مسلمون حول العالم ـ خاص ـ حوار: هاني صلاح
“مسجد كوبي مرّ بظروف صعبة للغاية على مدار سنوات وفقد دوره المحوري في اليابان بسبب سوء الإدارة، ولذلك تتمثل قمة أولوياتنا الآن في العمل على إحياء الدور المجتمعي لمسجدنا من جديد”.
بهذه الكلمات، أكّد الشيخ صلاح الدين الخميسي، الذي أصبح إمامًا رسميًّا لمسجد كوبي منذ ثمانية أشهر، على عزمهم في إعادة الدور المشرق لهذا المسجد التاريخي المهم في اليابان من خلال توسعة أنشطته الدينية والثقافية في أوساط المجتمع الياباني المسلم وغير المسلم.
وخلال حواره الخاص مع “مسلمون حول العالم”، لفت إمام أقدم مساجد اليابان النظرَ إلى أنه أصبح خلال أشهر هذا العام بمثابة “شريان حياة المسلمين في مدينة كوبي والمحافظات المجاورة لنا”.
وإلى الحوار…
محور "التعريف الشخصي":
ـ نرجو من سيادتكم التكرم بتعريف أنفسكم لجمهورنا:
صلاح الدين الخميسي، 31 عامًا، وُلدت بمصر، ودرست بالأزهر الشريف منذ الطفولة، بدءًا من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية.
تخرجت في كلية الدعوة الإسلامية، بجامعة الأزهر الشريف، وحصلت على الإجازة العالية في الدعوة الإسلامية، ثم تخصصت في علم مقارنة الأديان والفرق، وأنهيت الماجستير في مقارنة الأديان.
أعمل الآن إمامًا لمسجد كوبي أقدم مساجد اليابان.
ـ متى وصلتم إلى اليابان؟ وكيف سارت بكم الأمور لاحقًا وحتى اليوم؟ هل من إطلالة سريعة مختصرة عن مسيرتكم الدعوية في اليابان؟
سافرت إلى اليابان منذ أربع سنوات، وعمري 27 عامًا، وفي بداية حياتي هنا باليابان كانت الظروف صعبة، وكنت أعمل في المصانع؛ لأني لم أكن أعرف أحدًا، ولا أستطيع التحدث باللغة اليابانية، وكنت على هذه الحال لمدة سنتين إلى أن عرض عليّ بعض الإخوة العمل في مجال التدريس والإمامة في مدينة كوبي بمحافظة هيوجو، وهنا بدأت رحلتي الدعوية بشكل رسمي، وقد أصبحت إمامًا رسميًّا لمسجد كوبي منذ ثمانية أشهر.
ـ وماذا كانت المسؤوليات الدعوية التي توليتموها في السابق؟
المسؤوليات الدعوية التي تولَّيتها سابقًا، هي:
ـ أولًا في مصر: كنت أستاذًا مساعدًا لتعليم القرآن الكريم وعمري في ذاك الوقت 14 عامًا، وأصبحت إمامًا متطوعًا وعمري 15 عامًا، وكانت لي بعض النشاطات الدعوية إضافة إلى إلقاء المحاضرات في المساجد وبعض المناظرات مع غير المسلمين عبر الإنترنت.
ـ ثانيًا في اليابان: أصبحت إمامًا لمسجد كوبي، ومسؤولًا عن الدعوة والتعليم وغيرها من الأمور الدعوية في المسجد، وبعض المساهمات خارج المسجد أيضًا.
محور "التعريف بمسجد كوبي":
ـ وهل من إطلالة تعريفية عن مسجدكم الذي يؤرِّخ للتواجد الإسلامي في منطقتكم؟
أُنشئ هذا المسجد في عام 1935م، وهو أقدم مسجد باليابان، ويُعَد رمزًا من تاريخ اليابان. يتكون هذا المسجد من طابق أرضي، والطابق الأول هو الرئيسي، وبه ملحق يُستخدم للصلاة وللتعليم، بينما الطابق الثاني مخصص لمصلى النساء وللتعليم لهنّ، والطابق الثالث والأخير يُستخدم كذلك للصلاة وللأنشطة الدعوية والتعليمية.
المسجد المعجزة.. معلم تاريخي سياحي
ومسجد كوبي يُعَد من أهم مساجد اليابان على الإطلاق لكونه الأقدم، ويشاركه في هذه الأهمية جامع طوكيو الكبير، وله أهمية في تاريخ اليابان، ويُسمونه “المسجد المعجزة”!
ففي الحرب العالمية الثانية قصفت الطائرات الأمريكية مدينة كوبي على مدار أسبوع كامل وتدمَّر كل شيء حول المسجد تمامًا، ومع ذلك فقد نجَّى الله تعالى مسجد كوبي من القصف ولم يتضرر بالرغم من أن الكنيسة القريبة من مسجد كوبي تدمرت، كما تدمَّر كذلك مسجد ناجويا (1936م)، وهو ثاني أقدم مسجد باليابان.
تكرَّر الأمر نفسه في أثناء الزلزال الشديد الذي ضرب مدينة كوبي، وراح ضحيته أكثر من 7 آلاف شخص، وتدمرت العديد من المنازل والبنايات، بينما مسجد كوبي نجّاه الله تعالى من هذا الزلزال المدمر؛ بل تحوَّل إلى مأوًى للمسلمين ولليابانيين من غير المسلمين على حدٍّ سواء.
لذلك، أصبح مسجد كوبي معلمًا من معالم المدينة التاريخية والسياحية، ويشاركه في هذه الميزة جامع طوكيو الكبير؛ حيث يزوره اليابانيون من غير المسلمين من تلقاء أنفسهم، وهذه مزية لا تتوفر في معظم مساجد اليابان.
ـ أهمية مسجد كوبي الأقدم في اليابان، تدفعنا للاستفسار عن المنطقة التي يقع فيها، وأهميتها، وعدد سكانها، ونسبة المسلمين بها.
مدينة كوبي من أهم المدن السياحية في اليابان، ومن أوائل المدن التي استقبلت الأجانب بعد انغلاق دام لقرون في اليابان عن العالم. وتتميز المدينة بجمال الطبيعة والمباني على الطراز الغربي لكثرة الأجانب فيها، ويقصدها السياح من جميع أنحاء العالم. وعدد سكانها يُقدَّر بحوالي 1.7 ملايين نسمة.
ويُقدَّر عدد مسلمي اليابان بشكل عام بنحو 330 ألف نسمة؛ منهم ما لا يقلّ عن 60 ألفًا من أهل اليابان الأصليين، والعدد في تزايد مستمر بفضل الله سبحانه وتعالى.
محور "دور مسجد كوبي مع المجتمع المسلم المحيط":
ـ ما الدور (أو الأدوار) الذي يقوم به مسجد كوبي مع المجتمع المسلم المحيط؟ هل من إطلالة عليها؟
مسجد كوبي يمثِّل شريان الحياة للمسلمين في مدينة كوبي وخارجها، بل في المحافظات المجاورة أيضًا.
فبالمقارنة بالمساجد الأخرى وبسبب ظروف الحياة والانشغال الشديد لا يتمكن الكثير من المسلمين من أداء الفروض الخمسة في المساجد في كثير من المحافظات، لكن بفضل الله سبحانه وتعالى فإننا في مسجد كوبي نقيم الفرائض الخمسة في جماعة، وصلاة التراويح، وأيضًا صلاة الجمعة التي يتراوح عدد المصلين فيها ما بين 300 إلى 500 مصلٍّ، وفي العطلات الرسمية يزيد العدد إلى أكثر من 700، وفي صلاة العيدين بلغ عدد المصلين ما يزيد على 2000 شخص ولله الحمد.
كما ينظِّم المسجد طوال شهر رمضان إفطارًا جماعيًّا لجميع الناس حتى غير المسلمين، ونستغلّ هذه الفرصة من أجل دعوة غير المسلمين لدين الإسلام، ولإطلاعهم على تعاليم الدين والثقافة والتنوع العرقي والثقافي وأن الإسلام دين الجميع، وكان هذا سببًا في جذب بعض وسائل الإعلام للتعرف على هذا البرنامج الذي تم تنظيمه في رمضان، وتم عرض بعض المعلومات عن المسجد وبرنامج الإفطار على التلفاز على قناة NHK.
كما يقوم المسجد بدوره في تعليم المسلمين من جميع الفئات العمرية المختلفة ومن جميع الجنسيات، ونركِّز أيضًا على تعليم الأطفال اللغة العربية والقرآن الكريم والعديد من العلوم الإسلامية بشكل يتناسب مع احتياجاتهم في دولة اليابان.
أيضًا يقدِّم المسجد دورات تعليمية مكثفة للعلوم الشرعية بالمشاركة مع أشهر علماء اليابان، كما يقوم بتنظيم محاضرات أسبوعية في العلوم الشرعية كالسيرة النبوية والحديث الشريف والتفسير وعلم التجويد وغيرها، والتي يستفيد منها طلاب العلم من رواد المسجد.
بالإضافة إلى العديد من الخدمات الدينية الأخرى التي يقدِّمها المسجد للمسلمين، مثل:
ـ إمكانية عقد النكاح في المسجد وإعطاء وثيقة رسمية للزواج.
ـ شهادة إثبات الإسلام للمسلمات اللاتي يُرِدن الحصول على الجنسية اليابانية، كما يوفِّر المسجد شهادة رسمية لاعتناق الإسلام للمسلمين الجدد.
ـ كما يوفِّر المسجد الكتب التي تساعد المسلم على فهم دينه باللغة اليابانية.
– كما يوفِّر المسجد خدمة دفن الميت وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه، والحصول على تصريح الدفن، بل والمساهمة بشكل جزئي أو كلي في شراء المقابر لدفن المسلمين.
ـ كذلك للمسجد دور اجتماعي وخيري في أوساط المجتمع المسلمة في منطقتنا؛ حيث يقدِّم الاستشارات الأسرية، وكذلك له دور في التكافل الاجتماعي والدعم المادي للمسلمين المتضررين من الحروب خارج اليابان مثل فلسطين وغيرها.
محور "دور مسجد كوبي مع المجتمع غير المسلم":
ـ للأسف، يلعب الإعلام “المنحاز” دورًا سلبيًّا عند الحديث عن الإسلام؛ وهو ما ينعكس بشكل سيئ على غير المسلمين، لذا نودّ التعريف بدور مسجدكم في توضيح الصور الناصعة للإسلام في أوساط المجتمع الياباني غير المسلم في منطقتكم؟
صحيح، وهنا أودّ الإشارة إلى أن لمسجد كوبي دورًا مهمًّا وكبيرًا ومحوريًّا في تعريف اليابانيين على الصورة الصحيحة الناصعة للدين الإسلامي، وهذا الدور نحن نقوم به بشكل يومي، وأركِّز حديثي على أربعة أنشطة تعريفية بالإسلام يقوم بها مسجدنا بشكل يومي أو دوري، وهي كالتالي:
1ـ برنامج يومي لاستقبال الزائرين: حيث يستقبل مسجد كوبي العديد من الزائرين اليابانيين من غير المسلمين، ونحرص حرصًا كبيرًا على استقبالهم بكل حفاوة وبشكل لائق، ويدور حوار ثقافي معهم، حيث نشرح لهم تاريخ المسجد، كما نتيح لهم التقاط الصور التذكارية أمامه وبداخله، ثم بعد ذلك -بحسب اهتماماتهم ورغبتهم في الحديث والحوار- نتطرق إلى موضوعات متعلقة بالإسلام والحضارة والثقافة الإسلامية.
وهنا ألفت النظر إلى أن الحديث عن الدين في اليابان يُعَد شيئًا غير مرغوب فيه، لذا تقتضي الحكمة منّا انتهاج طريقة احترافية واعية ومدروسة عند الحديث مع غير المسلمين عن الدين بحيث تكون جذابة ومحفِّزة لهم على الاستماع بشغف بدلًا من الإعراض التام عن الحوار.
2ـ برنامج ثقافي لطلاب المدارس والجامعات: بجانب ما سبق، نولي اهتمامًا كبيرًا بجيل المستقبل المثقف في اليابان، لذا ندعو طلبة المدارس والجامعات والمدرسين إلى زيارة مسجدنا باعتباره أحد معالم المدينة ومعلمًا إسلاميًّا بارزًا في المنطقة، ويتم إلقاء محاضرات تعريفية عن الإسلام داخل المسجد، ونجري حوارًا شيقًا معهم، وننظِّم خلال زيارتهم جولة تعريفية على ملحقات المسجد. تأتي هذه الزيارات الطلابية من منظور ثقافي، وهي مستمرة على مدار العام الدراسي في اليابان.
3ـ المطبوعات الدينية باللغة اليابانية: أيضًا، نعمل على توفير مجموعات من الكتيبات مجانًا للراغبين في التعرف على الإسلام من غير المسلمين، بجانب تقديم ترجمات لمعاني القرآن الكريم باللغة اليابانية إليهم؛ ممّا يساعدهم على فهم الإسلام بشكل أفضل.
4ـ تنظيم أنشطة وفعاليات متنوعة لغير المسلمين: بهدف مدّ جسور التواصل والتعارف مع مختلف شرائح المجتمع الياباني؛ نقوم بتنظيم أنشطة وفعاليات ثقافية واجتماعية متنوعة لليابانيين من غير المسلمين بشكل دائم لتوثيق العلاقة بيننا وبينهم، ومن جهة أخرى لإصلاح ما يفسده الإعلام العالمي بشكل مستمر عن بثّ صور مشوهة عن المسلمين واتهامهم ظلمًا بالإرهاب.
محور "أسئلة اليابانيين وانطباعاتهم عن الإسلام":
ـ سؤال يتعلق بزيارة اليابانيين من تلقاء أنفسهم لمسجدكم للتعرف عليه: ماذا كانت أبرز اهتماماتهم وأسئلتهم؟
أبرز اهتماماتهم كانت تتمحور حول الجانب التاريخي للمسجد والبناء الجميل، كما أن العديد من الأسئلة تركزت حول وحدانية الله، ولماذا لا نعبد الأصنام، ولماذا نعبد إلهًا لا نراه.
وكذلك يتم طرح أسئلة عن الأكل الحلال، ولماذا يصلى المسلم كل يوم خمس مرات اعتقادًا منهم بأن الأمر شاقّ.
وقليل منهم ممّن لديهم اطلاع كبير على الأديان يحاول خوض مناظرة غير مباشرة، والحمد لله يتم إلزامهم بالدلائل العقلية وبما فتح الله به علينا من علم مقارنة الأديان، والذي أَعُدُّه (علم العصر)، وآخر مناظرة حدثت في المسجد كانت بيني وبين مجموعة من النصارى البروتستانت تتكون من 5 قساوسة و17 شخصًا من النصارى الدارسين للنصرانية والكتاب المقدس، واستمرت أكثر من ساعة ونصف، وكنت وحيدًا أمامهم، وبمَدد من المولى -عزّ وجلّ- تم إلزامهم بالحجة وبما في كتابهم في العهد القديم والجديد لدرجة أنهم صُدموا من وجود تلك النصوص التي أشرت إليها في المناظرة، مع العلم بأنني كنت أستشهد بآيات من كتبهم (العهد القديم والجديد) بدون ورقة ولا كتاب ولا شيء، بل بعون الله تعالى وتوفيقه، وترتَّب على هذه المناظرة أن تحدَّث معي أحد القساوسة وطلب مني رقم هاتفي؛ لكي يتعلم مني الكتاب المقدس مرة أخرى، كما طلب مني بعضهم نسخة من ترجمة معاني القران الكريم باللغة اليابانية، وبعضهم كان مؤيِّدًا للكيان الصهيوني، ولكن بعد تلك المناظرة تحولوا إلى مؤيِّدين للقضية الفلسطينية، كما حضر بعضهم المؤتمر الذي أقمناه للتعريف بالقضية الفلسطينية، وكانوا من الداعمين بعد أن كانوا ممّن يعادون القضية، وكل هذا بفضل من الله تعالى وحده وليس لي من الأمر شيء.
وبعضهم يسأل عن سبب الحروب في بعض الدول الإسلامية وأعمال العنف وارتباط الاسلام بالإرهاب، وهذا أحد التداعيات السلبية لما تبثُّه وسائل الإعلام المنحازة.
ـ كيف كانت انطباعاتهم؟ وماذا تقولون عن نتائج زيارتهم للمسجد؟
أبرز انطباعاتهم أنهم قبل زيارتهم للمسجد كانت لديهم العديد من الأفكار المغلوطة عن الإسلام، وبعد انتهاء الزيارة بعضهم يخبرنا صراحةً (أنهم قد غيَّروا رأيهم وسيفكرون بطريقة إيجابية عن الإسلام والمسلمين).
وبعضهم يزداد اهتمامه بالإسلام ونبقى على تواصل معهم إلى أن يعتنقوا الإسلام، ونستمر في التواصل معهم لتعليمهم الإسلام ومعاملتهم بالطريقة التي تناسب المسلم الجديد.
أيضًا من ثمار هذه الزيارات توطيد العلاقات بين المسلمين وبين اليابانيين غير المسلمين، وزيادة مستوى التواصل والثقة، ومحاولة فهم ثقافة المسلمين.
محور "حوارات الأديان":
ـ ماذا عن حوارات الأديان والتعاون معهم في القضايا المجتمعية؟
في البداية، أريد التوضيح بأن موضوع الدين ليس مطروحًا بين الناس للنقاش، ومع ذلك فلدينا تواصل مع المؤسسات الدينية الأخرى مثل البوذية والشنتو والمسيحية مع تبادل الزيارات وتأكيد احترامنا لهم والرغبة في التعاون المشترك، مثل التصدي لقضية الشذوذ الجنسي التي تدمِّر المجتمع، وأيضًا الأعمال الخيرية التي تهدف إلى مساعدة المحتاجين بشكل عام حتى خارج اليابان.
بجانب ما سبق، نحرص على التواصل مع قادة الديانات الأخرى، وتنظيم حوارات إيجابية معهم، حيث نجري مقارنة للأديان ونقوم ببَيان كلٍّ من النقاط المشتركة والمختلفة، وغالبًا ما يكون للحديث تأثير إيجابي بفضل الله تعالى، ويتم هذا بشكل مستمر خصوصًا مع النصارى والبوذيين مع مجموعات من معتنقي تلك الديانات، وكان تواصلنا مع: رهبان معابد الشنتو -رهبان معابد البوذيين – قساوسة الكنائس البروتستانتية والكاثوليك.
أبرز الإنجازات التي تحققت هي تعريف أصحاب الديانات الأخرى بالإسلام؛ لأن أغلبهم لا يعرفون عن الإسلام شيئًا إلا ما سمعوه من وسائل الإعلام، ولهذا تحسنت الصورة وصحَّحنا المفاهيم؛ ممّا زاد الود بيننا والتعاون بل ودخول بعضهم الإسلام، وزيادة رغبتهم في تكرار زيارة المسجد بمجموعات مختلفة ليتعرفوا على الثقافة الإسلامية ومبادئ الإسلام.
ومؤخَّرًا وفيما يتعلق بموضوع فلسطين، قامت بعض المؤسسات الدينية غير الإسلامية بالمشاركة في جمع التبرعات لأهل غزة والتضامن معهم؛ ممّا كان له أثر طيب في نفوس الجميع، وهذا مجال إنساني مهمٌّ وضروريٌّ التعاون فيه بين الجميع وفي مختلف مناطق العالم.
محور "الدور المجتمعي لمسجد كوبي":
ـ ما الدور الذي يلعبه مسجدكم في معالجة الإشكاليات التي تواجه المجتمع الياباني؟
بشكل عام، فإن المسجد قد مرّ بظروف صعبة جدًّا وفقد دوره المحوري في اليابان بسبب سوء الإدارة، والآن وبعد مرور سنوات قد أكرمنا الله تعالى وأعاننا على تغيير النظام وشرَّفنا بتحمل هذه المسؤولية، فما نفعله الآن هو إحياء دور مسجد كوبي في اليابان مرة أخرى.
وعليه، فإننا نحاول جاهدين المساهمة في حل المشكلات التي تواجه المجتمع ونزيد من جهودنا في هذا الصدد بما يتوافق مع قوانين وعادات المجتمع الذي نعيش فيه، ونتطلع إلى زيادة جهودنا في المستقبل عبر خطة ممنهجة تغطي احتياجات المجتمع ومواجهة التحديات إن شاء الله تعالى.
وأضرب مثالًا واحدًا: في شهر مايو من هذا العام قام شخص يدَّعي أنه مسلم بالهجوم على معبد لديانة الشنتو في كوبي وكسْر بعض رموز الآلهة عندهم، وحدثت ضجة إعلامية كبيرة حتى وصل الأمر إلى خارج اليابان.
والحمد لله كنا أول المبادرين لزيارة المعبد بوفد رسمي من مسجد كوبي، وأيضًا من منظمة إسلامية أخرى في طوكيو بقيادة الشيخ الياباني “سعيد ساتو”.
وقمنا بتوضيح موقف الإسلام من هذه الأفعال وعدم جوازها وأن الإسلام يحترم الجميع مهما كان اعتقاده، واستمر اللقاء لأكثر من ساعة، وكان الحديث وديًّا ويعمُّه التفاهم والاحترام، وقد فهم قادة الشنتو رسالتنا، وكانت نتيجة هذا اللقاء أن زارنا أحد الصحفيين اليابانيين وأجرى لقاءً معنا، وتم نشره في صحيفة مشهورة جدًّا في اليابان، وتوقَّف الناس عن الإساءة للإسلام واتهامه بالعنف، وتحسنت صورة المسلمين مرة أخرى بعد هذا اللقاء، وأصبحنا على تواصل قوي مع قادة الشنتو في مدينة كوبي.
محور "التحديات والعقبات":
ـ ما أبرز التحديات التي تواجهكم في عملكم الدعوي سواء بالنسبة إليكم بوصفكم إمامًا، أو لغيركم من الأئمة بالمساجد الأخرى؟
ـ أبرز التحديات تتمثل في اللغة اليابانية، التي لا يجيدها كثيرون ممَّن يمارسون الدعوة في اليابان، وكذلك عدم توفُّر الكتب الكافية والمهمة باللغة اليابانية التي تساعد على فهم الإسلام.
يُضاف إلى ذلك ضعف التواصل بين المراكز الإسلامية لأسباب كثيرة، ومن أهمها القوميات، والاختلاف الفكري، والأولويات، وقلة أصحاب الكفاءات سواء في العمل الدعوي أو في الإدارة.
كذلك هناك تحدٍّ متعلق بطبيعة اليابانيين الفريدة التي تختلف عن معظم الشعوب الأخرى، لذا فإن الدعوة الإسلامية في اليابان ليست سهلة، وتحتاج إلى دراسة ثقافة هذا الشعب لفترة طويلة، وإجادة اللغة اليابانية قبل ممارسة الدعوة، وهذا لا يتوفر إلا نادرًا.
تحدٍّ أخير له ارتباط بما سبق ذكره، يتمثل في ندرة الأئمة والدعاة من أهل اليابان، وهم الأعرف بثقافة وطبيعة ولغة هذا الشعب الرائع؛ ممّا يؤثِّر سلبًا على مسار الدعوة.
محور "الإنجازات والنجاحات":
ـ ما أهم الإنجازات التي تحققت حتى اليوم من وجهة نظركم؟ وما معيار قياس النجاح أو الإنجاز، مع رجاء ضرب بعض الأمثلة؟
أبرز الإنجازات والنجاحات خمسة، كالتالي:
1ـ إعادة إحياء دور مسجد كوبي المحوري في اليابان، ويُعَد أهم الإنجازات؛ لأنه بسبب غياب هذا المسجد عن دوره لعدة سنوات تأثرت حركة الدعوة سلبًا في اليابان، ومعيار هذا النجاح أنه تضاعف عدد الزوار إلى ما لا يقلّ عن خمسة أضعاف العدد في الفترات السابقة.
2ـ تفعيل التواصل مع وسائل الإعلام اليابانية المختلفة، والتعريف بمسجد كوبي، ومن بين ذلك تواصلنا مع قناة يابانية مشهورة جدًّا في اليابان (NHK)، وقمنا بتصوير مقطع لا يقلّ عن عشرين دقيقة عن المسجد والمسلمين؛ ممّا كان له أثر عظيم في اليابان وخارجها، وأثمر عن زيادة عدد الزوار بشكل غير مسبوق لمسجدنا.
3ـ إعادة العلاقات بين مسجد كوبي والمساجد والمراكز الإسلامية الأخرى في اليابان، وتوطيد التعاون معها خصوصًا جامع طوكيو، والاستفادة من خبراتها وتجاربها ودعمها.
4ـ إنشاء نظام جديد شامل للتعليم الإسلامي الديني بالمسجد لكافة الفئات العمرية ومختلف شرائح المجتمع المسلم.
5ـ أضحى مسجدنا قبلة الزوار من داخل اليابان وخارجها، وقمنا باستقبال شخصيات دبلوماسية وممثلين عن سفارات الدول المختلفة، وكان آخرهم زيارة السفير التركي لمسجدنا.
محور "التوصيات المستقبلية":
ـ من خلال تجربتكم السابقة، ما أهم التوصيات المستقبلية من أجل تطوير الأداء بشكل أفضل للمساجد والمراكز الإسلامية في اليابان؟
من خلال رؤية عملية لواقعنا الدعوي، نستطيع إجمال هذه المقترحات المستقبلية في الآتي:
1ـ إنشاء وقف خاص للأئمة والدعاة؛ لكي يحصلوا على استقلالهم ويمارسوا عملهم بحُرِّية بدون تدخل إدارات المساجد، وتجنُّب المشكلات التي لا تنتهي.
2ـ التكفل بإرسال بعثات تعليمية للمسلمين اليابانيين، وانتقاء بعض المرشَّحين منهم للتعلم في الأزهر الشريف وغيره من المؤسسات العلمية المرموقة، ثم يرجعون ليمارسوا الدعوة وقيادة المراكز والمساجد؛ لأن الياباني يحب أن يستمع إلى الياباني المسلم أكثر من الأجنبي ويثق في كلامه أكثر.
3ـ إقامة دورات تأهيلية للأئمة والدعاة في اليابان لفهم خصوصية الشعب الياباني وخصوصية الدعوة، وتجاوُز التحديات، وتعلُّم اللغة اليابانية.
4ـ إقامة مدارس إنترناشيونال لتعليم الدين والمواد الأخرى التي يتعلمها الطلاب في المدارس العادية؛ ممّا يساعد على غرس تعاليم الإسلام في الطلاب منذ طفولتهم في بلاد غير المسلمين وتحصينهم.
5ـ وضع رؤية مستقبلية لأولويات ترجمة وطباعة الكتب الدينية المهمة لفهم الإسلام بلغة أهل البلد، بحيث تُراعى الشرائح المختلفة سواء في المستوى الثقافي أو الفئة العمرية.
6ـ تفعيل أُطر للتعاون المشترك ولتشارُك الخبرات والتجارب الناجحة بين المراكز الإسلامية الأخرى في اليابان؛ فنحن نعمل معًا في بيئة واحدة، ومن المهم عدم تكرار التجارب نفسها التي لم تنجح من جديد عبر البدء من النقطة التي وصل إليها غيرنا.
محور "مساحة حرة وإرسال رسائل":
ـ وأخيرًا، هل تودّون إرسال أي رسائل للمؤسسات الإسلامية المعنِيَّة بالدعوة والتعليم والارتقاء بدور الأئمة والمساجد/ المراكز الإسلامية حول العالم؟
أودّ من المؤسسات الكبرى المعنِيَّة بشؤون الدعوة والتعليم الإسلامي ودور المساجد، ترسيخ هذه المفاهيم لدى جماهيرها والعاملين فيها، وهي:
1ـ لا بد من مراعاة أننا نعمل في بيئة واحدة، لذا لا بد من التعاون وانتهاج مفهوم العمل الجماعي؛ ممّا يعني التشاور فيما بيننا وعدم الاستبداد بالقرار مراعاةً لمصلحة الناس حولنا.
2ـ هناك مسؤولية يفرضها الشرع والضمير في انتقاء الأشخاص بناءً على الكفاءة وحسن الخلق وليس حسب الجنسيات أو العرقيات؛ فلا بد من وضع الشخص المناسب في المكان المناسب حرصًا على نجاح الأعمال والمؤسسات.
3ـ ترسيخ ثقافة ومفهوم احترام العلماء وتوقيرهم وتبجيلهم، ويشمل هذا كذلك العمل على دعمهم ماديًّا بجانب الدعم المعنوي؛ حتى يمكِنهم التفرغ لممارسة مهامهم الدعوية تجاه المجتمع المسلم وغير المسلم بشكل ناجح.
4ـ من المهم مراعاة التوافق بين العاملين في الحقل الدعوي، مع نبذ الخلافات التي لا طائل منها والتركيز على القضايا المهمة التي تخصّ واقع المسلمين في وقتنا الحالي.
5ـ كما أشرت من قبل، لا بد من آلية ومنهجية في تبادل الخبرات والتجارب للمساجد والمراكز الإسلامية الأخرى؛ لأنها توفِّر الوقت والجهد والمال، وكذلك تختصر كل هذا وتحقِّق الكثير من الإنجازات والنجاحات.