مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
بفضل مسيرة علمية راسخة ونشاط دعوي ومؤسسي واسع، برز سماحة المفتي كامل إسكندروفيتش ساميغوللين، مفتي تتارستان ورئيس الإدارة الدينية لمسلمي الجمهورية منذ عام 2013، كأحد أبرز القيادات الدينية الشابة المؤثرة في روسيا الاتحادية خلال العقد الأخير.
يقود المفتي كامل ساميغوللين نهضة إسلامية تقليدية تركز على إحياء التراث العلمي لعلماء التتار، وتعزيز حضور المجتمع المسلم في الحياة العامة من خلال عمل مؤسسي منظم وخدمة إنسانية شاملة، في إطار يعزز النهضة الإسلامية والمدنية داخل روسيا الاتحادية، ويفتح آفاقًا أرحب للتعاون وتبادل الخبرات بين المؤسسات الإسلامية.
النشأة والتعليم الديني.. إجازات علمية متصلة بالسلف الصالح
وُلد سماحة المفتي كامل إسكندروفيتش ساميغوللين في 22 مارس 1985 في بلدة كراسنوغورسكويه التابعة لمنطقة زفينيغوفسكي في جمهورية ماري إل، الواقعة غرب نهر الفولغا في الجزء الأوروبي من روسيا الاتحادية، وتُعد منطقة ذات تنوع قومي وديني.
تلقى تعليمه الديني الأول عام 2003 في الجامعة الإسلامية بشمال القوقاز بمدينة محج قلعة، عاصمة جمهورية داغستان الواقعة جنوب روسيا على ساحل بحر قزوين، ثم واصل دراسته بين عامي 2004 و2007 في مدينة إسطنبول التركية، المركز التاريخي للعلوم الإسلامية، حيث حفظ القرآن الكريم كاملًا، وحصل على إجازة في تدريس العلوم الشرعية بسند متصل إلى النبي محمد ﷺ عبر الإمام أبي حنيفة، في الفقه وأصوله والعقيدة وأصول الحديث والحديث وحسن الخط والصرف والنحو.
أكمل دراسته في كلية الشريعة بالمعهد الإسلامي الروسي بين عامي 2008 و2013، وحصل على إجازات في تدريس الكتب الستة الصحيحة ومجموعات حديثية أخرى، إضافة إلى إجازة في الأذان وتدريس مؤلفات محمد زاهد الكوثري عن طريق تلميذه محمد أمين سراج. ويتقن اللغتين العربية والتركية بطلاقة، ويهتم بدراسة التراث الفقهي والعقدي التتاري.
المسيرة المهنية.. من إمام مسجد إلى مفتي الجمهورية
بدأ عمله إمامًا بين عامي 2007 و2008 في بلدة نوفوآغانسك التابعة لمنطقة نيجنفارتوفسك في مقاطعة تيومين، الواقعة غرب سيبيريا وتُعد منطقة نفطية ذات كثافة سكانية متنوعة. وفي عام 2008 انتُخب إمامًا لمسجد تينشليك في مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان الواقعة عند ملتقى نهري الفولغا وكازانكا، وتُعد مركزًا دينيًا وثقافيًا مهمًا للمسلمين في وسط روسيا.
وفي عام 2011 تولى رئاسة قسم النشر في الإدارة الدينية لمسلمي تتارستان، ثم شغل منصب نائب المفتي للشؤون العلمية، وعضو هيئة الرئاسة، وعضو مجلس العلماء، ومستشار القاضي الشرعي الأعلى، ورئيس المجلس الاستشاري الخبير، إلى أن انتُخب في 17 أبريل 2013 رئيسًا للإدارة الدينية لمسلمي تتارستان ومفتيًا للجمهورية.
إنجازات المنصب.. إحياء التراث وخدمة المجتمع
برز سماحة المفتي كامل ساميغوللين قائدًا نشطًا وجّه جهوده نحو إحداث تغييرات إيجابية في المجتمع المسلم، وبفضل رسوخه في العلوم الشرعية وإتقانه اللغات الشرقية، نال احترام المسلمين في مختلف مناطق روسيا، ولاقت خطبه وكتبه الصادرة في قازان رواجًا واسعًا.
وخلال فترة قيادته، أُنجز عمل كبير في تعزيز القيم الدينية التقليدية، حيث أُعيد إحياء مؤلفات علماء المسلمين التتار في روسيا، وطُبعت كتبهم بطبعات واسعة، وأُطلقت مشاريع رقمية وتطبيقات هاتفية تهدف إلى تسهيل وصول المجتمع المسلم إلى المعرفة الدينية الموثوقة.
كما أولى اهتمامًا خاصًا بالخدمة الاجتماعية، فافتُتحت مراكز تأهيل ودعم لفئات مختلفة من المجتمع، بما في ذلك ذوو الاحتياجات الخاصة، دون تمييز على أساس الانتماء الديني، في تجسيد عملي لقيم الإسلام الإنسانية.
مؤلفات وترجمات.. إسهام علمي ممتد
ألّف سماحة المفتي عددًا من الكتب، من بينها كل إنسان يمكنه أن يصبح حافظًا للقرآن، والحب الأبدي، والإسلام في أسئلة وأجوبة، وماذا نعرف عن الجن وعالمهم، والعالم الإسلامي. كما ترجم عددًا من الكتب التراثية، منها بدء الأمالي، والقصيدة المحمدية، وزبدة المجلة، والدر المكنون للإمام أبي حنيفة.
يمثل سماحة المفتي كامل ساميغوللين نموذجًا معاصرًا للنهضة الإسلامية في روسيا الاتحادية، جامعًا بين العلم الشرعي العميق والعمل المؤسسي الرشيد والخدمة المجتمعية الواسعة، بما يعزز مكانة المجتمع المسلم في تتارستان، ويفتح المجال أمام دعم وتعاون أوسع مع العالم الإسلامي في مجالات التعليم الشرعي والنشر الرقمي وتبادل الخبرات.







