“نحن واثقون ـ لحين إيجاد حل لمشكلتنا ـ أنه لن تكون هناك علاقات حسنة بين ألبانيا واليونان … بل لن يكون هناك سلام في البلقان”!
بهذه الكلمات، ختمت مؤسسة “تشاميرية” ـ التي تأسست للتعريف بقضية الشعب التشامي والدفاع عن حقوقه المدنية ـ المذكِّرة التي رفعتها للحكومة الألبانية في تيرانا والمنظمات الدولية، وبها تكون قد لفتت الأنظار الدولية لخطورة استمرار مسلسل اضطهاد الأقلية الألبانية في اليونان، وهضم حقوقها.
وهنا نعود للوراء قليلًا، لنعرض صفحات من تاريخ شعب مسلمٍ أبَيٍّ تعرَّض لأسوأ حملات تطهير عرقي في أوروبا وأطولها خلال القرن العشرين، كما تعرضت هويته وثقافته لأبشع حملات التدمير والتغيير في ظل الصمت الأوروبي والدولي.
الموقع الجغرافي
إقليم تشاميرية يمثل الجزء الجنوبي من الأراضي الألبانية التي ضمت لليونان في عام 1913م، ويقع حاليًّا في الشمال الغربي منها، ويتميَّز بموقع جمالي خلاب، وبخيراته الوفيرة؛ حيث كان أهله يتميزون بالثراء مقارنة باليونانيين، ويُعرِّف الألبان مَنْ كان من هذه المنطقة باسم “تشام”، والمأخوذة من كلمة (Chaim)وهو اسم لنهر قديم كان يمرُّ وسط الأراضي التشاميرية، ويُستدل عليه الآن من خلال الكثير من الخرائط الرومانية واليونانية القديمة.
كما أن للشعب التشامي تاريخًا وتراثًا عظيمًا هو جزء من التاريخ والتراث الألباني، الذي حاولت اليونان مسحه من أذهان الأجيال المتعاقبة على مدار أكثر من تسعة عقود منذ اختطافها إقليمَ “تشاميرية” من أحضان ألبانيا؛ لتبدأ فصول محنة شعب فُصل بغير حق عن دولته الأم، وعن إخوةٍ له في العِرق والدين واللغة، ثم تصادر أمواله وممتلكاته، ويُذبح أو يُطرد قسرًا من أرضه ليعيش لاجئًا في الدول المجاورة، إلا أنه لم يفقد الأمل في العودة إلى بيته وأرضه يومًا ما، وصدق القائل: “ما ضاع حق وراءه مُطالب”.
خلفية تاريخية
بدأت المخاطر والأطماع الإقليمية تتجه نحو الأراضي الألبانية خلال القرن التاسع عشر الميلادي، فمع استمرار ضعف الخلافة العثمانية، وبدء فقدانها لكثير من البلاد والأقاليم التابعة لها في منطقة البلقان، لاح في الأُفق ظهور دول وقوًى سياسية جديدة في المنطقة بدأت في التوسُّع التدريجي على حساب ممتلكات “الرجل المريض”، تساعدها في ذلك الدول والقوى العُظمى المجاورة في حدودها لمنطقة البلقان في ذلك الوقت، متمثلة في روسيا من جهة الشرق والشمال الشرقي، والنمسا من جهة الغرب والشمال الغربي، إضافة لباقي القوى العظمى مثل: ألمانيا، وبريطانيا التي كانت لها مصلحة في تفتيت الأراضي التابعة للدولة العثمانية في أوروبا ومنطقة البلقان، بحيث تقوم على أنقاضها دول متوازية في القوة، حتى لا تشكل خطرًا مرة أخرى على أوروبا، بعد زوال الخطر العثماني الذي أقلق الأوروبيين لقرون عدة؛ الأمر الذي يفسر تعاون روسيا مع النمسا في تقسيم الممتلكات العثمانية، بحيث “تولت النمسا إثارة الشعوب البلقانية باسم مبدأ القوميات؛ لأنها دول كاثوليكية لا تستطيع أن تهيج شعوب البلقان الأرثوذكسية باسم الدين، بينما تولت روسيا العمل في جبهة البلقان باسم الدين، فالمنطقة بصفة عامة أرثوذكسية.. والروس هم ورثة الكرسي في روما الثالثة.. موسكو”، وهذا الأمر ذاته الذي يفسر دخول بريطانيا العظمى في موضوع التقسيم، وتعاونها مع النمسا لتحجيم الدور الروسي في البلقان الممتد عبر صربيا؛ خوفًا من قيام إمبراطورية أرثوذكسية سلافية على أنقاض الخلافة العثمانية.
ومع ظهور الدول والقوى السياسية الجديدة، ظهرت معها فكرةٌ أُطلِق عليها مصطلح “الكبرى”، ففي اليونان ومع بدايات عام 1844م، أعلن رئيس الوزراء “ياني كولتي” رسميًّا عن مشروعه السياسي التوسعي لتكوين ما أطلق عليه “اليونان الكبرى”؛ حيث يَعتبر أن اليونان هي الوريث الشرعي للإمبراطورية البيزنطية، وعلى ذلك لا بُدَّ من أن تتحول اليونان لدولةٍ كبرى– كما كانت في الماضي – عاصمتها إسطنبول “روما الثانية” نفسها، وتشمل حدودها الأراضي اليونانية وجميع الأراضي الأخرى، ومن ضمنها جميع الأراضي الألبانية، التي كان سكانها يدينون في الماضي بالمذهب الأرثوذكسي، ويتبعون البطريركية الأرثوذكسية في إسطنبول قبل قدوم العثمانيين إليها.
وفي عام 1860م، تم تغيير في هذا المشروع – لعدم واقعيته – وتراجعت أطماع اليونانيين بعض الشيء في الأراضي الألبانية حتى نهر “فيوسا”، الذي يقطع مدن جنوب ألبانيا الحالية.
كيف نشأت المشكلة
بدأت المشكلة في عام 1913م، حين انعقد في لندن مؤتمر سفراء الدول العظمى وقرروا تقسيم أراضي دولة ألبانيا – التي كانت قد استقلت عن تركيا حديثًا في 28 نوفمبر 1912م – حيث اقتطع أكثر من نصف هذه الأراضي الألبانية لمصلحة الدول المجاورة لها، وقد ضُم إقليم “تشاميرية” الذي يقع جنوب ألبانيا إلى اليونان، وتحقق بذلك حلم طالما تمناه السياسيون اليونانيون، ولكنهم أرادوا أرضًا بلا شعب، أو شعبًا يخلع عن نفسه هويته، ويتنصل من تراثه وتاريخه؛ ليحمل مقابل ذلك الهوية اليونانية والثقافة الهيلينية، ويكون مستعدًّا ليقوم بدور العبيد لتأسيس الإمبراطورية “المزعومة” اليونانية من جديد.
ومنذ ذلك الوقت، بدأت الحملات المنظمة ضد الشعب التشامي الألباني؛ فعشرات الآلاف تمَّ ترحيلهم وتهجيرهم عن أراضيهم عن طريق السلطات اليونانية خلال الفترة من 1913 حتى 1944م؛ حيث استخدمت جميع الوسائل لترهيب السكان وإجبارهم على الرحيل من أراضيهم من قبل العصابات اليونانية المنظمة، التي كانت تعمل بتنسيق مع الجيش والشرطة اليونانية.
أما الحكومة اليونانية والمسئولون اليونانيون، فقد كان لهم الدور “المدني” في تغيير الهوية الإسلامية الألبانية لهذا الشعب، الذي وضعته الأقدار تحت تصرف أشد الحكومات الأوروبية عنصرية خلال القرن العشرين، باعتراف كثير من الأوساط السياسية الأوروبية نفسها.
وقد وصف تقرير لوزارة الخارجية التركية هذه السياسة بالقول: “في الوقت الذي كانت سياسة اليونان تتجه نحو التهجير الإجباري، والطرد الجماعي لألبان الإقليم من المسلمين فقط، أو القيام بقتل مَن يرفض ذلك وذبحه، كانت تتجه نحو تغيير الثقافة واللغة للألبان الأرثوذكس؛ لكي يصبحوا يونانيي الثقافة، ومنفصلين عن تاريخهم وتراثهم الألباني”.
هذا ما حدث للألبان الأرثوذكس من أجل طمس هويتهم، وتدمير ثقافتهم، ولك أن تتصور ما حدث للمسلمين الألبان من سكان إقليم تشاميرية على يد النازيين اليونانيين.
فبعد أن بدأت السلطات اليونانية بتغيير أسماء المدن والقرى الألبانية، واستبدالها بأُخرى يونانية، قامت بفصل ألبان الإقليم من كل المناصب الرسمية والإدارية المهمة، وأصبح الطريق للحصول على فرصة تعليم، أو وظيفة حكومية، أو أي حقوق مدنية يمرُّ عبر الكنيسة أولًاـ باعتراف كثير من المؤرخين، ومنهم بعض اليونانيين أنفسهم ـ وتغيير الديانة ثانيًا، والأسماء ثالثًا، والتحدث فقط باللغة اليونانية، رابعًا … إلخ.
كما عمدت السلطات اليونانية إلى إثقال كواهل ألبان الإقليم بالضرائب الباهظة، والسعي المنظم لمصادرة كثير من الأراضي التابعة لهم، هذا بخلاف التهديدات المستمرة من قبل العصابات اليونانية المنظمة التي تقوم بالسطو المسلح على بيوت الألبان، وخطف رهائن منهم، وإطلاق سراحها بعد دفع المبالغ الطائلة التي تعجز عنها الأُسر البسيطة؛ مما دفع الكثيرين للاستسلام لمخطط التهجير وترك أراضيهم.
وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 85 ألفًا قد تم تهجيرهم خلال هذه الفترة تجاه الأراضي التركية وألبانيا؛ الدولة الأم للألبان.
وقد كانت نسبة الألبان في ذلك الوقت حوالي 93% من عدد سكان الإقليم التشاميري، والباقي ينحدر من أعراق يونانية، وأُخرى تنتسب إلى الشعب الغجري و”رومون”.
وخلال القرن التاسع عشر، كانت نسبة “المسلمين” من ألبان تشاميرية 80% و20% يتبعون المذهب “الأرثوذكسي”، وقد تغيَّرت هذه النسبة المئوية مع استمرار مسلسل التهجير، فقبيل الحرب العالمية الثانية، أصبحت هذه النسبة 50% للمسلمين الألبان، و50% للأرثوذكس الألبان، ولكن بعد الحرب العالمية وبدء مرحلة الإبادة الجماعية لسكان الإقليم، تغيرت النسبة مرة أخرى، وأصبحت نسبة المسلمين 13% من تعداد الشعب التشاميري، ومع مرور الوقت اضطرت القلة المتبقية من المسلمين تحت الضغوط الشديدة والتهديدات بالطرد والترحيل إلى تغيير دينها، وأسمائها الإسلامية، والامتناع عن التحدث بلغتها الأم.
وقد مرت محنة الشعب “التشامي” بمراحل متتالية، وكل مرحلة منها كانت أسوأ وأشد من سابقتها.
معاهدة لوزان وآثارها على الشعب الألباني
في 30/1/1923م، وقَّعت كل من تركيا واليونان معاهدة خاصة بينهما، عُرفت باسم معاهدة لوزان “الشهيرة”، حيث تضمنت بندًا ينصُّ على: “تبادل المواطنين من أصل تركي والمقيمين في اليونان مع المواطنين من أصل يوناني والمقيمين في هضبة الأناضول في تركيا”.
وقد استغلت اليونان هذه المعاهدة أسوأ استغلال لترحيل المسلمين (فقط) من ألبان إقليم تشاميرية على أنهم مسلمون أتراك، بينما قامت بتوطين اليونانيين القادمين من هضبة الأناضول في تركيا محلهم.
أما الألبان الأرثوذكس، فقد تم التركيز على محاولة إذابتهم في المجتمع اليوناني، وتغيير لغتهم وعاداتهم الألبانية، كما ذكرنا، إلى اليونانية.
وخلال الفترة من 1923م إلى 1925م، تم ترحيل أعداد كبيرة – تحت التهديدات بالقتل – من المسلمين الألبان إلى الأراضي التركية على أنهم أتراك؛ مما دفع سكان الإقليم للاحتجاج لدى المنظمات الدولية والحكومة الألبانية في تيرانا، وأرسلوا الكثير من الشكاوى إلى العواصم الأوروبية، التي قامت بإرسال لجنة تقصي حقائق برئاسة جنرال إيطالي، وبعد حوالي 8 شهور من عملها، قامت الحكومة اليونانية باغتيال اللجنة بالكامل، بمن فيهم الجنرال الإيطالي؛ الأمر الذي دفع الجيش الإيطالي لاحتلال الجزيرة “كيرا كيرا” اليونانية، وتوترت العلاقات بين الحكومتين؛ الأمر الذي قاد الحكومة التركية لإعلان وقف عمليات التبادل مع الحكومة اليونانية؛ لخرق اليونان بنود معاهدة لوزان.
أحداث 1944م وحرب الإبادة الجماعية على أيدي النازيين اليونانيين
وقد ظلت عمليات الترحيل والتهجير المنظم لألبان الإقليم تسير وفق معدلات متفاوتة صعودًا وهبوطًا، وبصور وأشكال مختلفة ومتعددة، حسب الظرف الدولي والمناخ الإقليمي بمنطقة البلقان، إلى أن وجدت العصاباتُ اليونانية المنظمة، وبالتعاون مع القوات الفاشستية اليونانية بقيادة الجنرال “نابليون زرفا”، الفرصةَ سانحةً للقيام بأكبر وأول حملات التطهير العرقي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، فقامت في 26/6/1944م، بمهاجمة القرى والمدن التشاميرية، وارتكبت الكثير من المذابح الجماعية للسكان المحليين؛ حيث وصلت ضحاياها إلى أكثر من (9000) قتيل، حسب الإحصاءات الرسمية؛ مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من ألبان الإقليم إلى ألبانيا تُقدَّر بأكثر من 30000 لاجئ.
وقد ارتكبت هذه القوات أفظع المذابح في حق مسلمي تشاميرية، فمع قتلها الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، قامت بالاعتداء على الكثير من النساء المسلمات، وتمَّ بقرُ بطون الحوامل منهن، وتدمير عدد من القرى تدميرًا كاملًا، وتسويتها بالأرض، وحرق آلاف البيوت، وهدم الكثير من المساجد في أعنف موجات التطهير العرقي في أوروبا، التي فاقت بكثير ما حدث لإخوتهم في إقليم كوسوفا على أيدي الصرب في مراحل متأخرة.
ومنذ ذلك الوقت، يقيم اللاجئون التشاميريون في ألبانيا؛ حيث يُقدر عددهم الآن بأكثر من (150000)، و(300000) في إحصاءات أخرى، وكلهم من المسلمين، ومن ناحية أخرى تُقدر أعداد الألبان التشام في اليونان بأكثر من (100000)، معظمهم من الأرثوذكس، وهؤلاء أيضًا لا يتمتعون بنفس حقوق اليونانيين من أصل البلاد، وغير مسموح لهم بالتحدث بلغتهم الألبانية خارج منازلهم، وإلا تعرضوا للمضايقات.
وتصر اليونان على إنكار أن شعب تشاميرية من الألبان، وتدَّعي أنهم يونانيون، الأمر الذي تكذبه جميع الوثائق التاريخية الموجودة لدى عدد من الحكومات؛ حيث كشفت إحصاءات السلطات التركية في عام 1910م، أن عدد سكان إقليم تشاميرية الألبان حوالي (83000) نسمة، وحسب الخرائط العسكرية البريطانية قبيل الحرب العالمية الثانية، فإن 75% من سكان إقليم تشاميرية هم من الألبان.
وبعد عام 1946م، طرحت الحكومة الألبانية في تيرانا مشكلة الإبادة الجماعية من قبل اليونان للشعب التشامي على مؤتمر السلام في باريس، وتم تشكيل لجنة تقصي الحقائق، والتي بدورها أقرت بوجود مذابح للألبان في اليونان، إلا أن الحكومة اليونانية لم تُعِرْ هذه اللجنة اهتمامًا، واستمرت في مسلسل التهجير والقتل، أو التذويب والتنصير داخل المتجمع اليوناني لمن بقي منهم، وقد لعبت الكنيسة دورًا خطيرًا في هذا المجال، واعتبرت أن كل أرثوذكسي “يوناني”، والعكس صحيح.
تم كل هذا على الرغم من توقيع اليونان على وثيقة تنصُّ على احترام حقوق الأقليات لديها من الأتراك والبلغار والألبان في عام 1920م، وفي 21 مايو الحالي، وجهت مؤسسة تشاميرية خطابًا إلى البرلمان الألباني.
الضغوط الإقليمية والدولية
أولًا: الدور التركي:
ترى الدبلوماسية التركية أنه لا بُدَّ من قيام المجموعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي بالضغط على الحكومة اليونانية؛ من أجل الاعتراف بمسئوليتها عن مشكلة الشعب الألباني التشاميري، والقيام بدفع التعويضات عن جميع الخسائر المادية التي لحقت به جراء المجازر المتتالية؛ ولذا تقدمت بالاقتراحات التالية بهدف إيجاد حل عادل لهذه القضية:
ـ عقد مؤتمر دولي تشارك فيه الحكومة الألبانية في تيرانا لإعادة الحقوق للأقلية الألبانية في اليونان، واعتراف اليونان باضطهادها لهذه الأقلية.
ـ الاعتراف بهوية الأقلية الألبانية المسلمة والأرثوذكسية في اليونان، كما تعترف ألبانيا بوجود أقلية يونانية لديها، وتتمتع بجميع حقوقها.
ـ تقديم تعويضات من الحكومة اليونانية لألبان تشاميرية مقابل الأراضي التي صودرت منهم.
ـ تشييد كنيسة أرثوذكسية مستقلة عن الكنيسة اليونانية لألبان الإقليم من الأرثوذكس كما تعهدت بذلك الحكومة اليونانية حين وقعت على معاهدة احترام حقوق الأقليات في عام 1920م (ولم تُنفذ حتى الآن).
ـ إعادة الألبان المهاجرين من تشاميرية منذ عام 1944م إلى أرضهم، ودفع تعويضات لهم عن الضرر الذي لحق بهم خلال 55 عامًا.
ـ إعادة الجنسية اليونانية لهم (لِمَا يترتب عليها من حقوق قانونية).
وفي 29/10/1994م، عُقد في أنقرة في تركيا مؤتمر دولي عن حقوق الأقليات في اليونان، وقد حضره ممثلون عن اليونان رفضوا الاعتراف بوجود أقلية ألبانية لديهم، وقد رد عليهم ممثل ألبانيا “شريف دلفينا”، الذي أحضر معه وثائق من أرشيف رئاسة الوزراء التركية.
ثانيًا: البرلمان الأوروبي:
كثير من الأوساط الأوروبية تعتقد أن اليونان هي البلد الأوروبي الوحيد الذي لا يعترف ولا يريد الإقرار بوجود أقليات عرقية لديه (خلاف الأقلية التركية)، وقد تقدم 6 من أعضاء البرلمان الأوروبي بمذكرة حول أوضاع الأقلية الألبانية في اليونان، وطالبوا بمعاملة الأقلية الألبانية في اليونان كما تُعامل الأقلية اليونانية في ألبانيا؛ حرصًا على توطيد العلاقات بين الدولتين الجارتين، وطالبوا بضرورة عودة ألبان تشاميرية والمهجرين قسرًا من قبل السلطات اليونانية إلى أراضيهم، ودفع التعويضات اللازمة لهم.
في عام 1987م، ذهبت لجنة من الاتحاد الأوروبي لتقصي أوضاع الأقلية الألبانية، والمنتشرة في حوالي 300 قرية ألبانية في إقليم تشاميرية في اليونان؛ بهدف زيارة المناطق التي تتحدث باللغة الألبانية، وتقييم سياسة الحكومة اليونانية تجاههم، ومدى ممارستهم لحقوقهم المدنية، وخاصة في مجال التعليم، وحول نظرة الحكومة والمسئولين اليونانيين إلى مسألة تدريس اللغة الألبانية للأقلية الألبانية في اليونان، وفي حوار لهذه اللجنة الأوروبية مع ممثل للحزب الديمقراطي الجديد، صرح بأنه: “لا حاجة لتدريس اللغة الألبانية في المدارس؛ لعدم وجود من يهتم بها”، وخلال لقاء لهم مع ممثل الحزب الاشتراكي، صرح الأخير بأن الشخص الذي لا يتحدث اللغة اليونانية لن يتمتع بالجنسية اليونانية، وأنكر أن تشاميرية أرض ألبانية استولت عليها اليونان.
أسباب تشدد الموقف اليوناني:
مشكلة التعصُّب اليوناني ضد الأقليات نابعة من كون اليونان دولة قامت حدودها على أجزاء من أراضي دول أخرى، مثل بلغاريا ومقدونيا وألبانيا، وفيها العديد من الأقليات كالتركية والألبانية والمقدونية والبلغارية، وفي سبيل الحفاظ على هذه الأراضي، قامت بطمس هوية هذه الأقليات، وهي تخشى في نهاية الأمر تفككها إذا نجحت أقلية من هذه الأقليات في الحصول على استقلالها؛ الأمر الذي يحفز باقي الأقليات على طلب الأمر نفسه، وتصبح اليونان مثل يوغسلافيا السابقة.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يخشى من تفاقم الأمور مستقبلًا على نحو ما حدث في كوسوفا – من بدء الشباب الكوسوفي حرب عصابات مسلحة من أجل استعادة حقوقه ونيل الاستقلال – وخاصة أن الموقف الأمريكي يتميز بالصمت المؤيد لهذه القضية، وقد بدأت الكثير من المؤسسات الألبانية الأمريكية في الولايات المتحدة الأمريكية توضيح الأهداف المشروعة، وحسب القوانين الدولية، للشعب الألباني في إقليم تشاميرية. و(حتى الآن) لا تطلب مؤسسة تشاميرية الألبانية في تيرانا تغيير الحدود، وإعادة ضم الإقليم إلى ألبانيا، كما كان في الماضي، وإنما تطلب عودة الأراضي التي صودرت لأصحابها مع دفع التعويضات اللازمة لهم جراء الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم.
تصاعد دور مؤسسة تشاميرية واتساع أنشطتها المحلية والدولية:
في يناير من عام 1991م، تأسست في تيرانا عاصمة ألبانيا مؤسسة سياسية وطنية تشاميرية(SHPAC) ، بهدف “التعبير والدفاع عن مصلحة الشعب التشاميري”. وتؤكد مؤسسة “تشاميرية”، وبعد سقوط النظام الشيوعي في ألبانيا، أنها وجدت تأييدًا من الحزب الديمقراطي الذي وصل إلى السلطة في مارس 1992م حتى عام 1997م، أكثر بكثير من الحزب الاشتراكي – الحاكم حاليًّا في ألبانيا – الذي له علاقات وطيدة الصلة باليونان، ويحظى بدعم دائم وغير خفي منها، وفي كل مرة يأتي وزير يوناني بزيارة ألبانيا يقوم أعضاء مؤسسة تشاميرية بمظاهرات للتذكير بمطالبهم العادلة.
وفي أغسطس (آب) من عام 1999م، وخلال زيارة رئيس الوزراء اليوناني إلى ألبانيا، قامت مؤسسة تشاميرية بتنظيم مظاهرات كبيرة في العاصمة تيرانا؛ احتجاجًا على تصلب موقف الحكومة اليونانية من مطالب التشام، ورفعوا مذكرة بمطالبهم للحكومة الألبانية في تيرانا، كما أرسلت نُسخًا أخرى للمنظمات الدولية العاملة في تيرانا، وذكروا في مطالبهم:
1ـ دعوة حكومة تيرانا للتفاوض مع حكومة أثينا من أجل عودة الشعب التشاميري لأرضه.
2ـ إرجاع جميع الأراضي التي صودرت من قِبل الحكومة اليونانية بعد الحرب العالمية الثانية.
3ـ دفع التعويضات اللازمة عن فترة استخدام هذه الأراضي من قِبل السلطات اليونانية.
4ـ احترام حقوقهم الإنسانية والقانونية طبقًا لنصوص القانون الدولي والاعتراف بها، ومنها حقهم في فتح مدراس باللغة الألبانية، وإصدار صحف ومجلات بلغتهم أيضًا.
5ـ دعوة حكومة تيرانا لرفع قضيتهم للمحافل والمنظمات الدولية من أجل إيجاد حلٍّ عادل لها.
وفي نوفمبر من العام نفسه، نظمت مؤسسة تشاميرية مؤتمرًا في تيرانا باسم “قضية التشام.. والسعي للحل”؛ حيث شرحت الخلفيات التاريخية للمشكلة، والطرق المؤدية لحلٍّ شامل لهذه القضية.
وفي الفترة نفسها، شاركوا في مؤتمر دعت له منظمة الأمن والتعاون الأوروبي عن حقوق الأقليات؛ لعرض أبعاد قضيتهم على المجتمع الدولي.
واتسعت أنشطة “تشاميرية” الدولية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتعاون مع جميع المؤسسات الألبانية الأخرى التي أنشأها المهاجرون الألبان من جميع المناطق الألبانية خلال العقود الماضية (ألبانيا، كوسوفا، مقدونيا، تشاميريا، الجبل الأسود، ألبان صربيا)، وقد أصدروا جريدة “العالم اليوم”، وقام التجمع الألباني في “ميتشينجام” بعقد مؤتمر قومي، دعوا إليه جميع الألبان في الولايات المتحدة الأمريكية؛ للتعريف بقضية الشعب الألباني التشاميري، وبثقافته وتراثه، وأطلقوا شعار “قضية تشاميرية.. قضية الساعة”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ هاني صلاح ـ مجلة منار الإسلام ـ عدد: أغسطس 2004م.