فيما يتعلق بالنجاح الملحوظ الذي حققه قسم المرأة بالمشيخة الإسلامية في كوسوفا خلال السنوات الأخيرة؛ فمرجع ذلك عاملين:
ـ الأول: متعلق بمعلمات قسم المرأة على مستوى محافظات كوسوفا، متمثلًا في إرادتهن الصلبة بأداء دورهن الدعوي والتعليمي بكوسوفا بأفضل مستوى ممكن وبشكل مبدع للغاية.
ـ والثاني: بفضل التنظيم المؤسسي الجيد بقسم المرأة سواء من ناحية الهيكل الإداري أو فيما يتعلق بآليات المتابعة والإشراف وبرامج التدريب المستمرة لكافة معلمات القسم.
وهنا، لابد من الإشارة إلى أن كل معلمة من معلمات قسم المرأة بالمشيخة الإسلامية في كوسوفا، قد اختارت بإرادتها الحرة وبرغبتها الخالصة هذا الدور الدعوي والتعليمي معًا؛ عندما اختارت دراسة العلوم الإسلامية داخل كوسوفا بكلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا العاصمة، أو خارج البلاد في الجامعات الإسلامية بالدول العربية والإسلامية.
لذلك، طالما اخترنا هذا المجال بحب ورغبة منا؛ فقد أصبحت مسؤوليتنا الدعوية تحتم علينا تعليم الناس ما تعلمناه، وأن ندعوهم إلى الله على بصيرة وحكمة ورحمة وقدوة حسنة.
ـ كيفية شكل التواصل والتعاون بينكم في العاصمة بريشتينا، وبين فروع قسم المرأة في المحافظات الأخرى؟
سؤال هام، وبالفعل، فقد حرصنا منذ البداية ألا تعمل كل معلمة في منطقة ما بكوسوفا بمعزل عن باقي المعلمات، ومن أجل هذا تم وضع هيكل إداري واضح ودقيق، بحيث هناك مسئولة عن قسم المرأة في كل محافظة، تقوم بالإشراف على جميع أنشطة المعلمات بمساجد تلك المحافظة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، ومن أجل الحصول على أفضل تنسيق بين العاملات في الدعوة في مختلف محافظات كوسوفا وبأعلى درجات الاحتراف، فقد عقدنا عددا من الدورات التدريبية والندوات المتخصصة على مستوى كوسوفا، وكذلك على مستوى كل محافظة على حدة. وبهذا أصبح التواصل والتنسيق بين معلمات كل محافظة على حدة عال للغاية، كما أن التواصل والتعاون بين المحافظات وإدارة القسم في العاصمة وثيق ومستمر.
وبهذه الطريقة، التي جمعت بين نظام إداري سليم وتدريب متخصص احترافي، تمكنا مع جميع المعلمات من التغلب على التحديات التي كانت تواجهنا باستمرار، والتي لم تكن سهلة على الإطلاق في البداية، ليس هذا فحسب؛ بل استطعنا في كثير من الأحيان تحويل بعض هذه التحديات إلى فرص فتحت لنا آفاق واسعة في العمل الدعوي والمجتمعي كذلك. لكن، تبقى تطلعاتنا وآمالنا أعلى بكثير مما تم تحقيقه حتى اليوم، ونحن ممتنون لكل من ساهم في تحقيق النجاح الذي نراه حتى الآن!
وأضيق هنا، أننا من حين لآخر، نعقد اجتماعات دورية لتقييم أعمالنا بقسم المرأة المركزي في العاصمة بريشتينا، حيث نكشف عن الإنجازات، ونتبادل الأفكار، ونعرض المشاريع المستقبلية. وفي هذه الاجتماعات المركزية لجميع المعلمات في المحافظات المختلفة، غالبًا ما يحضر مفتي جمهورية كوسوفا بنفسه، أو رئيس الأئمة المسؤول عن الشؤون الدينية، كحافز ودعم للعمل الذي نقوم به. مثال ذلك اجتماع ختام أنشطة قسم المرأة الذي عقدناه في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2022م، فقد حضره المفتي ورئيس الأئمة بالمشيخة وعدد كبير من معلمات كوسوفا.
ومن الطبيعي، أن يكون أحد أهم مواسم أنشطتنا الدعوية وبرامجنا التعليمية هو موسم شهر رمضان، حيث نعد له العديد من البرامج والفعاليات أكثر كثافة من أي شهر للحصول على أفضل نتائج ممكنة.
ـ دار نقاش في كوسوفو حول الصلاة في المسجد أم البيت للنساء، وهناك توجه لتدريب النساء كداعيات في المساجد ويرى بعض الباحثين أن ذلك التوجه هو تقليد عثماني قديم في البلقان، كيف ترون ذلك؟
الواقع أنه لا جدال عندنا حول ما إذا كان ينبغي للمرأة أن تحضر إلى المساجد للصلاة أم لا، لأنها حرة في هذا الصدد بموجب الحديث الشريف الذي نهى الرجال أن يمنعن النساء من أداء الصلوات في المساجد، فبعض النساء يشاركن في أداء صلاة التراويح في المسجد مثل الرجال، في حين أن البعض الآخر يخترن أن يأدين هذه الصلاة في منازلهن.
أما بالنسبة لتدريب النساء كداعيات ومعلمات في المساجد والكتاتيب وأماكن أخرى مخصصة للتعليم، فهي ليست قضية جديدة في بلدنا، فقد كانت هناك داعيات ومعلمات في العصر العثماني أيضا، ولكن بالتأكيد أقل في العدد، على الرغم من وجود العديد من الطلاب المهتمين.
أنا شخصيا أرى دور المرأة في تربية الأجيال الجديدة على تعاليم ديننا ضروريا للغاية، فهي أقدر وأصبر وأحلم من الرجال في هذا الشأن، وهو الشكل الأفضل للحفاظ على القيم الأخلاقية والمجتمعية التي تعزز الإيمان بالله في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.
ـ في كوسوفو تبدو الهوية الدينية محل نقاش واسع، فهناك إرث عقود من الحكم الشيوعي المتشدد، وغالبية من السكان الألبان المسلمون، وهناك أيضا إرث حرب التسعينات الدامية، كيف ترى تأثير كل ذلك على المجتمع الكوسوفي المعاصر؟
بشكل عام، الشعب الألباني في دول غرب البلقان، سواء في كوسوفا أو ألبانيا أو مقدونيا وغيرها، مجتمع يحافظ بغيرة على هويته الدينية وهويته الوطنية بشكل لا ينفصل أحدهما عن الآخر.
ولكن هناك بعض الدوائر ذات الجذور الشيوعية أو المتأثرة بمصالح مختلفة تحاول عمدا الفصل بين الهويتين ويضعن الهوية الوطنية مقابلا للهوية الدينية، وبالتالي يساهمون في تشكيل مفهوم خاطئ تجاه الدين الإسلامي يعزز من اتجاه الإسلاموفوبيا في بلادنا.
وتأثرًا بهذا النهج، نجد بعض مؤسساتنا الوطنية لم تتمكن بعد من تحقيق الحريات الدينية على الشكل المطلوب، لتشكل واقعًا مختلفًا عما هو مكتوب في التشريعات والدستور المحلي، الذي يحمي حق حرية الاعتقاد وحق الممارسة الدينية.
ومن الأمثلة على ذلك منع يعض الفتيات المحجبات من الالتحاق ببعض المدارس الثانوية بسبب الحجاب؛ وعدم توظيف النساء المؤهلات في المؤسسات العامة بسبب الحجاب أيضا ما يمثل عائقا أمام مبدأ التساوي في الفرص.
ـ نود نبذة تعريفية بقسم المرأة.. متى تأسس؟ وما هي المهام التي يقوم بها؟
افتتح قسم المرأة بالمشيخة الإسلامية في كوسوفا لأول مرة في تاريخ هذه المؤسسة في عام 2005م، بجهود مباركة لنبذة من الناشطات المبرزات على رأسهن الأستاذة الفاضلة بيسا إسماعيلي، وهو موجّه للتعليم الإسلامي للفتيات والنساء في كوسوفا والتنسيق مع مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني حول القضايا ذات الاهتمام المشترك كالعنف الأسري وغيرها.
وافق العام (2015) عودتي لكوسوفا، بعد انتهاء دراستي الجامعية بالأردن، وقد حرصت على تقديم مساهمتي العلمية لنساء وفتيات بلدي.
في البداية شاركت في أنشطة القسم وبرامجه المختلفة بمحاضرات علمية وعروض تقديمية حول أهمية تعزيز الإيمان بالله وضرورة تعلم التلاوة الصحيحة للقرآن الكريم وتناولت كذلك القيم التي يتضمنها القرآن، مع التركيز بشكل خاص على الموضوعات المتعلقة بالمرأة والأسرة والمجتمع.
وفي شهر رمضان المبارك من عام 2016م، قررت المشيخة الإسلامية فتح قسم للمرأة في محافظة جاكوفا، بجنوب البلاد، بهدف رئيسي واضح وهو: رفع المستوى المعرفي الديني للنساء والفتيات، وكذلك تنظيم الأنشطة الدينية النسائية في المحافظة.
ـ في السنوات الماضية، تطورت مشاركة المرأة المسلمة في المجتمع الكوسوفي بشكل غير مسبوق.. وذلك في مختلف المجالات – برأيكم ما هي العوامل التي ساهمت وساعدت على هذا النجاح في المشاركة؟
بعد رحيل المحتل الصربي عن كوسوفا في عام 1999، وعلى الرغم من التداعيات الأليمة والصعبة لآثار هذه الحرب المدمرة التي شنتها صربيا على كوسوفا؛ فقد بدأت حقبة جديدة للمجتمع الكوسوفي بشكل عام، وبشكل خاص للمرأة الكوسوفية فيما يتعلق بعملية دمجها في المجتمع بقدر أكبر مما كانت عليه في السابق خلال حقبة الاحتلال الصربي، سواء في التعليم أو في المؤسسات المهنية في مختلف مجالات العمل.
وعلى الرغم من العقبات التي واجهها المجتمع الكوسوفي في المرحلة الانتقالية، فإن الدعم المؤسسي للمرأة الكوسوفية شهد تصاعدا، وعلى مستوى المرأة المسلمة كذلك كان يتزايد الدعم من جانب المشيخة الإسلامية في كوسوفا.
هذا الدعم المؤسسي من قبل المشيخة الإسلامية في كوسوفا أعطى ثماره، لذلك اليوم أن عدد معلمات وناشطات قسم المرأة تجاوز (100) امرأة، وكل واحدة منهن تساهم بكل قدراتها العلمية في تقديم تعليم إسلامي جيد قدر الإمكان للنساء والفتيات في كوسوفا، كذلك تلعب المعلمات أيضًا دورًا مجتمعيُا في حل مشكلات المجتمع وتقليل الظواهر السلبية قدر المستطاع، هذا بجانب الدور الدعوي لكي يكون المجتمع أكثر تعلقًا بالله وتوجيهات الإسلام.
ـ ومن ناحية أخرى، كيف ترون وتقيمون دور المرأة الحالي؟
دور المرأة الحالي يدعو للأمل، ويشير إلى أن الأوضاع في تحسن مستمر، ولكن مع هذا، لا بد من تضامن الجهود المؤسساتية لتمكين المرأة أكثر في تقديم مساهمتها المجتمعية في الحياة العامة بكوسوفا وفي جميع المجالات. وهذه عملية مستمرة متواصلة لا تتوقف عند حد أو مستوى معين.
ـ ومن وجهة نظركم.. ما هي أبرز العقبات أو التحديات التي تواجه المرأة المسلمة أثناء مشاركتها المجتمعية في المجالات المختلفة؟
على الرغم من التغييرات الايجابية التي تحققت في مجال تعليم وتوظيف المرأة الكوسوفية، وتحريرها من القيود المجتمعية التي تحول بينها بين أداء دورها المنشود؛ إلى أن المجتمع الكوسوفي المعاصر فشل حتى اليوم في تمكين المرأة بما يكفي لتقديم مساهمتها في الحياة العامة.
هذا الفشل راجع للعديد من العوامل الاجتماعية والسياسية، وربما لأسباب تتعلق بالتنمية والبطالة والجهل، وبعض التقاليد التي تمس حق المرأة وتجبرها على السكوت عن حقوقها، وكذلك عدم وجود ثقافة تفسح المجال للآخر بالقدر الذي يفسح المجال لنفسه.
بالإضافة إلى كل هذه العقبات، لا تزال النساء والفتيات المسلمات في بعض الأماكن بكوسوفا يواجهن التمييز في التعليم والتوظيف بسبب غطاء الرأس لارتداء الحجاب، على الرغم من الإطار القانوني الذي يضمن الحق في الاعتقاد والممارسة الدينية بحرية.
ـ ما هي أبرز النجاحات التي حققتها المرأة المسلمة في كوسوفا من خلال مشاركتها المجتمعية؟
أبرز نجاح حققته المرأة الكوسوفية يتمثل في كسر الحاجز الاجتماعي المتعلق بالنمط السائد حول دورها في المجتمع، واستطاعت تبوء العديد من المراكز المتقدمة في مجالات مختلفة ونجحت في توظيف القيم والمبادئ التي تحملها في حيزها الوظيفي ونطاقها المجتمعي لصالحها ولصالح المجتمع بأثره.
فالمرأة المسلمة في كوسوفا اليوم نائبة في البرلمان، ومحامية، وشرطية، وأستاذة جامعية، ومديرة مدرسة، وصاحبة أعمال تجارية، إلى غير ذلك من الأعمال. كل هذا يدل على أنه لا ينبغي للمرأة بأي حال من الأحوال الابتعاد عن دورها الاجتماعي الهام وعن الأنشطة التي تخلق فيها كنز الخبرة والمعرفة في صنع القرار والتخطيط الاجتماعي؛ لأن ذلك يتناقض مع تعاليم القرآن الكريم الذي يحث الجميع على السواء لتقديم العمل الصالح.
ـ يُقال إن إحدى الركائز الأساسية لدولة كوسوفو منذ إعلان استقلالها في عام 2008 هي العلمانية لكن هذا المفهوم يخضع للنقاش والحوار والجدل المستمر، كيف ترون ذلك؟
نعم، علمانية الدولة واضحة في دستورها، فجمهورية كوسوفا دولة علمانية وهي محايدة في شؤون المعتقدات الدينية، وإنما النقاش والجدل المستمر يكون حول ما يتضمن هذا المبدأ وعن أحسن التجارب العلمانية التي تتناسب مع الدور الذي يراه المجتمع الكوسوفي للدين في المجال العام.
فنحن نرفض قمع حرية المرأة في ارتداء الحجاب بحجة علمانية الدولة؛ إذ هذا يخرج من نطاق مدلولها المتعلق عموما بمصدر التشريع وفصل السلطات، ويتدخل في معتقدات الناس وممارساتهم الدينية.
ـ كيف ينظر المجتمع الكوسوفي لهذه النقاشات حول العلمانية والحرية الدينية؟
النقاشات الدائرة حول العلمانية والحرية الدينية تتعلّق بما إذا كانت العلمانية كمبدأ دستوري تتكامل مع الحرّيات الدّينية أم أنها تتعارض معها، بمعنى هل أصبح المبدأ العلماني منافساً للحريات الدينية بدل أن يكون ضامناً لها. فينظر إليه من حيث التأسيس الدستوري والتنظيم القانوني، ومن حيث المحاولاتُ القائمة في التوفيق بين المبدأين على مستوى التطبيق القانوني.
ـ هل ترين أن هناك نمط إسلامي شرق أوروبي أو بلقاني مميز، خاصة وتاريخ هذه المنطقة منذ أواخر الفترة العثمانية وما بعدها وحتى التسعينات له خصوصية مختلفة عن المجتمعات المسلمة الأخرى؟
قد يكون لدينا نوع خصوصية مختلفة عن المجتمعات المسلمة الأخرى، وبسببها قد نختلف في الطرح وفي الممارسة بموجب واقعنا الذي يملي علينا أننا أوروبيون أصليون في اللغة والثقافة والجغرافيا، ولسنا مهاجرون من بلاد أخرى، مع أننا في آن ذاته مسلمون من حيث المعتقد والحضارة والتاريخ. لذا؛ الناس يجمعون بين حبهم للدين الإسلامي وحبهم للثقافة الأوروبية؛ إذ كلا منهما يعتبرهما من هويته.