
مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
في لحظة امتزج فيها الحنين بالوفاء، عادت وجوهٌ ألفت مقاعد الدراسة وجدران الذاكرة إلى حيث كانت البدايات.. حيث العلم، والانضباط، والصحبة التي لا تنسى. ثلاثون عامًا مضت منذ أن ودّعت الدفعة الثامنة والعشرون مقاعدها الدراسية في مدرسة علاء الدين الثانوية الإسلامية في العاصمة بريشتينا، لتعود هذا الأسبوع إلى المدرسة ذاتها، في لقاء استثنائي أعاد إليهم عبق تلك الأيام.
جاء اللقاء محمّلاً بالمشاعر، فهؤلاء الخريجون الذين أتمّوا دراستهم خلال العام الأكاديمي 1994-1995، أصبحوا اليوم رجالًا ناضجين يحملون على عاتقهم أدوارًا فاعلة في المجتمع، في أسرهم، وفي مؤسساتهم المحلية والوطنية، وقد جمعهم حبهم العميق للمدرسة التي كانت لهم بيتًا ومهدًا للتكوين العلمي والديني.
احتضنتهم مدرسة علاء الدين كما اعتادت، بذات الروح التي غرست فيهم قيم الوفاء والعطاء. وقد استُهل اللقاء بكلمات ترحيب، قبل أن تنطلق لحظات الاستذكار الجميل، حيث تبادل الخريجون ذكرياتهم التي نسجت أيامًا لا تُنسى، وتحدّثوا عن إنجازاتهم ومساراتهم الحياتية، فيما طرح بعضهم أفكارًا بنّاءة لتطوير المدرسة والارتقاء برسالتها.
ولم يكن اللقاء مجرد مناسبة اجتماعية، بل تجلّى فيه المعنى الأسمى للانتماء، فقد عبّر كل من الحاضرين عن اعتزازه العميق بالانتماء إلى هذه المدرسة، وحرصه على دعمها ومساندتها في مختلف المجالات. كثيرون منهم ظلوا على صلة دائمة بالمؤسسة، يقدمون لها الدعم المعنوي والمادي، في سبيل أن تبقى منارة للعلم والهوية الإسلامية الأصيلة.
مدرسة علاء الدين من جهتها لم تخفِ فخرها بأبنائها القدامى، الذين ما زالوا يثبتون أن الاستثمار في الإنسان الصالح لا يضيع، وأن البذور التي زُرعت في تلك السنوات، أثمرت رجالًا أوفياء، يُشهد لهم بالعطاء والكفاءة.
وهكذا اختُتم اللقاء على وعدٍ بلقاءات قادمة، ورسالة صامتة مفادها: أن الوفاء للمكان هو وفاء للذات، وأن مدرسة علاء الدين ستظل ذاكرة حية في قلوب كل من مرّ من دروبها.
لقاءات الأجيال.. جسور من الوفاء والتواصل
يذكر بأنه تشكل لقاءات الأجيال في مدرسة علاء الدين الثانوية الإسلامية في العاصمة بريشتينا علامة فارقة في مسيرة هذا الصرح العلمي العريق، إذ تُمثل جسراً حيوياً يربط بين الماضي والحاضر، ويعزز روابط الانتماء والولاء بين خريجي المدرسة وطلابها.
تكمن أهمية هذه اللقاءات في عمقها الاجتماعي والثقافي، حيث تعيد إحياء الذكريات الجميلة، وتفتح آفاقاً لتبادل الخبرات والنجاحات التي حققها الخريجون في حياتهم المهنية والشخصية، فيصبح اللقاء مناسبة لتشجيع الأجيال الجديدة على السير على درب التميز والإبداع.
كما تشكل هذه اللقاءات منصة استراتيجية لتطوير المدرسة، إذ يساهم الخريجون في دعم مؤسستهم بكل إمكانياتهم، سواء عبر الأفكار البناءة أو الدعم العملي، مما يعزز مكانة المدرسة كمركز معرفي رائد، وبيئة حاضنة للقيم الإسلامية الأصيلة.
إضافة إلى ذلك، تحافظ هذه اللقاءات على التراث الثقافي والديني للمشيخة الإسلامية في كوسوفا، من خلال نقل القيم والمبادئ من جيل إلى آخر، وتعميق الوعي بهوية المدرسة ودورها في بناء الشخصية الإسلامية الواعية.
في النهاية، تظل لقاءات الأجيال في مدرسة علاء الدين أكثر من مجرد مناسبات اجتماعية؛ إنها احتفالات بالوفاء، ودروس في المسؤولية، وتجديد للعهد بين المدرسة وخريجيها، لتستمر رحلة البناء والتقدم في ظل مجتمع متلاحم ومثابر.