( 9 ) حوار الفلبين الأول ـ (2014)
“أهم التحديات التي نواجهها حاليًّا في مرحلة السلام يتمثل في تأهيل شعبنا بكل أنواع المهارات التي تستلزمها إقامة الحكم الذاتي الموسع”..
أدار الحوار: هاني صلاح /
بهذه الكلمات ألقى الضوء “حبيب عثمان”؛ المفوض من قسم إعلام “جبهة تحرير مورو الإسلامية” للتحدث باسم الجبهة مع الجمهور الناطق بالعربية، على أبرز التحديات التي تواجه مسلمي جنوب الفلبين، الذين يشكلون ما نسبته 12% من إجمالي تعداد سكان البلاد البالغ نحو 100 مليون نسمة.
وأكد بأن: “أهم التحديات التي نواجهها حاليًّا في مرحلة السلام يتمثل في تأهيل شعبنا بكل أنواع المهارات التي تستلزمها إقامة الحكم الذاتي الموسع ، فإن شعبنا عانى كثيرًا من ويلات الحروب، وبالتالى أصبح غير مؤهل بالإجازات العِلمية على اختلاف أنواعها، وعليه فإن حاجتنا إلى التأهيل سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وغير ذلك من متطلبات الدولة حاجة ماسَّة، وذلك يُكلّفنا مبالغ طائلة”.
جاء ذلك في سياق حوار: (مسلمو الفلبين بين صراع الأمس وسلام اليوم)، الذي أجرته جريدة “الأُمّة”، في 18 اكتوبر 2014م مع ضيف الحوار، وشارك معها في طرح الأسئلة عدد من الصحفيين من وسائل إعلام متعددة.
وهو الحوار الأول عن الفلبين، والتاسع في سلسلة “حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والتي تأتي في سياق برنامج للتعريف بواقع المجتمعات المسلمة بدول العالم.
وإلى الحوار..
المشاركة الأولى.. من: هاني صلاح؛ مُنسّق الحوار، وتتضمن ثلاثة أسئلة:
1 ـ نرجو من سيادتكم التفضل بتعريف أنفسكم لجمهور “الأمة”؟
بدايةً أتوجه بالشكر لجريدتكم الإلكترونية “الأُمَّة” ولجمهوركم الكريم؛ لإتاحة هذه الفرصة الطيبة للتحدث والتواصل مع الجمهور الناطق باللغة العربية، وتعريفهم بقضيتنا العادلة وحقوقنا المشروعة نحن – مسلمي الفلبين – الذين نعيش على أرضنا التاريخية منذ آلاف السنين.
اسمي: حبيب موسى عثمان، خريج الدراسات العليا، قسم التفسير- جامعة الأزهر بالقاهرة عام 2010، كما تخرجت في كلية التربية- قسم اللغة الإنجليزية، في “منداناو” بالفلبين، ومن قبلُ أنهيت التعليم الثانوي والجامعي بالأزهر.
كنت قد سافرت إلى القاهرة عام 1995م، وعشتُ في بلاد الأزهر ما يقرب من 16عامًا لتعلُّم العلوم الإسلامية واللغة العربية، وتتلمذت على أيدي مشايخ الأزهر بمعهد البحوث الإسلامية.
أذكر منهم الشيخ أحمد الشحات الذي كان يُدرّسنا التفسير في المرحلة الثانوية، فتأثرت كثيرًا بما رأيته من إخلاصه وزهده وتواضعه وعلمه الغزير، وكان كفيفًا يشرح الكتاب عن ظهر قلب كما كتَبه مؤلِّفُه.
دفعني كل ذلك إلى الالتحاق بقسم التفسير، لأحذو حذو الشيخ، ووفّقني الله تعالى للحصول على شهادة التخصص بإشراف الأستاذين: د. علي صالح رضوان، ود. عبد الرحمن علي عويس، تحت عنوان: “الدخيل في تفسير مجمع البيان للطبرسي”، بتقدير ممتاز.
بعد رجوعي إلى الفلبين، توليت وظيفة في إدارة “التنمية والاقتصاد”، وهي إحدى آليات عملية السلام الجارية بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية. كما أقوم بواجبي الدعوي؛ حيث عملتُ مدرسًا في المعاهد الإسلامية، وأقوم بتحفيظ الأبناء الصغارِ القرآنَ الكريم في الفترة المسائية، كما أعمل خطيبًا في مساجد المنطقة، ومحاضرًا في كثير من المخيمات والدورات الدعوية.
2ـ قبل التطرق إلى الحديث عن مسلمي الفلبين، اعتدنا في جريدة “الأمة” الإلكترونية البدء بسؤال عام للتعريف بـ(الدولة/البيئة) التي يعيش فيها المسلمون؛ لذلك نرجو التفضل بإلقاء نبذة تعريفية عن دولة الفلبين وعلاقاتها بالعالم الإسلامي؟
تقع دولة الفلبين في جنوب شرق آسيا، عاصمتها “مانيلا”، وتقع في شمال البلاد، وتتكون من 7107 جزيرة، وتنقسم إلى ثلاث جزر رئيسية هي: “لوزون” في الشمال، و”بيساياس” في الوسط، و”منداناو” في الجنوب، ويحدها من الشرق بحر الفلبين، ومن الغرب بحر الصين الجنوبي، ومن الجنوب بحر سيليبيس.
يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، ينحدرون من أصول “مالايو”، بالإضافة إلى الصيني والإسباني، وأهم دياناتها المسيحية الكاثوليكية (تعد الدولة الكاثوليكية الوحيدة في المنطقة)، بالإضافة إلى الإسلام والبوذية.
نالت الفلبين استقلالها في 12 من يونيو 1898م، بعد هزيمة الإسبان على أيدي الأمريكان في المنطقة، وقد أعلن الاستقلال “إيمليو إجينالدو”، ليصبح أول رئيس لها؛ إلا أن ذلك لم يحظ بتأييد من هذين البلدين المتحاربين؛ مما أدى بدوره إلى نشوب الحرب بين الفلبينيين والأمريكان، وانتهت باحتلال الأخير للبلاد إلى أن تم منح الاستقلال التام في 4 من يوليو 1946 للفلبينيين، بضم “منداناو” و”أرخبيل سولو” اللتين تتمتعان بالسيادة والاستقلال حينئذٍ (مناطق المسلمين في الجنوب كانت قد تعرضت للغزو الإسباني ثم الأمريكي في السابق، إلا أنهما واجها مقاومة شرسة من قِبل المسلمين، فلم يتمكَّنا من احتلال مناطقهم).
وتعد الفلبين من أهم البلاد التي تمدُّ الدول العربية الآسيوية بالطاقة البشرية؛ حيث يبلغ عدد عمالها في الخارج نحو 2,22 مليون عامل، وهي من أهم الدول التي تصدِّر سمكة التونة؛ حيث تبلغ قيمة صادراتها إلى اليابان والدول الأوروبية نحو 294,893 مليون دولار أمريكي في العام الواحد، ومن قصب السكر نحو 230 مليون دولار أمريكي، وغيرهما من المواد الخام.
ولدولة الفلبين علاقة جيدة نسبيًّا ببعض الدول العربية والإسلامية، ومما يثبت ذلك سعيها إلى الحصول على عضوية مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي) في عامي 2008- 2009، وكان ذلك في عهد الرئيسة “جلوريا أرويو”، إلا أن ذلك الطلب لم يحظَ بالقبول من بعض الدول الأعضاء.
ومنها توسط الحكومة الإندونيسية في المحادثة السلمية بينها وبين جبهة تحرير مورو الوطنية في عهد الرئيس “فيديل راموس”؛ مما أدى إلى إبرام الاتفاق السلمي النهائي في العام 1996 في مدينة “جاكرتا” الإندونيسية.
ومنها استضافة السعودية للجلسات الثلاثية برعاية منظمة التعاون الإسلامي التي خُصصت لمراجعة تطبيق ذلك الاتفاق السلمي.
ومنها التوسط الماليزي لاتفاق السلام بينها وبين جبهة تحرير مورو الإسلامية؛ مما أدى إلى إبرام الاتفاق الشامل بينهما حول “بانجسامورو” في العام الجاري، وكان ذلك الاتفاق قد لاقى إشادة وقبولًا من منظمة التعاون الإسلامية والدول الإسلامية والعربية، بما فيها المملكة العربية السعودية وقطر وماليزيا وإندونيسيا وبروناي، وغيرها من الدول التي ترعى السلام في العالم.
3 ـ نرجو منكم إطلالة مختصرة سريعة عن مسلمي الفلبين. ما هي خريطتهم العرقية والجغرافية والاجتماعية؟
يبلغ عدد مسلمي الفلبين حوالي 12 مليون نسمة، يُمثّلون حوالي 12% من إجمالي سكان البلاد، ويُعرفون بـ”شعب مورو”، وهذه إحصائية جبهة تحرير مورو الإسلامية وفقًا لعملية جمع الزكاة في شهر رمضان، بينما تخفض الحكومة الفلبينية عدد المسلمين إلى نحو 4 ملايين نسمة فقط (يشار إلى أن كافة هذه الإحصائيات تقريبية، بينما العدد الحقيقي للمسلمين غير معروف تمامًا، كما هو الحال في كثير من الدول غير الإسلامية).
وترجع تسمية مسلمي الفلبين بـ”مورو” إلى عهد الاحتلال الإسباني في المنطقة، حين لاحظوا شجاعة وتضحيات المسلمين هناك دفاعًا عن بلادهم، ورأوا أنها تتشابه بشكل كبير مع شجاعة المسلمين في المغرب العربي، فسُمّوا بهم.
وينحدر هذا الشعب من أصول “المالايو”، الذين جاءوا من جزيرة “بورنيو” و”ماليزيا” فجر تاريخ البلاد، ثم وصل بعد ذلك التجار الأشراف من حضرموت؛ فأسلم على أيديهم جمع كبير من أهل المنطقة لمَا رأوا فيهم من الأخلاق الكريمة.
ثم سرعان ما انتشر الإسلام في جميع أنحاء البلاد، فتأسست سلطنتان إسلاميتان في “أرخبيل سولو”، و”ماجندانا”، و”منداناو” في جنوب البلاد، بجانب إمارة إسلامية في “مانيلا” و”توندو” في شمال البلاد.
وبعد سقوط غرناطة الأندلسية، قصد الإسبان المنطقة، وبالفعل وصلوا إليها في العام 1521 بقيادة “فرديناند ماجيلان”، فأرْسَوا سفنهم الحربية في “ماكتان” بوسط البلاد، فوجدوا أهلها مسلمين بزعامة البطل “لابو لابو”، فأخذوا يفرضون عليهم أحد الأمرين: المسيحية أو السيف، فأدى ذلك إلى نشوب قتال دامٍ بينهما انتهى بمقتل “فرديناند ماجيلان” على يد ذلك البطل المسلم، ثم تتابعت الحملات الإسبانية، والتي لاقت شر هزيمة في الإمارة الإسلامية في “مانيلا” على يد القائد “راجا سليمان”، وابن أخيه “لاكاندولا” في “توندو”.
ثم شرع الإسبان في توسيع نفوذهم إلى جنوب البلاد، فلاقوا عند أهلها دفاعًا شرسًا أودى بحياة كثير من قادتهم العسكريين، بمن فيهم “روي لوفيز دي بيليالوبوس”، الذي ألحق الهزيمة بمانيلا وتوندو، و”فيجروا”، وغيرهما من الضباط في قواتها الاحتلالية.
واستمرت المقاومة الإسلامية في المنطقة إلى أن وصل الأمريكان في القرن التاسع عشر، ثم اليابان في الأربعينيات من القرن الماضي، ثم تجددت المقاومة بموجة جديدة من الاحتلال نتيجة الاستقلال الذي مُنح للفلبين من قبل الأمريكان، والذي يقتضي ضم “منداناو” إليها، فتأسست جماعات عديدة لصدِّ العدوان الفلبيني.
ثم انتهجت الفلبين سياسة احتلال مبرمجة، وهي “التوطين والتهجير”؛ حيث تستقدم الفلبينيين الكاثوليك من الشمال للإقامة في مناطق الجنوب الإسلامية، وتقوم بدفع أصحابها المسلمين إلى الهجرة عبر حملات الترهيب والترويع.
وقامت الحكومة الفلبينية بمنح الأراضي الشاسعة للشركات الكبيرة المحلية والعالمية بهدف جذبهم إلى الفلبين للاستيطان، وانتظم هؤلاء المستوطنون في عصابات تستهدف قتل المسلمين، ونهب الممتلكات، وهتك الأعراض، والتهجير.
ومن تلك العصابات منظمة “إيلاجا” المعروفة، التي تأسست أواخر الستينيات من القرن الماضي على أيدي المستوطنين، وسعت لارتكاب فساد أكبر في تاريخ المنطقة استمر إلى أوائل السبعينيات، ويقدر المراقبون أرواح المسلمين التي أُزهقت في هذه الفترة بين مائة وخمسين ألفًا ومائتي ألف نفس، ما بين نساء وأطفال أبرياء.
أدت تلك السياسة إلى تهميش المسلمين لتنكمش مساحة أراضيهم، أي التابعة للحكم الذاتي لإقليم مسلمي “منداناو” القائم في الوقت الحالي، إلى نحو ثلاثين ألف كيلومتر، أي ما يعادل 30% من مساحة “منداناو” التي تبلغ مائة وسبعة عشر ألف كيلومتر مربع.
أصبح الوضع في المنطقة التي يتركز فيها وجود المسلمين مهينًا وضعيفًا، بحيث إن أهلها لم يعودوا يتمتعون بالخدمات الحكومية الأساسية، وتسود فيها الأمية، وتفتقر للبنية التحتية، ويعيش أهلها تحت خط الفقر بنسبة كبيرة، بحيث تتربع فيها أكبر نسبة فقر في البلاد كلها.
ومن أجل ذلك، نص الاتفاق الإطاري المبرم بين الحكومة الفلبينية والجبهة الإسلامية مؤخرًا، على أن ظروف الحكم الذاتي لإقليم مسلمي “منداناو” لم تعد مقبولة من الطرفين في الوقت الحالي، وتستلزم الإلغاء، وعلى أنقاض الاتفاق القديم تأسست حكومة بانجسامورو على وفق ذلك الاتفاق الجديد المُبرَم.
المشاركة الثانية.. د. عبد الله رمضان؛ ناقد وشاعر من مصر، وتتضمن ثلاثة أسئلة:
4ـ الكيان السياسي الجديد الذي يسمى “بانجسامورو”، وحسب اتفاقية السلام الموقعة.. هل هو كيان سياسي فقط أم أن هناك انفصالًا ما عمَّا قريب؟
خُضْنا مفاوضات صعبة مع الحكومة الفلبينية منذ عام 1996م (18 عامًا)، إلى أن توصلنا إلى إبرام “الاتفاق الإطاري حول بانجسامورو” في 7 من أكتوبر 2012م، ثم “الاتفاق الشامل” في 27 من مارس العام الجاري 2014م.
هذان الاتفاقان يقتضيان بالضرورة إقامة كيان “بانجسامورو السياسي” الجديد على أنقاض “الحكم الذاتي” لإقليم مسلمي “منداناو” السابق.
وجدير بالذكر أن أهم ما توصلنا إليه خلال هذين الاتفاقين اعتراف الحكومة الفلبينية بأن منطقة “بانجسامورو”، أي “شعب مورو” المسلم، له هوية مستقلة تختلف عن الهوية الفلبينية، وأنه يمثل المجتمع الأصلي في المنطقة، والتي كانت ذات سيادة مستقلة قبل مجيء الإسبان إليها في عام 1521م.
وإزاء هذه الحكومة المزمع تكوينها، نعتقد بأن الكرة أصبحت في ملعبنا نحن – المورويين – فإذا أحسنّا إدارة هذه المنطقة “البيت الصغير”؛ فإن ذلك يرشحنا لكي ندير بيتًا أكبر في المستقبل.
5ـ كانت جبهة مورو قديمًا موحدة، ثم انقسمت إلى جبهتين: إحداهما مورو الإسلامية، والأخرى أظن قومية، ما مصيرهما الآن؟ المقصود: جبهة سلامات، وجبهة نور ميسواري.
تأسست جبهة تحرير مورو في عام 1962م، على أيدي الطلاب الذين كانوا يدرسون بالأزهر، إبان وصول موجات الهجرة من سكان شمال الفلبين ووسطها إلى منداناو (جنوب البلاد)، فلما سافروا إلى البلاد رأوا ضرورة لمِّ الشمل، وتوحيد الصفوف مع الثوريين من أبناء مورو في أرض الوطن، فأصبح تبعًا لذلك اسم الجبهة المتأسسة جبهة تحرير مورو الوطنية؛ لتتماشى مع مبادئ الوطنية للثوريين المنضمين إليها.
وفي 23 من ديسمبر 1976م، أُبرم الاتفاق السلمي بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الوطنية في طرابلس ليبيا، واقتضى الاتفاق إقامة حكم ذاتي في إقليم منداناو، فقبل نور ميسواري (رئيس الجبهة الوطنية) ذلك.
إلا أن الشيخ سلامات (نائب الرئيس)، رأى أن الاتفاق لا يفي بغرض الثوريين لما فيه من البنود التي تهدف إلى إطفاء الثورة، وأن السلطات والصلاحيات المخولة لها محدودة جدًّا، فأدى ذلك إلى الانفصال في عام 1978م، فتأسست إثر ذلك جبهة تحرير مورو الإسلامية.
ثم في 2 من سبتمبر 1996م، أُبرم الاتفاق النهائي بين الحكومة الفلبينية والجبهة الوطنية بقيادة نور ميسواري، ولكن الشيخ سلامات يرى القضية أمام الاتفاق المبرم لا يشفي.
إبان ذلك أجريت محادثة بين الحكومة الفلبينية والجبهة الإسلامية لأول مرة في العام 1996، إلى أن توصل الجانبان إلى الاتفاق الشامل بينهما في العام الجاري.
وفي 18 من مايو 2010م، دعا صاحب السعادة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي “أكمل الدين أوغلو”، الطرفين (الإسلامية والوطنية) إلى تشكيل مجلس تعاون بين الجبهتين على هامش اجتماع الوزراء الأعضاء في طاجيكستان، وتبع ذلك اجتماعات في جدة بالمملكة العربية السعودية.
ثم في 26– 27 من الشهر عقد الاجتماع بين الطرفين في “مانيلا” بحضور المندوب الخاص السفير “سيد قاسم المصري”؛ لوضع اللمسات الأخيرة لذلك المجلس.
6ـ ما هي آخر صيغة رسمية بشأن مسلمي الفلبين، خصوصًا في الجنوب؟ وما الكيان الجامع لهم؟ وما مدى التزام حكومة مانيلا بذلك؟
اقتضت الاتفاقيات المبرمة بين الحكومة الفلبينية والجبهة الإسلامية، باعتراف الأولى باختلاف هوية الشعبين، وأن “شعب مورو” هم السكان الأصليون في المنطقة قبل مجيء الإسبان في عام 1521م، وأن يكون لديهم حكومة مستقلة ذات سيادة مستقلة.
كما أكد على أن ظروف الحكم الذاتي لإقليم مسلمي “منداناو” الحالي لم تعد مقبولة، وأن الأمر يستلزم إقامة حكومة أخرى (كيان سياسي آخر) جديدة تتمتع بالسلطات المتوازية مع الحكومة الفلبينية، والتي تعرف بـ”حكومة بانجسامورو”، ولديها “دستور” جديد يسمى بـ”قانون بانجسامورو الأساسي”.
أما عن مدى التزام حكومة مانيلا؛ فإن دائرتي المفاوضات وضعتا ضوابط لضمان التزام الطرفين، لاسيما أنهما قد تلقيا درسًا خلال اتفاق 1996م وغيره من الاتفاقيات في الدول الأخرى.
ومن ذلك استمرار فاعلية دائرتي المفاوضات إلى آخر عملية إقامة الحكومة المقررة، وتشكيل طرف ثالث لرصد خطوات التنفيذ، والذي يتكون من الدول المحايدة، وألا ينزع سلاح إلا بالمقابلة من التطبيق العملي للاتفاقيات المبرمة من قبل الحكومة، وأنه لتتم عملية النزع إذا ما أقيمت الحكومة المقررة بالفعل.
المشاركة الثالثة.. من: بكر العطار؛ من جريدة الأمة، وتتضمن أربعة أسئلة:
7 ـ نرجو إلقاء الضوء على خريطة الجماعات المسلمة، سواء الموافقة لاتفاقية السلام أو المعارضة لها؟ بمعنى هل هناك إجماع عليها من جميع مسلمي جنوب الفلبين أم أن هناك معارضين لها؟ ولماذا؟
في الفلبين جماعات متنوعة تختلف توجهاتها تبعًا لأيديولوجيات اقتنعت بها، ولكن يجمعها هدف واحد، وهو تحقيق مصالح الأمة، ومن هذا المنطلق اختلفت وسائل هذه الجماعات، وعليه فإن الاختلافات بين الجماعات في البلاد “شكلية” بالنسبة لما وصلت إليه الجبهة الإسلامية من الاتفاق السلمي.
وأثناء إعداد “مسودة قانون بانجسامورو الأساسي”، نظمت “مفوضية بانجسامورو الانتقالية”، والمسئولة عن تلك المسودة، سلسلة مؤتمرات تشاورية في المناطق التي يقطنها المسلمون، سواء في مناطق خاضعة للحكم الذاتي لإقليم مسلمي منداناو، أو حتى خارجها؛ لإدراج آرائهم ومقترحاتهم في المسودة.
ورأى المفوضية في الشكل الأساسى أن الجميع ينتظرون لما آل إليه الاتفاق. وبناء عليه، فإننا نعتبر حكومة بانجسامورو المزمع تكوينها تمثل مفتاحًا للسلام العادل والدائم في المنطقة.
ولكن بالرغم من كل ذلك، فإنه لا ينفي أن تكون هناك جماعات تتمسك برأيها، وتلتزم بما رسمته من الوسائل، وفئات أخرى تسعى لحماية مصالحها الشخصية، وترى أن تشكيل حكومة بانجسامورو يمثل فقدانًا لمركزهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ ولهذا يقفون في وجه هذا الاتفاق، ولكن تلك الجماعات وهذه الشرائح تأثيرها ضئيل، وبعض وسائل الإعلام هي التي تبالغ إلى حدٍّ قد يشوه صورة عملية السلام.
8 ـ متى يتم تنفيذ اتفاقية السلام؟ وما هي الضمانات التي قدمتها حكومة الفلبين لمسلمي الجنوب حتى تنفيذ هذا الاتفاق؟
في الحقيقة قدمت الحكومة ضمانات لتهيئة الطريق لتطبيق الاتفاق؛ منها: تراجع نشر قواتها المسلحة إلى أماكن خارج أراضي بانجسامورو، لتهيئة المناخ العام للتطبيق، وأن نزع سلاح الجبهة يقابله التطبيق العملي للحكومة في المجال السياسي والاقتصادي والتنموي، بحسب المراحل المتفق عليها بين الجانبين، كما ينص على إشراف الدول المحايدة كطرف ثالث في الاتفاقية.
9ـ إذا أخلَّت الحكومة الفلبينية بهذه التسوية؛ فماذا سيكون موقف جبهة تحرير مورو الإسلامية؟
نحن استفدنا كثيرًا من عملية السلام الجارية بيننا وبين الحكومة، ومن ذلك: إتاحة الفرصة لعناصرنا حتى يواصلوا تعليمهم في المراحل المختلفة، واكتسابنا تأييدًا من المجتمع الدولي.
أما إذا تراجعت الحكومة عن تطبيق الاتفاق المبرم بيننا؛ فإن أمامنا بدائل متاحة لابد أن ندرسها طبقًا لأولوياتنا ومصالحنا، ونتمسك بكل عزم بتحقيق غايتنا، إن شاء الله.
10ـ ما هي علاقة جماعة “أبو سياف” بجبهة تحرير مورو الإسلامية؟ وبمَ تصفونهم؛ هل هم جماعة سلمية أم مسلحة؟ حبذا لو ألقيت لنا نظرة سريعة شاملة عنهم.. وشكرًا.
دوافع تأسيس أي جماعة في بلادنا “متوفرة”؛ لإن الإنسان بطبعه يرفض الظلم والقمع والاضطهاد، فعندما يشعر بذلك يدفعه طبعه إلى الانتقام، ويبذل قصارى مجهوداته وتضحياته.
ونحن بدورنا نسعى إلى إحلال السلام في المنطقة، لأنه من دون السلام لا تَقدُّم لهذا الشعب، ونرحب بمن يحترم الإنسانية ويتطلع إلى صلاح هذه الأمة.
وسياستنا دائمًا عند الخلاف أن نتحاور للوصول إلى تفاهم مشترك، وأن نتجنب ما يثير العداوة، لا سيما أن لدينا القضية الكبرى التي تتطلب منا بذل الجهد المضني.
أما “أبو سياف” فهم جماعة كانت تدعو إلى إقامة الدولة الإسلامية على يد مؤسسها عبد الرزاق جنجالاني، ثم بعد وفاته في 18 من ديسمبر 1998 خلفه أخوه الصغير قذافي جنجالاني، ففقد السيطرة على الجماعة وتفرق أتباعه إلى جماعات، ليتحول البعض منهم إلى عصابات.
وهذه الجماعة من أجل بقائها تعتمد على عملية الخطف مقابل فدية، ونرى أن هذه السياسة لا تخدم قضيتنا، ونظرًا لذلك نرى حاجة إلى مراجعة المبادئ التي يؤمنون بها.
المشاركة الرابعة.. د. عمرو سلام؛ مدرس مساعد بكلية أصول الدين ـ جامعة “الإنسانية” بولاية “قدح” ـ ماليزيا، وتتضمن سؤالين:
11ـ كم تبلغ مساحة هذا الإقليم من مساحة الفلبين مجتمعة؟ وما هي الثروات الموجودة فيه؟ وهل تكفي لإقامة دولة لهم؟ وماذا عن الثروات في المناطق التي لا تخضع لهم؟
مساحة أراضي الحكم الذاتي لإقليم مسلمي “منداناو” القائم، والذي على أنقاضه سوف تأسس حكومة بانجسامورو. وتبلغ مساحته نحو ثلاثين ألف كيلومتر، أي ما يعادل 10% من جملة مساحة الفلبين التي تبلغ 300,000 كيلومتر.
ويعد إقليم بانجسامورو أغنى المناطق بالنسبة للثروات الطبيعية، فلديه مخزون من النفط الخام الذي يُقدّر – بحسب الشركات البترولية الماليزية – بـ 3.3 تريليون متر مكعب، كما أنه غني بمعدن النيكل – أحد أنواع المعادن التي تستخرج في محافظة “تاوي تاوي” – الذي بلغت العام الماضي قيمة الاستثمار فيه بالمحافظة إلى 1,227 مليار بيزو، أي ما يعادل 27 مليون دولار أمريكي.
كما أنه غني بسمكة السردين التي تُستخرج من المياه الإقليمية للحكومة المقررة، والتي بلغت في العام الماضى 151,720 طنًّا، وتصدّر إلى الخارج، إلى غير ذلك من المواد الخام المعدنية والطبيعية التي تكفي لإقامة دولة لهم.
12ـ نريد لمحة موجزة عن طبيعة الصراع في دولة الفلبين.. أعني بين مَن ومَن؟ وما هي بعض النتائج المترتبة على هذا الصراع؟
الصراع في البلاد مستمر منذ أربعة قرون بين مسلمي الفلبين والمستعمر الغربي، ثم الحكومة الفلبينية، أي عقب وصول الإسبان في جزيرة “ماكتان” عام 1521م، وتتابع نشوب الحروب الدامية نتيجة محاولات متعاقبة من قبل الإسبان لاحتلال البلاد، ثم الأمريكان، ثم اليابان ثم الفلبين.
وهذه الصراعات وإن اختلفت في الأطراف الغازية، إلا أن الهدف منها واحد، وهو القضاء على الهوية الإسلامية لهذا الشعب العظيم.
أما ما يحدث من الصراع الداخلي، أي بين المورويين أنفسهم من حينٍ إلى آخر، فيعود إلى إلحاح بعض الأطراف على فرض آرائها إزاء تحقيق مصالح البلاد، وبذلك تجد بين هذه الأطراف أو الشرائح نشوب حروب، لا سيما قبيل حلول الانتخابات المحلية؛ لعلمهم أن تحقيق تلك البغية يكون وراء تولي زمام الأمور؛ من خلال تربع مركز سياسي حكومي، ونرى أن ذلك المبلغ العلمي لهم تتأثر به كبح جماح هؤلاء نتيجة ممارسة الظلم القمع في حقهم من قِبل الاحتلال.
المشاركة الخامسة.. من: روعة قاسم؛ صحفية لبنانية مقيمة في تونس، ومسئولة القسم الدولي في جريدة المغرب، وتتضمن سؤالين: 13 ـ كيف هو واقع المسلمين اليوم في الفلبين؟ هل يتمتعون بحقوقهم؟ وهل هم مشاركون فعليون في العمل العام؟
واقع المسلمين في المنطقة مؤلم، بدءًا من حملات التهجير والقتل التي مارستها منظمة “إيلاجا” في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، ثم تبعها إعلان الحكم العرفي للرئيس “فرديناند ماركوس” في 21 من سبتمبر عام 1972م، والذي يعد أكبر فساد مورس في تاريخ المنطقة، حتى إن كثيرًا من المراقبين قدروا أنه لا أحد من المورويين إلا وهو ضحية إمَّا للمجازر، أو التهجير، أو نهب المتعلقات.
ثم تتابعت حملات الجرائم ضد الإنسانية في حق شعب مورو، ويكفي أن تعلم أن آلافًا من المشردين داخليًّا في المنطقة لا يزالون إلى اليوم يعيشون في الملاجئ؛ بسبب الهلع الذي لازمهم تجاه بلادهم الأصلية، لما لاقوا فيها من القصف وغيره من أنواع ترويع المدنيين.
وتسعى الحكومة الفلبينية في هذه الآونة إلى تقديم الخدمات الأساسية لهؤلاء، ومنها توفير مشاريع وحدات سكنية وطبية واجتماعية وغيرها.
أما الحصول على وظائف، فقد يلاقي بعض المسلمين في كثير من أنحاء البلاد، لا سيما في العاصمة، نوعًا من التمييز الديني، ومن ثم قد يضطر معظم المسلمين إلى تبديل أسمائهم المسلمة بغيرها تبعًا لأعراف معظم الشركات الخاصة التي لا تقبل العمال المسلمين.
14 ـ وكيف يتواصل مسلمو الفلبين مع العالمين العربي والإسلامي؟
تواصُلُ المسلمين مع إخوانهم في العالمين العربي والإسلامي ضئيل، ولعل أسباب ذلك تعود إلى تكتّم الإعلام على أوضاع المسلمين الحقيقية التي تجري في المنطقة، وإن كان لبعض وسائل الإعلام العربية مراسل/وافد قد يأتي للبلاد من حين لآخر، إلا أن ذلك لا يُشكّل قناة كافية لإيصال الأوضاع بشكل واضح أمام جمهور الناطقين باللغة العربية وغيرها من لغات العالم الإسلامي.
وأيضًا فإن العلاقة بين المورويين المسلمين والعاملين في وزارة شئون المسلمين، التي يفترض أن تكون قناة رسمية لذلك التواصل، لا يكون أداؤهم واجبهم على الشكل المطلوب؛ للهوة الكبيرة التي تفصل العلاقة بينهم.
المشاركة السادسة.. من: د. عبد الله رمضان؛ ناقد وشاعر من مصر: سؤال من وحي الإجابات:
15ـ ألا ترون أن نزع سلاح الثوار يُمثّل خطورة مستقبلية؛ فقد يتم نزع السلاح وبعد مدة تنكث حكومة مانيلا وترجع عن الاتفاقات؟ لماذا لا يتم جعل السلاح لحفظ الأمن الداخلي، وبذلك تتم المحافظة عليه؟ خشيتي أن يتم سحب أسلحة الثوار ثم تنكث الحكومة المركزية، فلماذا لا يحافظ الثوار على أسلحتهم، وأن توجد أي صيغة ليكونوا كيانًا مسلحًا رسميًّا في خدمة الحكم الذاتي في الجنوب؟
السلاح الذي يُنزع من الجبهة لا يُسلّم إلى الحكومة الفلبينية، ولكن يحفظ في مخازن خاصة يشرف عليها طرف ثالث يتكون من ممثلي الدول المحايدة، ومن الجبهة الإسلامية.
من جهةٍ أخرى، يتم نزع السلاح بشكل تدريجي وليس مرة واحدة، وبحسب الإنجاز والتقدم في خطوات تطبيق اتفاقية السلام إلى أن يتم إقامة دولة/كيان بانجسامورو.
وفي هذه المرحلة ـ أي في عام 2016 ـ ووفق خارطة الطريق الموقعة بين الجانبين، سيتم تأسيس الشرطة الأمنية التابعة لحكومة بانجسامورو، والمخول لها حفظ الأمن الداخلي للمنطقة، وفي نفس الوقت سيتراجع نشر القوات المسلحة الفلبينية من كل الأراضي التابعة للحكومة المزمع تكوينها؛ لذلك فلن تكون هناك حلقة مفرغة يكون المجاهدون خلالها منزوعي السلاح بشكل كامل.
المشاركة السابعة.. من: أبو أريج بن سليمان:
16 ـ ما هي أهم التحديات التي تواجه مسلمي الفلبين؟ وماذا عن الخطر الشيعي الإيراني بينهم؟
أهم التحديات التي نواجهها حاليًّا وفي المستقبل يتمثل في تأهيل شعبنا بكل أنواع المهارات التي تستلزمها إقامة الدولة، فإن شعبنا عانى كثيرًا من ويلات الحروب، وبالتالى أصبح غير مؤهل بالإجازات العلمية على اختلاف أنواعها، وعليه فإن حاجتنا إلى التأهيل سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وغير ذلك من متطلبات الدولة حاجة ماسة، وذلك يُكلّفنا مبالغ طائلة.
كما أن إقامة الدولة تتطلب استثمارًا لإدارة ثرواتنا الطبيعية والمعدنية وغيرهما، وعليه فإن حاجتنا إلى الدعم الاستثماري ماسة، لا سيما وأن إخواننا في الدول العربية والإسلامية يمتلكون ما يُلبي ذلك المطلب الاقتصادي.
ونرى أنه كان لزامًا علينا أن يكون من أولوياتنا تحويل شعبنا من مستهلك إلى منتج؛ لمواجهة هذا الفقر القاتل المزروع في مختلف فئات إخوانكم.
ومن أجل ذلك، نناشد الإخوة الذين يهتمون بأمور المسلمين أن يدعمونا في توفير الفرص؛ من خلال إقامة دورات تأهيلية، سواء في الخارج أو الداخل، فإن أبناءنا مستعدون لتلقي أنواع التدريبات المتاحة.
أما عن الخطر الشيعي الإيراني، فالوفود الإيرانية تصل إلى البلاد من حين إلى آخر، وأصبح التشيّع معروفًا في البلاد بعد أن كان غريبًا في أوساط المسلمين.
المشاركة الثامنة.. من: حسن الشافعي، من جريدة الأمة:
17ـ ما وضع مسلمي الفلبين إذا تم إلغاء الاتفاق الإطاري المبرم بين الحكومة الفلبينية والجبهة الإسلامية مؤخرًا؟
المسلمون يرون في “عملية السلام” إحدى وسائل تحقيق تطلعات هذا الشعب العظيم، ونسعى إلى إنجاحها ما دمنا نجد فيها ضالتنا.
أما أن يتم إلغاء عملية السلام من قبل الطرف الآخر؛ فإن الأمر بالنسبة لنا سيان؛ حيث نعد كل البدائل التي توصلنا إلى الغاية، وموقفنا نتخذه وفق أولوياتنا ومصالح شعبنا، وجبهتنا بالإضافة إلى كونها جماعة كفاح، فإنها مدرسة تواصل إنتاج رجال يواصلون المسيرة إلى آخرها.
المشاركة التاسعة.. من: محمد سرحان؛ مراسل علامات أونلاين:
18ـ ماذا عن المشاركة السياسية للمسلمين في المؤسسات المركزية بالعاصمة كالوزارات والبرلمان؟ وإذا كان لهم تواجد، فهل يعود بفائدة على مسلمي الدولة، خاصة في الجنوب؟ وإذا كان الصراع يتركز في الجنوب، فماذا عن مسلمي الشمال ووضعهم داخل الدولة؟ وكم نسبتهم؟
مشاركة المسلمين في السياسة محدودة، حيث لا تجد وزيرًا مسلمًا إلا في وزارة شئون المسلمين، حيث يُختار فيها مسلم من الجنوب، وأما مجلس الشيوخ الذي يتكون من 24 عضوًا؛ فلا تجد أحدًا من المسلمين فيه.
وأما مجلس النواب الذي يتكون من 234 مقعدًا؛ فإن عدد المسلمين فيه 8 فقط، والذين يمثلون 5 محافظات للحكم الذاتي لإقليم مسلمي منداناو، وممثل مسلم خارج أراضي الحكم الذاتي، وتحديدًا في محافظة “سلطان قدارات”.
أما بخصوص الفائدة المرجوة من هؤلاء فيما يتعلق بمصالح المسلمين، فإنها محدودة؛ إذ عددهم قليل جدًّا، ويكاد يكون عملهم في المجلس غير ملموس؛ حيث إن التشريع في البرلمان الفلبيني يتم بتصويت الأغلبية.
الصراع ينحصر في الجنوب لأن عدد المسلمين فيها كبير، أما في الشمال، فإنهم قليلون بنسبة قد تصل إلى 1% من جملة سكان الفلبين، فلا يكاد الصراع الديني بينهم يكون ملحوظًا.
المشاركة العاشرة.. من: هاني صلاح؛ منسق الحوار، وتتضمن أربعة أسئلة:
19 ـ في نقاط محددة.. ما هي نقاط القوة والضعف في اتفاقية السلام الأخيرة؟
الاتفاقية المبرمة بيننا وبين الحكومة الفلبينية لها نقاط قوة منها:
1 ـ السلطة الموسعة: التي من المقرر نقلها إلى حكومتها المزمع تكوينها.
2 ـ كما أن الجبهة الإسلامية كانت بنفسها تتولى إعداد مسودة دستورها.
3 ـ الاتفاق على تقاسم ثروات المنطقة بين حكومة بانجسامورو وحكومة مانيلا المركزية، في إيرادات مواردها الطبيعية، بنسبة تختلف باختلاف الموارد: لحكومة بانجسامورو 100% من الموارد غير المعدنية، و75% في غير المعدنية، و50% من معادن الوقود.
4 ـ لحكومة بانجسامورو سيادة كاملة في مياهها الإقليمية، والتي هي غنية بالموارد الطبيعية، وتمثل أهم الخطوط البحرية في التجارة الآسيوية.
5 ـ لديها صلاحية فرض الرسومات والضرائب، وإبرام العقود مع المانحين من الدول أو المنظمات غير الحكومية، وغير ذلك مما من شأنه أن يولد الدخل القومي.
6 ـ أيضًا نص الاتفاق على إمرار فترة انتقال السلطة إلينا، وعليه فإن لدينا وقتًا لتأهيل شعبنا، ووضع الخطة الجيدة لبناء الحكومة المناسبة.
ونرى بالرغم مما تقدم، أن في اتفاقياتنا المبرمة أيضًا نقاط ضعف، ومنها: أنه يلزم لحصيلة الاتفاقيات التي تتمثل في قانون بانجسامورو الأساسي أن تمر بإجراءات كثيرة، وكان قبل مسودتها إبرام الاتفاق الإطاري ثم الملاحق الأربعة؛ الأول: ترتيب الفترة الانتقالية وخارطتها، والثاني: توليد الدخل القومي وتقاسم الموارد، والثالث: تقاسم السلطة، والرابع: التطبيع وآليته، ثم الإضافات في مياه بانجسامورو الإقليمي ومناطق التعاون المشترك فيها.
ثم بعد ذلك مسودة دستور الحكومة الذي يُعرف بقانون بانجسامورو الأساسي، والذي نحن بصدد مناقشة مجلسي النواب الفلبيني والشيوخ لبنوده، ومن المفترض تشريعه أواخر ديسمبر المقبل، ثم إجراء الاستفتاء عليه لمصادقته أمام شعبنا.
20 ـ باختصار، ما هي عيوب عملية السلام في عام 1996 مع جبهة مورو الوطنية؟
عيوب هذا الاتفاق ـ في وجهة نظري الشخصية ـ أنه ليس لديه القوة الكافية لبقاء حكومته، وذلك يتمثل في عدم سلطته في توليد دخله القومي، ولا تقاسم السلطة المركزية في جميع إيرادات مواردها الطبيعية، ويترتب على ذلك أن تكون عالة على الحكومة المركزية الفلبينية في تمويل مؤسساتك ومشروعاتك.
أيضًا سيكون انتقال السلطة إلى الجبهة الوطنية على شكل ارتجالي، حيث لم تحدد لها فترة لإعداد رجالها، ومن ثم سيتولَّى أهم وظائف الحكومة رجال تربوا في أحضان الحكومة، وهم الذين دأبوا على الفساد، فكأننا هيأنا لهم الطريق لمواصلة ما اعتادوا عليه.
كذلك نزع الأسلحة كان على طريقة ضم عناصر الجبهة الوطنية، البالغ عددهم خمسة عشر ألفًا، إلى القوات المسلحة الفلبينية والشرطة الفلبينية الوطنية، وبالتالي فقدت الجبهة سيطرتها على هؤلاء وعلى جمهورها.
21 ـ فقط لفهم الأمر: هل هي عملية سلام دائمة أم توقيع اتفاق مبدئي؟ وهل هناك عدة اتفاقيات متدرجة.. ممكن توضيح خطوات عملية السلام التي تمت أو تتم حاليًّا.. والمنتظرة أو المتبقية خلال الفترة القادمة؟
أبرمنا مع الحكومة الفلبينية اتفاقيات مبدئية ونهائية، ومن الاتفاقيات المبدئية اتفاقية “الإطار العام لنوايا الطرفين” في أغسطس من العام 1998م، واتفاقية “الإطار العام لاستئناف المحادثة بين الجانبين” في مارس 2001م، وكان ذلك إبان إعلان الرئيس الفلبيني “جوزيف أسترادا” في العام 1999 الحرب الشاملة على الجبهة الإسلامية، ثم إبرام “اتفاق السلام بين الجانبين” في يونيو 2001م، و”إعلان مواصلة عملية السلام بين الجانبين” في يونيو 2010م، بعد تولي رئيس “أكينو” نتيجة إعلان الرئيسة “جلوريا أرويو” سحق الجبهة في “منداناو” عام 2008م، ثم إبرام “الاتفاق الإطاري حول بانجسامورو” في 7 من أكتوبر 2012، و”الملاحق الأربعة” خلال عامي 2012 – 2014.
ثم بعد كل هذه الاتفاقيات، أبرمنا “الاتفاق الشامل حول بانجسامورو” في 27 من مارس 2014م، وهو الاتفاق “النهائي” الذي شمل جميع الاتفاقيات السالف ذكرها.
ويمثل الاتفاق الشامل المبرم مرجعًا لـ”مسودة القانون بانجسامورو الأساسي”، وأنهينا مسودته بالفعل، وقدّمها إلى البرلمان الفلبيني لتشريعها الرئيس “بنيغنو أكينو الثالث” بنفسه في 10 من سبتمبر الماضي، والآن كلٌّ من مجلسي “الكونجرس” الفلبيني و”الشيوخ” بصدد مناقشتها، ويعقدون سلسلة مجالس مع جمهور مورو (مسلمي الجنوب) لاستماع آرائهم تجاه المشروع القانوني.
وكنا لا نزال نتدارك ما قلته من نقطة ضعف اتفاقياتنا، بحيث نستمر في إجراء الحملات الإعلامية، وكذلك تنظيم سلسلة من المؤتمرات التشاورية مع شعبنا لتأييد الاتفاقية؛ إذ البرلمان الفلبيني يضع اهتمامه أكثر على الأمر إذا ما رأى توحد كلمتنا مع شعبنا، ثم بعد تشريع البرلمان لمشروع القانون، فإنه يُصادق عليه من خلال الاستفتاء العام أمام شعبنا، وعلينا أن نستعد بكل ما في وسعنا لتلك الخطوة المقررة.
22 ـ الصراع في جنوب الفلبين، فماذا عن المسلمين في شمال الفلبين أو في المناطق الأخرى غير الجنوب؟ كيف يعيشون؟ وهل يشاركون في العملية السياسية في مانيلا العاصمة، سواء في الانتخابات العامة أو المحليات، أو هل لهم وزراء أو محافظين؟ برجاء إلقاء الضوء على المسلمين في المناطق الأخرى غير جنوب البلاد، ودورهم السياسي والمجتمعي، ومدى تمتعهم بحقوقهم؟
المسلمون في المناطق الأخرى من الفلبين غير جنوب البلاد لا نملك أي إحصائية دقيقة عنهم، إلا أن بعض المنظمات تقول إنهم أكثر من مائة ألف نسمة فقط، ولكني أرى أنهم أضعاف هذا العدد المصرح به.
وهؤلاء المسلمون في تلك المناطق حديثو عهد بالإسلام؛ حيث كان معظمهم قد اعتنق الإسلام أثناء تواجده للعمل في الدول العربية؛ مثل السعودية والإمارات والكويت وغيرها، والبعض الآخر منهم أسلموا بعد دعوة هؤلاء إليهم إثر رجوعهم إلى بلادهم.
كما أن بعضهم الآخر أسلموا لمَا رأوا من معجزة هذا الدين الحنيف، فإنه في العام 1990م عند انفجار بركان فيناتوبو، وهو أسوأ كارثة طبيعية في تاريخ البلاد، فإن محافظات “فامبانجا” وغيرها من المحافظات المجاورة لها قد ردمت بمقذوفات البركان حتى المباني الشامخة، إلا مسجدًا واحدًا ظل قائمًا وسط تلك المنطقة لم يُصبه أي شيء من تلك المقذوفات البركانية، وهو لا يزال قائمًا إلى الآن.
أيضًا في عام 2013م، عندما أُصيب وسط الفلبين بأقوى إعصار في البلاد على الإطلاق، حيث دُمرت ملامح العديد من محافظات في بيساياس، بقي مسجد واحد، دفع ذلك كثيرين إلى اعتناق الإسلام.
أما مشاركة هؤلاء في عملية السلطة فمحدودة؛ فإن سياسة الفلبين تعتمد دائمًا على الانتخابات، أما في الوظائف المدنية، فإن منهم من وصل إلى الإدارة المتوسطة، ولكن لا أحد منهم وصل إلى الإدارة العليا حتى الآن، فإن ذلك وَفقًا لأعراف البلاد يناله غير المسلمين نتيجة التمييز الديني المعتاد السائد في البلاد، لا سيما في مانيلا العاصمة.