مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
“نجاحات المرأة المسلمة المحجبة في المجالين العلمي والعملي أسفرت عن تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الحجاب بشكل خاص، وعن وضع المرأة المسلمة بشكل عام هنا في إيرلندا، وهي بلدٌ أوروبي ليس فيه الكثير من التنوع الديني والعرقي”.
بهذه الكلمات، أكدت هبة أبوروين؛ الباحثة في الدراسات الشرق الأوسطية بجامعة ترينتي بدبلن، والناشطة في المؤسسات المعنية بشؤون المسلمين في الغرب، أن النماذج الناجحة للمرأة المسلمة ساهمت -بشكل كبير- في تغيير النظرة السلبية للحجاب داخل المجتمع الإيرلندي.
جاء ذلك خلال حوار خاص أجرته مدونة “مسلمون حول العالم” بمناسبة اليوم العالمي للحجاب، الذي يوافق اليوم الاثنين 1 فبراير.
وإلى الحوار..
ـ بدايةً.. وقبل التطرُّق لمناسبة اليوم العالمي للحجاب، نود التطرق لواقع المرأة المسلمة المحجبة في إيرلندا. هل ما زالت تتعرض لتمييز وتهميش في الدراسة أو العمل؟
الحقيقة أن إيرلندا من أفضل الدول على صعيد القوانين الخاصة بالحريات الدينية بالعموم، والتعامل مع المقدسات الإسلامية والحجاب بالخصوص.
وحقيقة لم ألاحظ تمييزًا كبيرًا على الصعيد العلمي، أي في المدراس والجامعات والمؤسسات العلمية، بينما فيما يتعلق بالعمل والوظائف؛ فإنه بالرغم من تواجد المحجبات في المستشفيات والمحلات التجارية والكثير من المرافق، حتى إن الدولة تسعى لتصميم لباس شرطة خاص بالمحجبات، فإنه لا يمكن تجاهل أن الحجاب لا يزال يُشكّل عقبة في عمل المرأة، خاصة في بعض الوظائف والمراكز المؤثرة، ولا تزال النظرة النمطية تسيطر على فئة غير قليلة من العوام والخواص.
ـ من خلال متابعتكم ورصدكم للسنوات الأخيرة، هل هذا الواقع يسير نحو الأفضل أم الأسوأ؟
الإجابة على هذا السؤال بشكل دقيق في حاجة لأبحاث ميدانية وإحصاءات دقيقة، لكنني هنا أشير إلى أنني بصدد التحضير لرسالة دكتوراه، وبحث الدكتوراه سيكون حول تجربة المحجبات في إيرلندا بين الصورة النمطية والحقائق المعاصرة. البحث سيكون تاريخيًّا اجتماعيًّا قائمًا على دراسات تاريخية أولًا، ثم على دراسات ميدانية ثانيًا بخصوص موضوع الحجاب في إيرلندا فقط، وليس حركة المرأة بالعموم.
حيث لاحظت أن نجاحات المرأة المسلمة، سواء خلال دراستهن أو في كثير من مجالات العمل لاحقًا بعد تخرجهن، قد أسفرت عن تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الحجاب بشكل خاص، وعن وضع المرأة المسلمة بشكل عام. وتزداد أهمية تغيير هذه النظرة إذا علمتَ بأن إيرلندا بلدٌ ليس فيه الكثير من التنوع الديني والعرقي.
والإشكالية الحاضرة في هذا الواقع، والتي تحتاج لجهود متواصلة لإزالتها وحلّها، أن بعض التصرفات الثقافية المجحفة ضد المرأة المسلمة من قبل بعض المسلمين لا زالت -للأسف- تُحسَب على الإسلام، وتسهم في ترسيخ النظرة النمطية عن المرأة المسلمة المحجبة.
كذلك إيرلندا بلد أوروبي يتأثر فيها الناس بالإعلام العالمي الذي يُشوّه صورة الحجاب بطريقة كبيرة، كما يتأثر ببعض القوانين التي يُصدرها الاتحاد الأوروبي، مثل القانون الذي أصدرته المحكمة الأوروبية عام 2017م، الذي يمنح الشركات وأصحاب العمل الحق في فصْل العاملين الذين يرتدون رموزًا دينية من بينها الحجاب.
الحقيقة أن مثل هذه القوانين والإجراءات تزيد من تعقيد المسائل، وليس هنا فقط، وإنما في جميع دول أوروبا والعالم.
ـ نعود الآن لمناسبة الحوار والمتعلقة باليوم العالمي للحجاب، هل يتم الاحتفال بهذه المناسبة في إيرلندا؟
نعم، تقوم مؤسسة أخوات إيرلندا باحتفال سنوي باليوم العالمي للحجاب منذ العام 2017م، وقد تم توثيقه من قبل الإعلام والصحافة عام 2018م على نطاق واسع في إيرلندا، كما حضر الاحتفال إعلاميون بارزون من قناة RTE الإيرلندية.
ـ وكيف كان شكل الاحتفال في السنوات السابقة؟
الاحتفال عادةً ما يكون دعوة للإفطار بالاشتراك مع مؤسسات مجتمعية إسلامية وغير إسلامية، وشخصيات سياسية ودينية وإعلامية وأكاديمية.
يتضمن اللقاء كلمات عن الحجاب في الإسلام (ماهيته، ومكانته الدينية والاجتماعية، واختلافه باختلاف الثقافات، وأيضًا مكانة المرأة في الإسلام). كما يتضمن كلمات لغير المسلمين تشرح نظرتهم للحجاب وتجاربهم مع نساء مسلمات محجبات.
هذا بالإضافة إلى سرد تجارب شخصية لفتيات مع الحجاب في إيرلندا، بجانب بعض الأنشطة الترفيهية والفنية والتجميلية على هامش اللقاء.
ـ هل ستكون هناك فعاليات تتم لأول مرة لم تكن تتم في السنوات الماضية؟
الجديد هذا العام في ظل جائحة كورونا، أنه سيتم تنظيم هذا اللقاء السنوي على المنصات الافتراضية، وسيعقد مؤتمر تفتتحه “هيزل شو”، عمدة مدينة دبلن العاصمة الإيرلندية، ويتضمن كلمات لعدة شخصيات مسلمة وغير مسلمة.
بالطبع، وبسبب وباء فيروس كورونا، سنفقد روح التواصل المادي والاستمتاع بالجانب الترفيهي، ولكن هذا اللقاء سيمنح الفرصة لعدد أكبر بالمشاركة، ربما حتى من خارج إيرلندا، وهذا أمر إيجابي.
ج ـ ما هي مقترحاتكم المستقبلية لهذه الاحتفالات السنوية بالحجاب حتى تحقق الهدف منها؟
بهدف تحقيق أكبر فائدة من هذه الاحتفالات، لدي ثلاثة مقترحات:
أولًا: من المهم جدًّا أن يكون هنالك انخراط أكبر من قبل النساء المحجبات خاصةً في الأعمال المجتمعية والتطوعية؛ لتقديم رسائل حقيقية للمجتمع، ومشاركة هذه المناشط خلال هذه الاحتفالات. أيضًا دعوة شخصيات محجبة لها نجاحات بارزة للحديث عن نجاحاتهن على الرغم من ارتدائهن الحجاب. سيكون لهذا وقع أكبر من الحديث النظري عن هذه القضية.
ثانيًا: نحتاج إلى دعوة الفتيات المسلمات لمثل هذه اللقاءات للاحتفال بإنجازاتهن، وتشجيعهن على الافتخار بهُويّتهن الدينية والأوروبية على حد سواء، وكذلك على الاندماج مع شخصيات نسائية من كافة الأعمار ممن تميَّزن بحجابهن وأدائهن؛ حتى يتضح جليًّا الفرق بين ما يروّج له بعض المسلمين وغير المسلمين من عادات وتقاليد لا علاقة لها بالدين ولا بالحجاب.
ثالثًا: نحتاج إلى دعوة أكبر عدد من الشخصيات الدينية والسياسية التي تسهم -بشكل كبير- في وضع القوانين وتسييرها، وكذلك الشخصيات الإعلامية؛ لتوثيق مثل هذه البرامج وبثّها. كما أن وجود شخصيات أكاديمية في هذه الاحتفالات يُشجع على البحث العلمي في هذا الموضوع، وكذلك دعوة منظمات المجتمع المدني لتعريفها بحقيقة الحجاب، وواقع المحجبات، وتأثير الحجاب الإيجابي عليهن. كل هذه الفئات ستدعم المحجبات، وتسهم في تقليل العنصرية والتهميش والعنف ضد المحجبات في المجتمعات الأوروبية.