مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
في الوقت الذي تعاني فيه الشعوب الإنسانية جمعاء من تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وتسارعت المبادرات الإنسانية، سواء الحكومية أو الشعبية، لإيجاد أدوية تواجه هذا الخطر الذي لا يُفرّق بين إنسان وآخر؛ يبدو أن فيروسات أخرى تعاني منها الشعوب الإنسانية، وتتأذى بسبب تأثيرها في تقطيع أواصر الترابط الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد، وعلى رأسها وباء فيروس “الإسلاموفوبيا” المتصاعد عامًا بعد عام!
لقد وجد المصابون بهذا المرض الخطير “الإسلاموفوبيا” فرصتهم السانحة في توجيه ضربة قاتلة لإخوتهم الأبرياء أبناء وطنهم من المسلمين، باتهامهم أنهم مصدر تفشي وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) في الهند!
وكان كافيًا لإطلاق هذه الشائعات المغرضة الكاذبة عبر وسائل الإعلام المحلية؛ أن انطلقت جموع غاضبة من الهندوس لتسفك دماء المسلمين في أي مكان أو زمان سُمح لها بسفكه.. وشلال دماء المسلمين ما زال متواصلًا يدفع ثمن نشر الكراهية من قبل مؤسسات التطرف الهندوسي، سواء السياسية أو الأيديولوجية، ويعجز الجميع عن إيجاد إجابة السؤال: إلى متى يدفع مسلمو الهند ثمن تضليل سياسي وإعلامي تقف خلفه أيديولوجية هندوسية متطرفة؟
لذلك، وبناء على ما تقدم؛ أجرت مدونة “مسلمون حول العالم“، سلسلة حوارات مع نشطاء ودعاة وأكاديميين في الهند، بهدف إلقاء الضوء على الأزمة الحالية التي يواجهها مسلمو الهند، والتي تصاعدت بشكل غير مسبوق، وألحقت بهم خسائر جرَّاء التهجم على مؤسساتهم، وعلى الأفراد أنفسهم، وأسفرت عن إزهاق أرواح بريئة، وإسالة مزيد من الدماء بشكل يومي متواصل ومتصاعد.
وهذا هو حوارنا الأول، ضمن سلسلة هذه الحوارات، مع الدكتور مداد الحق بختيار؛ الأستاذ بالجامعة الإسلامية دار العلوم حيدر آباد، ورئيس تحرير مجلة الصحوة الإسلامية.
وإلى الحوار..
ماذا يجري في الهند
– الأزمة الحالية التي يواجهها مسلمو الهند.. متى تفجرت؟ وما أسبابها؟
قد تفشى فيروس كورونا في كثير من دول العالم، وحصد أرواح كثير من بني آدم، ولكن هناك عددًا من الدول التي تعرضت له أكثر، ومن بينها بلاد الهند، حيث بلغ عدد من أصيب به مئات آلاف الأنفس، كما مات بسببه آلاف، وهذا وباء طبيعي لا يفرق بين إنسان وإنسان، ولا يذر مسلمًا ولا غير مسلم إلا حصده.
ولكن هناك عناصر معادية للإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام تحاول أن تصبغ كل شيء بصبغة دينية، وتوجّه التهم بكل مناسبة إلى المسلمين، وتنشر الكراهية في الشعب الهندي تجاه الأقلية المسلمة.
قامت العناصر المضادة للإسلام والإنسانية بادعاءات وافتراءات ضد المسلمين في الهند، وألقت مسؤولية تفشي فيروس كورونا على كواهل المسلمين، وصاحت بكل قوة شيطانية من القنوات: أن المسلمين وجماعة الدعوة والتبليغ تعمدوا نشر الفيروس في كل البلاد.
وكان هناك حفل دعوي انعقد في مركز نظام الدين بـ”دلهي” في العشر الثانية من شهر إبريل قبل إعلان الإغلاق الكامل من الحكومة، وشهد الحفلَ كثيرٌ من المسلمين من الهند، وفجأة جاء إعلان الإغلاق؛ ومن ثم لم يتمكنوا من الذهاب إلى منازلهم، ومكثوا في المركز، ولكن كان المسؤولون في الاتصال بشرطة “دلهي”، وحاولوا الخروج من المركز بمساعدة الشرطة، ولم يُمكِنهم.
واتخذت وسائل الإعلام المزعومة والعدائية الحفل الدعوي حجة لتوجيه التهم إلى المسلمين، وصاحوا وصرخوا وأطبقوا السماء فوق رؤوسهم، ونشروا الكراهية والبغض، وفازوا بهدفهم المشؤوم.
ـ ما حجم إجمالي الخسائر التي تكبدها مسلمو الهند منذ بداية الأزمة وحتى اليوم؟
هناك أنواع وألوان من الخسائر التي عانتها الأقلية المسلمة في الهند منذ بداية هذه التهم؛ فمنها: صار الشعب الهندي غير المسلم ينظر إلى المسلم نظرة ريبة وشك في كل مكان من الطريق، والمحال التجارية والأحياء، كأنهم لم يعودوا مثل الآخرين، بل أصبحوا جُناة.
ومنها: إدخال بعض المسلمين بصفة عامة، وأفراد جماعة الدعوة والتبليغ بصفة خاصة الحجر الصحي كأنهم مذنبون، ووُسّعت مدة البقاء لهم في الحجر الصحي أكثر من غيرهم.
كما زُجّ بكثير من أفراد الجماعة من خارج البلاد وداخلها إلى السجون بحجة تفشي الفيروس حتى مات بعضهم في السجن.
فسألت المحكمة العليا لولاية “تيلنغانة” عن شرطة مدينة حيدر آباد: لماذا قامت الشرطة بحجز عدد كبير من المسلمين بشكل غير متناسب لانتهاكهم قواعد الإغلاق؟ وهل يعني ذلك أنه لا يوجد من انتهك قواعد الإغلاق من المجتمعات الأخرى؟ (تائمس آف إنديا، جريدة إنجليزية). بجانب هذا يوجد القليل من الأحياء التي يكثر فيها الهندوس؛ فرضوا المقاطعة على المسلمين، فلا يمكن للمسلمين دخولها أحيائهم.
ـ هل هناك جهود لاحتواء هذه الأزمة؟
هناك كثير من المسلمين وغيرهم رفعوا الأصوات ضد هذا الموقف من وسائل الإعلام، ومنظمات وجمعيات للمسلمين قامت بجهود مشكورة تجاه القضية، فمثلًا جمعية علماء الهند حاولت فك أسر الذين كانوا في السجون من أفراد الجماعة، ونجحت فيه، فخرج كثير منهم من السجن ووصلوا إلى عائلاتهم داخل البلاد وخارجها.
ـ ومن أي طرف تبذل هذه الجهود؟
تبذل الجمعيات والمنظمات المسلمة وغير المسلمة الجهود للمظلومين بسبب الفيروس، كما صدر البيان الرسمي من قبل رئيس الوزراء الهندي تجاه هذه الافتراءات، فقال: إن الوباء لا دين له.
ـ وعمَّ أسفرت حتى اليوم من نتائج؟
أثمرت الجهود التي بُذلت من الجمعيات والنشطاء المسلمين وغيرهم عن خروج كثير من المسلمين من السجون، ووصلوا إلى أُسَرهم.