مسلمون حول العالم ـ متابعات ـ هاني صلاح
بقلم/ الدكتور مجدي سعيد ـ كاتب صحفي مقيم في لندن
هذه قصة من أعجب قصص التاريخ لأحد البريطانيين الذين أسلموا في سن مبكرة، وتردد اسمهم في التاريخ المبكر للمسلمين من أصول بريطانية بدايات القرن العشرين، بطل هذه القصة هو خالد شيلدريك Khalid Sheldrake (1888 – 1947) واسمه الأصلي بيرترام “بيرتي” ويليام شيلدريك، والذي كان صانع مخلل إنجليزي وفاعل خير وصحفي، نشأ في جنوب لندن، تحول إلى الإسلام، واختار لنفسه اسم خالد.
لأسرة كاثوليكية
نشأ خالد لأسرة كاثوليكية، لكن قراءته لكتب المفكرين الأحرار مثل تشارلز برادلو جلبته تدريجيًا إلى الإسلام، قبل أن يقابل أي مسلم في حياته، وذلك في عام 1904، عندما كان يبلغ من العمر 16 عاما. لكنه تأثر لاحقا بنشاط عبد الله كويليام والتقى به كلما زار الأخير لندن.
ناشطًا إسلاميًا منذ البداية
كان خالد ناشطًا إسلاميًا منذ البداية، حيث أسس جمعية إنجلترا الفتية الإسلامية Young England Islamic Society في عام 1906 عندما كان يبلغ من العمر 18 عامًا فقط.
وعلى الرغم مما تسبب فيه إيمانه من احتكاك عائلي، إلا أنه بدأ العمل في المشروع العائلي الخاص بتصنيع وتجارة المخللات، لكنه ما لبث أن تحول إلى الصحافة والكتابة عن الإسلام وعمل كمحرر لمجلة “ذا ميناريت The Minaret”. بدأ باستخدام ثروة عائلته للترويج لدينه الجديد، وساعد في إطلاق مجلتي بريتين آند إنديا “Britain and India” ومسلم نيوز جورنال “Muslim News Journal”.
وفي الحرب العالمية الأولى تم تجنيده، لكنه لم يتم إرساله إلى الحرب خارج الأراضي البريطانية، حيث كان المتحولون للإسلام محل شك من السلطات، ولم يكونوا موثوقين وتمت مراقبتهم بعناية. وقد اتُهم صديق له وزميله فرانك محمد كرابتري بأنه “غير مرغوب فيه أخلاقيا وسياسيا” و”مهووس إنجليزي مسلم”.
وفي عام 1917، تزوج خالد، البالغ من العمر 29 عاما، من فيكتوريا جيلبرت البالغة من العمر 20 عامًا، والتي تحولت للإسلام واتخذت اسم غازية، وأثمر هذا الزواج عن ولدين: رشيد (1922)، وكمال (1926).
مسلما إنجليزيًا بارزًا
وقد أصبح شيلدريك مسلما إنجليزيًا بارزًا وكان غالبًا ما يشارك في مناشط ومناقشات المجتمع المسلم البريطاني آنذاك، وقد دعم بعثة مسجد ووكينج الإسلامية Woking Muslim Mission التي أسسها الخواجة كمال الدين، كما ساهم في تأسيس مسجد الفضل Fazl Mosque في ساوثفيلدز، لكن الخلاف داخل المجتمع القائم على هذين المسجدين، جعله ينفصل لتأسيس الرابطة الإسلامية الغربية Western Islamic Association كما قام بتحويل جزء من منزله الواقع في منطقة إيست دولويتش جنوب شرق لندن، وأطلق عليه اسم مسجد الدولويتش Masjid el-Dulwich.
بذلك، وبحلول عام 1928، كانت هناك ثلاثة مساجد في لندن: في ووكينج، وساوثفيلدز، وإيست دولويتش، وأعرب شيلدريك عن خيبة أمله إزاء التقدم البطيء للإسلام البريطاني الذي ألقى باللوم فيه على الطائفية التي اصطبغ بها المجتمع الإسلامي الوليد في لندن.
وقد كان شيلدريك نشطا في دعوة البريطانيين للإسلام، وتسجل المصادر في عام 1932 أنه نجح في تحويل غلاديس ميلتون بالمر، زوجة بيرترام ويليس دايريل بروك، على متن طائرة مستأجرة من الخطوط الجوية الإمبراطورية، كانت غلاديس ابنة لأحد كبار رجال الأعمال المعروف باسم “قطب البسكويت هنتلي آند بالمرز” والتر بالمر، وقد أعاد شيلدريك تسميتها بـ “خير النساء”.
لكن شهرة شيلدريك كانت تنمو خارج الأرض البريطانية بسبب نشاطه الإسلامي والصحفي. وعندما كان شعب الأويغور، فيما يعرف الآن بإقليم شينجيانغ (أو تركستان الشرقية)، يبحث عن الاستقلال عن الصينيين، وفي عام 1933، تم الإعلان عن جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية (المعروفة باسم ETR)، وعاصمتها كاشغر ويبلغ عدد سكانها مليوني نسمة.
وعندما تجاهلت الصين وروسيا الجمهورية الإسلامية الوليدة، توجه وفد إلى بريطانيا، والتقوا بعائلة شيلدريك، وتساءلوا: هل يصبح خالد ملكًا للمملكة الإسلامية وزوجته ملكة؟ وافق شيلدريك واتجه شرقًا على الفور، وألقى محاضرات عن الإسلام على طول الطريق وأخبر الناس عن ملكه الوشيك لكنه أقسمهم على السرية.
وبحلول عام 1934 كان قد وصل إلى بكين حيث تمت مراقبته عن كثب من قبل السلطات الصينية خاصة بعد أن جدد المسلمون الأويغور طلبهم له، وقد قبل رسميًا العرش ولقب جلالة الملك خالد ملك إسلامستان Islamstan.
ومع ذلك، بحلول يونيو 1934، تم تقويض فرص شيلدريك بسبب الشائعات، حيث زُعم أنه أراد سرقة رواسب اليشم في شينجيانغ، أو أنه كان جاسوسا للمملكة المتحدة، أو أنه إذا توج ملكًا، فستسيطر المملكة المتحدة على شينجيانغ، وزعمت صحيفة إزفستيا السوفييتية أنه في حالة تتويجه، ستضم الإمبراطورية البريطانية سينكيانج كما فعلت اليابان بمنشوريا، كما عارضت الصين واليابان التتويج المزمع، وسحب المسلمون الأفغان دعمهم.
وفي أوائل أغسطس، كانت عائلة شيلدريك تقترب من شينجيانغ لكنها وجدت أن أعمال عنف قد تفجرت في شرق الصين، وأن القوات المدعومة من السوفييت بقيادة أمير الحرب شنغ شيكاي كانت تستعيد السيطرة الصينية. وقبل الوصول إلى شينجيانغ، هرب الزوجان إلى الهند البريطانية مع بعض قادة ما كان يعرف باسم جمهورية الهند الشرقية، وأقامت عائلة شيلدريك في حيدر أباد ثم عادت إلى إنجلترا.
وقد أثارت الصحافة البريطانية موجة من السخرية على الأمر برمته: حيث أطلقت عليه لقب “ملك المخللات في تارتاري”، المتوجه إلى “57 نوع من المشاكل”، وأنه “هجر أحواض المخللات القديمة في 295 طريق ألباني”. لم تتناول الصحافة بجدية أيا من التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة، وتم التعامل مع القصة على أنها سخرية ممتعة حيث لم تستخدم العديد من الصحف حتى صورة شيلدريك بل صورة لمسلم عام في فاس بدلاً من ذلك.
وفي إنجلترا، واصل شيلدريك إلقاء محاضرات عن تركستان بعد عودته، لكنه لم يجد سوى القليل من الاهتمام، كما واصل جمع الأموال للمساجد الجديدة والجمعيات الخيرية الإسلامية. وسافر إلى شمال أفريقيا وأوروبا الوسطى، وخدم أعمال عائلته من خلال شراء المخللات الحامضة في تركيا. وفي الحرب العالمية الثانية كان يعمل في المجلس الثقافي البريطاني في أنقرة إلى أن عاد إلى المملكة المتحدة عام 1944 وتوفي عام 1947، بينما توفيت زوجته عام 1978.
ولم يكن هناك نعي له، ولم تكتب تقارير صحفية عنه بعد وفاته، ويبدو أن اسم خالد شيلدريك قد نسي حتى وقت قريب، عندما أعطاه العلماء مكانه المستحق في تاريخ الإسلام البريطاني في القرن العشرين.
ـ مصدر النشر ومزيد من الروابط: (اضغط هنا).