بقلم/ هاني صلاح ـ مسلمون حول العالم
مع أن قضيتها إنسانية بامتياز، فإن قدرها أن تكون ضحية إرهابين يحملان نفس الصفات، مع اختلاف الراية التي يرفعها كل منهما.
إرهاب في شرق إفريقيا استهدف حريتها وحياتها دون أن تكون قد أجرمت في حق أحد، وما كادت تتحرر منه وتنال حريتها من جديد حتى تجد نفسها في مرمى سهام مسمومة من إرهاب ثانٍ يستهدف حريتها وحياتها كذلك؛ إلَّا أنه هذه المرة في بلدها الأوروبي إيطاليا؛ لتصبح النقطة المشتركة بين الإرهابين هي “الاعتداء على أرواح الناس وسلب حريتهم”!
مشروع إنساني
“سيلفيا رومانو”.. التي انطلقت في مشروع إنساني إلى دولة كينيا في شرق إفريقيا، اختُطفت من قبل “عصابات إرهابية” ترفع شعارًا إسلاميًّا، وتسمى نفسها زورًا جماعة الشباب المجاهدين؛ حيث بقيت أسيرة لديهم نحو عام ونصف؛ ثم أتيحت فرصة النجاة لها عبر عملية تحرير لها.
وما كادت “سيلفيا رومانو” تهبط من الطائرة على أرضها الإيطالية، حتى فوجئ الجميع بقرارها الذي لم يتصوره أو يتخيله أحد من امرأة أوروبية خُطفت من جماعات مسلحة ترفع بمكر وخداع راية الإسلام، هذا القرار كشفته كلماتها الحازمة: “أنا مسلمة بمحض اختياري، ودون إكراه من أحد”!
قرار “سيلفيا رومانو” باعتناق الإسلام كان مبررًا كافيًا لليمين المتطرف الإيطالي– كعادته في انتظار مثل هذه الأحداث– كي يتهم سيلفيا بالخيانة، ويطلق على الفور تهديدات لها بالقتل، وكأن “الحرية” التي حصلت عليها “سيلفيا”، بعد نجاتها من الإرهاب في إفريقيا، باتت تحت تهديد اليمين المتطرف في أوروبا.
قسوة الحملة التي أطلقها اليمين المتطرف الإيطالي على امرأة كانت أسيرةً لعام ونصف، دون أن يراعي نفسيتها والضغوط التي تعرضت لها خلال هذه الفترة، كشفت عن طبيعة نفسية هذا التيار المتطرف في أوروبا، والتي تتطابق مع تيار التطرف في إفريقيا، وهي الطبيعة التي تحمل الكره للآخرين بسبب معتقداتهم وخياراتهم الشخصية لنمط حياتهم؛ وكأن قرار الناس يجب أن يخضع أولًا لمزاج هذه التيارات المتطرفة وعقليتها.
استنكار الفاتيكان
حملة الكراهية ضد سيلفيا رومانو دفعت بالفاتيكان، وهو أعلى مرجعية كنسية كاثوليكية، إلى استنكارها، داعيًا أنصاره إلى التمهل ومحاولة فهم الآخر. كما أن جموع الشعب الإيطالي استنكرتها، ورأت أن قرار سيلفيا باعتناق الإسلام “حرية شخصية”، والأهم هو لقاؤها مع أسرتها لقاءً عظيمًا، تحدثت عنه وسائل الإعلام الإيطالية، ولم تعبأ أسرتها بقرار ابنتها سيلفيا؛ المهم والأهم أنها عادت إليهم من جديد لتضيء بيتهم الحزين منذ أكثر من عام ونصف.
وبلا شك، استبشر مسلمو إيطاليا، الذين فوجئوا كغيرهم من الإيطاليين، بل والعالم المتابع لقضيتها، بقرارها الخاص باعتناقها الإسلام، وسارع كثير من المسلمين إلى توجيه رسائل دعم لها بهدف إحداث توازن مع الحملة المناهضة لها من اليمين المتطرف الإيطالي، داعين إلى تغليب المنطق والحكمة، بل تقديم القيم الإنسانية الأوروبية التي تقر حرية الاعتقاد وحقوق الإنسان المتعلقة باختياره لطبيعة حياته ونمطها.
فهل تصمد “القضية الإنسانية” المتمثلة في “سيلفيا رومانو” أمام تيارات الإرهاب والتطرف في الشرق أو الغرب، والتي جمعها “الكره للآخر” والعمل على “سلب حرياتهم”، بينما الشعوب الإنسانية تسعد بالتعايش المشترك، وتقبل بالاحترام لمبدأ الاختلاف بين البشر؛ لأن قضيتها الأولى “الإنسان أولًا”؟!