سلسلة من أعلام المسلمين في الصين
المعماري المسلم “اختيار الدين” الذي خطط مدينة “دا دو” (بكين الحالية)
مسلمون حول العالم ـ متابعات ـ بتصرف
بقلم/ الدكتور أسامة منصور ـ الأستاذ بجامعة القوميات بشمال الصين.
قد تتعجب أنه في بلاد الحضارة بأقصى الشرق كان أول من خطط للعاصمة الصينية بكين قبل أكثر من ثماني قرون معمار مسلم ينحدر من أصول عربية، وما زال تمثاله يحظى باهتمام الزائرين للصين للتعرف على حضارتها العظيمة.. فماذا تعرف عن المعماري المسلم “اختيار الدين”؟
ينحدر المعماري “اختيار الدين” من أصول عربية؛ فقد هاجرت أسرته إلى الصين في وقت مبكر غير محدد، وقد عاش في الصين في أوائل عهد أسرة يوان، ونظرًا لظهور مواهبه في الهندسة المعمارية؛ فقد أنعم عليه البلاط الصيني بمناصب هامة تدريجيًا.
فقد ترأس إدارة الهندسة المعمارية التي أطلق عليها اسم “شايدل” ـ وهي كلمة مغولية تعني “خيمة من القصب” ـ في عام 1266م، وأضحى يعامل معاملة وزير من الدرجة الثالثة.
ولما كان نصب الخيام حسب عادات المغول لا يتفق مع وضع الصين كدولة ذات حضارة عريقة ، فقد عزمت الإدارة المغولية على تأسيس العاصمة الجديدة بنظام يقارب النظام المعماري الصيني التقليدي، وتم إسناد هذه المهمة إلى المعماري المسلم اختيار الدين عام 1267م.
ساعد “اختيار الدين” في هذه المهمة الوزيران الكبيران “تشانغ رو”، و”دوان تيان لو”، وهما من كبار الضباط العسكريين ، ويبدو أن مهمتهما كانت الرقابة والحراسة للمشروع ، بينما كان اختيار الدين يتولى كافة الأعمال الفنية للمشروع من التصميم إلى التنفيذ.
وقبل النهوض ببناء المدينة شارك اختيار الدين زملائه في مسح طبوغرافيتها وتجهيز مصارف المياه حسب انحدارات الأرض، وعلى هذا الأساس وضع هذا المعماري المسلم خطة عامة لبناء المدينة، مراعيًا التقاليد الصينية وظروف تطور التاريخ والمزايا الجغرافية هناك.
وقد عني اختيار الدين عناية كبيرة بتخطيط القصور الإمبراطورية من الداخل، فقد أدرج فيها قاعات البلاط المخصصة لمعالجة الشئون السياسية، ومعبد أسلاف الإمبراطور ومساكن الحظايا والوصيفات، والجواسق، والحدائق والبحيرات، ومأوي الحرس والخدم، ومستودعات الملابس وأدوات الطعام وأدوات المواصلات.
وبلغ محيط المدينة أكثر من 4.5 كم، أنشىء لها أكثر من 11 بوابة، أشهرها البوابة الغربية التي تسمى “شيهوا من”، والبوابة الشرقية التي تسمى “دونغهو من”، وما تزال هاتان البوابتان محتفظتان باسمهما حتى اليوم برغم تغيير أشكالهما من عهد أسرتي مينغ وتشنغ.
كما كانت طرق المدينة فسيحة صالحة لمرور العربات وكانت هناك شوارع عرضها 24 قدمًا وشوارع عرضها 12 قدمًا إلى جانب 364 زقاقًا كبيرًا و2900 زقاقا صغيرًا.
وكان اختيار الدين يواظب على العمل ليل نهار دون أن تفتر له حماسة أبدًا، وكان يستفيد من أصابعه وذراعيه في أعمال القياس بلا انقطاع، حتى أخرج هذا العمل البديع، العاصمة الجديدة وفي عام 1285م.
لقد بذل اختيار الدين كل ما لديه من الحكمة والقوة في تعمير المدينة، مما أضعف جسمه تدريجيًا. فمات بعد فترة قصيرة من ذلك، وقد أراد العمال والحرفيون أن يقيموا تمثالًا له أمام مقبرته تخليدًا لمآثره الجليلة بيد أنهم عدلوا عن ذلك احترامًا للتقاليد الإسلامية. لكن مآثره العظيمة تظل نصبًا تذكاريًا خالدًا في قلوب الصينيين.
رحم الله المعماري اختيار الدين وأسكنه فسيح الجنان.
https://www.facebook.com/osama.mansour.1690/posts/1836869256495171