مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
في لوحة تجمع بين العلم والدعوة والرسالة الأخلاقية؛ احتضن المركز الثقافي البوسني في مدينة توزلا احتفالية رسمية كبرى خُصصت لتسليم الإجازات الدينية للأئمة والمدرسين العاملين ضمن نطاق مفتيّ الولاية، وفقًا لموقع (Preporod.info).
حضر مراسم التسليم رئيس العلماء في دولة البوسنة والهرسك حسين كفازوفيتش، وكوكبة من كبار العلماء والقيادات الدينية. وقد بدا المشهد أشبه بعرس علمي يربط الماضي بامتداداته الراسخة في الحاضر ويؤسس لجيل جديد من حَمَلة الأمانة.
وتُعد الإجازة الدينية في البوسنة والهرسك وثيقة رسمية تمنح حاملها الإذن بتفسير تعاليم الإسلام وفق العقيدة الماتريدية والمذهب الحنفي، بما ينسجم مع القيم الدستورية للمجتمع الإسلامي، وبما يضمن استمرار المدرسة العلمية العريقة التي حافظت على هوية مسلمي البلقان على مدى قرون.
الأئمة.. حماة التقاليد ومربّو الأجيال
أكد رئيس العلماء في كلمته أن الأئمة يمثلون «الركيزة الأساسية» في حفظ التقاليد الدينية والثقافية للشعب، فهم الجسر الذي يصل معارف الوحي بالحياة اليومية للناس، ويحملون رسالة تمتد إلى ما هو أبعد من تعليم العبادات، لتشمل غرس الأخلاق، وترسيخ التفكير الواعي، وتوجيه المجتمع لمواجهة التحديات السياسية والاجتماعية.
وأشار إلى أن عالم اليوم يشهد تصدعًا أخلاقيًا متسارعًا وانتشارًا للجريمة والمخدرات والفساد، داعيًا الأئمة إلى تعزيز صمود المجتمع، والتحذير من مخاطر الانقسام والتدخلات الخارجية ومحاولات طمس الهوية الدينية.
رسالة الإمام بين الأمس واليوم
من جانبه، شدد مفتي توزلا الدكتور فاهد فضلويتش على الرمزية العميقة لهذا الحدث، مستحضرًا الدور التاريخي للأئمة في نشر الحكمة، وتربية الناس على معاني الإيمان، وصون العقيدة الحنفية الماتريدية التي شكلت أساس الهوية الدينية لمسلمي البوسنة.
وأوضح أن رسالة الإمام اليوم تتسع لتشمل مهامًا تربوية وثقافية واجتماعية، إلى جانب رعاية حاجات الناس المعيشية، خاصة في المناطق التي شهدت العودة بعد الحرب، حيث يحتاج الأهالي إلى دعم روحي وإنساني يُعينهم على استعادة استقرارهم.
سلسلة العلم الممتدة إلى النبي عليه الصلاة والسلام
وفي كلمته، دعا مدير إدارة الشؤون الدينية الحافظ الدكتور منسور ملكيتش الأئمة إلى أداء رسالتهم بحكمة ورفق وأمانة، مؤكدًا أن الإجازة الدينية تمثل ثقة متوارثة عبر الأجيال من العلماء وصولًا إلى النبي الكريم.
أما الدكتور منسور حوسيتش، مسؤول التعليم الديني في مفتيّ توزلا، فكشف أن الحفل شمل تسليم الإجازات لـ263 إمامًا و20 مدرسًا ومربيًا في مدرسة برام بيك العريقة، على أن تتلوها دفعة أخرى بعد استكمال الإجراءات، بالإضافة إلى منح الإجازات لـ165 معلمًا للتربية الإسلامية مطلع يناير 2026.
بناء وعي يحمي المجتمع
واتفق المشاركون على أن هذا الحدث يعكس استمرار الدور الحيوي للأئمة في بناء وعي ديني راسخ، يقوم على الأخلاق والتوازن والفهم الصحيح، ويسهم في تحصين المجتمع من الانحرافات، وترسيخ الهوية الدينية في مواجهة التحديات المتغيرة.
بهذا تتجدد رسالة الإمام في البوسنة والهرسك: علمٌ يضيء، وتربيةٌ تهذب، ودعوةٌ تحمي الإنسان من التيه في زمن تتكالب فيه الأزمات والتأثيرات، لتظل المؤسسات الدينية الحصن الأمتن للوعي والهوية.
