أكد قياديين إسلاميين بألمانيا وسويسرا بأن الأحزاب اليمينية المتطرفة بأوروبا استغلت قضية اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية لها من خلال تهويل الأمر وكأنه بداية لتغيير الخارطة العرقية والدينية للقارة العجوز وأن أفواج اللاجئين تحمل الارهاب لقلب أوروبا وتهدد إستقرارها وهو ما ساهم في نجاح حملات الإسلاموفوبيا التي يشعلها من آن لآخر هذا اليمين المتطرف والذي له مواقف سابقة ضد الوجود الإسلامي بأوروبا.
اللاجئين.. والدور السلبي للإعلام
فمن سويسرا، وفي تصريحات خاصة لـ(المجتمع)، أكد د. باشكيم علي، رئيس مجلس اتحاد الأئمة الألبان في سويسرا، بأن: “تدفق اللاجئين من الدول الاسلامية علي أوروبا قد ساهم في تصاعد حملات الكراهية ضد الاسلام و المسلمين”.
وأرجع ذلك لعدة أسباب، أهمها “الدور السلبي الذي لعبته وسائل الإعلام الغربية، من خلال تصوير قضية اللاجئين على أنها خطر مدبر علي أوربا ومقدمة لتغيير الخارطة العرقية والدينية فيها بسبب زيادة عدد المهاجرين المسلمين إلى البلدان الاوروبية”.
بينما السبب الثاني في تصاعد روح الكراهية إزاء اللاجئين تمثل في “تجاهل وسائل الإعلام الغربية عمداً للبعد الإنساني لقضية اللاجئين مما رسخ النظرة السلبية لدى المواطن الأوروبي نحوهم”.
سبب ثالث مهم أشار إليه تمثل في البعد الأمني للقضية “حيث ينظر الي اللاجئين كخطر علي أمن أوروبا وكفرصة لنقل الارهاب إلي عمق المجتمعات الأوروبية، وقد استغل هذا الأمر اليمين المتطرف في أوروبا لكسب نقاط سياسية وكذالك لتغطية كراهيته للمسلمين خاصة وللأجانب عامة بزعم خوفه علي أمن واستقرار أوروبا”.
كل هذه العوامل الثلاث مجتمعة، وفقاً لـ”د.علي”، قد “أساءت إلي الجانب الانساني والحقوقي لقضية اللاجئين”.
ومن ألمانيا، وحول رؤيته لتأثير “قضية اللاجئين” على تصاعد حملات الإسلاموفوبيا في أوروبا، أوضح في تصريحات خاصة لـ(المجتمع)، المهندس “سمير فالح”، رئيس التجمع الإسلامي في ألمانيا، بأن: أوروبا شهدت تدفق أعداد ضخمة من اللاجئين الفارّين من أتون الحرب المستعرة نارها في سوريا والعراق خاصة، مع وجود نسبة لابأس بها من اللاجئين (الاقتصاديين) القادمين من البلدان الفقيرة”.
وحول “خريطة” التفاعلات الأوروبية مع “ملف اللاجئين”، أوضح بأن: هذا الحدث “شغل أوروبا السياسية، وأوروبا الإنسانية، وأوروبا المجتمعية، وكانت أشكال الانشغال والتعاطي مختلفة؛ غير أن الأبرز منها هو ما ساهم الاعلام في ابرازه أكثر”.
وتابع: “وجدنا الحديث عن تصاعد حملات الكراهية ضد الأجنبي وخصوصا المسلم هو الأقوى صوتاً في الإعلام، في حين هناك مظاهر ايجابية من التعاطف والرعاية تم التغاضي عنها عمداً”.
وأشار “م.فالح”، وهو كذلك نائب الرئيس/الأمين العام في اتحاد المنظمات الاسلامية في أوروبا، إلى أن: تيارات اليمين المتطرف، وبعضا من اليمين المحافظ “استغلت هذه الاحداث مرتبطة بالصعوبات الاقتصادية في بعض البلدان الاوروبية لرفع صوتها ضد سياسة فتح الحدود أمام هؤلاء اللاجئين ومحذرة من العواقب الاقتصادية والثقافية (الهويّة) وراء هذه السياسة”.
ولفت إلى أن: هذه التيارات والتي لها إشكال سابق مع الوجود المسلم في البلدان الاوروبية “قد وجدت في هذا الحدث فرصة لتحريك ملفها الأهم وهو إظهار المسلمين كدخلاء على مجتمعهم وثقافته وأنهم غير قابلين للاندماج بل أنهم المصدر الأول للخطر الارهابي”.
اليمين المتطرف.. والتوظيف السياسي
وحول دور اليمين المتطرف في تصعيد حملات الإسلاموفوبيا في الغرب، أشار من سويسرا د.علي، إلى أن: “اليمين المتطرف يستغل قضية اللاجئين في كسب نقاط سياسية ورفع رصيده السياسي ورفع شعبيته في المجتمعات الأوروبية، وهذا يفسر تصعيده لحملات الاسلاموفوبيا واستغلالها كسلم صعود إلى مراكز اتخاذ القرار وتقديم نفسه كمنقذ وضامن للأمن في المجتمعات الأوروبية”.
وضرب مثال لذلك بنجاح استفتاء بريطانيا-بركزت (BREXIT)، وأضاف: “نجاح هذا الاستفتاء يتعلق بعوامل أخري كثيرة؛ لكن لا يخفي علي أحد أن الخوف من اللاجئين وطريقة تقديم اليمين المحافظ لقضية اللاجئين أمام الرأي العام كان أحد أسباب نجاح الاستفتاء”.
بينما من ألمانيا، أوضح “م.فالح”، بأنه: شهدت الفترة الاخيرة صعودا للاحزاب اليمينية المتطرفة “ففي المانيا يعتبر حزب AfD (البديل لألمانيا) القوة الثالثة ضمن خيارات الناخب الألماني حسب سبر الآراء الأخير، بينما في فرنسا تعتبر مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية (FN) منافسة حقيقية في الرئاسية القادمة وان لم تكن الاولى، ولكن مجرد وصولها للدور الثاني يعتبر انتصارا. كذللك في النمسا لم تحسم الرئاسية بين مرشح الخضر ومرشح اليمين المتطرف إلا في دورة ثالثة والنتيجة كانت متقاربة”.
وتابع: “لاشك أن خطاب هذه الاحزاب لعب كثيرا على وتر التخويف من الاسلام والمسلمين ولاشك أن هذا التخويف وجد تجاوبا من طرف شرائح كبيرة في المجتمع فقدت الثقة في الاحزاب التقليدية في تحسين الأوضاع ورفع نسق الاقتصاد وتخفيض أعداد العاطلين عن العمل”.
وتابع: “أن تصل احزاب اليمين المتطرف الى المرتبة الأولى وتعتلي سدة الحكم قد يكون هذا صعبا في الوقت الراهن، ولكنها في كل الاحوال نجحت في جعل خطابها وشعاراتها مكونا هاما في المشهد السياسي”.
وذكر بأنه: قبل سنوات “كان الاعلام يتجنب التعامل مع رموز اليمين المتطرف والذي يجرأ على ذلك تلحقه الانتقادات اللاذعة، بينما اليوم يطلّ هولاء الرموز برؤوسهم في كل القنوات والمحطات وتتحاور معهم كل الصحف والمجلات، وانتقل الجميع الى التطبيع مع خطاب وشعارات اليمين المتطرف، وهذا أخطر من نجاحه في الاستحقاقات الانتخابية، معتبراً بأن: عامل الاسلاموفوبيا “كان له دور كبير في هذه التطورات في المشهد السياسي الاوروبي”.
فوز ترامب.. وتأثيره على اليمين الأوروبي
وحول انعكاسات فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية على انتعاش الأحزاب اليمينة المتطرف بأوروبا وهو ما سوف ينعكس بدوره على تصاعد حملات الإسلاموفوبيا بدول أوروبا..
أكد من سويسرا، د.علي، بأن: “فوز ترامب سينعكس خارج الولايات المتحدة, خاصة في أوروبا التي تواجه مشكلة اللاجئين المسلمين”. وضرب مثال بذلك بالمظاهرات العديدة في عدة دول أوروبية ضد سياسات حكوماتها تجاه اللاجئين “حيث كانوا في هذه المظاهرات يرفعون شعارات مؤيدة لترامب ومواقفه ضد الأجانب”.
كما لفت إلى أن: فوز ترامب “وجد ترحيبا كبيراً لدي الأوساط اليمينية المحافظة في أوروبا، كما عبر علي ذلك بوضوح زعيمة اليمين المحافظ في فرنسا ماري لبن”.
وفي ختام حواره مع (المجتمع)، شدد د.علي، على أن: قضية اللاجئين “قضية انسانية وليست أمنية ولا ديموغرافية كما يزعم اليمين المحافظ والحركات المتطرفة في أوروبا”, متأسفاً لأن أوروبا عجزت عن تجسيد القيم التي تدعي أنها تؤمن بها وتناضل لأجلها في قضية اللجئين، مضيفاً “إذا عبرنا بلغة المدرسة نقول أن: أوروبا قد رسبت في مادة اللاجئين”!
بينما من ألمانيا، لفت “م.فالح”، إلى أنه: “كان من أول المهنئين لترامب بفوزه في الانتخابات الرئاسية الامركية كانت مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا (FN)، وهذا له دلالته، فاليمين المتطرف يرى في فوز ترامب قابلية لتسويق شعاراته وخطابه وبرامجه، فلسان حاله يقول: انظروا لقد نجح ترامب بمثل شعاراتنا وخطابنا، فلماذا لا نكون نحن الفائز القادم؟إن اليمين المتطرف يكتسب يوما بعد يوم مساحات متقدمة في اوروبا ويضبط نسق الخطاب الذي يتجه الى اعتبار الاسلام والمسلمين جسما دخيلا وغريبا عن المجتمعات الغربية ولا يتوانى في شيطنتهم وربطهم بالارهاب والعنف والتحريض ضدهم.
ان سنة 2017 هي سنة انتخابات بامتياز: الرئاسيات في فرنسا والبرلمانية في ألمانيا وهولندا، وفي كل هذه الدول تحتفظ أحزاب اليمين المتطرف بحظوظ وافرة للوصول الى نتائج معتبرة. ولعل الأهم من نتائجهم هو الحملات الانتخابية والتي لن تخلو من خطاب معادي للاسلام والمسلمين حيث يبدو أنه الأكثر رواجا وقبولا اليوم.
التحديات المستقبلية.. والفرص المتاحة
وحول التحديات المستقبلية التي تواجه مسلمي أوروبا خاصة والغرب عامة في ظل تصاعد حملات الإسلاموفوبيا وتقدم اليمين المتطرف في الانتخابات العامة في كثير من الدول الأوروبية..
قال لـ(المجتمع) “م.فالح”، من ألمانيا، موضحاً بأنه: “لئن كانت أغلب المؤشرات تذهب الى قراءة سلبية فيما يتعلق بمستقبل الاسلام والمسلمين في علاقة بصعود اليمين المتطرف إلا أن المحن تحمل في طياتها المنح كما يُقال.
وبشأن المواطن الأوروبي، توقع بأن: “هذه التطورات في المشهد السياسي الاوروبي سوف تحرك الوعي لدى الانسان الاوروبي وحسه المدني الذي طالما حصنه من الانحراف إلى اليمين أو اليسار.
وعن دور مسلمي أوروبا، دعا “م.فالح”، المسلمين في أوروبا أفرادا ومؤسسات ونظراً لهذه التحديات الوجودية “للبحث عن سبل توحيد الجهود والولوج الى ميدان السياسة والميادين التي تؤثر على القرار وتصنع الرأي العام وعلى رأسها الإعلام”.