مسلمون حول العالم ـ خاص ـ حوار: هاني صلاح
“شرارة رحمة” أطلقتها قبل خمس سنوات ناشطة ألبانية، وأم لطفل مريض بطيف التوحد، كانت رؤيتها واضحة منذ البداية وهي “شفاء الألم بالسعادة”، والتي تطورت بعد مسيرة طويلة مليئة بالتحديات والإنجازات معًا، إلى أن تحقق الطموح الأكبر للقائمين على المبادرة؛ وذلك بافتتاحهم في 6 أبريل 2023 أول مركز لرعاية المراهقين المصابين بمرض التوحد في ألبانيا.
وحول المبادرة ومركزها الأول في ألبانيا “أسعد الألم”، كان هذا الحوار الخاص لـ”مسلمون حول العالم” مع الناشطة الألبانية “بريجيدا موتشى”.
وإلى الحوار..
ـ كيف بدأتم مبادرتكم “أسعد الألم”؟
كأم لطفل يعاني من طيف التوحد، وبناءً على تجربتي الشخصية، ومشاهدتي عن قرب لمعاناة كثير من عائلات المراهقين المصابين بمرض التوحد؛ أخذت قرارًا برفع “شعلة الأمل” لي ولكل هذه العائلات؛ لتحويل المعاناة لسعادة، وهكذا وُلدتْ مبادرتنا التطوعية “أسعد الألم” في عام 2018، والتي تطورت بعد مسيرة طويلة مليئة بالتحديات والإنجازات، إلى أن تحقق طموحنا الأكبر بافتتاحنا في 6 أبريل 2023 أول مركز لرعاية المراهقين المصابين بمرض التوحد في ألبانيا.
ـ هل لاسم مبادرتكم مغزى أردتم توصيله للمجتمع؟
نعم، فمنذ أن أطلقنا “شرارة الرحمة” قبل خمس سنوات؛ كانت رؤيتنا واضحة لنا وهي “شفاء الألم بالسعادة”، ولم يكن التركيز في البداية على المراهقين المصابين بمرض التوحد فحسب، بل أيضًا على الأطفال المصابين بالسرطان؛ حيث سعينا لتنظيم معارض خيرية ودعم تكاليف علاجهم في المستشفيات.
وتحويل الألم لسعادة يشمل المراهقين المصابين بمرض التوحد من جهة وعائلاتهم التي تعاني من جهة أخرى؛ فنحن نسعى لاحتضان هؤلاء المراهقين المصابين بمرض التوحد ومعالجتهم وتأهيلهم، وفي الوقت ذاته نسعى لدعم عائلاتهم تربويًا في كيفية التعامل مع أبنائهم المراهقين، وكذلك اقتصاديا في تحمل مصروفات علاجهم.
وفي مسار ثالث نُحفِّز المجتمع حولنا على دعمنا في رسالتنا هذه، والوقوف بجانبنا في مبادرتنا وبجانب هذه العائلات وأبنائهم؛ كي ترتسم الابتسامة على وجوههم جميعًا.
ـ ما الفئة العمرية التي تستهدفونها في مركزكم؟
في مركز “أسعد الألم”، محور اهتمامنا منصب على فئة المراهقين المصابين بمرض التوحد، والذين تزيد أعمارهم عن 14 عامًا؛ وذلك لعدم وجود مركز لهم، والذين يضيئون العالم بطريقتهم الفريدة، هؤلاء الأفراد الرائعون، نحن نتفهم رحلتهم الفريدة في هذه الحياة، ونسعى لتوجيههم في طريقهم للتغلب على تعقيدات الحياة اليومية.
في الوقت الحالي، نقدم في مركزنا “أسعد الألم”، احتضاننا الدافئ لـ 100 شاب وفتاة، ونوفر لهم ملاذًا آمنًا للتعلم والنمو والازدهار، ونسعى لتأهيلهم ودمجهم في المجتمع، وإكسابهم المهارات التي يمكنهم الحصول عليها عبر دوراتنا العلاجية والتدريبية والتأهيلية.
الخدمات التي يقدمها مركزنا متعددة ومتنوعة؛ فهناك أربعة فصول دراسية تعليمية بالمركز، كل يفصل يتسع لنحو 6 من الطلاب، واستطعنا من خلال المشاريع الخيرية التي ننظمها أو نشارك فيها توفير ميزانية لافتتاح فصل دراسي مع مدرب متخصص للشباب المرضى بطيف التوحد، وننتظر دعم الخيريين في المجتمع؛ كي نصل بمركزنا لأعلى طاقة استيعابية للشباب، وتعليمهم وتأهيلهم بمركزنا بدوام دراسي كامل.
لكن مركزنا، وكما أشرت من قبل، يقدم خدماته لشريحة واسعة تصل لنحو 100 فتاة وشاب، وهناك برامج متنوعة وعلى فترات زمنية مختلفة، نستقبل فيها مجموعات أخرى من المراهقين المصابين بمرض التوحد، حيث نقدم لهم المساعدة اللازمة في أجواء دافئة جميلة تظللها نسمات سعادة وترفيه ومرح.
وفي كل يوم يستقبل مركزنا اتصالات من عائلات جديدة تطلب منا المساعدة في دعم أبنائها سواء في التعليم أو العلاج، نبذل أقصى جهدنا في الوصول للجميع وعدم التوقف عن مساعدتهم مهما كانت إمكانياتنا المادية المتاحة لنا.
ـ أشرتم إلى إنتاج أسلوب الشفاء بالسعادة، فهل من توضيح أكثر؟
في مركزنا “أسعد الألم”، نؤمن بأن كل شاب وفتاة يستحق أن يضحك ويفرح وتكون له صحبة يمرح معها، وأن تُتاح له الفرصة لخلق ذكريات جميلة لا ينساها أبدًا؛ وهذا محور فكرتنا وعملنا في مركزنا.
ولهذا السبب، وبالإضافة إلى الخدمات اليومية التي يوفرها ويقدمها مركزنا، مثل: علاج النطق، والعلاج الطبيعي، والدورات التدريبية التأهيلية؛ فإننا نقدم أيضًا أنشطة ترفيهية واجتماعية وتوعوية.
ولهذا، نفخر بكوننا ملاذًا آمنًا صحيًا لتلك الشريحة من المراهقين المصابين بمرض التوحد؛ حيث يتم تحفيز ودعم كل شاب وفتاة لتنمية مواهبهم وإطلاق أحلامهم الفريدة، نسعى بكل جهد ممكن وطاقة مستطاعة لتحويل بيئة مركز “أسعد الألم”، لبيئة مجتمعية تُعزِّز الانتماء والتفاهم بين هؤلاء الشباب والفتيات، نؤهلهم من خلالها للاندماج مستقبلًا في المجتمع والانطلاق في أوساط بيئاتهم التي يعيشون فيها.
عائلات الأطفال.. ومسارات ثلاثة
ـ لا شك أن رعاية هؤلاء المراهقين المصابين بمرض التوحد لا تنفك عن الاهتمام بعائلاتهم؛ فماذا عن دوركم في مركز “أسعد الألم” إزاء آباء وأمهات هؤلاء المراهقين المصابين بمرض التوحد؟
هذا صحيح، فاهتمامنا بالمراهقين المصابين بمرض التوحد لا ينفك عن الاهتمام كذلك بعائلاتهم؛ فتقديم الدعم لتلك الأسر يعود إيجابًا على أبنائهم المرضى، ولدينا ثلاثة مسارات متوازية، في دعم آباء وأمهات المراهقين المصابين بمرض التوحد، وهى:
1 ـ المسار المعرفي: حيث إنه من أولوياتنا في رعاية هؤلاء المراهقين المصابين بمرض التوحد، قيامنا بشرح وافٍ لآبائهم وأمهاتهم عن الطرق الصحيحة والمطلوبة في التعامل مع أبنائهم؛ لذلك ننظم في مركزنا جلسات تعليمية لآباء وأمهات هؤلاء المراهقين مع متخصصين لإمدادهم بالمعرفة اللازمة من جهة، ومن جهة أخرى للرد على أسئلتهم واستفساراتهم بشأن أبنائهم.
2 ـ الدعم الاقتصادي: دعمُنا لتلك الأسر لا يتوقف عند الجانب المعرفي؛ بل يتواصل عبر مسار ثانٍ لا يقل أهمية عن الأول، ويتمثل في الدعم الاقتصادي؛ حيث وجدنا أن كثيرًا من عائلات هؤلاء المراهقين المصابين بمرض التوحد لا يستطيع تحمل مصروفات العلاج اللازمة وتكاليف الدورات التأهيلية المطلوبة لهم؛ وهو الأمر الذي يؤثر سلبًا على سلوكياتهم في البيت فيصبحون أكثر عنفًا؛ لذا سعينا منذ البداية في دعم هذه الأسر اقتصاديًا حتى يتحسن أبناؤهم ولا تتدهور سلوكياتهم في البيت نظرًا لحرمانهم من العلاج اللازم لهم.
3 ـ تبادل الخبرات والتجارب: وهذا المسار الثالث الذي نسعى من خلاله إلى خلق بيئة “معرفية ـ إجتماعية” بين آباء وأمهات المراهقين المصابين بمرض التوحد؛ كي يتم تبادل الخبرات والمعارف فيما بينهم من خلال تجاربهم الخاصة مع أبنائهم، وقد وجدنا نتائج إيجابية انعكست وبشكل كبير على تحسن المراهقين المصابين بمرض التوحد.
ـ إذن حققتم نجاحات وإنجازات على مدار خمس سنوات منذ انطلاق مبادرتكم “أسعد الألم” والتي وصلت لتحقيق حلمكم الأكبر بافتتاح أول مركز لرعاية هؤلاء المراهقين المصابين بمرض التوحد، الآن ما رؤيتكم المستقبلية لمركزكم الفريد والاستثنائي وما أبرز التحديات التي تواجهكم؟
بعد مسيرة لخمس سنوات متصلة، والتي تُوجت بافتتاح مركزنا العلاجي والتدريبي والتأهيلي لهؤلاء المراهقين المصابين بمرض التوحد فوق سن الـ14، أضحى مركزنا جاهزًا لتقديم كافة الخدمات اللازمة لشريحة هؤلاء المراهقين، خاصة أننا افتتحنا فصلًا دراسيًا بدوام كامل مدته 8 ساعات يوميًا مع مدرب متخصص لهؤلاء الأطفال.
ويبقى التحدي الأكبر أمامنا هو الدعم المالي؛ حيث نسعى لاستكمال فتح باقي الفصول الدراسية الثلاثة الأخرى، وهذا يحتاج منا للاتفاق مع ثلاثة مدربين آخرين.
وبجانب ذلك، نواصل دعم أسر المراهقين المصابين بمرض التوحد اقتصاديًا، سواء عبر مشروعات سلات الغذاء الشهرية نظرًا لظروف البعض الصعبة ماليًا، أو من خلال دفع ما يمكننا من مصروفات الكشف والعلاج والأدوية اللازمة للمراهقين المصابين بمرض التوحد.
وهنا أؤكد بأن كل شيء لدينا في مركز “أسعد الألم” يُقدَّم مجانًا، وكافة الخدمات التي نقدمها لعائلات أطفال مرضى طيف التوحد مجانية بشكل تام وكامل.
ولنجاح برامجنا العلاجية ودوراتنا التأهليلية نقوم ببرامج ترفيهية ورحلات وأنشطة وحفلات خاصة في الأعياد لهؤلاء المراهقين المصابين بمرض التوحد، مثل: حفل عيد الفطر وعيد الاضحى والعيد الوطني للاستقلال بألبانيا؛ كي يشعروا بأنهم مثل جميع الشباب والفتيات في المجتمع يحتفلون ويفرحون ويمرحون، ويتعرف بعضهم على بعض ويكتسبون مهارات التواصل الاجتماعي مع الآخرين بشكل عملي.
كافة هذه البرامج وتلك الأنشطة نتحمل فيها الكثير من المصروفات المالية وهى جميعها قائمة على تبرعات محلية من أهل الخير والمؤمنين بأهمية دورهم ومسئولياتهم المجتمعية تجاه هذه الشريحة من المراهقين المصابين بمرض التوحد.
ـ في ختام حوارنا، ما رسالتكم للمجتمع ومؤسساته المعنية؟
رسالتنا هي أننا بالحب والرحمة والدعم الذي لا يتزعزع، يمكننا معًا أن نحقق أي حلم، ونساعد أي إنسان على الاندماج في مجتمعه، بغض النظر عن الظروف.
نحن معًا نستطيع أن نُحوِّل الألم لسعادة، ونضيء الطريق أمام هؤلاء المراهقين المصابين بمرض التوحد الرائعين كي يبنوا حياتهم المستقبلية.
لقد بدأت رحلتنا للتو، وندعوكم للسير بجانبنا، انضموا إلينا ونحن نواصل تحويل الألم إلى سعادة، ونساهم في نشر السعادة بين جنبات مجتمعاتنا الإنسانية.
ـ روابط ذات صلة:
ـ صفحة الناشطة “بريجيدا موتشى” على فيسبوك:
ـ صفحة مركز “أسعد الألم” على فيسبوك: