حوار: هاني صلاح
شدد الشيخ “علاء الزقم”، إمام وخطيب مركز أبي بكر الصديق الإسلامي في ميلبورن بأستراليا، ونائب سكرتير مجلس الأئمة بولاية فيكتوريا بأستراليا، على أن أولى أولويات الخطاب الديني للأقليات المسلمة حول العالم هي: التركيز على واقعهم، ومناقشة احتياجاتهم، وهو ما يتطلب من الدعاة والأئمة التعرف على واقع المسلمين في مجتمعاتهم، والإلمام بالتحديات التي تواجههم.
جاء ذلك خلال حواره الخاص مع (المجتمع) حول أولويات الخطاب الديني العام للمجتمعات المسلمة بالدول غير المسلمة.. أستراليا نموذجًا.
وإلى الحوار..
ـ بدايةً.. ما هي الأسس العامة الأساسية التي ينبغي أن يُبنى عليها أي خطاب ديني إسلامي عام في كل زمان ومكان؟
ـ يرتكز الخطاب الديني على أسس خمسة رئيسية يُبنى عليها؛ ليكون شاملًا وله أثر في عقل وقلب المُتلقي لهذا الخطاب، وهي:
أ ـ الخطيب أو الداعية:
وهو الركن الأول والأهم، لابد أن يكون عالِمًا يجمع بين العلم الشرعي والرؤية العصرية، والفهم الجيد لواقع المجتمع الذي يعيش فيه؛ حتى يدعو إلى الله – عز وجل – على بصيرة. كذلك لابد في هذا الداعية أن يُدرك قيمة التكليف والتشريف كونه مبلّغًا عن الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – الأمر الذي يقتضي أن يكون هذا الداعية أمينًا فيما يقول، حكيمًا في رأيه، مخلصًا في دعوته لله – عز وجل – صبورًا على تحمّل المشاق، وقدوة لغيره بفعله، عاملًا بما يقول وينصح به غيره.
ب ـ ثقافة المُخاطَب أو المَدعوّ:
ولا شك في أن من يُوجَّهُ لهم الخطاب أو مَن يُراد دعوتهم متفاوتون في ثقافتهم وفهمهم للخطاب؛ لذا لابد للداعية أن يراعي في خطابه ما يناسب ثقافة وحال من يخاطبهم؛ حتى يكون للخطاب نتيجة وأثر في نفس وعقل المتلقي له.
ج ـ وسيلة الخطاب أو منهاج الدعوة:
الوسيلة الأمثل والمنهاج الأصوب هو الأسلوب النبوي في تربية ذلك الجيل الفريد من الصحابة – رضوان الله عليهم – وأسلوب الصحابة والتابعين بإحسان، ومن التجارب، فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها من أي وعاء خرجت. أما كيفية الاستناد، فالمرجع فيها هو القرآن والسيرة النبوية في مكة والمدينة، والسُّنة النبوية عمومًا، فتكون هذه الأصول أساسًا لمنهج تربوي تفصيلي يُعلي من شأن الجانب الروحي، والجانب الخُلُقي، والجانب الفكري، والجانب العملي، في خطوط متوازية متكاملة تكوِّن تلك الشخصية المسلمة المتكاملة.
وهذا المنهج يعتمد اعتمادًا كليًّا على الكيفية التي يكوّن بها، والتي لابد أن تكون كما خاطب الله – عز وجل – نبيَّه – صلى الله عليه وسلم – قائلًا: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن …}.
د ـ نوعيه الخطاب أو كيفيته:
لابد أن يدرك الداعية أن مكان الدعوة وزمانها له أثر كبير في نوعية خطابه، وإن تغافل الداعية عن هذين الأمرين الهامين، فسوف يفشل فشلًا ذريعًا في الوصول إلى عقول وقلوب المُخاطبين، وسوف يكون خطابه عقيمًا لا علاقة له بواقع وحال الناس وقضاياهم المعاصرة التي يواجهونها.
هـ ـ هدف الخطاب أو العائد منه:
إعداد جيل مسلم مُعلَّمٌ ومربًّى يكون هو ركيزة الإسلام ومستقبله، وبخاصة في هذا الزمان الذي يُحارب فيه الإسلام.. جيل أساسه الأخلاق والعلم، يدعو إلى الله – عز وجل – على خطًى ثابتة.. جيل يجمع بين الدين والعلم، ويؤمن بأن رسالة الإسلام شاملة كاملة، جاءت لتشمل جميع جوانب الحياة من روحي وأخلاقي، وعلمي وعملي، وفكري واقتصادي، وسياسي وحضاري، وأنه لا سعادة حقيقية ولا هداية للإنسان إلا إذا كان الدين بالنسبة له أسلوبَ حياةٍ، وجزءًا لا يتجزأ من أي عمل يقوم به.
ـ ما هي أولويات الخطاب الديني للأقليات المسلمة حول العالم بشكل عام، ولمسلمي أستراليا بشكل خاص؟
ـ كداعية مسلم يعيش في أستراليا، أعتقد بأن الأولويات الآن بالنسبة للخطاب الديني للأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية، ينبغي أن يركز على الواقع الذي يعيشه المسلمون في هذه البلاد من قضايا فقهية معاصرة يواجهونها، ولابد لهذا الخطاب أن يناقش الأمور والأحكام المتعلقة بالعيش المشترك بين المسلمين وغير المسلمين، ومشاركة المسلمين إيجابًا في هذه البلاد في الحياة الاجتماعية والسياسية دون إغفال الدين وتعاليمه، وتوعية المسلمين بأن يكونوا قدوة ونموذجًا يُمثّل الدين الاسلامي في هذه البلاد، واستحضار الأدلة والنماذج من سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – لذلك.
كذلك من أولويات الخطاب الديني أن يناقش التحديات والصعوبات التي تواجه الأقليات المسلمة في هذه البلاد، وكيفية التغلب عليها، وإيجاد الحلول لها، وأيضًا ما يتعلق بالأسرة وتربية الأولاد في هذه البلاد، والتحديات المتعلقة بهذا الأمر.
كذلك لابد من خطاب موجه لغير المسلمين يوضّح رفض الإسلام للعنف والاعتداء على الأبرياء، وسماحة الإسلام مع من لا ينتمون إليه، وتوضيح كيف أمر الإسلام أتباعه بحسن المعاملة والبر والقسط مع من يعيشون في سلام معنا في هذه البلاد.
ـ وهل ترون أنه ربما تكون لكل منطقة جغرافية أولويات خاصة (إضافية) لخطابهم الديني وفقًا لخصوصية الواقع والبيئة التي تعيش فيها كل أقلية مسلمة؟
ثبت من خلال معايشة المسلمين في بلاد الغرب أن المسلمين في معظم هذه البلاد يشتركون جميعًا في نفس الواقع والبيئة، وكذلك القضايا التي يواجهونها، إلا أن المسلمين في بعض هذه الدول كان لهم السبق في مناقشة بعض القضايا الخاصة بالمسلمين هناك؛ مثل مسلمي أوروبا وأمريكا مقارنة مثلًا بنا نحن – المسلمين في أستراليا – لكون الإسلام حديث النشأة بأستراليا مقارنةً بهم.
ولهذا فنحن كأئمة ومنظمات إسلامية، مثل مجلس الأئمة، على تواصل مع العلماء والفقهاء الثقات، والمجامع الفقهية من مختلف البلاد الأوربية المشتركة معنا في نفس الواقع؛ لمناقشة قضايا المسلمين بها، وبالتالي يمكن القول إن الأولويات تقريبًا واحدة.
ـ وبناءً على ما سبق، كيف يمكن ضبط الخطاب الديني للأئمة والدعاة وإلزامه بهذه الأولويات؟ وهل من تجارب عملية لكم في هذا المسار؟
ـ في الحقيقة، ضبط الخطاب الديني للأئمة والدعاة والتزامه بهذه الأولويات أصبحا مسئولية كل داعية وإمام في بلاد الأقليات المسلمة، لحاجة المسلمين الشديدة لمناقشة هذه الأمور، ولما ذكرنا من قبل عن بعض مقومات الداعية المؤثر الناجح، واحتياجه أن يكون على دراية بفقه الواقع الذي يعيش فيه، وكذلك مقومات الخطاب الديني المؤثر، واحتياجه لأن يكون مرتبطًا بمكان وزمان وواقع الناس، فإن أي داعية على صلة بواقع وأحوال الناس سيجد حتمًا أن هذه القضايا، التي ذكرنا بعضها على سبيل المثال، من الأولويات التي لابد أن يتضمنها الخطاب الديني للمسلمين في هذه البلاد، وإلا خرج الخطاب الديني عن مقتضي الحال؛ الأمر الذي يُفقده تأثيره ورونقه، وانجذاب العقول والقلوب إليه.
ـ وحتى نضمن التركيز على هذه الأولويات في الجالية المسلمة في أستراليا، فإن مجالس الأئمة في مختلف الولايات تجتمع بصفة دورية شهرية – وربما أقل إن تطلب الأمر – لمناقشة هذه القضايا التي يواجهها المسلمون في حياتهم، وكذلك للاطلاع على الأبحاث التي تناقشها المجامع الفقهية والمنظمات الإسلامية فيما يتعلق بقضايا المسلمين في هذه البلاد، الأمر الذي – بالطبع – ينعكس على الخطاب الديني الموجه من قبل الأئمة للجالية المسلمة، ويتم أيضًا التشاور مع الأئمة والدعاة للاتفاق على مناقشة هذه القضايا المعاصرة، والأولويات في الخطب والمحاضرات.
ـ ما هي مقترحاتكم للأئمة والدعاة في العالم لتحديد أولويات خطابهم الديني أولًا، ثم الالتزام بذلك ثانيًا على المستوى العملي في دروسهم وخطبهم؟
ـ لابد لكل إمام أو داعية أن يضع أمامه الهدف من هذه الدعوة، ومن الخطاب الذي يلقيه، فالأمر ليس فقط كلامًا يقال في المحاضرات والخطب والدروس، ولكن لابد لكل داعية أن يسأل نفسه عن نتيجة ذلك الخطاب، ومدى تأثيره في عقول وقلوب من يتلقى هذا الخطاب، كيف سيستفيد منه في حياته؟ وكيف سيربط بهذا الخطاب الديني بين دينه وواقعه؟ وكيف سيُغيّر هذا الخطاب من حياة من يتلقّاه إلى الأفضل؟ كل هذه الأمور لابد من اعتبارها عند توجيه الخطاب الديني، ولا يكون ذلك إلا إذا كان الداعية على علم بما يحتاجه الناس، وبما يواجهونه في واقعهم من قضايا.
كذلك لابد من أن يثقّف الداعية نفسه عن المجتمع الذي يعيش فيه في هذه البلاد ثقافة سياسية واقتصادية واجتماعية، وعلاقات خارجية، لارتباط ذلك بالقضايا الدينية ارتباطًا وثيقًا.
ـ وأما موضوع الالتزام بهذه الأولويات، فيكفي أن كل داعية يعلم أولًا أنه أمام مسئولية عظيمة وكبيرة سَيُسْأل عنها أمام الله – عز وجل – تتطلب من كل داعية أن يكون حريصًا أشد الحرص على اختيار ما يخاطب الناس به، ليس ذلك فقط، بل ونتيجة ذلك الخطاب الديني وتأثيره في حياة وواقع هؤلاء الناس، كذلك أيضًا بالتنسيق مع مجالس الأئمة والدعاة والمجالس الإسلامية؛ للحديث عن هذه الأولويات، وإمدادهم بما يحتاجون إليه من مراجع وأبحاث، ودورات تدريبية، وورش عمل للأئمة عن القضايا المعاصرة، وكيفية عرضها وتضمينها في الخطاب الديني على مدار العام.