
مسلمون حول العالم – خاص – هاني صلاح
في مشهد يفيض بالمحبة والتآخي والانتماء، اجتمعت فتيات الجالية الألبانية المسلمة في سويسرا على مائدة من نور الكلمة وروح العيد، ضمن فعالية ثقافية تربوية نظّمها قسم المرأة في الاتحاد السويسري للجمعيات الإسلامية الألبانية، بالتعاون مع رئاسة الاتحاد ولجنة المرأة في مسجد مدينة ريغنزدورف، وذلك يوم الجمعة 14 يونيو 2025، تحت شعار: “الأضحية ترفعنا”.
جاء هذا النشاط ليجعل من عيد الأضحى المبارك مناسبةً للتربية والتجديد، حيث التقت معاني التضحية بقيم اللغة والثقافة، والتقت القلوب حول لغة الأمهات، اللغة الألبانية، التي كانت الحاضرة الأبرز في مسابقة المقالة الأدبية ومداخلات البرنامج، تعزيزًا لهوية الفتيات في بيئة المهجر، وربطًا لهن بجذورهن الدينية والثقافية.
تألق مسابقة المقالة الأدبية
في قلب الفعالية، تألقت مسابقة المقالة الأدبية التي حملت عنوانًا معبّرًا وعميقًا: “ضحِّ من أجل الآخرة في عالمٍ فانٍ”. أطلقها قسم المرأة في 11 مايو 2025، لتكون منصة تشجيعية للفتيات المسلمات الألبانيات في سويسرا، تعبر من خلالها كل واحدة منهن عن هويتها الدينية والثقافية عبر الكتابة الإبداعية باللغة الألبانية.
لم تكن المسابقة مجرد منافسة أدبية عابرة، بل شكّلت نقطة تحول نوعية في مسيرة الأنشطة الثقافية للجالية، حيث تحولت إلى تمرين عملي على الاعتزاز بالهوية، والوفاء للغة الأم، والانتماء لجذور راسخة في عمق التاريخ.
واحتشدت نساء الجالية من مختلف المساجد الألبانية في سويسرا للاحتفاء بتلك الأقلام الشابة التي أعادت للكلمة وظيفتها التربوية، وحوّلت الكتابة إلى جسر يربط بين الأجيال وبوصلة تدل على الانتماء والوفاء.
برنامج يجمع بين التلاوة والمعرفة والإنشاد
افتتحت الفعالية المربية زيلخا عثماني من مسجد ريغنزدورف بكلمة ترحيبية دافئة، أعقبها تلاوة قرآنية مؤثرة بصوت الحافظة ريحان آصيبي، المعلمة في مسجد “ديتوريا” بمدينة جنيف، فلامست كلمات الله القلوب وافتتحت الجلسة بنفحات إيمانية عطرة.
وتألقت نزليّه ميمتي، عضو قسم المرأة في الاتحاد، في تقديم فقرات البرنامج بروح متفاعلة وصوت ملؤه الحماسة والاحتراف.
أما الأستاذة بيسا عليو، المعلمة والمنسقة الإقليمية لتعليم اللغة الألبانية في كانتون برن، فقد قدّمت محاضرة غنية بعنوان: “تضحيات الحفاظ على اللغة الألبانية في المهجر”، سلّطت فيها الضوء على أهمية اللغة الأم كجدار حماية للهوية، ودعت الأمهات إلى جعلها لغة البيت والمشاعر والتعبير.
وفي زاوية روحية آسرة، ألقت المربية زيرا ديميري موعظة بعنوان: “الأضحية في هذا العالم الفاني نحو الأبدية”، مزجت فيها بين الإيمان والسرد الوجداني، مركّزة على مفاهيم الصبر والنية والإخلاص.
كما شاركت المعلمة بوشرا أيتِي بكلمة وجدانية رقيقة، أضفت على الأجواء لمسة حنان ودفء صوتي تفاعل معه الحضور.
واختتمت البرنامج السيدة إلونا موتشا، رئيسة قسم المرأة في الاتحاد، بكلمة شكر وتقدير لجميع من ساهم في إنجاح هذه المناسبة، مشيدة بالدور الحيوي للمرأة المسلمة في ترسيخ القيم الإيمانية والثقافية في حياة بنات الجالية.
تكريم الإبداع وتقدير الجهود
تولّت لجنة تحكيم متخصصة تقييم الأعمال الأدبية المشاركة، وضمت كلًّا من: الدكتورة سارة فاهيم (رئيسة اللجنة)، والدكتورة بيسا عليو، والأستاذة حاميت هودجا. وبعد مراجعة دقيقة لتسع مشاركات أدبية، أعلنت اللجنة النتائج التالية:
جاءت في المركز الأول: نورا – مسجد لانغنتال، وفي المركز الثاني: حبيبة علي زكيري – مسجد سولوتورن، بينما في المركز الثالث: سعادة ريشبي – مسجد فولكِتسفيل، في حين فازت بجائزة التشجيع: لافديي ميتا – مسجد “سنة” في ديتكون.
وقد تسلّمت الفائزات مصاحف شريفة وهدايا رمزية، بينما حصلت جميع المشارِكات على شهادات تقدير محفّزة، تعبيرًا عن الامتنان لجهودهن الإبداعية.
كما وُجّهت تحية خاصة إلى الشاعرتين جليلة إيميري ولافديي ميتا على قصائدهما المعبرة، ولأعضاء لجنة التحكيم على مساهمتهم العلمية والتطوعية، وكذلك إلى الأخوات في مسجد ريغنزدورف، وعلى رأسهن المربية زيلخا عثماني وأجرينا موسليو، رئيسة منتدى المرأة، اللتين أشرفتا على تنظيم مائدة ضيافة عامرة، جمعت بين كرم الروح وجودة التنظيم.
بين بهجة العيد ونبض الهوية
مثّلت هذه الفعالية أكثر من مجرد احتفال بعيد الأضحى؛ كانت مساحة لغرس القيم، وتغذية الوجدان، وتأكيد الانتماء، وربط الفتيات بلغتهن الأم التي تُعد جسرًا للهوية وبوابة للتاريخ.
وقد لخّص البيان الختامي الصادر عن قسم المرأة هذا المعنى بكلمات رقيقة: “نشكر كل من ساهم في إنجاح هذا النشاط المبارك. لقد كانت مناسبة اجتمعت فيها الكلمة الطيبة مع نور القرآن وروح العيد، في سبيل خدمة الدين، وتعزيز الانتماء، وحماية اللسان الألباني من الضياع”.