( 13 ) حوار بريطانيا الأول ـ 2015م
“المؤسسات الإسلامية في معظم دول أوروبا باتت جزءًا أصيلًا من تركيبة وتشكيلة المجتمع الأوروبي”.
أدار الحوار: هاني صلاح/
بهذه الكلمات أكد الدكتور “أنس أسامة التكريتي”؛ رئيس ومؤسس مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات في لندن، ورئيس مجلس شورى الرابطة الإسلامية في بريطانيا، على أن مسلمي أوروبا ومؤسساتهم لم يعودا حالة طارئة عابرة، وإنما تحوَّلا عبر عقود من الزمان إلى جزء من واقع المجتمع الأوروبي، وأصبحا يُشكلان جزءًا من هويته الثقافية المتعددة.
جاء ذلك في سياق حوار: (مسلمو أوروبا.. وتحديات المشاركة المجتمعية والسياسية)، وهو الحوار الأول عن بريطانيا، والثالث عشر في سلسلة “حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والتي تأتي في سياق برنامج للتعريف بواقع الإسلام والمسلمين حول العالم.
يشار إلى أن الدكتور “أنس التكريتي” من مواليد العراق عام ١٩٦٨، ويقيم في بريطانيا منذ عام ١٩٧٠، وحاصل على شهادة ماجستير في علوم الترجمة والترجمة الفورية، ويحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة وستمنستر بلندن، وهو محاضر دولي، ومعلق إعلامي، وكاتب لعدد من المنابر الإعلامية باللغتين العربية والإنجليزية، ومفاوض لإطلاق سراح رهائن.
أجري الحوار في أوائل فبراير2015م، ونشر على موقع مرصد الأقليات المسلمة. وإلى الحوار..
المشاركة الأولى.. من: سامر إسماعيل؛ مترجم صحفي من القاهرة:
1ـ هل تسمح أوروبا بوصول عدد المسلمين هناك إلى أكثر من 60 مليونًا بحلول 2030م، أم ستسعى للحيلولة دون ذلك؟ وما هي البدائل لدى المسلمين؟
لا أعتقد أن بيد أوروبا ولا المسلمين أنفسهم التحكم في أعداد المسلمين أو سواهم، من حيث التكاثر في العدد، أو الهجرة، أو التنقل بشكل طبيعي، وهذا مما يخيف بعض الأطراف الأوروبية وسواهم؛ حيث يعتقدون أن ذلك سيؤثر على الصبغة الأساسية لأوروبا وطبيعتها الأصيلة، أو ما يطلقون عليه (منظومة القيم الأوروبية). هذا باعتقادي خطأ كبير؛ فالمسلمون في نهاية المطاف أوروبيون يضيفون إلى الواقع الأوروبي ويُثرونه، ويعملون على المشاركة في تطويره وتهذيبه وتحسينه جنبًا إلى جنب مع شركائهم في الوطن من غير المسلمين.
المشاركة الثانية.. من: أحمد محمود التلاوي؛ باحث مصري في التنمية السياسية، وتتضمن سؤالين:
2ـ ما هي درجة تماهي المنظمات الإسلامية الرسمية في دول أوروبا مع استراتيجيات مكافحة الإرهاب التي بدأت تأخذ منحًى جديدًا في هذا التوقيت بعد التوترات الأخيرة في فرنسا وبلجيكا وألمانيا؟
الواقع أن المؤسسات الإسلامية في معظم دول أوروبا باتت جزءًا أصيلًا من تركيبة وتشكيلة المجتمع الأوروبي، وذلك لأن العديد منها نشأ منذ عقود من الزمن، وقدم طوال هذه العقود خدمات عظيمة للمجتمعات المسلمة حصرًا في أول الأمر، ومن ثم تحول نوع عطائها حتى أصبحتْ تُقدّم خدمات للمجتمعات الأوروبية بكافة أطيافها، وإن كان هنالك ضعف ولا شك في الترويج لمثل هذه الإنجازات.
والمؤسسات الإسلامية بالعموم تدرك التحدي الهائل الماثل أمامها كي تثبت أهميتها وقيمتها النوعية لمجتمعاتها الأوروبية، في ظل هجمة إعلامية مسعورة مدعومة بمواقف سياسية داخلية وخارجية تُعاني من ضعف، بل من فشل؛ مما يعزز من الأصوات القادمة من أطراف اليمين التي تكرس الفرقة والتمييز والانقسام، بل والكراهية.
أما من حيث التماهي، فهو من بين التحديات الواقعة على كل الأطراف، ومنها المجتمع الأوروبي ذاته، فكيف يكون التماهي الإيجابي ضمن حاضنة رافضة للفكرة من حيث الابتداء، وتمارس سياسات تناقض تلك المساعي؟
ولكن الجهود على صعيد التعليم والتثقيف، مع مواصلة العمل لإثبات أن العنصر المسلم إنما يشكل صمام أمان للمجتمعات الأوروبية؛ تبقى هي الأعلى صوتًا، والأعمق أثرًا.
3ـ كيف ترون موقف الحكومات من ملف الوجود الإسلامي في أوروبا في الوقت الحالي؟
يعد الموقف الحكومي في أكثر الدول الأوروبية مرتبكًا شيئًا ما؛ حيث يتردد بين القناعة الراسخة بأن الوجود الإسلامي يقع ضمن بوتقة الأمن القومي لدول أوروبا ومستقبلها، ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبين الخوف من أثر ارتفاع منسوب التعاطف مع أحزاب وسياسات اليمين؛ مما قد يُكلّفها أصوات الناخبين عند الانتخابات، فنجد ترددًا وتلكُّؤًا في تقديم الدعم الكامل للمجتمعات المسلمة في وجه الحملة التي تدفع بها بعض الأطراف، وبين استخدام المجتمع المسلم لمكافحة مظاهر التطرف والإرهاب، وكذلك لبناء جسور العلاقات والتبادل التجاري والاقتصادي مع العالم الإسلامي.
بالعموم، فمجرد اعتبار الوجود الإسلامي ـ الذي بات له الآن فوق القرن من الزمان ـ كحالة إشكالية؛ إنما يُعبّر عن فشل الحكومات الأوروبية في التعامل مع هذا الملف بشكل إيجابي؛ يُحقِّق من خلاله مصالح استراتيجية لا تُقدّر بقيمة ولا بحجم، من حيث تحقيق حالة من السلم الاجتماعي والاستقرار الداخلي الداعم للازدهار والنمو على كل صعيد.
المشاركة الثالثة.. من: خالد الأصور؛ كاتب وباحث إعلامي مصري:
4ـ كيف يمكن التغلب على العوائق التي تحول دون تشكيل لوبي إسلامي في أوروبا على غرار اللوبي اليهودي، خاصة في ظل تنامي أعداد المسلمين بما يزيد عن أكثر من مائة ضعف مقارنةً باليهود؟
الحقيقة أن هذا الأمر يشكل خطوة استراتيجية طال انتظارها، ولا ينبغي تأخيرها، غير أن لي ملاحظة على قضية العدد الذي تفضلت بذكره، وهو صحيح، والنسبة أيضًا قريبة من الصحة، ولكن التأثير السياسي يكاد لا يتعلق بالعدد والنسب المئوية إلا بقدر ضئيل جدًّا.
الوجود المسلم في أوروبا وجود حيوي إيجابي لكافة الأطراف، لا سيما المجتمعات والحكومات الأوروبية؛ وذلك لعدة أسباب على رأسها: أن العنصر المسلم عنصر غير منعزل عن محيطه، بل مندمج معه، أيًّا كان لونه وخلفيته ومذهبه.
كما أن العنصر المسلم تربطه بالعالم الإسلامي روابط وثيقة؛ مما يؤهله أن يلعب دور السفير والممثل والوكيل عن أوروبا في الميادين السياسية والاقتصادية وغيرها.
مؤدى ذلك أنه بات من المُلح أن يلعب المسلم دورًا مؤثرًا في صناعة مستقبل مجتمعه الأوروبي، وذلك بترتيب أولويات المجتمع المسلم لينسجم مع مصلحة المجتمع ككلٍّ، وبعده احتلال مواقع مؤثرة في كافة أرجاء المجتمع، وعلى كل صعيد، والتواصل مع دوائر التأثير وصناعة القرار، وتشكيل الرأي العام.
غير أن هذا كله لن يؤتي أكله ما لم يثبت المجتمع المسلم قيمته وثقله في توازنات المجتمعات الأوروبية قاطبة؛ وذلك حتى يُحسب لقضاياه ومصالحه حساب لدى السياسيين وغيرهم.
المشاركة الرابعة.. من: محمد سرحان؛ مراسل موقع “علامات أونلاين” في إسطنبول، وتتضمن ثلاثة أسئلة:
5 ـ في ظل حرب الكراهية المسعورة ضد المسلمين في الغرب.. كيف استثمر مسلمو بريطانيا الإعلام؟ وهل يمتلكون نوافذ إعلامية للتعريف بسماحة دينهم ورفضه لكل أشكال الترويع؟
للأسف، المنابر الإعلامية ذات التأثير في الرأي العام الأوروبي، والتي يملكها أو يديرها مسلمون، غير موجودة، وإنما ينتهج المسلمون في إيصال رسائلهم منهج الدخول إلى المنابر الإعلامية الأوروبية الرئيسة، وعلى هذا المستوى يمكن القول أن إنجازًا لا بأس به يتحقق مع طموح إلى الأفضل.
ولعل هذا الجانب هو من الجوانب التي يحتاج المجتمع المسلم الأوروبي إلى أن يطور جهده فيها، علمًا بأن الجهد الموجود من خلال وسائل الإعلام البديل ومنتديات التواصل الاجتماعي وغيرهما أفضل بكثير، وأبعد وصولًا، وأكثر تأثيرًا وعمقًا، وهذا الذي ينصرف إليه عنصر الشباب بالأخص، وهناك إبداعات نراها بين الحين والحين، وبالأخص عندما تستجد قضايا ساخنة ويدور النقاش العام حول مسائل محددة.
وعلى العموم، فعلى وجه التأكيد هناك جهد جيد يتم إنجازه على صعيد الإعلام، وإلا لما بقي الإسلام أسرع الديانات انتشارًا في المجتمعات الأوروبية.
ولكن لا يزال الصوت المسلم بالعموم منحسرًا عن الوصول إلى كافة أطراف المجتمعات الأوروبية بدرجة فاعلية عالية المستوى، وهذا ما ينبغي العمل على تطويره.
6ـ هناك دراسات تقول إن المستقبل في أوروبا للإسلام.. ما مدى صوابية نتائج تلك الدراسات؟ وهل ما تشهده أوروبا من اتساع دائرة الإسلاموفوبيا هو محاولة لتفادي تحقيق نتائج تلك الدراسات في حال صحتها؟
لا أظننا بحاجة إلى الانشغال بمثل هذه الدراسات والإحصائيات، وإن أشارت إلى شيء نحبه، فأهلًا وسهلًا، وإن لم تُشر بذلك نبقى نواصل الليل بالنهار للقيام بواجباتنا نحو أهلينا وجيراننا ومجتمعاتنا المحلية، ثم مجتمعاتنا الإنسانية، ويقيننا بالله تعالى أن المنتهى للحق وللصواب.
أظن أن علينا تطمين أهلينا من الأوروبيين، لا إخافتهم وبث الذعر فيهم؛ بأننا أحرص الناس ـ وبوازع ديننا الحنيف ـ على أمن وسلامة واستقرار ورقي وتطور المجتمعات التي ننتمي إليها، وأن نفند بالفعل قبل القول مزاعم العنصريين من أن الإسلام خطر ينبغي التحوط منه، أو أن المسلم عنصر سلبي.
كما أن علينا أن نبث مفهوم أننا لدينا ـ كمسلمين نحمل منظومة قيم سامية ـ حلول للمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها، التي تعاني منها المجتمعات الأوروبية، وبذلك نثبت قيمتنا الحقيقية – كمسلمين – لهذه المجتمعات ولمستقبلها.
وبعد ذلك، لا يهم من يسود أو مَن يُصبح هو الأكثر عددًا أو أمكنة، شرط أن تسود القيم السامية والأخلاقيات التي تكرِّس إنسانية الإنسان وصلاحيته لإعمار الأرض.
7ـ كيف ينظر المواطن البريطاني للإسلام؟ وهل يعرف عنه شيئًا من الأساس؟ وإن كنت ألتمس العذر للمواطن الغربي، فهو يرى معظم البلدان الإسلامية – إن لم تكن كلها – مجتمعات فقيرة غير منتجة تعيش عالة على العالم في التكنولوجيا والاختراعات الحديثة والعلوم المتنوعة، فكلها باتت صناعات غربية؟
بالعموم، فإن المواطن البريطاني معتاد على أن يرى مجتمعه متنوع الأجناس والأعراق والثقافات والديانات، والمجتمع البريطاني يقوم على فكرة الـ Multiculturalism أو التعددية الثقافية.
كما أن من المهم جدًّا الإشارة – وبشكل مستمر – إلى أن الإسلام وطِئ أرض بريطانيا منذ ما يربو على قرن من الزمن، وليس مؤخرًا وكأن المسلم ضيف أو غريب أو حالة مؤقتة.
وهذا كله يجعل العلاقة بين المجتمع البريطاني والإسلام أو المواطن المسلم علاقة طبيعية تقوم على مفهوم التعايش والاحترام المتبادل.
غير أن بعض الحوادث التي تُبرز المسلم بشكل سلبي تؤثر على هذا المنظور بلا شك، مما يتطلب جهدًا مضاعفًا من قبل المسلمين كي يستطيعوا رأب الصدع الذي تصنعه مثل هذه التصرفات، والتغطية الإعلامية المغرضة والمسيئة لبعض قطاعات الإعلام، ومن ثم المواقف السياسية السلبية للبعض أملًا في تحقيق مكاسب سياسية.
كما أن العلاقة بين المجتمع المسلم في بريطانيا والمجتمع البريطاني ككلٍّ هي حالة (حوار ونقاش مستفيض)، وذلك حول قضايا محورية بعضها يتعلق بالمجتمع البريطاني نفسه، بل وبريطانيا كبلد وحكومة، ونظام حكم، وسياسة داخلية وخارجية.
لذا رأينا أكبر التظاهرات المناهضة للحرب في العراق مثلًا، وللسياسات البريطانية الداعمة للاحتلال الصهيوني في فلسطين، وضد الإسلاموفوبيا، وغيرها الكثير من القضايا الهامة، رأيناها تنطلق من بريطانيا، ومن قلب العاصمة لندن.
كما وجدنا في جلّ هذه التظاهرات الشعبية أن غالبية المتظاهرين هم من غير المسلمين؛ مما يدل على أن المجتمع المسلم البريطاني نجح نجاحًا متميزًا في تشكيل تحالفات تمتد إلى عمق المجتمع البريطاني، ومع مختلف شرائحه.
والأمر نفسه يمكن أن يورد كمثال على الامتداد ضمن المؤسسة السياسية والتشريعية والإعلامية وغيرها. وفي حال النظر في العديد من الدول الأوروبية الأخرى؛ كفرنسا وألمانيا والسويد والنمسا والدنمارك وغيرها الكثير، سنجد أمثلة رائعة للأثر الذي يُحدثه المسلمون، ولأصالة المشاركة والمساهمة ضمن واقع المجتمع الأوروبي.
أما عن الانطباع السائد عن الإسلام والمسلمين، فمما لا شك فيه أن العامة متأثرون بما يورده الإعلام، وبما يرد إليهم من خلال ما يتابعونه في نشرات الأخبار، وجل ذلك سلبي – للأسف الشديد – مما يضاعف العبء الواقع على المواطن الأوروبي المسلم، وعلى المؤسسات الأوروبية الإسلامية؛ كي تصحح من ذلك الانطباع.
المشاركة الخامسة.. من: إبراهيم العبد الله؛ وتتضمن أربعة أسئلة:
8- كيف تعاملت المؤسسات الإسلامية مع الاعتداءات التي حصلت في بريطانيا بعد حادثة “شارلي إيبدو”، والتي طالت مساجد ومؤسسات المسلمين؟
كانت ردود الفعل ممنهجة ومنظمة، وحاولت تلك المراكز والمساجد تحويل هذه الهجمات إلى حالة إيجابية، فالخطوات المنهجية التي اتبعتها تلك المراكز فور وقوع تلك الاعتداءات كانت عبر:
1ـ الإبلاغ الفوري، وتسجيل وتدوين كافة الوقائع والتفاصيل، وأخذ الصور أو تفريغ محتويات كاميرات المراقبة، والتي تثبت وقوع الاعتداء، ومن ثم التواصل مع الشرطة المحلية لأجل التحقيق في هذه الحوادث، والإبلاغ عن أية خسائر أو إصابات.
2ـ ثم يتم إخبار الإعلام المحلي، وتسجيل الواقعة لديه، وبعد ذلك تسجيل الواقعة لدى مركز لمتابعة معدلات حوادث الإسلاموفوبيا.
3ـ وفي نهاية الأمر العمل على فتح المسجد أو المركز أمام المجتمع المحلي كي يبدي الأخير تعاضده مع المركز، وإدانته لأي اعتداء يقع عليه، وتسجيل تأكيده على أن المركز يشكل عمادًا رئيسًا للمجتمع المحلي.
وهكذا يتحول العمل المشين ضد المسجد أو المركز إلى نقطة إيجابية ترسخ من الوجود الإسلامي في ذلك المجتمع.
9- انطلاقًا من خبرة الجالية المسلمة بما حصل بعد تفجيرات لندن، هل برأيك سيكون هناك أثر إيجابي للحوادث المشابهة لها؛ كحادثة “شارلي إيبدو”، من حيث إيقاظهم ولفت انتباههم إلى التقصير الحاصل منهم في إعطاء صورة المسلم الناصعة السمحة؛ مما يدفعهم إلى مزيد من العمل والمبادرات من أجل إزالة اللبس الحاصل حول الإسلام، وكذلك مزيد من التواصل وإنشاء وتفعيل المؤسسات اللازمة لذلك، أم أن الأمر لا يجلب سوى البغض والكراهية ضد المسلمين؟
قطعًا، ليس من حادثة يظهر أنها سلبية، وذات تبعات وخيمة على المسلمين، إلا ويمكن استخراج عدد من المسائل الإيجابية منها، كما تفضلت في سؤالك.
فكل حادثة من هذه الحوادث تجلي اهتمامًا متزايدًا، بل ومكثفًا عن الإسلام والمسلمين، نجد على إثرها الكثيرون ممن يتساءلون عن قضايا أصلية في الإسلام (مسائل في العقيدة والعبادة والإيمان وغيرها)، أو تفصيلية (المرأة والإرهاب وغيرهما).
إلا أننا نرى بأن الخطاب الدائر في صفوف (الضد) بات خطابًا حادًّا جارحًا، بل وعنصريًّا في كثير من الأحيان، ولا يقبل جزمًا في حق أي مجموعة دينية أو إثنية أو ثقافية أخرى.
وهذا ما يجعلنا نعمل بالتكاتف مع مؤسسات المجتمع المدني في الدول الأوروبية لمناهضة هذه التوجهات المرفوضة، ونجعل المعركة على قيم تدعي المجتمعات الأوروبية الإيمان بها وتطبيقها دونما ريب، ولكنها في الحقيقة تناقض تلك القيم حينما يكون الأمر متعلقًا بالإسلام والمسلمين؛ إذن تكون المعركة هي معركة على القيم الإنسانية العالمية، والتي يؤمن بها الإنسان الأوروبي، وليست معركة على تفاصيل تتعلق حصرًا بالإسلام ولا بالمسلمين.
وبالنتيجة كلما سادت الحكمة في التعامل مع الأزمات، وقام الحاذقون بإدارة المعركة بشكل لا يجعل المسلمين يقفون وحدهم بمعزل عن أشقائهم في الوطن والقيم الإنسانية (مثل تبني بعض الشعارات الإسلامية المحضة)، كلما وجدنا أن الفائدة المستخرجة من رحم الأزمة الخطيرة أوضح وأكبر وأعم.
10- ما هي أهم الفعاليات أو النشاطات والتحركات التي أقيمت أو ستقام من أجل تعريف المجتمع البريطاني بالنبي محمد وبالإسلام الصحيح ردًّا على اتهام الإسلام بالإرهاب؟
هنالك العشرات من النشاطات التي قامت بها المؤسسات الإسلامية المختلفة في شتى بقاع أوروبا؛ من أجل استثمار الأحداث الأخيرة في التعريف بحقيقة الإسلام، وبالخصال السامية للنبي محمد – عليه الصلاة والسلام – ومنها ما ورد ذكره في إجابة سابقة، بالإضافة إلى طباعة المنشورات، وفتح أبواب المساجد والمراكز الإسلامية، وإقامة المعارض والمحافل، وإقامة صناديق الأسئلة الصريحة، وإيراد ما قاله الغربيون في النبي محمد – عليه الصلاة والسلام – وغيرها الكثير الكثير إما على مستوات بسيطة أو مستويات عالية؛ كإنتاج البرامج والأفلام وهكذا.
11- هل هناك نية أو خطة لإخراج المسلمين من أوروبا، وخاصة بريطانيا من دائرة ردة الفعل إلى دائرة الفعل؟
بالتأكيد، وليس الآن، بل منذ سنوات عدة، ويمكن القول بأننا بدأنا نرى أثر ذلك من حيث المبادرات التي يُقدمها المسلمون من خلال مؤسساتهم الفاعلة، ومنها: مبادرات سياسية أو اجتماعية أو فكرية أو أمنية أو اقتصادية.
بالطبع، فالمطلوب أكثر بكثير، ولكننا نشهد تقدمًا ثابتًا وأكيدًا، وإن كان يتسم ببعض البطء في هذا الصدد لقلة استثمار الموارد البشرية المتاحة، بجانب قلة الموارد المالية المفرغة لمثل هذه التوجهات.
المشاركة السادسة.. من: هاني صلاح؛ مُنسّق الحوار، وتتضمن أربعة أسئلة:
12ـ بدايةً أستاذنا، هل يمكن إلقاء الضوء على الخريطة العرقية والجغرافية والاجتماعية لمسلمي بريطانيا، بهدف فهم وضع المسلمين هناك في سياق التطرق للحديث عن مشاركتهم المجتمعية والسياسية داخل المجتمع البريطاني بشكل خاص، والمجتمعات الأوروبية بشكل عام؟
المسلمون في بريطانيا حسب إحصائيات عام ٢٠١١ يبلغون قرابة ٢,٨ مليون نسمة، أي بحدود ٣,٥ ـ ٤٪ من مجموع سكان بريطانيا، بينما الأرقام غير الرسمية تشير إلى حوالي ٣,٥ مليون مسلم، أي بحدود ٥٪.
والمسلمون في بريطانيا يتشكلون من كافة الأعراق والثقافات والمذاهب والأصول التي تتواجد في أنحاء العالم، مع كثرة للمجتمعات الآسيوية (الباكستانية والبنغالية على وجه التحديد)، ثم العرب الذين يبلغون قرابة المليون، وهناك حوالي ٢٥٠ ألف من البريطانيين الأصليين.
ميزة المجتمع المسلم البريطاني أنه مجتمع شاب؛ حيث إن حوالي ٧٠٪ منه تقل أعمارهم عن ٤٠ عامًا، وهم يشغلون كافة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، ويتنوعون في تحصيلهم العلمي، وفي الوظائف والحرف التي يمتهنونها.
بدأ الآن الجيل الثالث من المسلمين في الظهور وشغل المساحات المختلفة للبلد؛ مما يعني أن الوجود الإسلامي وجود أصيل، وبات يشكل محورًا أساسيًّا من محاور المجتمع البريطاني المعاصر.
وبريطانيا فيها أكثر من ٢٠٠٠ مسجد، و٥٠٠٠ مصلَّى، وهناك العشرات من المؤسسات الإسلامية التي تخدم كل قطاع، ومن أبرزها الرابطة الإسلامية في بريطانيا، ودار الرعاية الإسلامية (التي تأسست عام ١٩٧٣)، ومنظمة فوسيس FOSIS الطلابية (التي تأسست عام ١٩٦٩)، والمجلس الإسلامي البريطاني الذي يعد المظلة الرئيسة للمؤسسات الإسلامية في بريطانيا، وغيرها الكثير الكثير، ومن ضمنها المؤسسات التي تعمل في حقل النشاط والبحث والتدريب السياسي.
كما أن عددًا لا بأس به من المسلمين وصلوا إلى أعلى مستويات الهرم السياسي والإعلامي والاقتصادي والفني والرياضي، ويكفي الإشارة إلى أن نصف ميداليات الفريق البريطاني في أولمبياد لندن عام ٢٠١٢، حازها مسلمون.
13ـ في ظل الاختلافات العرقية والفكرية لمسلمي بريطانيا بشكل خاص، ومسلمي أوروبا بشكل عام.. ما هو السبيل لتوحيدهم تحت مظلة واحدة تتحدث باسمهم أمام السلطات الرسمية؟ هل هذا الأمر موجود بالفعل أم أن هناك جهودًا جارية لتحقيقه على أرض الواقع؟
أعتقد أن هدف التوحيد صعب للغاية، بل يكاد يكون مستحيلًا، بل يمكن القول إن التوحيد لا يعد من الغايات التي تنشد. الأصل هو توحيد الوجهة والهدف والغاية الكبرى، وبعدها يسلك كل طرف المسلك الذي يناسبه توجهًا نحو الغاية.
أما جهود تنسيق الجهود، وتقليص التكرار، وترشيد الموارد ومحاولة استثمارها بشكل أفضل، فهي موجودة، ولكنها بحاجة إلى تعميم أوسع وتطوير.
من الأمثلة الناجحة في هذا الصدد: جهود تنشيط المشاركة السياسية التي استطاعت أن تجمع ما يربو على العشرة مشاريع تحت ٣ رايات رئيسة تستثمر الجهود المبعثرة، وتتشارك بالتفكير، وتبادل الآراء، والاتفاق على المواقف.
الأمل أن تكون مثل هذه الجهود الوحدوية والتنسيقية على مستويات العمل الأساسية والمركزية مستقبلًا بعون الله.
14ـ كيف تصفون لغة الخطاب السياسي/الإعلامي الصادر عن مؤسسات الدولة ووسائل إعلامها في بريطانيا فيما يتعلق بالمسلمين؟ وفي المقابل، هل ترون أن الخطاب الإعلامي/السياسي للمسلمين في بريطانيا على المستوى المطلوب؟
للأسف، الخطاب الذي تتبناه الدولة بمؤسساتها المختلفة والخطاب الإعلامي العام يُعدّ سلبيًّا حين يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين، فهو خطاب اتهامي تأجيجي بشكل كبير، كما أنه يتسم بوضع الإسلام والمسلمين في خانة الكائن الغريب والدخيل على الواقع البريطاني، متغافلًا (بتعمد أو بجهل) أن المسلمين في بريطانيا منذ أكثر من قرن من الزمن، وأنهم شاركوا في بناء وإعمار البلد، بل شارك مسلمون في الحروب التي خاضتها بريطانيا، وعلى رأسها الحربان العالميتان.
ونجد أحيانًا بعض التصريحات والتعليقات والمواقف التي تنحى منحى الإنصاف، ولكنها – للأسف الشديد – شاذة عن الأصل، وهذه من التحديات التي يواجهها المسلمون، بل يواجهها المجتمع ككلٍّ؛ حيث إن لمثل هذا الخطاب ثمنًا باهظًا نجده في شعور بعض الشباب بالانعزال عن المجتمع، وعدم القدرة على الانخراط فيه، شعورًا منهم بعدم رغبة المجتمع في اعتبارهم أفرادًا يتمتعون بنفس المزايا، ويتحملون ذات المسئوليات، حالهم كحال أي مواطن بريطاني آخر.
وأي مجتمع بشري يشعر طرف فيه بأنه معزول، أو يُنظر إليه نظرة الدون، فهذا سبب رئيس في عدم استقرار ذلك المجتمع، وغياب الأمن والسلم الاجتماعيين، وبروز بؤر في داخل ذلك الكيان؛ مما يهدد قدرته على النماء والتقدم.
أما الشق الثاني من السؤال حول الخطاب السياسي/الإعلامي للمسلمين، فهو في معرض التطور لمواكبة النشاط والفاعلية والأثر العملي في الساحتين السياسية والإعلامية، فهو بالعموم لا يزال دون الطموح، ولكنه قطعًا حاز على قدر عالٍ جدًّا من التطور والنماء خلال العقد الأخير.
15ـ بشأن الخطاب الإسلامي.. من وجهة نظركم:
أ ـ ما هي أسس محتوى الخطاب الإسلامي المطلوب توافرها خلال الحديث أو الحوار مع مؤسسات الدولة وشرائح المجتمع الغربي؟
أ) أي خطاب إعلامي/سياسي للمجتمعات المسلمة في أوروبا – عمومًا – ينبغي أن يحتوي على هذه المحاور:
ـ الأمن والاستقرار والسلام: من منطلق الحرص على أمن وسلامة واستقرار ورفاهية المجتمعات التي ينتمي لها المسلم، وذلك من منطلق التشريع الإسلامي أولًا وقبل كل شيء، ثم من منطلق الإنسانية والشعور بالانتماء لهذه الحاضنة البشرية.
ـ المواطنة: منطلق أي موقف هو أن المسلم مواطن قبل كل شيء، وله ما لأي مواطن، وعليه ما على أي مواطن آخر، وأي تمييز يقع عليه فهو خلاف القانون.
ـ القانون: الجميع سواسية أمام القانون، والجميع مسئول عن حمايته وضمانته.
ـ الحريات العامة: ومن ذلك حرية التعبير والتفكير والاعتقاد والتظاهر والمعارضة والتنظيم السياسي وسواها مكفولة للجميع ضمن إطار القانون والعرف، ولا يصح الحد من أيٍّ من هذه الحريات التابعة لأي مواطن مهما كان دينه أو خلفيته الثقافية.
ـ المبادئ والقيم الإنسانية: فالمسلم يؤمن بقيم العدالة والحرية والمساواة والكرامة في بلده، وفي بلاد الله جميعًا دونما استثناء، ويرفض الظلم والطغيان والإهانة والتمييز، سواء لنفسه أو للآخرين، أيًّا كانت ديانتهم أو خلفياتهم وأصولهم؛ لذا فإن قضايا الظلم والاحتلال والقتل والبطش في بلاد كفلسطين والعراق وسوريا وبورما وبنغلادش من شئون المسلم البريطاني أو الأوروبي؛ من منطلق واجبه كمواطن، وكذلك من منطلق واجباته كمسلم.
ـ رفض العنف والإرهاب والإكراه والقسر: وكلها من الوسائل التي يرفضها المواطن المسلم وينشط ضدها، أيًّا كان الفاعل، وأيًّا كانت الضحية.
ـ الهوية: الإسلام يشكل جزءًا أصيلًا وفاعلًا من هوية المواطن الأوروبي المسلم، وقيم الإسلام هي قيم حاضرة دومًا في حياة ونشاط وعمل وترفيه المواطن الأوروبي المسلم، وليس في ذلك ما يعارض قانونًا أو يخالف عرفًا عامًّا.
ـ التحرك والمشاركة في إطار القانون: يحق للمواطن الأوروبي المسلم أن يعارض ما يُقترح من سياسات وقوانين وقواعد ومواقف وتصريحات بالقول والعمل ضمن إطار القانون، أيًّا كانت دوافع تلك المعارضة، دون أن يكون لمعارضته تأثير عليه، أو على مصالحه وأمنه وسلامته وحقوقه كمواطن، حاله حال أي مواطن آخر.
ب ـ هل تعتقدون أنكم في حاجة إلى إعداد متحدثين رسميين باسم الجاليات المسلمة للتحدث بهذا الخطاب “المطلوب” مع مؤسسات الدولة وشرائح المجتمع الغربي؟
ب) بالتأكيد نعم، ورغم أن السنوات الأخيرة شهدت بروز أصوات ووجوه إعلامية متميزة في كافة أنحاء أوروبا، فإننا بحاجة إلى المزيد، وبالأخص من فئة الشباب، ومن شريحة النساء.
وهنالك جهود كبيرة تقوم بها العديد من المؤسسات، كما أن منابر إعلامية بدأت في الظهور، وفي تشغيل وتدريب وتطوير قابليات الطاقات المسلمة، ولكن يبقى الأمر دون استراتيجية واضحة طويلة الأمد، ودون احتضان ورعاية وتدريب مستمر للوجوه المتميزة، ودونما خطة واضحة للتأثير على المنابر الإعلامية العالمية الكبرى كي تتبنى هذه الوجوه ضمن قوائم ضيوفهم المعتمدين، وهذا ما سيقفز بالأداء والتأثير الإعلامي المسلم في أوروبا قفزات نوعية، بإذن الله.
ج ـ وما هو السبيل أو الطريقة لإعداد مثل هؤلاء المتحدثين باسم الجاليات المسلمة؟
ج) لعل في (ب) بعض الإجابة على هذا السؤال، ولكن بالقطع فإن الدورات التدريبية والتطويرية مفتاح مهم، غير أنه لا يغني عن الممارسة؛ لذا فهناك حاجة إلى مزيد تفاعل مع المنابر والمحطات الإعلامية الأوروبية والعالمية المعروفة؛ كي تتولد عند هؤلاء المتحدثين الثقة المطلوبة والدربة العملية التي تمكنهم من احتلال أماكن الصدارة في المجال الإعلامي.