
مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
لم تعد تايوان مجرد جزيرة صناعية وتكنولوجية في شرق آسيا، بل أصبحت أيضًا محطة لافتة في مسار التفاعل الثقافي والحضاري مع العالم العربي والإسلامي.
فقد شهدت الجزيرة الأسيوية في السنوات الأخيرة سلسلة من المبادرات والفعاليات التي تسعى إلى تعميق الوعي بالثقافة العربية والإسلامية وفتح آفاق جديدة للتعارف والحوار، ومد جسور التواصل مع العالمين العربي والإسلامي.
وفي هذه القراءة لسلسلة من التقارير الثقافية التي نشرت في فترات سابقة على موقع مسلمون حول العالم، نستعرض أبرز محطات المشهد الثقافي التي تعكس هذا التلاقي الفريد.
ترميم مصحف نادر عمره 500 عام
أحد أبرز المشاهد التي لفتت الانتباه تمثل في مبادرة مكتبة تايوان الوطنية لترميم مصحف منسوخ يدويًا يعود إلى نحو خمسة قرون. استغرقت عملية الترميم أكثر من عامين، قادتها خبيرة الترميم التايوانية شو مي وين، التي بذلت جهدًا استثنائيًا للعثور على ورق شبيه بالمستخدم في المصحف القديم.
ورغم أنها ليست مسلمة، فقد التزمت خلال فترة عملها بالامتناع عن تناول لحم الخنزير احترامًا للمصحف، في دلالة إنسانية على روح التقدير للتقاليد الإسلامية. وفي يونيو الماضي، أُعيد تقديم المصحف المرمم إلى جمعية تسجي الخيرية في أجواء احتفالية شهدت تلاوة قرآنية باللغتين العربية والصينية.
معرض “رحلة إلى قلب الفن والتراث الإسلامي”
في خطوة موازية، استضاف متحف الأديان العالمية في العاصمة تايبيه معرضًا استثنائيًا بعنوان “رحلة إلى قلب الفن والتراث الإسلامي”، امتد لأربعة أشهر ونصف.
انقسم المعرض إلى مراحل متنوعة تناولت موضوعات مثل: الفنون الإسلامية، الطعام الحلال، المساجد والمقابر، رحلة الحجب، ونظرة الإسلام للحياة والموت.
ولم يقتصر الحدث على عرض المقتنيات، بل تضمن أنشطة تعليمية وتفاعلية لتعميق فهم الجمهور التايواني للتنوع الحضاري للعالم الإسلامي.
الفنون الإسلامية في الذاكرة التايوانية
وفي وقت سابق، سلط متحف القصر الوطني في تايبيه الضوء على شخصية الرحالة الصيني المسلم تشنغ خه، من خلال معرض “الإبحار إلى الأفق”، الذي عرض مقتنيات فنية وثقافية تحكي عن رحلاته إلى العالم الإسلامي ووصوله إلى مكة المكرمة. وقد شكل المعرض جسرًا بين التاريخ الصيني والإرث الإسلامي، ما عزز حضور الإسلام كجزء من الذاكرة المشتركة في تايوان.
الدلالة الحضارية
هذه النماذج الثلاثة ـ ترميم المصحف النادر، المعرض الفني الإسلامي، واستعادة إرث تشنغ خه ـ تشكل معًا لوحة متكاملة تعكس حرص المجتمع التايواني على الانفتاح على الثقافة الإسلامية وتقدير قيمها الإنسانية. وهي تعبير عن رغبة متنامية في بناء جسور التواصل مع العالم العربي والإسلامي، بعيدًا عن الصورة النمطية التي تُختزل غالبًا في البعد الديني أو الجغرافي.
![]()
مشهد ثقافي يفتح المجال أمام حوار حضاري متبادل
المشهد الثقافي في تايوان بات أكثر قربًا من الإسلام وقيمه الحضارية، عبر جهود مؤسسات وطنية ومتاحف ومكتبات كبرى. وهو مشهد يفتح المجال أمام حوار حضاري متبادل يسهم في تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل، ويؤكد أن الثقافة تظل أوسع وأعمق من الحدود السياسية والجغرافية.