مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
رفضت محكمة ولاية هيسن الألمانية طلب امرأة مسلمة للالتحاق بسلك القضاء بعد تمسكها بارتداء الحجاب أثناء جلسات المحكمة، معتبرة أن الرموز الدينية تتعارض مع مبدأ الحياد الأيديولوجي والديني الذي يجب أن يلتزم به القضاة والمدعون العامون.
وتبقى أمام المدعية إمكانية الاستئناف والطعن في القرار، وسط جدل واسع حول حدود الحرية الدينية ومتطلبات الدولة المحايدة، وفقًا لتقرير خالد سلامة المنشور على دويتشه فيله DW العربية بتاريخ 3 ديسمبر الجاري.
مبدأ الحياد الديني-الإيديولوجي
لا يوجد حظر عام لارتداء الحجاب في ألمانيا، إلا أن “قانون الحياد الديني-الإيديولوجي” الذي دخل حيز التنفيذ عام 2005 يحظر على موظفي الدولة ارتداء رموز دينية أو أيديولوجية مثل الحجاب والصلبان والكيباه (القبعة اليهودية) أثناء أداء مهامهم. ورأت المحكمة أن مبدأ الحياد مقدم على الحرية الدينية، مؤكدة أن الحكم يسري على جلسات المحكمة فقط.
سبق لمحكمة العدل الأوروبية أن أيدت إمكانية منع الموظفات في المؤسسات الحكومية من ارتداء الرموز الدينية، معتبرة أن سياسة الحياد الصارم قد تكون مبررة لضمان بيئة إدارية محايدة. ورغم ذلك، تختلف الدول الأوروبية في تطبيق هذا المبدأ؛ إذ حظرت ثماني دول الحجاب جزئيًا أو كليًا في وظائف محددة، بينما لم تُناقش ست دول الأمر بعد.
في ألمانيا، يشمل شرط الحياد الوظائف الحكومية الحساسة مثل القضاء والشرطة، بينما تأتي الحرية الدينية في قطاع التعليم قبل الحياد، ويحق للقطاع الخاص فرض صورة محايدة على موظفيه.
يشير المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا إلى أن الحكم يفرض على المرأة المسلمة الاختيار بين قناعاتها الدينية ومسيرتها المهنية، مؤكدًا أن التعددية الدينية لا تتعارض مع الحياد بل تجعل تطبيقه أكثر عدلًا وواقعية.
تطبيق القانون واختلاف الولايات
القانون الألماني يطبق مبدأ الحياد على جميع الرموز الدينية والأيديولوجية، سواء الحجاب أو الصليب أو الكيبا، ويختلف التطبيق بين الولايات؛ فهامبورغ تمنع الرموز الدينية في المدارس، بينما سمحت برلين للمتدربين بارتداء الرموز ضمن ضوابط محددة. رغم ذلك، تشير منظمات حقوقية إلى تعرض النساء المحجبات للتمييز في سوق العمل.
أوضح خبير الشؤون القانونية أن منع التعيين في قاعات المحكمة ليس تمييزًا، بل تطبيق لمبدأ حيادية الدولة الذي يتقدم على الحرية الدينية في الوظائف الحساسة، وهو ما أكدته محاكم هيسن والمحكمة الدستورية الاتحادية.
ويشمل منع الرموز الدينية جميع الأديان لضمان حياد الموظفين أمام الجمهور، ما يفسر رفض تعيين السيدة المحجبة في سلك القضاء وفقًا لنفس المصدر.
التمييز المهني ضد المحجبات وتحديات الحرية الدينية في أوروبا
تُشير التوجهات القضائية مثل قرار محكمة ولاية هيسن إلى استمرار التحديات التي تواجه النساء المسلمات المحجبات في سوق العمل الأوروبي، حيث يُجبرن أحيانًا على الاختيار بين قناعاتهن الدينية ومسارهن المهني. ويبرز هذا التمييز بشكل خاص في الوظائف الحكومية الحساسة التي يُفرض فيها مبدأ الحياد الديني، ما يخلق حالة من التضييق على الحريات الدينية والحقوق المدنية للمواطنين المسلمين في أوروبا.
ومع أن القوانين الأوروبية تؤكد على حماية التعددية الدينية والمساواة بين المواطنين، فإن التطبيق العملي لهذه الحقوق لا يزال يواجه عراقيل، ما يستدعي جهودًا لتوحيد السياسات وضمان بيئة عمل عادلة ومحايدة تحترم القيم الدينية وتكفل المساواة لجميع المواطنين.