مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
“نطمح دائمًا أن نستمر في تطوير التعليم الإسلامي في “السنجق”، ونطمح بتوسيع المؤسسات العلمية والتعليمية في “السنجق”، وزيادة خبراتها ونشاطاتها، وخصوصًا “كلية الدراسات الإسلامية”؛ لتكون مركزًا إسلاميًّا متقدمًا في أوروبا”..
بهذه الكلمات، عبَّر الدكتور أنور غيسيتش؛ عميد “كلية الدراسات الإسلامية” في “السنجق” بصربيا، عن أملهم في تتويج جهودهم على مدار العَقدين الماضيين في مجال تطوير وتوسيع منظومة التعليم الإسلامي؛ كي تصبح “السنجق” – وهو الإقليم ذو الغالبية المسلمة في جنوب غرب صربيا – “مركزًا متقدمًا للتعليم الإسلامي في القارة الأوروبية”. جاء ذلك في حوار خاص له مع موقع “مسلمون حول العالم”.
التعريف الشخصي
في بداية حوارنا نَودّ منكم نُبذةً تعريفيةً عنكم لجمهورنا.
ـ أنور غيسيتش، دكتوراه في العلوم الإسلامية، تخصُّص في البنوك الإسلامية والاقتصاد الإسلامي، وإدارة الأعمال، وأصول الفقه، وعميد “كلية الدراسات الإسلامية” منذ عام 2013م، ورئيس “الأوقاف الإسلامية في المشيخة الإسلامية” في صربيا منذ عام 2012م، متزوج وعندي تسعة أطفال.
اشتغلت في المدرسة الإسلامية للأئمة والخطباء “غازي عيسى بك” في مدينة نوفي بازار بصربيا، وكنت أُدرِّس مواد أساسيةً: عقيدة، وخطابة، والتاريخ الإسلامي، وفلسفة إسلامية، وفي ذات الوقت كنت إمام مسجد في مدينة نوفي بازار في الفترة 2003م – 2013م.
أيضًا عملت أستاذًا بـ “كلية الدراسات الإسلامية” في صربيا للمواد التالية: فقه المواريث، وفقه المعاملات، والقواعد الفقهية، وأصول الفقه في الماستر، ومادة الاجتهاد، والخطابة الإسلامية في الدكتوراه، وكذلك عملت مشرفًا لعدة رسائل ماستر ودكتوراه في الكلية وجامعة طرابلس – لبنان.
وفي المجال الإعلامي شاركت في برامج تلفزيونية تثقيفية في التلفزيونات المحلية في “السنجق”، كما نشرتُ مقالاتٍ بشكل دوري في الصحيفة الشهرية “صوت الإسلام”.
كذلك شاركت بالعديد من الأبحاث في المؤتمرات العلمية الإقليمية والعالمية، ونُشِرت لي أبحاث في الاقتصاد الإسلامي في عدد من الدوريات والمجلات المحلية والإقليمية.
منابر التعليم الإسلامي
ماذا عن “منابر التعليم الإسلامي” في “السنجق”؟
ـ التعليم الإسلامي في إقليم “السنجق” المسلم، في جمهورية صربيا، شهِد تطورًا مهمًّا وملحوظًا خلال العَقدين الماضيين، ونستطيع أن نقسمه إلى مستويين:
المستوى الأول: هو التعليم الإسلامي الذي أنشأته وتُديره وتُشرف عليه “المشيخة الإسلامية” في صربيا، وهذا المستوى قد تطور تطورًا لافتًا خلال السنوات الماضية، فقد أنشأت “المشيخة الإسلامية” في صربيا – ومركزها في مدينة نوفي بازار؛ عاصمة إقليم السنجق – المدارسَ التعليميةَ لكافة المستويات بدءًا من روضات الأطفال؛ حيث أنشأت سلسلةً من الروضات تحت اسم “روضة وولدان”، تُعنى برعاية الأطفال وتَلْقينهم منذ نعومة أظفارهم التعاليم الإسلامية.
كما أعادت وأسست المدارس الثانوية الشرعية للذكور والإناث، وأنشأت مدارس تعليم القرآن الكريم، والتي بلغ عدد أفرعها 24 مدرسةً حتى الآن، وأنشأت “كلية الدراسات الإسلامية” للدراسات الجامعية والعليا، والتي بدأت تستقطب الدارسين من مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، ومن الدول العربية، وخصوصًا في الدراسات العليا، وعَمِلت على تأهيل الأئمة وإحياء حلَقات العلم في المساجد، بالإضافة إلى العديد من النشاطات العلمية والثقافية، ولم يقتصر الاهتمام على التعليم الديني فقط، فقد أنشأت الجامعة العالمية، والتي تضم عددًا من الكليات، وتساهم هذه الجامعة بِرَفْد المجتمع بالخريجين من اختصاصات متعددة.
المستوى الثاني: وهو التعليم الحكومي للتربية الإسلامية في المدارس، وهذا المجال بالرغم من أنه لُوحِظ فيه تطور في العَقد الأخير، ولكنه بقي محدودًا، وذلك بسبب السياسة التعليمية المفروضة من قِبَل الوزارات المتعاقبة في صربيا، والتي بالرغم من صدور قانون الأديان، إلا أنه بقي التعليم الديني ضعيفًا ومحدودًا ببرامج فقيرة، وساعات دراسية قليلة، حيث تُعاكس سياسات الحكومات المتعاقبة في صربيا التوجه لرفع مستوى التعليم الديني الرسمي.
المناهج الدراسية
ـ ماذا عن المناهج الإسلامية الحاليَّة التي تُدرَّس للطلاب في مختلف منابر التعليم؟
ـ المناهج الإسلامية التي تُدرس في المؤسسات التعليمية التي تتبع “المشيخة الإسلامية” هي مناهج غنية، وتُوازي المدارس والمعاهد الإسلامية في العالم العربي. أما المناهج وأساليب التعليم في “كلية الدراسات الإسلامية”، فهي تُوازي أفضل الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي، وكذلك الأمر بالنسبة لمدارس تعليم القرآن الكريم.
الأساليب التعليمية المتبعة، والحرص على التطوير المستمر للمناهج، وأساليب التعليم في “كلية الدراسات الإسلامية” يجعلها تواكب العصر، وتُخرِّج سنويًّا خريجين مؤهَّلين أن يكونوا أعضاءَ فاعلِين ومنتجِين في مجتمعهم، بل وفي الدول الأوروبية الأخرى، حيث تُرسل “المشيخة الإسلامية” في صربيا بشكل دوري هؤلاء الأئمة والخريجين إلى دول أوروبا الغربية، حيث هي موطن للمغتربين البوشناق، ليكونوا أئمةً، ويقدِّموا الدروس والمحاضرات، ويشاركوا في النشاطات الدينية والثقافية هناك.
أما الحاجة للتطوير، فهي حاجة مستمرة، وعلى المؤسسات الإسلامية أن تسعى للتطوير بشكل دائم، فكما أن الحياة وأساليبها ومعارف الإنسان تتطور، فعلى التعليم الديني أن يتطور ليواكبها بشكل مستمر، ولأجل ذلك عقَدْنا اتفاقيةً مع “الأيسيسكو” الرباط، و”الهيئة الخيرية العالمية” في الكويت، و”مؤسسة منارات الفكر الدولية”، و”المركز الدولي للاستراتيجيات التربوية والأُسرية icefs”، وعقَدْنا ندواتٍ ومؤتمراتٍ مشتركةً بيننا لمواكبة تطورات العصر في ذلك.
الكوادر التعليمية
ـ بشأن المُعلِّمين القائمين على تدريس المناهج الإسلامية في مختلف منابر التعليم الإسلامي، هل هناك شروط ومواصفات لهم؟
ـ بالنسبة للكوادر التعليمية في المؤسسات التي تتبع “المشيخة الإسلامية” في صربيا، فهي تخضع لشروط وضوابط واضحة، وهي أن يكون المعلم مؤهلًا بالشهادات المناسبة لكل مستوًى أولًا، ويخضع لاختبارات ودورات، ثم فترة تقييم وتجربة؛ لكي يؤدي بعدها دوره في التعليم.
وبالطبع بالإضافة للمؤهل العلمي والخبرة المطلوبة يُشترط حسن السلوك والسمعة، والسيرة الحسنة، والقدرة على التواصل الجيد، وغيرها من المواصفات الشخصية التي تجعل المعلم أو المدرس قادرًا على أداء وظيفته بالشكل المناسب.
ـ وهل من اتفاقيات مع الجامعات والمؤسسات الإسلامية التعليمية العالمية معكم لتطوير مُعلِّمي المناهج الدراسية الإسلامية؟
بالنسبة للاتفاقيات، فقد عقدت “كلية الدراسات الإسلامية” العديد من الاتفاقيات مع الجامعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، والمؤسسات العلمية الشهيرة كمؤسسة “الإيسيسكو”، و”اتحاد الجامعات الإسلامية”، وغيرها من المؤسسات العلمية والتدريبية، ويُعقد من أجل هذا سنويًّا العديد من المؤتمرات التدريبية والعلمية؛ سعْيًا للتطوير الدائم للتعليم وتأهيل الكوادر.
من هذه الاتفاقيات: عقدنا اتفاقيةً مع “الإيسيسكو” الرباط، وكذلك مع “اتحاد المؤسسات لتعليم العربية للناطقين بغيرها” الرباط، و”الهيئة الخيرية العالمية في الكويت”، و”كلية الشريعة” الكويت، و”مؤسسة منارات الفكر الدولية”، وكذلك “المركز الدولي للاستراتيجيات التربوية والأُسرية icefs”، وأيضًا “هيئة تعليم القرآن والسنة” السعودية، و”وزارة الأوقاف الإسلامية للقرآن الكريم” – أون لاين – الكويت، وكلٍّ مِن “جامعة طرابلس”، و”جامعة الجِنان” في طرابلس – لبنان، وكذلك “جامعات مولانا” – تركيا، و”المركز الإسلامي” في فيينا.
عقبات وتحديات
ـ ما هي العقبات التي تُواجِه مجال التعليم الإسلامي في صربيا؟
ـ بالنسبة للتعليم الخاص، والذي يتبع “المشيخة الإسلامية” في صربيا، فالعقبات محدودة، وهي تتعلق بالمستوى المعيشي والاقتصادي للمواطنين، ومحدودية الإمكانات المادية لـ”المشيخة الإسلامية” المُشْرِفة على هذه المؤسسات من أجل التوسع بشكل أسرع وأوسع، وكذلك تطوير أساليب التسويق لاستقطاب نسبة أكبر من أفراد المجتمع لإرسال أولادهم للتعليم الديني.
ـ أما بالنسبة للمدارس الحكومية، فدور “المشيخة الإسلامية” في صربيا دور محدود، وهو دور رقابي، وإشرافي، واستشاري، وتعليمي مِن بعض المعلِّمين مِن عندنا، ولكن بشكل محدود على المناهج التعليمية، ورَفْد المدارس بالمعلِّمين المؤهَّلِين.
إنجازات ونجاحات
ـ بلغة الأرقام والتحليل، ما هي أبرز الإنجازات والنجاحات التي تحققت في مجال التعليم الإسلامي في صربيا؟
ـ نُقيِّم التعليم الإسلامي بشكل موجز من خلال ثلاثة مقاييس: عدد مؤسسات التعليم الإسلامي التي تتبع “المشيخة الإسلامية” بصربيا، وعدد الطلاب والخريجين، وأخيرًا تطور المناهج التعليمية.
– وبلغة الأرقام، فمثلًا أُنشئت “مدرسة تعليم القرآن الكريم” منذ عدة سنوات فقط، والآن يوجد لها 24 فرعًا في مدن “السنجق”، وحتى في دول المغرب، وعدد طلابها بالمئات، و”الثانوية الشرعية للذكور والإناث” في عدد من مدن “السنجق”، وطلابها بالمئات.
“كلية الدراسات الإسلامية” يُدرِّس بها 51 مُدرِّسًا باختصاصات متعددة، قِسم كبير منهم يحمل شهادة الدكتوراه، ودراسة الماجستير والدكتوراه تتزايد سنويًّا.وفُتح فرع للغة العربية والخطاب الشرعي فيها في قسم الدراسات العليا.
وبلغة الأرقام والتحديث في “كلية الدراسات الإسلامية” بصربيا مثلًا، تمتلك الآن مخبَرًا صوتيًّا حديثًا، وقاعة مؤتمرات حديثةً مزوَّدةً بالتقنيات الحديثة، وحديثًا، أنشأتْ مكتبةً إسلاميةً كبيرةً ما زالت تَرفِدها بالكتب والمراجع العلمية، بالإضافة للمؤتمرات، ففي كل عام لدينا مؤتمران أو وَرْشَتا عملٍ بالاشتراك مع “الإيسيسكو” والجامعات والمؤسسات الأخرى التي عقدنا معها اتفاقية تعاون، ومؤتمران عالميان ندعو إليهما المتخصصين والخبراء من مناطق متعددة من العالم الإسلامي، بالإضافة للندوات واللقاءات العلمية والتثقيفية، والإصدارات والمنشورات الدورية التي تُصدرها “كلية الدراسات الإسلامية في صربيا”.
هذا كله انعكس إيجابًا على التعليم الإسلامي في “السنجق”، وعلى الخصوص على المؤسسات التعليمية التي تتبع “المشيخة الإسلامية” في صربيا.
إشراف وتوجيه
ـ جمهورية صربيا بها عرقيات مسلمة متعددة؛ كالألبانية، والغجر، إضافة للبوشناق، فكيف تتواصلون معهم للتنسيق في العملية التعليمية الإسلامية؟
ـ “المشيخة الإسلامية” في “نوفي بازار” هي المشيخة الرسمية للمسلمين في كل أنحاء صربيا، ولمختلف الأعراق المسلمة بها؛ لذلك فهي تتابع جميع النشاطات الإسلامية، ومنها التعليم الديني في المناطق الأخرى غير “السنجق”، وتُعطي لهم التعليمات والتوجيهات والنصائح والإرشادات في كل خطوة تخطوها.
تواصل وتنسيق
ـ ماذا عن التنسيق بينكم وبين المؤسسات المَعْنِيَّة بالتعليم الإسلامي خارج صربيا؟
ـ على المستوى الإقليمي: يوجد لـ”كلية الدراسات الإسلامية” في صربيا تنسيق جيد مع المؤسسات في البلقان عمومًا، وكمثال فإن “كلية الدراسات الإسلامية” في “السنجق” مُسجَّلة لدى رئاسة العلماء في البوسنة والهرسك كإحدى الكليات الإسلامية في البوسنة، والتنسيق مع “وزارة الأديان” في جمهورية صربيا أيضًا يتم بشكل جيد، ويشارك مندوبون عن الوزارة في تخريج الطلاب سنويًّا، بالإضافة للاتصالات للتنسيق في الأمور الإدارية والفنية، وأيضًا التنسيق مع “كلية الدراسات الإسلامية” في برشتينا – كوسوفو، و”الكلية الإسلامية” في سكوبي – مقدونيا.
وعلى المستوى الأوروبي: فللكلية عقود واتفاقات مع عدد من المؤسسات والمعاهد العلمية في مجال التعليم وتبادل الخبرات، وفي العالم العربي هناك بعض الاتفاقيات مع بعض الجامعات والكليات الإسلامية في لبنان، والكويت، والرباط، والسعودية، ونأمُل أن يزداد هذا التعاون ليكوِّن برامج مشتركةً أكثر، وتعاونًا مُجديًا أوسع.
توصيات مستقبلية
ـ ماذا عن رؤيتكم المستقبلية لتطوير التعليم الإسلامي في صربيا؟
ـ نطمح دائمًا أن نستمر في تطوير التعليم الإسلامي في “السنجق”، ونطمح بتوسيع المؤسسات العلمية والتعليمية في “السنجق”، وزيادة خبراتها ونشاطاتها، وخصوصًا “كلية الدراسات الإسلامية”؛ لتكون مركزًا إسلاميًّا متقدمًا في أوروبا.
أما تطوير المناهج: فهذا الأمر نعمل عليه دائبِين بشكل مستمر؛ لتكون مناهج التعليم الإسلامي وأساليب التعليم مواكبةً لحاجات عصرنا، وذلك عن طريق متابعة الكليات والجامعات الأخرى التي عقدنا معها اتفاقيات، وعن طريق الاستفادة من الندوات والمؤتمرات للاستفادة من أهم التوصيات والنتائج الإيجابية فيها للأخذ بها.
وبشأن المنظومة التعليمية الإسلامية في صربيا: فهي منظومة شبه متكاملة، لكننا نطمح بتوسيع هذه المنظومة وتوسيع دورها؛ لتكون مركزًا علميًّا وفكريًّا يشارك في بحث وإيجاد حلول وخطط لتنمية وتحصين مجتمعاتنا الإسلامية على كافة الصُّعُد، بالإضافة إلى تطوير أساليب تعليم العلوم الإسلامية.
رسائل للمعنيين
ـ وأخيرًا، هل تَودون إرسال أية رسائل للمؤسسات الإسلامية المعنية بالتعليم الإسلامي حول العالم عبر موقع “مسلمون حول العالم”؟
ـ التعاون وتبادل الخبرات وانفتاح المؤسسات الإسلامية بعضها على بعض يفتح آفاقًا واسعةً لإبداع حلول، ووضع برامج وخطط لتطوير مجتمعاتنا الإسلامية وتحصينها، ويساهم في توسيع دائرة نشر العلم والثقافة؛ لذلك أدعو المؤسسات الإسلامية المعنية إلى الانفتاح والتعاون مع “كلية الدراسات الإسلامية” و”المشيخة الإسلامية” في صربيا، فهما من أعمدة النشر وحماية الفكر والتعليم الإسلامي، وربما هي الأنشط في البلقان في هذا المجال، هذا التعاون سيُعزز من دور هذه المؤسسات، ويَزيد من نشاطها وفاعليتها.