مع تصاعد مخاوف مسلمي صربيا من الأوضاع المتوترة بمنطقة البلقان عقب إعلان استقلال إقليم كوسوفا، زادت النداءات المطالبة بتوحد الأقلية المسلمة في هذا البلد خلف مؤسسة واحدة، وتجاوز الخلافات القائمة بينهم.
وطالب العديد من قيادات المسلمين داخل صربيا وفي دول البلقان المجاورة في تصريحات لـ”إسلام أون لاين.نت” المسلمين في هذا البلد بالتوحد خلف “المجلس الإسلامي في صربيا”، باعتباره “ممثلاً شرعيًّا” للمسلمين فيها، معتبرين أنه “آن أوان التوحد”.
كما دعا في الوقت نفسه “مفتي بلجراد” حمدي يوسف أسباهيتش الذي ينافس “المجلس الإسلامي في صربيا” على أحقية تمثيل المسلمين أمام السلطات الصربية، بالوقوف خلف هذا المجلس، لتوحيد الصف.
واستندت هذه الأصوات المطالبة بدعم “المجلس الإسلامي” باعتباره ممثلاً شرعيًّا لمسلمي صربيا “على تأييد داخلي من معظم الأئمة في صربيا للمجلس الذي يحظى أيضًا باعتراف إقليمي من قبل المشيخات الإسلامية المجاورة بمنطقة البلقان”.
ودعا الدكتور مولود دوديتش عميد كلية الدراسات الإسلامية في مدينة “نوفي بازار” عاصمة إقليم السنجق الصربي ونائب رئيس “المجلس الإسلامي في صربيا” كافة أئمة صربيا إلى “الالتفاف والتوحد خلف المجلس الإسلامي”، مشددًا على أنه “آن الأوان لكي يتوحد مسلمو صربيا”، في إشارة ضمنية إلى الظروف السياسية المتوترة حاليًّا في منطقة البلقان بعد استقلال كوسوفا.
وأضاف الدكتور دوديتش قوله: “إن الواجب الدائم للمجلس الإسلامي في صربيا يتمثل في الدعوة إلى نبذ الخلافات والتوحد خلف رئاسة إسلامية واحدة تمثل المسلمين في صربيا جميعًا أمام الدولة”.
ومن جهته دعا يوسف زميري مدير إدارة الوقف بالمشيخة الإسلامية في مقدونيا المجاورة أئمة المسلمين في صربيا “إلى التوحد والالتقاء لحل خلافاتهم فيما بينهم”، وأكد على أن “استمرار الفرقة والخلاف يصب في مصلحة أعداء المسلمين (…) لدينا الكثير من المشكلات مع غير المسلمين.. وأولى بنا التوحد ونبذ الفرقة”.
4 مشيخات
تعدد الجهات المتحدثة باسم المسلمين في صربيا لم يكن معروفًا قبل انهيار الاتحاد اليوغسلافي السابق، حيث كانت المشيخة الإسلامية الألبانية في بريشتينا عاصمة كوسوفا هي التي تشرف على شئون مسلمي صربيا.
ومع تفكك الاتحاد اليوغسلافي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ثم إعلان كوسوفا الاستقلال من طرف واحد عن صربيا خلال استفتاء شعبي في سبتمبر من عام 1991؛ انقطعت الصلة بين مسلمي صربيا ومشيخة كوسوفا.
هذا الانقطاع عن مشيخة كوسوفا دفع التجمعات الإسلامية داخل صربيا إلى تأسيس 4 مشيخات مستقلة عن بعضها؛ مشيختان منهما في الجنوب، حيث أكبر تجمع إسلامي داخل صربيا ينحدر من أصول بوسنية في إقليم السنجق، وأصول ألبانية في وادي بريشيفا.
كما تأسست مشيختان غيرهما في الشمال، حيث تعيش أقلية مسلمة في كل من العاصمة الصربية بلجراد وضواحيها، ومدينة “نوفي ساد” عاصمة مقاطعة فويفودينا.
قصة الخلاف
سارت الأمور بشكل طبيعي بين مسلمي صربيا بوجود المشيخات الأربع حتي جاء العام 2006 الذي أصدرت فيه وزارة الأديان الصربية قانونًا لتنظيم الجماعات الدينية، وبموجب هذا القانون طُلب من المسلمين أن تكون لهم مشيخة واحدة فقط تمثلهم أمام الدولة؛ وهو ما دفع معمر زوكورليتش رئيس مشيخة إقليم السنجق إلى إطلاق مبادرة لتوحيد المشيخات الأربع في مشيخة واحدة.
وأسفرت المبادرة عن جهود متواصلة بدأت مع مطلع العام الماضي 2007، شارك فيها بعض من رؤساء المشيخات الإسلامية بالدول المجاورة في منطقة البلقان أدت إلى توحيد 3 من المشيخات العاملة داخل صربيا، وتأسيس “المجلس الإسلامي في صربيا” في 27 مارس من نفس العام، وانضمام معظم الأئمة في صربيا إليه.
المشيخة الوحيدة التي لم تنضم لـ”المجلس الإسلامي” هي مشيخة العاصمة بلجراد، بعد اعتراض مفتي بلجراد حمدي يوسف أسباهيتش على تبعية “المجلس الإسلامي” للمشيخة الإسلامية في دولة البوسنة، ورفضه لأن تكون مدينة “نوفي بازار” عاصمة إقليم السنجق مركزا لـ”لمجلس الإسلامي”.
ووفق هذه المعطيات قام مفتي بلجراد بتأسيس مشيخة موازية لـ”المجلس الإسلامي في صربيا” ودعا أئمة ومسلمي صربيا إلى الانضمام إليه، وشدد على أن المشيخة في صربيا ينبغي أن تكون مستقلة عن دول الجوار، وأن يكون مركزها في العاصمة بلجراد، الأمر الذي أحدث شرخًا بين أئمة ومسلمي صربيا.
وترأس “المجلس الإسلامي في صربيا” فور الإعلان عنه في مارس 2007 معمر زوكورليتش مفتي إقليم السنجق، وأصبح له نواب ثلاثة يمثلون المشيخات الثلاث الأخرى في كل من وادي بريشيفا الجنوبي، ومقاطعة فويفودينا الشمالية، بينما النائب الثالث في بلجراد ترك شاغرًا حتى الآن إلى أن يتم انتخاب ممثل لبلجراد بالمجلس.
ومن جهته أكد يوسف زاميري اعتراف المشيخات الإسلامية في كل من مقدونيا وكوسوفا والبوسنة رسميًّا بـ”المجلس الإسلامي في صربيا” كممثل لكل مسلمي صربيا، وهو ما يدعم شرعيته.
مواقف مفتي بلجراد
وقلّل الدكتور دوديتش من خطورة رفض انضمام مفتي بلجراد إلى “المجلس الإسلامي في صربيا”، موضحًا أن هذه الخطورة “تتلاشى مع الوقت، حيث انضم إلى المجلس الإسلامي 220 إمامًا من معظم المساجد في صربيا، بينما لم يبقَ معه (مفتي بلجراد) سوى 15 إمامًا فقط”.
ولفت نائب رئيس “المجلس الإسلامي” إلى أن “مفتي بلجراد لا يحظى بقبول الغالبية العظمى من مسلمي صربيا الذين ينحدر غالبيتهم من العرقين البوسني والألباني؛ نظرًا لمواقفه السلبية وتصريحاته المؤيدة للحكومة الصربية خلال حربي البوسنة وكسوفا، وهو ما جعله يحظى بدعم الدولة الصربية”.
ومن جهته صرح مؤمن طاهري مفتي وادي بريشيفا (جنوب صربيا) لـ”إسلام أون لاين.نت” بأنه “بالرغم من وجود انقسام داخل صفوف مسلمي صربيا، فإننا نجحنا بشكل معقول في توحيد مسلمي صربيا تحت رئاسة المجلس الإسلامي”.
ويرجع طاهري الخلافات التي ما زالت موجودة بين “المجلس الإسلامي” ومفتي بلجراد إلى عوامل سياسية، موضحًا أن السياسة الصربية “تسعى إلى التدخل في شئون المشيخات الإسلامية.. من خلال الاعتراف الرسمي بأكثر من طرف كممثل للمسلمين لإشعال التنافس وتأجيج الخلافات فيما بينهم”.
ولم يتسن لـ”مراسل إسلام أون لاين.نت” الحصول على تصريحات من مفتي بلجراد على الرغم من سعيه أكثر من مرة لذلك.
مسلمو صربيا
ويبلغ عدد المسلمين في صربيا نحو مليون نسمة، تتواجد الغالبية العظمى منهم في تجمعين كبيرين بجنوب صربيا.. الأول بإقليم السنجق ذي الأغلبية المسلمة والتي تنحدر من أصول بوسنية، ويعيش فيه حوالي 600 ألف نسمة، بينما الثاني في وادي بريشيفا والذي يضم 3 محافظات بجنوب صربيا، ويعيش فيه نحو 100 ألف ألباني مسلم.
ويشكو مسلمو صربيا من مظاهر عديدة للتمييز ضدهم، كما أنهم يطالبون السلطات الرسمية بإعطائهم كافة حقوقهم التي نص عليها القانون الجديد للأديان مساواة بغيرهم من الديانات الأخرى، ومن بين هذه الحقوق استعادة جميع الأوقاف الإسلامية التي صودرت في العهد الشيوعي السابق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إسلام أون لاين ـ هاني صلاح ـ 26فبراير2008م