مسلمون حول العالم ـ متابعات
بقلم/ د.مجدي سعيد ـ كاتب صحفي مقيم في لندن
يعرف الكثيرون ممن جربوا الحياة في الغرب أمرين: أولا صعوبة تربية الأولاد والحفاظ على هويتهم وأخلاقهم ودينهم هناك، وثانيا أن المساجد والمراكز والمدارس الإسلامية ربما لا تؤدي دورها المنوط بها في هذا الصدد كما ينبغي، إلا ربما بالشكل المباشر الذي قد لا يصلح في اجتذاب شرائح كبيرة من الأجيال الجديدة من النشء.
وقد ألهم الله أحد الباحثين المصريين في المجال الهندسي والذي يعمل ويعيش في الولايات المتحدة بمبادرة تساهم في حل هاتين المشكلتين معا، وهو الدكتور مهندس محمد عبيدة، وهو عالم أبحاث في معامل سانديا الوطنية (الأمريكية).
المسيرة العلمية
كان محمد قد تخرج من قسم الهندسة البحرية، بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية عام 2000، وحصل على الماجستير في نفس التخصص من نفس القسم والجامعة عام 2004، ثم حصل على درجة ماجستير أخرى في الرياضيات التطبيقية من جامعة كاليفورنيا في ديفيز عام 2009، وعلى الدكتوراه في هندسة الطيران من نفس الجامعة عام 2008.
عمل عبيدة مساعد باحث في قسم الهندسة البحرية بجامعة الإسكندرية، ثم في قسمي هندسة الطيران والرياضيات بجامعة كاليفورنيا في ديفيز، ثم باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة كارنيجي ميلون بين عامي 2008 و2010، ثم باحثا في معامل سانديا منذ عام 2010، ووصل منذ عام 2021 إلى منصب عضو رئيسي في الطاقم الفني للمعامل.
وقد حصل الدكتور محمد عبيدة على عدد من التكريمات والجوائز، وله عدد من براءات الاختراع والبرمجيات المسجلة باسمه فضلا عن عدد من الأوراق البحثية المنشورة في مجالات العمل والتخصص التي مر بها.
في عام 2016 قام الدكتور محمد عبيدة بتأسيس مبادرته “معهد إتقان للتكنولوجيا Itkan Institute of Technology” كمؤسسة غير هادفة للربح في الولايات المتحدة، وبدأت المبادرة في ولاية نيومكسيكو، بتأسيس فريق “مارفيلز” مسلم للروبوت حصل على 25 تكريم وجائزة، ثم انتقل عام 2021 إلى ولاية تكساس الأمريكية، وبالتحديد مدينة دالاس، ليؤسس أول فرق الروبوتات المجتمعية الإسلامية في دالاس الموطن الجديد لمارفلز Marvels.
ومنذ ذلك الحين، تقدم فريق مارفيلز بشكل كبير في معرفتهم بالبرمجة والبناء والنمذجة ثلاثية الأبعاد وتسويق الروبوتات ووسعوا نطاق وصولهم ليشمل فرقا دولية تحت اسم مارفيلز (9 فرق في الولايات المتحدة، و5 فرق في أوروبا وأفريقيا وآسيا حتى الآن بحسب الخريطة المنشورة على موقع إتقان. لتصبح مهمة معهد إتقان تتجاوز مجرد تدريس الروبوتات، وإنما تمرير شعلة المعرفة لإلهام جيل للمساهمة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) من خلال جلب برامجهم إلى المراكز الإسلامية. وكما تشير صفحة الدكتور مهندس محمد عبيدة على الفيسبوك، فإن المبادرة وبرامجها تستهدف أيضا إحياء الدور النهضوي للمساجد.
محمد عبيدة يتحدث عن مشروعه
وفي حلقة من حلقات “عيش أمريكا” التي يقدمها اليوتيوبر مصطفى الحسيني تحدث الدكتور محمد عبيدة عن مشروعه بشكل أوضح قائلا:
ـ ما نحاول فعله الآن هو أننا نحاول أن نستعيد الدور النهضوي للمساجد في أمريكا وخارج أمريكا، فأحد ما كنا نلاحظه عند قراءة سيرة الصحابة رضوان الله عليهم إن المسجد كان المكان الذي يتعلم فيه أولادهم كل شئون الدنيا، فكانوا يتعلمون الدين ويطبقونه مباشرة على أمورهم الحياتية، وللأسف الشديد فقد فقدنا هذا الآن، حيث أصبح المسجد دوره قاصرا على الصلوات والعبادات عموما، وأصبح هناك انفصال بين ما يتعلمه أولادنا من الدين، وما يحتاجونه للنجاح في حياتهم العملية.
ـ ولكي نواجه هذه المشكلات ونحافظ على هوية الأولاد وارتباطهم بالدين الإسلامي أنشأنا الحمد لله برنامج الروبوت هذا وكانت البداية من نيومكسيكو، كانت الفكرة أن نجمع الأولاد داخل المساجد ونقنع أهلهم من ذوي الخبرات أن ينضموا للبرنامج، ويتبادلوا خبراتهم مع الأبناء في السن الصغير، والحمد لله انتقلنا مؤخرا إلى دالاس، واستطعنا تجميع مجموعة من المخلصين من ذوي الخبرات ممن آمنوا بالفكرة وبدأوا يدربوا الأولاد يومين في الأسبوع، السبت والأحد، لنعلمهم شتى المواضيع التكنولوجية التي يحتاجونها من برمجة ونمذجة رقمية وذكاء اصطناعي ومعالجة الصور، والحمد لله بدأ الأولاد يحرزون تقدما في هذه المواضيع لمستوى كبير جدا في سن صغير، ومن ثم بدأ يتضح للناس في المجتمع أهمية أن نعلم أولانا التكنولوجيا داخل المساجد.
ـ وضعنا الآن نموذج نحاول أن نضع بها نظاما لنشر الفكرة. الفكرة الأساسية لدينا أننا نبني شبكة ما بين شباب المسلمين، كل مجتمع مسلم هو نقطة في هذه الشبكة، والخط الواصل بين كل نقطة والأخرى هو نقل المعرفة، أو نقل التكنولوجيا التي تكونت عند نقطة من نقاط هذه الشبكة، إلى باقي النقاط، وهذا الأمر نقوم به عن طريق الشباب أنفسهم، فليس لدينا طاقة أن نعلم مليار ونصف من المسلمين، لكنني أتخيل أننا نحتاج إلى مثل هذا البرنامج في كل مسجد، فكيف سنفعل هذا؟ النموذج الخاص بنا بكل بساطة مبني على اختيار العناصر الأولى التي نبدأ بها البرنامج في مكان ما، بحيث يكونون من أفضل العناصر، بحيث يكونوا قادة البرنامج في هذا المجتمع، وبعد الاختيار نقوم بتعليمهم، والاتفاق معهم أننا كما علمناكم، عليكم أن تعلموا ما يأتي بعد ذلك من مجموعات غيركم، وهذا ما فعلناه في دالاس. حيث أخذنا 25 ولد وبنت وبدأنا بهم البرنامج هنا. وقد أصبحت هذه المجموعة أفضضل فريق في تكساس ومن أفضل فرق العالم الحمد لله، والآن أصبحوا هم مدربو الفرق الجديدة التي تتكون.
ـ من أكثر الأشياء التي أسعدتني في الفترة الحالية أن تأثير هؤلاء الأولاد تخطى المسلمين، لأننا في هذا النشاط لا نعلم فقط المسلمين ونتخلى عن غيرهم، بل إن فريق الأأولاد عندنا اكتسب السمعة التالية التي صار الأولاد يرددونها: نحن الفريق الذي يمكنك أن تأتي إليه وقت المنافسة ليساعدك على حل أي مشكلة تواجهها، سوف نترك ما بأيدينا لمساعدتك على الرغم من أننا في منافسة شديدة، سوف نفعل ذلك ثم نعود لاستكمال عملنا لإنهائه. هذه السمعة اكتسبناها في مسابقة مليئة بفرق غير مسلمة.
ـ الأمر الآخر هو أن المسلمين مثل الريح الطيب عندما يكونوا موجودين في أي مجتمع يملؤونه فرحة وبهجة فعندما جئنا إلى هنا (في دالاس) تواصلنا مع المسئولين عن المسابقة العالمية في شمال تكساس وهي واحدة من أقوى المناطق في مجال الروبوت على مستوى العالم، لم نطلب منهم أي مساعدة، لم نقل لهم نحن بعيدين عن التكنولوجيا منذ فترة فماذا تستطيعون فعله؟ لم نقل لهم ذلك، بل قلنا لهم ذلك، ولكننا ذهبنا لهم من منطلق عزة، وقلنا لهم: ماذا لديكم من مشكلات نستطيع أن نساعدكم إن شاء الله في حلها؟ فقال لنا مسئول المسابقة، إن مواردنا محدودة ولا نستطيع أن نقيم المسابقة في صورة الدوري، لذلك نقوم بتجميع الأولاد في يوم واحد للتسابق وفقط، وهذا يؤثر على مستوى الفرق لدينا، إذ لدينا فرق في أماكن أخرى أقوى من فرق شمال تكساس لهذا السبب. فماذا فعلنا كمسلمين؟ نظمنا لهم أول دوري للفرق من داخل مساجدنا، فوجهنا الدعوة لـ21 فريق من شمال تكساس، 19 فريق منهم من غير المسلمين. قلنا لهم تعالوا إلى مساجدنا نظموا المسابقة، وتعرفوا على المسلمين ومقدار اهتمامهم بأبنائهم، ولو حكيت لك ما حدث في هذا اليوم من قصص ربما لا تستوعبها. أتاني ناس من كل الخلفيات، مسيحيون، بيض، هندوس وغيرهم، وقال لي أحدهم أشعر أنني سخيف جدا، لأنهم عندما قالوا لي إن المسابقة ستنظم في أحد المساجد كنت متردد قبل أن أشارك فيها، ولكن عندما أتيت إلى هنا وجدتكم مضيافين، أكرمتونا، واهتممتم بأولادنا، وحللتم كل مشاكلهم، أنتم قوم تحبون أهلكم، قلت له أنتم تحتاجون إلى القدوم إلى المساجد للتعرف على مجتمع المسلمين من داخلهم، وكما حفزنا أولادنا لتعلم التكنولوجيا، يمكننا أن نرسل لكم أولادنا ليعلموا أولادكم في أماكنهم، سواء أكان مدرسة عامة، أو مركز مجتمعي أو غيرها. نحن نعتبرها دعوة، هذا هو الدور الذي يجب أن يقوم به المسلمون، أنهم عندما يتواجدون في أي مكان، يرون ما هي مشاكله ويصلحونها.
ـ أنا عمري الآن 45 سنة (عام 2022، وقت تسجيل الفيديو)، عشت أغلب حياتي أسمع شكاوى المسلمين، المسلمين يتظاهرون، المسلمون يعبرون عن مشاكلهم، يا أخي نحن في أيدينا، في القرآن الذي أعطاه الله لنا فيه حلول لكل مشاكلنا، حينما نطبقه ونفهمه على الوجه الصحيح.
ـ لكي نغير حال الأمة لابد أن تفهم المؤسسة الإسلامية أن دورها ونجاحها ليس أن تجمع الأموال. بعض المؤسسات الإسلامية تتباهى أنها جمعت في حملة تبرعات واحدة مليون دولار، أو أكثر. لكن هيه هي مجرد بداية، الحمد لله أن لديكم هذه الموارد، فماذا فعلتم بها؟ موضوع الروبوت، والمسابقات والجوائز ليس هدفا في حد ذاته، وإنما هي الشيء المادي الذي نجعله واضحا للمشاركين في البرنامج، فانت ترد مثلا أن تقنع أبا جديدا أن يضم ابنه للبرامج. يمكنك أن تكلمه عن الأمة الإسلامية ونهضتها ورفع الرياة وما إليه. لن يسمعك إلا شريحة قليلة من المسلمين. وإنما قل له إن هؤلاء الأولاد الـ 25 لم يكونوا يعرفون شيئا قبل 10 أشهر عن الروبوت، والآن بسبب انضمامهم للبرنامج صاروا من أفضل الفرق في شمال تكساس وعلى مستوى العالم، وأصبح كل واحد منهم لديه صفحتين في سيرته الذاتية تساعده في الدخول لأفضل الجامعات في الدنيا. وفي هذه الحالة سيعطيك ولي الأمر عينيه كي تضم ابنه للبرنامج. الآن وبعد اشتهار البرنامج صار أولياء ألأمور يأتوننا يردون ضم أولادهم للبرنامج، فنقول لهم نحن لا نفعل ذلك من أجل المال، ولكن من أجل أمتنا، ولكي نستطيع توصيل هذه الخدمة نحتاج إلى مشاركة الآباء.
ـ تعرف أن برنامجنا مجاني تماما، لكن عندما يأتي ولي الأمر ليضم ابنه للبرنامج نقول له أننا سنجري مقابلة للطالب ولك معه، أولا لنقيس مدى ارتباطهم بدينهم، ومدى رغبتهم في الانضمام لفكرتنا، ونفهمهم أننا كي نستطيع أن نقدم مثل هذا المستوى من الخدمة التعليمية لابد من مشاركتهم، لأننا نضع لكل مجموعة مكونة من 5 أولاد موجه، بعضهم يحمل لدرجة الدكتوراه، أو خبيرا في مجال من المجالات، ولو قدما هذه الخدمة بالمال لما استطاعوا أن يدفعوا أجور هؤلاء الموجهين، الذين يفعلون ذلك خدمة لدينهم وأمتهم، فأحد أسس ديننا هو مساعدة بعضنا البعض. ونجن نريهم هذا بشكل عملي، وقيمة ما يقدمه هؤلاء الخبراء للأولاد لا تقدر بمال. ولو حاولت تقديم هذه الخدمة بالمال ستكون التكلفة باهظة. ولكن عندما تقنع الناس أن هذه الخدمة فيها حماية لأولادها وخدمة لدينها سوف يعطيك الناس أعينهم.
انتهى كلام محمد عبيدة في الفيديو الصادر من عقل نير وقلب نابض، والذي قدم فيه نموذج جدير بالتكرار في كل مسجد من مساجد المسلمين من شرق العالم إلى غربه، وهو نموذج حري بأن ينقل أولادنا وينقل مساجدنا وأمتنا نقلة حضارية لا تقدر بثمن.
ـ لمصدر المعلومات والمزيد منها طالع:
ـ موقع معهد إتقان للتكنولوجيا:
https://www.itkan.one/
ـ وموقع محمد عبيدة العلمي/ الشخصي:
https://msebeida.net/
ـ وشاهد حلقة “عيش أمريكا” معه وعن مبادرته:
https://www.youtube.com/watch?v=LZcVe7n-KHs