من أعلام مسلمي الصين..
مسلمون حول العالم ـ متابعات
كان حلم حياته دراسة العلوم الإسلامية؛ لذا بعد ثرائه من العمل في التجارة سخر ثروته لنشر التعليم الإسلامي في الصين، كذلك تحمل تكاليف طباعة ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، كما تحمل نفقات سفر العالم الصيني الشهير “محمد مكين” للدراسة في الأزهر الشريف، لكن الأهم أنه طور منظومة التعليم الإسلامي في الصين عبر سبع خطوات متدرجة.. فماذا تعرف عنه؟
بقلم/ الدكتور أسامة منصور ـ الأستاذ بجامعة القوميات بشمال الصين
“ما جين تشانغ” (1880-1946م)
ولد “ما جين تشانغ”، في محافظة “شينيانغ”، بمقاطعة “خه نان”، في وسط الصين، ونتيجة لظروف أسرته الاقتصادية الصعبة، ترك التعليم، وسافر وعمره 13 لشانغهاي لتعلم صناعة اليشم والتجارة فيه.
في عام 1913م، أسس شركته (Shanghai Hip Hing) لتجارة اليشم. كما شارك في تجارة لحوم الماشية وجلود الأغنام، وتوسعت تجارته في وقت قصير، ولأن حلم حياته كان دراسة العلوم الإسلامية، فقد سخر ثروته لنشر التعليم والثقافة الإسلامية.
سبع خطوات لتطوير منظومة التعليم الإسلامي في الصين:
1 ـ دراسة منظومة التعليم الإسلامي بالدول الأخرى:
كان ذو نظرة ثاقبة؛ وشعر بأنه لابد من الاستفادة من خبرات الدول الأخرى في تطوير منظومة التعليم الإسلامي؛ لذا استعان بأهل العلم والخبرة في الصين، وأرسل العالمين الكبيرين “دا بو شنغ”، و”ها ده شنغ”، باسم شركته لدراسة أحوال المدارس الإسلامية في الدول الإسلامية عن قرب والاستفادة من خبراتها في هذا المجال.
2 ـ توحيد الجهود وتأسيس جمعيات تشرف على التعليم الإسلامي في الصين:
استشعر في خطوته التالية بأهمية توحيد الجهود المحلية والتعاون معًا في وضع رؤية لملف تطوير التعليم الإسلامي في الصين؛ لذا أسس في عام 1924م، مع كبار الشخصيات الإسلامية الصينية “جمعية تعليم المسلمين الصينيين”.
3 ـ توفير مناهج التعليم الإسلامي باللغة الصينية وطباعة ترجمات معاني القرآن:
خطوته الثالثة تمثلت في ضرورة توفير المناهج الإسلامية لطلبة العلم الصينيين، وبالفعل اشترى مجموعة متنوعة من الكتب الدينية من دول عربية وإسلامية كمصر وتركيا والهند وسيلان، ولم يغفل أهم كتاب في المناهج الدراسية الإسلامية وهو القرآن الكريم؛ لذا أشرف على إعادة طبع أكثر من 20 نسخة ترجمة معاني القرآن الكريم للغة الصينية.
4 ـ تأسيس البنية التحتية لمنظومة التعليم الإسلامي في الصين:
وفي خطوته الرابعة، ركز على المؤسسات التعليمية كمبان وإدارة؛ ليس فقط للطلاب بل للمعلمين كذلك؛ لذا في عام 1928 شارك في إنشاء مدرسة شنغهاي للمعلمين الإسلامية من قبل جمعية التدريس الإسلامية الصينية وعمل عضوًا لمجلس إدارة المدرسة.
5 ـ استشراف المستقبل والبدء بالوقف:
ونظرًا لنظرته المستقبلية الثاقبة؛ فقد حسب حساب المستقبل؛ مما دفعه على التركيز على الوقف الإسلامي لمؤسسات التعليم الإسلامي في الصين؛ فقام في ربيع عام 1929م، بشراء أكثر من ثلاثة أفدنة من الأراضي والتبرع بها كوقف لاستخدامها كمكان لجمعية الصين الإسلامية للتدريس. وكان في عام 1931م، أن استخدمت جمعية تعليم المسلمين الصينيين الموقع لبناء مدرسة دونهوا للمسلمين الابتدائية، وكان “ما جين تشانغ” مديرًا لمجلس إدارة المدرسة.
6 ـ إرسال خريجي المدارس الإسلامية للدراسة بالأزهر وتكوين العلماء:
تطور منظومة التعليم الإسلامي في الصين، وتأسيس بنية تحتية لها من مؤسسات ومناهج ومبان وإدارة؛ استتبع لاحقًا التركيز على خريجي هذه المدارس والتفكير في إرسالها للدراسة في الخارج بهدف تكوين علماء صينيين قادرين على إدارة هذه المنظومة التعليمية ومؤسساتها بشكل احترافي وعلم صحيح.
فكان في إبريل من عام 1931م، ثلاثة طلاب من مدرسة مينغ دا في يوننان يستعدون للسفر للدراسة في جامعة الأزهر، وكان هناك طالب متميز قد تخرج في مدرسة المعلمين الإسلامية في شانغهاي يدعي “ما جيان”، وكان يتمنى السفر مع هذه البعثة الأولى، لكن ظروفه المادية لم تكن تسمح؛ فتحمل السيد “ما جين تشانغ”، نفقات سفره ودراسته في مصر، ولم يكن يدري أن هذا الطالب الفقير سيصبح أشهر طالب مسلم في الصين كلها لاحقًا.
7 ـ اهتمام خاص بالقرآن الكريم عبر مؤسسة متخصصة:
أولى “ما جين تشانغ” اهتمام خاص وكبير بتوفير ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية كي يطالعها ليس فقط طلبة العلم ولكن حتى يهديها لكل أسرة صينية مسلمة؛ فكان أن تواصلت خطواته لخدمة كتاب الله تعالى؛ وفي عام 1939م، أسس مع كبار علماء مسلمي الصين “جمعية ترجمة القرآن الكريم”، وذلك بهدف ترجمة معاني القرآن الكريم للغة الصينية، ولاحقًا عندما رجع العالم الكبير الذي تكفل بمصروفات دراسته في الأزهر “محمد مكين”، عمل في هذه الجمعية، ولما انتهى من ترجمة الأجزاء الثمانية الأولى، قام السيد ما جين تشانغ بطباعتها على نفقته الخاصة.
هذه الخطوات السبعة في مجال تطوير منظومة التعليم الإسلامي في الصين؛ لم تكن كل أعمال التاجر الصيني المحسن “ما جين تشانغ”؛ بل لم تتوقف جهوده الخيرية عند هذا المجال وفقط؛ فكان كان يخصص ربح تجارته لفقراء مسلمي الصين ومساعدة المحتاجين منهم قدر ما يتاح له دون تردد أو تفكير.
رحم الله السيد التاجر الكريم “ما جين تشانغ”، على ما قدمه للإسلام والمسلمين ـ والذي مازالت ثمراته تسطع في الصين وخارجها ليومنا هذا ـ وأسكنه فسيح جناته.
ـ طالع سلسلة من أعلام مسلمي الصين
https://www.facebook.com/osama.mansour.1690/posts/1985619774953451