مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
في منطقة نائية من العالم، وفي أوضاع غاية في الصعوبة والقسوة وقلة ذات اليد، حيث لا يكاد يعرف مسلميها أو يسمع بهم إلا قلة من المسلمين المهتمين بواقع الأقليات المسلمة في العالم، كان لنا هذا الحوار مع الشيخ فوزي سيدو؛ مدير ومفتي الإدارة الدينية المركزية لمسلمي الأورال، والنائب الأول للمفتي العام، ومدير الإدارة الدينية المركزية لمسلمي القسم الآسيوي من روسيا الاتحادية؛ ليطلعنا على واقع الإسلام والمسلمين في هذه البقعة (منطقة الأورال) التي بقدر ما هي كبيرة الاتساع فإنها صغيرة الإمكانات.
في البداية وقبل التطرق إلى الحديث عن واقع الإسلام والمسلمين في منطقة الأورال، نود أن تضع يد القارئ على موضعكم الجغرافي والاقتصادي في روسيا.
تعد منطقة الأورال من ناحية التقسيم الإداري والنشاط الاقتصادي مركز روسيا، ويوجد فيها الحد الفاصل بين قارتَيْ أوروبا وآسيا، ولكن جغرافيًّا تقع سيبيريا في منتصف روسيا، وتمثل مساحات شاسعة ذات فاعلية اقتصادية ضعيفة، وفي غربها تقع الأورال.
وأما من الناحية الاقتصادية، فتعد مدينة يكترنبورغ (عاصمة الأورال) بمثابة عاصمة روسيا الصناعية بلا منازع، وهي المدينة الثالثة في البلاد من ناحية النمو الاقتصادي.
ـ ومتى بدأ وصول الإسلام إلى هذه المنطقة؟ وما هي الخريطة العرقية لمسلميها؟
وصل الإسلام لمنطقة الأورال تقريبًا في نفس الوقت الذي وصل فيه إلى تتارستان وعاصمتها قازان وإلى بشكريا (باشكوردستان أو باشقرتستان)، فهي تقع بينهم؛ أي قبل أكثر من ألف عام.
أما بالنسبة للخريطة العرقية، فالتتار والبشكير في الأورال يشكلون ما نسبته 23 بالمائة (وهم السكان المسلمون الأصليون)، ويشكلون مع المسلمين من باقي الأعراق 33 بالمائة تقريبًا من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 13 مليون نسمة، وفي المرتبة الأولى من نسبة السكان يوجد لدينا المسيحيون الأرثوذوكس، وفي المرتبة الثالثة اليهود.
وماذا عن خريطة توزيع المسلمين في الأورال؟
أما بالنسبة للتوزع، فهم متوزعون بشكل شبه متساوٍ بين جميع المناطق التي تشكل الأورال، فلو نظرنا وقارنَّا بين محافظتي تشيليابينسك وسفيردلوفسك، لوجدنا النسب نفسها مع فرق بسيط جدًّا لا يُذكر.
ـ لاحظنا – من خلال متابعتنا الإعلامية السابقة لواقع مسلمي روسيا الحالي – أن ملف “التعليم الإسلامي” يأتي على قمة أولويات مسلمي روسيا، فهل نحن محقون في هذا الرصد؟ وكيف تُعلِّلون كل هذا الاهتمام؟ ثم كيف هو واقع التعليم الإسلامي في منطقتكم؟
بالنسبة للمناطق المسلمة في روسيا، فأنتم على حق، وأما بالنسبة للأورال فلا، فملف البقاء لدينا هو على القمة وليس التعليم.
صحيح أن التعليم هو إحدى ركائز البقاء الأساسية، ولكن أهم ما يشغل المنظمات الدينية لدينا – للأسف – هو الأمور المادية، فقد تعلمون أن الشتاء هنا قاسٍ جدًّا، وتأمين التدفئة يحتاج إلى جهود كبيرة، كما أن جهود المُموِّلين تتجه للمناطق المعروفة ذات التاريخ الإسلامي الحاضر في الأذهان؛ مثل: قازان والقوقاز وغيرهما، أو نحو المراكز الكبيرة كموسكو.
أما نحن، فيمكن اعتبارنا من حيث الاهتمام مناطق نائية، ورغم وجود ممولين من أهل الخير، فإنه – للأسف – بسبب التشتت الحاصل في الأمة، وليس فقط في الأورال، فمساعداتهم مشتتة كذلك، والمنطقة التي تستطيع أن تؤمِّن هذه المتطلبات هي التي تستطيع أن تُعير التعليم اهتمامها، وذلك لإيصال كلمة الحق ما قد الاستطاعة، وأقول قدر الاستطاعة لأن الأئمة هنا – رغم وجود أشخاص قد أخذوا العلم الشرعي من منابعه – أضعف من باقي المناطق؛ لهذا نحاول إرسال طلبة العلم للتعلم في أماكن أخرى؛ حيث لا توجد إمكانية هنا لتخريج طلاب ومتعلمين وأئمة أكفاء.
وسبب هذا الاهتمام بالتعليم في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، مثل القوقاز أو تتارستان، هو وجود وحدة ومشيخة لتلك المنطقة؛ مما يعطي استقرارًا، وهذا الاستقرار – لو سمحتم لي بتسميته – هو أمان تعليمي، كما يُوفِّر مستقبلًا للمتعلم، واهتمامًا من الجهات الحكومية، وهذا كله يعطي مجالًا لإمكانية ازدهار أوضاعنا وحياتنا، فالإسلام عقيدة وعلم، وأي مسلم سليم العقل يعرف أن ازدهار الإسلام يرتكز على العلم.
على المستوى الدعوي، وتحديدًا فيما يتعلق بالدعاة والمساجد.. هل من إطلالة على الواقع الحالي؟ وما هي الإنجازات التي تحققت حتى اليوم في منطقتكم؟
كلمة الدعوة في روسيا محرمة – للأسف – قد لا يظهر التحريم في بعض المناطق الكبيرة، مثل موسكو وسان بطرسبورغ، أو في المناطق الذي ذكرناها في السؤال السابق، بسبب عدم اهتمام أحد بالتحريم، أو بسبب ضياع التشديد مع المساحات الكبيرة للمدن وكثرة سكانها.
أما في مناطقنا، التي هي أسهل في التحكم بها، فهي محرمة؛ لذلك نسعى بكل إمكانياتنا أن نكون قدوةً لمن حولنا في كل المناسبات المتاحة، وإذا دخل شخص المسجد نحاول مساعدته بكل إمكانياتنا، حتى يعاود الدخول مرة أخرى، وهكذا حتى يُبدي رغبة في التعلم، وعنده نرسله إلى أمكنة بظروف أفضل.
المساجد في كل العالم تُفتتح، وعندنا تُغلق بسبب الحروب الطاحنة تحت الطاولة بين المنظمات الدينية، وبسبب عدم وجود كوادر إدارية بعيدة النظر ذات كفاءة.
بفضل الله – عز وجل – ومع جميع المحاولات لإغلاق منظمتنا الدينية، ولأسباب كثيرة جدًّا، منها: دراسة أئمتنا في الخارج، وهذا يعني أن الإمام لدينا أخذ العلم من منابعه، وهذا يعني أنه متقن، ويقدر أن يقول للخطأ خطأً، وللصواب صوابًا، وهذا الخيار لا يناسب البعض، فأراد البعض أمرًا، وأراد الله أمرًا، ونفذ حكم الله الواحد القهار.
سبب آخر: الأئمة هنا، وأقصد في الأورال، قد يكونون من أي بلد، لا فرق عندنا – كإدارة – إلا بالتقوى والعلم والإتقان، فمثلًا أنا من سوريا، ونائبي من أذربيجان، وهناك أئمة من طاجكستان، وغيرهم أوزبك، وهذا التنوع أيضًا لم يناسب البعض.
أما الإنجازات، فهي:
أ- بناء المساجد في الأماكن التي لا توجد فيها.
ب- وتدريس الأئمة وتدريبهم ورعايتهم ما استطعنا، وهم – بدورهم – كل واحد في مكانه يعلم الناس من حوله.
ت- ونوزع الكتب التي نحصل عليها بالمجان.
والعبد الفقير وكل من معه يعملون متطوعين، لا نأخذ أجرًا على العمل في المجال الديني أبدًا.
كلنا نعمل عملًا خاصًّا نأكل منه، ونُطعم أسرنا، ونبني به مساجدنا، ونسافر إلى مؤتمرات وإلى القرى والمدن التي فيها أنشطتنا، وندفع ثمن إيصال الكتب المطبوعة للتوزيع إلى مختلف المناطق (نعم الكتب مجانًا تطبع، ولكنها لم تنزل من السماء بعدُ).
والمسافات هنا شاسعة، فمثلًا محافظة سفيردلوفسك أكبر من سوريا بعشرة آلاف كيلومتر مربع (مقارنة بسيطة لمحافظة واحدة فقط تدخل ضمن الأورال).
ماذا عن العقبات والتحديات في المجال الدعوي.. هل يمكنكم سردها في نقاط محددة مع إعطاء مثال أو أمثلة لكل تحدٍّ يواجهكم؟
العقبات ذكرتها في الجواب السابق (بعضها)، وهنا سأختصرها بنقاط محددة:
أولًا: للأسف، الفتنة بين المنظمات الدينية المركزية في موسكو وفروعها في المحافظات.
ثانيًا: عدم وجود كوادر ذات كفاءة عالية.
ثالثًا: الأحوال المادية السيئة.
رابعًا: تباطؤ مسلمي العالم عن مساعدة مسلمي الأقليات.
خامسًا: لو أراد أحدهم أن يساعد، فلن تصل المساعدات إلينا إن لم تعطَ لنا بشكل مباشر، فمثلًا: مناطقنا كثيرة في روسيا، والإدارة العليا لن تستطيع إلا أن توزع بين الجميع بالتساوي، فماذا يفعل من حاله أسوأ من غيره إذا كان المدد متساويًا بينه وبين غيره؟ طبعًا العقبات أكثر من ذلك، ولكني ذكرت أهمها، وأكثرها تأثيرًا.
وما هي رؤيتكم المستقبلية لترسيخ التواجد الإسلامي في منطقتكم وتوجيهه نحو المسار الصحيح؟
أنا مطمئن رغم كل ذلك، أنا مطمئن جدًّا وراضٍ بقضاء الله وقدره، فوالله منذ أن يئست من الناس وقلت حسبي الله وأنا أرى أن الله كريم، وأرى أفضال الله علينا ونعمه. ثبتنا بفضله ومدَّني بفريقٍ كلُّ من فيه أحسن وأتقى مني، والإسلام في ازدهار؛ لأن الناس بحاجة لله، وهم يبحثون عنه، والحمد لله نحن في تقدم. نعم بخطوات قليلة غير محسوسة، أحيانًا شهرية، وأحيانًا سنوية، وأحيانًا على مدًى بعيد جدًّا، ولكننا في تقدم، وأنا أرى أن المستقبل مشرق. والله مرَّت أيام لم نكن نعرف كيف نأكل أو كيف ندفئ مسجدًا في درجة حرارة -30 تحت الصفر، ولكن الله كان معنا، وأنا ثقتي به عمياء أن يُمدَّنا بما نحتاج.
بفضل الله مرحلة الاستقرار انتهت وولت إلى غير رجعة إن شاء الله، ونحن الآن في مرحلة تنفيذ الخطط التي وضعناها، ولم نُعدْ اختراع العجلة؛ فالطريق واضح، وبالعلم يزدهر ديننا، ونحن الآن بمرحلة التجهيز والتحضير الداخلي. نتعلم كيف نستخدم وسائل الاتصال الحديثة، وليس فقط كيف نوزع الكتب، وإنما نضيف إلى التوزيع كلمات طيبة ودروسًا، وكيف نقوم بمشاريع خيرية، وكيف نعمل بأوقات أقل وبمردود أكبر؛ لنتفرغ للدين، وأبناء أئمتنا يكبرون ويحملون معهم رسالة آبائهم في التضحية لأجل دين الله بالنفس والمال، وحتى الأسرة والراحة، ومع هذا الجيل القادم أرى أن كل شيء سيكون جاهزًا لانطلاقة قوية فعالة، وأسأل الله أن يجعلها في زماننا وهم يُكملون، فنحن نريد الأجر مثلهم، ونحاول تهيئة الظروف لهم ليكونوا متفرغين تمامًا للعمل الديني، وتوطيد العلاقات مع الإدارات الأخرى؛ حتى تكثر وتكثر، ويكونوا كلهم إخوة في الله لهم هدف واحد، ومراكب كثيرة قوية تبحر إلى الله طالبة جنته بجوار الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – اللهم آمين.
نحن نبني لهم علاقات طيبة مع أجهزة الدولة، فيعمل الفرد للدولة، والدولة للفرد، فيصلح الفرد وتصلح الدولة، وإنه على الله لهيّن.
وختامًا.. هل من رسالة للمؤسسات المعنية في العالم الإسلامي تودون إرسالها عبر موقع “مسلمون حول العالم”؟
نعم عندي رسالة: إن الله غني، غني عن أعمالنا، وغني عن أموالنا، وغني عن عبادتنا. إننا بكل ذلك نطلب وجهه الكريم – سبحانه وتعالى – أنا أرجو أن يتكرم بزيارتنا كل من يعمل في المجال الديني، ونعدكم إن لم تسعكم بيوتنا نُسكِنكم في قلوبنا، لا نريد منكم إلا أن تطلعوا على معنى الأقليات الحقيقية، والظروف المعيشية الصعبة، فقط لا تنسونا.
والله يوجد عندنا مناطق لا تصلها إلا الطائرات المروحية، وفيها إسلام ومسلمون ومساجد، والله الكتب التي ترسلونها قد لا تصل من أول محاولة لهم، وقد يضطر الإمام أن يركب الخيل في الشتاء بدرجة 30 تحت الصفر، ويذهب بين الغابات ليوصل الكتب إليها، فيصادفه دبٌّ جائع أو قطيع ذئاب، فيضطر للرجوع من حيث أتى، ويعاود الكرة في يوم آخر وقد لا يعود من رحلته، لكننا دومًا نحاول إيصالها.
أضيف إلى رسالتي أيضًا، شكري الجزيل لكم لتكفُّلكُم بتدريس طلابنا، ولكن مَن يطعم أسرهم؟ شكرًا لكم على الكتب، ولكنها لا تشبع جائعًا ولا تبني للمشردين بيوتًا. أرجو أن يفكر أهل الخير في حفظ حياتنا أولًا، فالجائع والمسكين والمنكوب والمشرد لا يريد كتابًا إذا كان بلا مأوى وبلا طعام.
التوصيات التي تنجح في بعض المناطق أو الظروف قد لا تنفع هنا، فلكل منطقة وضعها وظروفها الخاصة، وليس كل ما يعرف يقال، ونحن بحاجة لأفعال لا للكلام، ونسأل الله أن يتقبل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
وفي الختام، نشكر موقع (مسلمون حول العالم) لإمكانية إيصال صورة بسيطة عن الحال، وللجهود المبذولة، ولكل من قرأ هذا الحوار.