“مع عودة المسلمين إلى دينهم في روسيا.. أضحت الأولوية الآن للعمل الفكري والتوجيهي”..
أجرى الحوار: هاني صلاح /
بهذه الكلمات أكد الشيخ د. وسام البردويل، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا، بأن مرحلة التركيز على إعادة الهوية لمسلمي روسيا في مرحلة ما بعد سقوط الشيوعية قد انتهت وبدأت مرحلة جديدة تركز على خلق الوعي خاصة في أوساط الجيل الجديد من أبناء المسلمين والذين لم يعايشوا فترة الشيوعية والإلحاد.
وأشار د. البردويل، خلال حواره مع “المجتمع” إلى أنهم مهتمون بـ”تقديم مادة فكرية وعلمية إسلامية متخصصة تراعي فقه الأولويات والأقليات والمقاصد”، وذلك بهدف بناء تواجد إسلامي راسخ في روسيا على أسس واعية وقوية.
وفي هذا الحوار الذي ركز على أولويات المجتمع المسلم في روسيا، تم التطرق كذلك إلى التحديات التي تواجه هذا التواجد مع إلقاء الضوء على أبرز الإنجازات التي تحققت على درب ترسيخ التواجد الإسلامي في روسيا، ثم أهم التوصيات المستقبلية للحفاظ على هذا التواجد الإسلامي وتطويره.
في بداية حوارنا، نود نبذة تعريفية عنكم لجمهور “المجتمع”.
– اسمي وسام البردويل، عربي فلسطيني ولدت في ليبيا، وأنهيت المدرسة هناك، ثم انتقلت لروسيا لدراسة الطب منذ ٢٥ سنة.
بعد الانتهاء من الدراسة تفرغت للعمل الدعوي، وأنهيت الدراسة في كلية الشريعة في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بالمراسلة.
شغلت منصب مفتي جمهورية كاريليا (إحدى المقاطعات الروسية) لمدة ١٥ عاماً، ثم 3 سنوات أخرى مفتياً لمحافظة مورمانسك.
حالياً أعمل كإمام خطيب في مسجد بوتوفا في مدينة موسكو، ومستشار لرئيس مجلس المفتين لروسا للعلاقات الدولية، ورئيساً لاتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا، متزوج ولي 6 أولاد.
من خلال تواجدكم في روسيا لنحو ربع قرن، كيف تصفونها للقارئ العربي؟
– روسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة،، وهى دولة أوروآسيوية، حيث تمتد في عمق القارتين الأوروبية والآسيوية.
عدد سكانها حوالي 145 مليون نسمة، وسكانها ينتمون لأكثر من 100 عرقية، ويتحدثون بلغات مختلفة، ويعتنقون أدياناً متنوعة، لكن الأغلبية للعرق الروسي السلافي (أكثر من 70%).
وروسيا دولة اتحادية (فيدرالية)، حيث يوجد فيها جمهوريات ذات حكم ذاتي يسكنها عرقيات هم من سكانها الأصليين منذ قرون طويلة.
لذا القوانين في روسيا المعاصرة تحافظ على اللغات والعادات لكافة الشعوب التي تعيش في أنحائها.
ماذا عن مسلمي روسيا الاتحادية، هل من إطلالة على واقعهم الاجتماعي وخريطتهم العرقية والجغرافية؟
– المسلمون في روسيا يصل عددهم إلى ٢٥ مليون نسمة حسب تقديرات رسمية، ولكنها فعلياً أكثر من ذلك بكثير، والمسلمون في أغلبهم هم من سكان هذه الأرض الأصليين، وينتمون إلى عرقيات مختلفة، ويتكلمون بعشرات اللغات المختلفة.
وجزء من مسلمي روسيا يقطنون في جمهوريات مسلمة قومية ذات حكم ذاتي وهي: جمهورية تتارستان، وجمهورية بشكيرتوستان، وجمهورية داغستان، والجمهورية الشيشانية، وجمهورية أنجوشيتيا، وجمهورية قباردينيا بلقاريا، وجمهورية كاراتشاي شركيسيا، وجمهورية أديغيا.
كما يتواجدون بأعداد كبيرة في مختلف الجمهوريات والمحافظات والمدن الروسية، وفي العاصمة الروسية موسكو يصل عددهم إلى أكثر من مليونين نسمة.
ويوجد ملايين العمال الأجانب والذين يخدمون في مجالات مختلفة، وهم من الجمهوريات السوفييتية السابقة المسلمة، مثل طاجكستان، وأوزبكستان، وقرغيزيا، وأذربيجان، وغيرهم، أما الجالية العربية فهي ليست كبيرة مقارنة بهم وأغلبهم من الطلاب.
وميزة وضع المسلمين هنا في روسيا أن أغلبيتهم من أهل البلد، ويقيمون هنا منذ قرون حتى قبل ظهور الدولة الروسية نفسها، ودخل الإسلام إلى هذه الأراضي قبل أن يعتنق الروس المسيحية؛ أي أن الإسلام أقدم من المسيحية في روسيا.
والمسلمون مندمجون في المجتمع؛ فتجد منهم الوزراء والنواب والقضاة والجنرالات وغيرها من المناصب والمجالات وبشكل عام وضعهم الاجتماعي والاقتصادي لا يختلف كثيراً عن بقية مكونات الشعب الروسي.
بصفتكم أحد قيادات العمل الإسلامي في روسيا، ما أبرز أولوياتكم في العمل الدعوي والمجتمعي فيما يتعلق بملف ترسيخ التواجد الإسلامي في روسيا؟
– في التسعينيات من القرن العشرين بعد انتهاء الحقبة الشيوعية كانت أولوياتنا تنصب في إعادة الهوية الإسلامية لعشرات الملايين من المسلمين، التي تضررت بسبب الحكم الشيوعي الملحد المعادي للدين لمدة استمرت لأكثر من 70 عاماً، دمرت خلالها أغلب المساجد والمدارس الإسلامية، وحرقت كل الكتب والمصاحف، وأعدم الآلاف من الأئمة والعلماء، وتربت أجيال من المسلمين لم يبقَ من دينها إلا الاسم وبعض التقاليد والعادات.
لذلك، كنا مهتمين في بداية مرحلة الانفتاح وعودة الحريات الدينية بعلاج الجهل بالإسلام، وفقدان الهوية عند المسلم الروسي، وكانت أولوياتنا بناء المساجد، وترجمة وطباعة الكتب الإسلامية، وفتح المدارس الدينية لمختلف الأعمار، وإعداد الأئمة والدعاة المتحدثين بلغة البلد، وغيرها من المشاريع الدعوية والتعليمية والتي أتت بنتائج عظيمة حتى اليوم والحمد لله.
ولقياس مدى التطور الذي حدث في الحياة الإسلامية داخل روسيا خلال هذه المرحلة، يمكننا على سبيل المثال لا الحصر، النظر لعدد المساجد، فقد كان عدد المساجد في كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي لا يتجاوز 200 مسجد، بينما خلال العشرين سنة -بعد تفككه لـ15 جمهورية من بينها روسيا المعاصرة- تم بناء وافتتاح أكثر من 8 آلاف مسجد في روسيا وحدها فقط.
أما الآن فالأولوية للعمل الفكري والتوجيهي، فمع عودة المسلمين إلى دينهم اصطدموا بالصراعات المذهبية والفكرية والسياسية، وانخرطوا فيها دون علم، وكانت حرب القوقاز التي أودت بحياة أكثر من 100 ألف مسلم نتيجة تراجيدية لهذا التحدي.
لذا فنحن نهتم بتقديم مادة فكرية وعلمية إسلامية متخصصة تراعي فقه الأولويات والأقليات والمقاصد، ونهتم بالجيل الصاعد الذي لم يعش الإلحاد والانفصام في الهوية لعله يبني وجوداً للإسلام ذي أسس واعية وقوية.
أيضاً نهتم بتوفير البيئة المناسبة للنمو بتقليل الهجوم العدواني للإعلام المعادي للإسلام ومن قبل بعض السياسيين والمثقفين، وذلك بالتفاعل والاندماج الإيجابي في المجتمع الروسي والتأثير عليه باستخدام أحدث الطرق والأساليب.
ماذا عن التحديات والعقبات التي تواجهكم؟
– التحديات كبيرة بلا شك، ولكن أبرزها ثلاثة:
تحديات قانونية: تتعلق بالدولة وقوانينها وموظفيها حيث تسن القوانين التي تزيد من صعوبة العمل، بالإضافة لتعنت بعض المسؤولين أيضاً وهو ما يضاعف من هذه الصعوبات.
تحديات إعلامية: حيث تهاجم بعض وسائل الإعلام الروسية بشراسة في بعض الأحيان الإسلام والمسلمين، وكما هو معلوم لها تأثير سلبي خطير على تشكيل الرأي العام الروسي ونظرته للإسلام والمسلمين.
تحديات من داخل المسلمين: حيث ضعف المسلمين، وتفرقهم، وانتشار الجهل بينهم، وكل هذا يفاقم من الأزمات التي يعيشونها.
من وجهة نظركم، ما أهم الإنجازات التي تحققت بالفعل حتى اليوم؟
– الإنجازات واضحة للعيان والحمد لله، فنحن نرى عدداً لا بأس به من المدارس والمعاهد والجامعات الإسلامية في مختلف محافظات روسيا، ووجود إسلامي متزايد في وسائل الإعلام، واستخدام فعال لوسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار المادة العلمية الإسلامية المفيدة باللغة الروسية، كما أن أغلب الملتزمين من المسلمين هم من شريحة الشباب، بالإضافة لذلك فهناك دور متنامي للنساء المسلمات، وهذه فقط البداية؛ فالعمل كثير والدرب طويل والمهم هو الاستمرار.
لترسيخ التواجد الإسلامي بشكل إيجابي فعال في روسيا المعاصر، ما أبرز توصياتكم المستقبلية؟
– من الأهمية بمكان أن نولي عناية خاصة بالجيل الجديد من أبناء المسلمين في روسيا؛ بحيث يكون واعياً دينياً، وبذلك يكون محمياً من الأفكار الهدامة والمتطرفة ويكون ملتزماً فخوراً بدينه، ولا يعاني من عقدة نقص أمام الآخرين، ويكون في نفس الوقت فاهماً لواقعه، ومؤثر فيه، وغير منعزل عن المجتمع؛ بل موجه له، وهذا يتم بتطوير أساليب الدعوة والتعليم والتربية الإسلامية وضخ كل الموارد المادية والبشرية المطلوبة في هذا المسار.