
مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
خمسة عقود مرّت كطيف عابر، لكنها لم تُطفئ وهج الذكريات في قلوب من تقاسموا مقاعد العلم والرسالة في أروقة مدرسة علاء الدين الإسلامية في بريشتينا. ففي لحظةٍ امتزج فيها الزمن بالوفاء، التأمت شتات الدفعة الثامنة مجددًا، في لقاء استثنائي لمّ الشمل بعد خمسين عامًا من التخرج.
ثمانية عشر خريجًا
ثمانية عشر خريجًا، جاؤوا من مدن كوسوفا ومهجرها، حامِلين معهم عبق الذكريات وروح الصحبة الأولى، ليقفوا على عتبات مدرستهم الأم التي خرّجتهم عام 1975. هنا، حيث بدأت ملامح رسالتهم العلمية والدينية، عادوا وقد اشتعلت رؤوسهم شيبًا، لكن القلوب ظلّت شابة نابضة بمحبة المكان والرسالة.
في رحاب المدرسة، كان في استقبالهم فضيلة الشيخ الدكتور نعيم ترنافا، رئيس المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا ومفتي البلاد، ومعه مدير المدرسة الأستاذ فاضل حساني، فانعقدت الجلسة الأولى وسط دفء الحفاوة ودموع الحنين، حيث استعاد الحضور تاريخ المدرسة المجيد، وتداولوا بشغف تطوراتها الراهنة ونجاحاتها المستمرة بعد 74 عامًا من العطاء.
لقد غدت مدرسة علاء الدين اليوم منارةً تربوية مشرقة، تفخر بإرثها وتواصل بناء أجيال تحمل هم الدين والوطن. وقد أبدى المشاركون إعجابهم العميق بما شاهدوه من مرافق حديثة وأجواء تعليمية متطورة، تُهيَّأ فيها الأذهان والقلوب لصناعة الغد المشرق.
ومع غروب الشمس، ساروا معًا في شوارع بريشتينا التي احتضنت أحلامهم يوماً، مرورًا بأماكن كانت ملاذاتهم أيام الدراسة، ثم عادوا ليقضوا ليلتهم في سكن المدرسة الداخلي، كما كانوا قبل خمسين عامًا.. نومةٌ على سرير الذاكرة، وابتسامة على شفا الرجوع المؤقت إلى البدايات.
لكن اللقاء لم يَخْلُ من لحظات صمتٍ دامعة، حين ذُكر من غابوا عن اللقاء لأسباب خارجة عن الإرادة، أو من سبقوهم إلى دار الخلود، فرفعت الأكف إلى السماء بالدعاء أن يجمعهم الله جميعًا على خير في الدنيا والآخرة.
هكذا اختُتم “اللقاء الذهبي” كما أحبّ أصحابه تسميته، وقلوبهم تنبض برجاء لقاء جديد، لا تباعده خمسون عامًا أخرى، بل تقرّبه المحبة، ويكتبه الوفاء، وتحييه مدرسة لا تَشيب، مهما شاب تلامذتها.