الشيخ “سمير خالد الرجب”، رئيس مركز وقف النور الإسلامي في مدينة هامبورغ بألمانيا:
فيروس كورونا دفعنا لتحويل برامجنا الدعوية والتعليمية كلها عن بُعد
مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
“من أول يوم للحجر الصحي إثر ظهور فيروس كورونا ( كوفيد-19) بألمانيا، أغلقنا المساجد، وتحولت برامجنا الدعوية والتعليمية كلها عن بُعد؛ وصرنا نتابع جمهورنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي”..
بهذه الكلمات، وفي حواره الخاص مع “مسلمون حول العالم“، حول أزمة وباء كورونا وتأثيرها على واقع ومستقبل المجتمع المسلم في ألمانيا، شدد الشيخ “سمير خالد الرجب”، رئيس مركز وقف النور الإسلامي في مدينة هامبورغ بألمانيا، على أهمية إيجاد البدائل المناسبة للعمل الدعوي والتعليمي والخيري للمراكز الإسلامية بأوروبا في ظل انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) بالمانيا ودول العالم.
وإلى الحوار…
ـ بدايةً.. نود التعرف على موقف ألمانيا الرسمي في التعامل مع وباء كورونا (كوفيد-19)؟
موقف ألمانيا الرسمي من وباء كورونا (كوفيد-19)، كان سريعًا ومنظمًا، وأخذوا المبادرة من البداية؛ حيث أقفلت الحدود، وفُرض الحظر الصحي بشكل كبير على الناس، وأُلغيت الاجتماعات العامة واحتفالات الأعياد والمدارس، والتزم الناس في البيوت، وطبعًا أظهر الطاقم الطبي والمستشفيات تقنية عالية، وجاهزية تامة، استطاعت من خلالها حصر هذا المرض، والسيطرة عليه، مقارنة مع دول الجوار.
وشددت السيدة ميركل على أن الأمر جد وليس بالهزل، وأن الموضوع يتطلب من المجتمع كله التكاتف والتعاون والصبر؛ لأن الوباء ربما يصيب أعدادًا كثيرة من الناس، وفعلًا هذا الذي حدث فيما بعدُ.
وأكدت ميركل أن الدولة بكامل ثقلها وقوتها ستواجه هذا الوباء، وأنه لا داعي للهلع، فقط الوعي والأخذ بالاحتياطات الصحية، والتزام القوانين؛ للتخفيف من انتشار وباء كورونا (كوفيد-19)، الذي لم يسبق له مثيل على مستوى العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
ـ وماذا عن حجم الأضرار التي أصابت المجتمع الألماني؟
لا شك أن الإجراءات المرعية أثَّرت بشكل مباشر على جميع الناس، خاصة من الناحية النفسية والناحية الاقتصادية، فقد خسَر الكثيرون أحبابهم وأعمالهم، وحُبس المجتمع بشكل شبه كامل في البيوت، وخاصة الطلبة الذين كانوا من أكثر المتضررين، وبعضهم عنده امتحانات الثانوية، والتي أجريت رغم الوضع الصحي، مع إجراءات احترازية، وكل صفٍّ فيه ست أو سبع طلاب مع الكمامات وما إلى ذلك، وعلى الرغم من متابعتهم عبر الأجهزة والتقنيات الجديدة، فإن الأمر لم يكن بالهين؛ لأنه – طبعًا – فيه صعوبة كبيرة.
ـ كيف تعاطى المجتمع المسلم الألماني مع القرارات الرسمية المتعلقة بوباء كورونا (كوفيد-19)؟
المراكز الإسلامية خاصة، ممثلة في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، كانت من السابقين في التزام الحجر الصحي من أول يوم، ونحن لنا في إرثنا الإسلامي وقائع مماثلة في زمن الصحابة الكرام، وكيف تعاملوا مع الطاعون الذي ضرب الناس في زمانهم، وهناك الأحاديث الكثيرة في الأوبئة والطواعين، وكيف تعامل معها المسلمون من خلال المنهج النبوي.
ونحن من أول يوم أغلقنا المساجد، وتوقفت كل الأنشطة التعليمية والثقافية، واكتفينا فقط بإقامة الصلوات حتى تُقام في وقتها، ولكن بدون جماعة، يعني فقط شخصًا أو شخصين على النطاق المسموح به، وتحولت فيما بعدُ البرامج كلها عن بُعد؛ حيث صرنا نتابع جمهورنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء مواعيد الجمعة، أو مواعيد تعليم القرآن الكريم. والحمد لله كان لذلك أثر طيب عند الجمهور العام، ولأننا في رمضان، كذلك سنتابع برامجنا عبر الإنترنت كصلاة التراويح، كما أننا قُمنا بالتعاون مع المجتمع المدني والمؤسسات المعنية في جمع التبرعات، ومساعدة الفقراء، وتوزيع الطعام، ولنا في رمضان إفطار سميناه “To go”، يعني يمكن للواحد أن يأخذه إفطاره ويذهب؛ نظرًا لعدم إمكانية التجمع.
وهذه اللفتة نالت استحسانًا ولاقت ترحيبًا من المؤسسات المعنية من الدولة، وكذلك من المجتمع المدني، وسيساهمون معنا بشكل مباشر في هذا البرنامج ونجاحه، وسيكون هناك – إن شاء الله – إعلان كبير يواكب هذه الحركة.
ـ على ذكركم لشهر رمضان.. نود التعرف أكثر على برامجكم الدعوية والخيرية في ظل انتشار وباء كورونا (كوفيد-19)،
شهر رمضان شهر عظيم ينتظره المسلمون على مستوى العالم بفارغ الصبر والسعادة، ولكن – للأسف – هذا العام، في ظل هذه الأزمة، وإغلاق المساجد، وعدم إمكانية صلاة التراويح، أصبح لزامًا علينا إيجاد البدائل، ومتابعة الناس، وفي الأمور الدعوية والتعليمية فأخذنا مبادرة عنوانها: “التواصل الاجتماعي مع الجمهور عبر الإنترنت” فأصبحت الخطب والمواعظ والتراويح، بما فيه كذلك الأسئلة والأجوبة، ومتابعة الطلبة، وتعليمهم القرآن الكريم من خلال هذه الوسائل وغيرها، وهذا يخفف إلى حدٍّ ما الحالة النفسية، والشوق إلى المساجد، وحرص الناس على المجيء، وليس بالإمكان أكثر مما كان. بينما في العمل الخيري أطلقنا برنامج “To go” هو البديل عن الافطار اليومي بالمسجد..
والبرنامجين الدعوي والخيري كالتالي:
1 ـ البرنامج الدعوي on line:
الأنشطة الدعوية والتعليمية التي كنا نقوم بها في المسجد والمدارس التابعة لنا تواصلت عبر الإنترنت؛ من خلال برنامج أسميناه (On Line)، وعبر مسارين اثنين:
أ ـ التواصل الدعوي العام عبر الإنترنت: وهو متعلق بالدروس الدعوية العامة والمواعظ والقرآن الكريم، وهذا يتم عبر مواقع الفيسبوك والانستجرام.
ب ـ الحلقات التعليمية المقفلة: من خلال برامج الزووم، وهذه تتعلق بالمدارس التابعة للمركز الإسلامي. فنحن عندنا مدرسة قرآنية، وعندنا مدرسة لتعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية فيها حوالي 200 طالب، يعني حوالي ثمانية فصول، بالإضافة إلى حلقات القرآن الكريم، فطبعًا لما توقفت كل هذه؛ نظرًا لعدم إمكانية الاجتماعات، أصبحنا نتواصل مع الطلاب من خلال غرف، ومن خلال هذه الغرف، كل معلم يفتح له غرفة عبر الزووم، أو ما يعرف بوسائل تواصل الإنترنت، فالآن يوجد الكثير من الغرف – يمكن حتى أن تصل إلى مائتين – ومن خلالها يمكن للأستاذ أن يتابع التلاميذ، بالإضافة إلى القرآن الكريم، كذلك يمكن أن يتابعهم مباشرة، وأن يسمعهم بشكل مباشر.
2 ـ البرنامج الخيري “To go”:
نحن كنا نعمل إفطارًا يوميًّا في شهر رمضان يتجاوز عدد مرتاديه المائتين، وكان فيه الطلبة والناس الذين ليس لديهم أسرٌ هنا، أو الذين ليس عندهم أوراق، أو الناس الذين يتمنون أن يكونوا مع المجتمع المسلم، ولكن نظرًا لعدم إمكانية التجمع، قررنا الاستمرار في الإفطار، ولكن دون تجمع؛ ولذا سمينا برنامج العمل الخيريto go ، وهذا هو الإفطار الذي نحن نُجهّزه بوجبات ساخنة، ونضعها في أكياس مع التمر والفواكه. وكل يوم قبل صلاة المغرب بساعة، يأتي الإخوة الذين يريدون الإفطار معنا ضمن شروط صحية؛ مثل التباعد في المسافات، وارتداء الكمامات وغيرها.
وهذه الفكرة وجدت اهتمامًا من الدولة؛ لذا سوف تشارك معنا في توزيع الطعام عبر وزارة المالية الألمانية، كما ستشارك أيضًا بالدعوة للتبرعات صحيفة “هامبورغ ابند بلات”، وهي إحدى الصحف الألمانية الكبيرة من خلال قسيمة الجريدة، وهي بطاقة فيها مبالغ يمكن أن يُشترى بها من السوبر ماركت.
ـ من زاوية معاكسة.. ومن باب أن لكل شرٍّ جانبًا فيه خير.. هل ترون أي إيجابيات من داخل هذه الأزمة تُبشّر بالأمل والخير؟
طبعًا بالنسبة للإيجابية، لا شك أن كل محنة في طياتها منحة، ولا يخلو شرٌّ من طيب، وهذه الأزمة أظهرت كثيرًا من الإيجابيات على الصعيد الداخلي، وعلى الصعيد العام.
بالنسبة للصعيد الداخلي، أي بالنسبة للأسرة والبيت الواحد، صار بإمكانهم أن يجتمعوا مع بعض، ويلتقوا مع بعض، وصارت توجد إمكانية للمرح.. وللتعلم .. وأشياء جديدة.. والاستفادة من الوقت بعيدًا عن الضغط اليومي للحياة اليومية والروتين، حيث الأولاد يطلعون كل يوم في الصباح الساعة السابعة، ويعودون الساعة الخامسة، والآباء في عملهم، والضغط النفسي الذي يشعرون به كل يوم، فأصبح هناك شيء من الهدوء والإيجابية.
أما على الصعيد العام، فأظهر التكاتف الاجتماعي، والعلاقات الإنسانية بين المؤسسات وبين الأفراد، وعاد الإنسان لإنسانيته التي كانت مهددة، والتي غلب عليها الأنانية، وغلب عليها الجور والظلم في ظل هذه الماديات.
ـ التجربة الحالية قاسية على مختلف الشعوب الإنسانية.. وربما لا تكون الأخيرة؛ لذا كيف يمكن الاستفادة من دروس اليوم للغد؟
لا شك أن هذه التجربة قاسية على الناس كلها، وكل العالم، بل ربما نحن حالنا – الحمد لله – أحسن من غيرنا، الحالة الطبية، والحالة الاجتماعية، والحالة الاقتصادية، وخاصة أن ألمانيا أخذت المبادرة، وتساعد كل الناس الذين تعطلت أعمالهم، وتدفع للمؤسسات التجارية للتخفيف من الأعباء، وللناس الذين فقدوا وظائفهم، وهذه بحد ذاتها نعم عظيمة، وأظن أنه – والله أعلم – أي مشكلة في المستقبل ستكون أهون من وباء كورونا الحالي؛ لأن الناس استفادت من هذه التجربة، وإن شاء الله، فإن الله – سبحانه وتعالى – سيُغير الأحوال إلى أحسن حال، ونكون دائمًا بخير.