مسلمون حول العالم ـ متابعات ـ بتصرف
خلصت دراسة أعدها “شاشي ثارور”، وهو مساعد سابق للأمين العام للأمم المتحدة، ووزير دولة هندي سابق*، ونشر الدراسة موقع “قنطرة” الألماني، الأحد 12 سبتمبر 2021م، إلى أن: “المجتمع الهندي” بكافة شرائحه “شديد التدين”، و”يحترم تنوعه الديني” -بدءًا من الهندوس والجانيين وحتى السيخ والبوذيين فالمسلمين والمسيحيين- وممارساً في الوقت ذاته تسامحًا قائمًا على “الفصل الديني”؛ إذ يريد أتباع كل دين الحفاظ على مسافة آمنة من أتباع الأديان الأخرى.
هذه المعادلة التي تتسم بها كل شريحة من شرائح المجتمع الهندي والتي تجمع أمرين متناقضين “التسامح الديني” و“الفصل الديني”؛ دفع بـ”تحليل” الكاتب “شاشي ثارور”، للتشديد على أهمية الإستناد على “قوميةٍ مدنيةٍ” للمجتمع الهندي كله تمكِّن الفرد ولا تميِّز مجموعته الدينية..
حول استنتاج الكاتب لعدم وجود تناقض بي التسامح والفصل الديني في المجتمع الهندي، ومعادلة التعايش الذي أطلق عليها “القومية المدنية”.. طالع هذا التقرير:
الهند مجتمع شديد التدين
بادئَ ذي بدء، الهند مجتمع شديد التدين: يقول 97% من الهنود إنهم يؤمنون بالرب ويُـجـزِم 80% بأن الرب موجود بكل تأكيد. كما لاحظت دراسة بيو: “الهند ليست موطنا لمعظم الهندوس، والجانيين، والسيخ في العالم وحسب، بل هي أيضا موطن لواحد من أكبر التجمعات السكانية من المسلمين في العالم وملايين من المسيحيين والبوذيين. ويقول الهنود المنتمون إلى كل هذه الخلفيات الدينية بأغلبية ساحقة إنهم يتمتعون بحرية مطلقة في ممارسة معتقداتهم”. ويقول نحو 53% من البالغين إن التنوع الديني يفيد الهند.
تقول غالبية عظمى من المستجيبين للاستطلاع (84%) إن احترام الأديان الأخرى جانب أساسي من هويتهم. يقول القائمون على الدراسة: “يعتبر الهنود التسامح الديني جزءا أساسيا من هويتهم كأمة. ويرى أغلب الناس عبر المجموعات الدينية الرئيسية أن احترام كل الأديان أمر بالغ الأهمية لتكون هنديا بحق”. والتسامح قيمة دينية أيضا: “فالهنود مُـجـمِـعون على رأي مفاده أن احترام الأديان الأخرى جزء بالغ الأهمية من المعنى وراء كون المرء عضوا في مجتمعه الديني الخاص”.
لكن على الرغم من كل هذا الاحترام المتبادل، تظل دوافع الفصل العنصري قوية. على سبيل المثال، لا يريد 36% من الهندوس مجاورة المسلمين (وإن كان هذا يعني أن 64% منهم على استعداد لقبولهم). على نحو مماثل، تنتشر معارضة الزواج بين الأديان والطوائف على نطاق واسع. لا يوافق 80% من المسلمين الهنود على الزواج بين الأديان، ويرغبون في منعه. وهذا شعور ما يقرب من ثلثي الهندوس.
من المحبط أن الهنود يفضلون أيضا تكوين صداقات داخل مجتمعهم الديني. والهوية الدينية متمكنة بقوة: يقول 64% من الهندوس إنه من المهم للغاية أن تكون هندوسيا لكي تكون “هنديا بحق”. ويقول الهندوس في شمال الهند إن التحدث باللغة الهندية ــ اللغة التي تلقى مقاومة شديدة في جنوب وشمال شرق البلاد ــ ضرورة أساسية أيضا.
على الرغم من المعتقدات المشتركة الكثيرة بين الهنود ــ حيث نجد تداخلات مذهلة بين جميع الأديان حول مواضيع مثل التناسخ، والكارما، والتماهي مع الطبقة، وقوة التطهير الكامنة في نهر الجانج المقدس ــ لا يخلو الأمر من تفضيل ملحوظ للفصل الديني. ويريد أتباع كل دين الحفاظ على مسافة آمنة من أتباع الأديان الأخرى.
تُـرى ما هي التداعيات السياسية الوطنية المترتبة على كل هذا، في وقت حيث وضعت عقيدة الحزب الحاكم، الهندوتفا (الشعور القوي بالهوية الهندوسية)، سياسات الهوية في الصدارة؟ الواقع أن العديد من أنصار حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي دأب على الترويج لنسخة “هندية-هندوسية-هندوستانية” من القومية الهندية، يعتقدون بقوة أن كون المرء هندوسيا ويتحدث الهندية أمر بالغ الأهمية لاعتباره هنديا بحق.
يشير كل هذا إلى خطر التمييز ضد الأقليات في الهند. ومع ذلك، وفقا لاستطلاع بيو، يقول واحد فقط من كل خمسة مسلمين هنود إنهم واجهوا تمييزا دينيا. في الدراسة، يبدو الناس في الجنوب، حيث يكافح حزب بهاراتيا جاناتا للفوز بالأصوات، أقل تدينا وأكثر شمولية واستيعابا.
نقض التشكيك في وطنية مسلمي الهند
في الوقت ذاته، يقول 95% من مسلمي الهند إنهم فخورون بكونهم هنودا، ويتفق 85% منهم مع عبارة مفادها أن “الشعب الهندي ليس مثاليا، لكن الثقافة الهندية تتفوق على الثقافات الأخرى”. وينبغي لأولئك من مُـنَـظِّـري الهندوتفا الذين يشككون في وطنية مسلمي الهند أن ينتبهوا إلى هذه الحقيقة.
كما تبدو خطوط صدع دينية أخرى في السياسة الهندية أقل إثارة للقلق والانزعاج من التصورات في السابق. فعلى الرغم من المساعي التي بذلتها باكستان طوال ثلاثة عقود من الزمن للتحريض على السُـخط تجاه الهند بين السيخ في البنجاب، تجد الدراسة أن 95% من السيخ يقولون إنهم فخورون جدا بكونهم هنودا، في حين يقول 70% إن الشخص الذي لا يحترم الهند من غير الممكن أن يكون من السيخ.
في المجمل، تكشف الدراسة أن الهند بلد شديد التدين ملتزم بشكل عميق باحترام تنوعه، ويمارس في ذات الوقت ما يسميه براتاب بهانو ميهتا “شكل من أشكال التسامح القائم على الفصل”. وعلى هذا فإن إحياء -والتأكيد على- القومية المدنية المنصوص عليها في دستور الهند، مع التزامها بتمكين المواطن الفرد وليس تمييز مجموعته الدينية، يصبح أمرا شديد الأهمية.
هذه هي أطروحة كتابي الأخير بعنوان “معركة الانتماء” (من المقرر أن يُـنـشَـر دوليا في أكتوبر/تشرين الأول 2021 بعنوان “النضال من أجل روح الهند”). يؤكد استطلاع بيو بعض مخاوفي، لكنه يعرض أيضا الأمل في التأكيد على الدستورية الليبرالية التي سعت قومية حزب بهاراتيا جاناتا إلى قمعها وحجبها.
ينطوي الأمر أيضا على تباشير من منظور أمثالي من الراغبين في إخضاع سياسات الهوية الدينية الحالية في الهند للتركيز على الأداء الحكومي والقضايا التي تؤثر على المواطنين من جميع الأديان. يُـظـهِـر استطلاع بيو أن البطالة، والفساد، والجريمة تأتي على رأس اهتمامات ومخاوف الناس من كل الطوائف الدينية. والحكومة التي تتعامل مع هذه المخاوف بشكل فَـعّـال، سواء كانت تفعل ذلك باللغة الهندية أو بعد أداء الصلاة في معبد هندوسي، من المحتم أن تكتسب الامتنان – والأصوات.
ـ المصدر/ ar.Qantara.de