مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

من سوهاج إلى قلب تايبيه.. قصة تألق عالم مصري في تايوان

قراءة في حوار الدكتور وائل جاد كبير الباحثين في مركز الدراسات الطبية التطبيقية بالعاصمة تايبيه

مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح

في إطار سلسلة قراءات في حوارات مسلمي تايوان، نسلط الضوء على تجربة استثنائية تجمع بين الإصرار العلمي والانتماء الحضاري. ضيفنا هذه المرة الدكتور وائل محمد عبد الحميد جاد، المصري المولد والتايواني الجنسية، الذي شق طريقه من قرية صغيرة في صعيد مصر إلى واحد من أبرز كبير الباحثين بأحد أبرز مراكز البحث التايوانية.

من صعيد مصر إلى العالمية العلمية

ولد الدكتور وائل في قرية برخيل بمحافظة سوهاج، حيث بدأ رحلته التعليمية في الكُتّاب حتى حفظ القرآن الكريم، ثم واصل دراسته في الأزهر حتى تخرج في كلية العلوم بجامعة أسيوط. لم تتوقف رحلته عند ذلك الحد، بل امتدت إلى كوريا الجنوبية وبلجيكا واليابان، قبل أن تستقر في تايوان حيث يشغل اليوم منصب كبير الباحثين في مركز الدراسات الطبية التطبيقية بالعاصمة تايبيه.

شغف مبكر بالعلوم

بدأ شغف وائل بالعلوم منذ سنوات مبكرة، وازداد خلال المرحلة الثانوية ليختار تخصص البيولوجي في الجامعة. كان ولعه الأكبر بالمادة الوراثية DNA، التي رآها مفتاحًا لفهم أسرار الحياة والأمراض. هذا الشغف قاده إلى دراسة الجينات المرتبطة بالسرطان وإنتاج بروتيناتها معمليًا، ثم المساهمة في تطوير أدوية وأجسام مضادة تخدم البشرية. تجربة وصفها بأنها موفقة لأنها تضع العلم في خدمة الإنسان.

شرق آسيا.. نقطة انطلاق مثالية

حبه العميق للعلم ورغبته في الاطلاع على ثقافات جديدة دفعه للسفر، وكان اختيار كندا أوليًا لكنه لم يوفَّق فيه، فحصل على منحة للماجستير في كوريا الجنوبية عبر التبادل الثقافي مع جامعة أسيوط. وبعد الماجستير توالت عليه المنح للدكتوراه من أمريكا واليابان وكوريا وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا، ليختار بلجيكا للدراسة، ومن هناك سافر إلى مختلف المؤتمرات والدورات التدريبية قبل أن يستقر في تايوان لإدارة مشاريع بحثية متقدمة.

ينصح الشباب باختيار بلد سهل الحصول على منح دراسية، واعتبر دول شرق آسيا نقطة انطلاق مثالية قبل الانتقال إلى أوروبا أو أمريكا.

المجتمع التايواني.. انضباط وحب للعمل وتقدير للعلماء

في مختلف الدول وجد الناس ودودين ومتعاونين ويحترمون الالتزام بالمواعيد والدين، وكان ذلك واضحًا في بروكسل واليابان وكوريا حيث وفر له الزملاء مكانًا لأداء صلاة الجمعة. ورغم بعض صعوبات اللغة وقلة الوعي بالإسلام في بعض الدول، لم يواجه التحيز العنصري الذي قد يظهر في أوروبا الغربية. المجتمع التايواني يتميز بالانضباط وحب العمل وتقدير العلماء، فيما تتعلق السلبيات بصعوبة الحصول على الأكل الحلال وندرة المدارس الإسلامية، وهو ما يمثل تحديات للمسلمين الوافدين.

تحويل الإخفاقات إلى نجاحات

تحويل الإخفاقات إلى نجاحات كان محور تجربته، فالأشهر الستة الأولى في المهجر كانت الأصعب، رغم العمل لساعات طويلة، لكنه تمكن من نشر أول بحث له وبدأ في براءات اختراع وأبحاث متقدمة، وصولًا إلى منصبه الحالي. ينصح الشباب بالسفر، واستغلال المنح الدراسية، والعمل على بناء سيرة ذاتية قوية، والتمكن من اللغة الإنجليزية وبرامج الكمبيوتر، للاستفادة من الفرص العلمية المتاحة.

تايوان والعالم العربي: نافذة للعلم والبحث

يشدد الدكتور وائل على أن الدول العربية تمتلك أفضل مقوِّمات البحث العلمي، وهي العقول المفكرة، لكنه يلاحظ أن الغرب استثمر هذه العقول ووصل إلى التقدم العلمي، بينما فشل العرب في استثمار خبراتهم. يدعو لاستقطاب العقول العلمية المهاجرة، وتوفير مشاريع بحثية لمعالجة المشكلات العلمية والطبية والصناعية والتربوية، لتواكب مجتمعاتنا العربية ركب التقدم العالمي.

مسلمو تايوان ودورهم المجتمعي

المسلمون في تايوان أقلية، لكن عددهم في تزايد، مع وجود مساجد كبيرة في المدن الكبرى مثل تايبيه وكاوشونج وتايجونج. المسجد الكبير في تايبيه يقيم الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين، ويقدم دروسًا في اللغة العربية والقرآن.

المسلمون الوافدون يعملون في التجارة والتعليم والبحث العلمي، ويضيفون قيمة للمجتمع، ويعكسون صورة إيجابية للإسلام، بينما يقدم الدكتور وائل تعليم اللغة العربية والقرآن للمسلمين وغير المسلمين يوم الأحد ويقود صلاة التراويح في رمضان، ما يعزز التفاعل الثقافي والديني.

رسالة مفتوحة للأزهر الشريف

يتمنى الدكتور وائل أن يكون للأزهر الشريف دور في إرسال أئمة ناطقين باللغة الصينية لدعوة غير المسلمين وتعليم المسلمين الجدد، ويدعو الراغبين في دراسة الماجستير والدكتوراه للقدوم إلى تايوان لما توفره من فرص دراسية ميسرة مقارنة بأمريكا وأوروبا، ويعلن استعداده لمساعدة أي طالب يرغب في استكمال مسيرته العلمية بالخارج.

نموذج للطموح والإصرار العلمي

تمثل تجربة الدكتور وائل جاد نموذجًا حيًا للطموح والإصرار العلمي، إذ جمعت بين حب المعرفة والانتماء الحضاري، ووضعت العلم في خدمة الإنسانية. رحلته من قرية برخيل بصعيد مصر إلى مراكز البحث المتقدمة في تايوان تبرز أهمية الاستثمار في العقول المفكرة، والقدرة على تحويل التحديات إلى نجاحات ملموسة. بالنسبة للشباب والباحثين العرب، تمثل هذه التجربة دعوة واضحة لاقتفاء أثر العلماء في المهجر، والاستفادة من الفرص التعليمية والبحثية المتاحة، مع الحفاظ على القيم والدين والانتماء الحضاري، لتكون مسيرة العلم والمعرفة طريقًا للنهوض الفردي والمجتمعي على حد سواء.

ـ طالع الحوار: ( اضغط هنا ).

التخطي إلى شريط الأدوات