مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
أكد باحث في شئون القارة الإفريقية، أن الصورة النمطية للقارة السمراء وشعوبها لا تعكس حقيقة الواقع، خاصةً أنَّ وسائل الإعلام تتعمد نقل صورة مغايرة للواقع، تركز خلالها فقط على السلبيات، وتتجاهل الإيجابيات والنجاحات التي تحققت في السنوات الأخيرة.
وتمثل التغطية الإعلامية لشئون مسلمي إفريقيا أحد التحديات الكبرى التي يعجز أي صحفي عن اختراقها أو التغلب عليها؛ نظرًا لصعوبات كثيرة في التواصل، ولها أسبابها المختلفة، ولكن تظل الإشكالية هي عدم إمكانية التعرف على واقع الإسلام والمسلمين في القارة السمراء، والتي تشهد تغيرًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة نحو النهوض والتقدم من جديد.
حول صعوبات التغطية الإعلامية لشئون مسلمي إفريقيا، كان لـ”مسلمون حول العالم” هذا الحوار مع الإعلامي والخبير بواقع الإسلام والمسلمين في القارة السمراء، رأفت صلاح الدين؛ مدير تحرير مجلة قراءات إفريقية سابقًا.
وإلى الحوار:
ـ وجدنا صعوبات بالغة على مدار سنوات في التواصل مع رموز مسلمي إفريقيا، سواء الدعاة أو المؤسسات، بمعنى لم نجد تجاوبًا منهم.. في وقت ربما يكون التواصل مع الإعلام يصب في صالح إبراز قضاياهم المختلفة للعالم.. فما السر في ذلك؟
هناك إطاران لتحليل هذه الظاهرة:
أولًا: التجاهل المتعمد مع الإهمال لقضايا إفريقيا الملحة، وخاصة ما يتعلق منها بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية، أو ما يتعلق بالتعليم والصحة، فما يعرض هو مجرد قشور، مع سطحية في العرض والتحليل، وإبراز جانب الفشل والعَوَز والأزمة كأنَّ إفريقيا ليست إلا بؤرًا للفشل والتخلف والضياع.
ثانيًا: يتم تجاهل، عن عمد، للصور المشرقة في إفريقيا، سواء تاريخها المشرق أثناء فترات الممالك والإمبراطوريات المسلمة وغير المسلمة، وكذلك تجاهل واقعهم الحالي الذي يُبشّر بكثير من صور الإشراق والنهوض على المستوى الشخصي، وعلى مستوى بعض الدول.
وما يتم عرضه في الإعلام عن إفريقيا يتماهى مع النظرة الغربية، ويتابعها في ذلك– للأسف– الإعلام العربي، أن إفريقيا منبع الفقر والجهل والمرض والتخلف، مع أن العكس هو الصحيح.
كل ذلك ولَّد عزلة شعورية، وعدم ثقة لدى كثير من المثقفين والدعاة في إفريقيا، جعلهم يتجاهلون التواصل مع الإعلام.
ـ من الصعوبات الأخرى في التعرف على واقع مسلمي إفريقيا ندرة الأخبار عنهم في الوكالات أو المواقع الإعلامية الكبرى، فما تفسيركم لذلك؟
للأسف، احتكر الغرب مصدر المعلومات عن إفريقيا، فقلل منها، وقدَّم صورة مغايرة عن القارة تتماشى مع أطماعه ومصالحه، وفي العالم العربي لا يوجد اهتمام يُذكر بأخبار القارة، فلا توجد مصادر للأخبار مستقلة عن القارة أو عن المسلمين إلا القليل، واعتماده يكون عن الوكالات أو القنوات أو الصحف الغربية التي تتعمد تقليل أعداد المسلمين في القارة، وإبراز دور غير المسلمين، مع تصوير إفريقيا أنها قارة مسيحية.
فالغرب له مصلحة في تهميش واقع المسلمين في إفريقيا؛ سواء على مستوى الكم أو الكيف، فلا يعرض عن المسلمين إلا أخبار الصراعات والمجازر والإرهاب الذي يصنعه هو بنفسه.
ـ ما أسباب هذا السلوك الغربي من وجهة نظركم؟
يسعى الغرب للسيطرة واستغلال موارد إفريقيا المادية والبشرية، وفي سبيل ذلك يفرض عليها صورة ذهنية معينة، بحيث تكون في ذهن المتلقي– حتى الإفريقي– أنها بلد الفقر والجهل، ولولا السيد الأوروبي لما حدث فيها أي إصلاح أو تطور.
وهذا خطأ كبير؛ فالغرب هو الذي يدمر القارة ويسرقها ويستغلها، ويفرض عليها عزلة، ويعتبرها إرثًا له منذ مؤتمر برلين 13 يونيو – 13 يوليو 1878 المشئوم، والذي تم فيه تقسيم إفريقيا على الدول الغربية، فاحتلوها ودمروا تاريخها، وسرقوا خيراتها، وبدلوا هويتها.
يحرص الغرب على تغيير هوية إفريقيا المسلمة، وإبراز المكون المسيحي فقط– مع أن أغلبية القارة تنتمي للإسلام– وتسليم المناصب الهامة في بعض الدول ذات الغالبية المسلمة إلى الكوادر المسيحية، بدءًا من الرئاسة.. ومنها المؤسسات الإعلامية بالطبع.
ـ كيف يمكن التغلب على هذه التحديات أو بالأحرى التحدي الأول.. وهل من نصيحة منكم لرموز مسلمي إفريقيا في أهمية استجابتهم لوسائل الإعلام والتواصل معها؟
التغلب على ذلك يكون بالتواصل، فالقارة الإفريقية ترسل لنا الآلاف من فلذات أكبادها ليتعلموا في مصر والدول العربية، ومنهم الآلاف من النابهين الذين يتبوَّءون مناصب الصدارة في بلدانهم عندما يعودون؛ لذا فالتواصل معهم مهم جدًّا لمعرفة الواقع الحقيقي للقارة، ومعرفة ما يحتاجون، وتعريفهم بواقعنا، وأظن أن الأمور أضحت أيسر كثيرًا في السنوات الأخيرة، خاصة مع زيادة وسائل التواصل الاجتماعي، وبروز جيل من الشباب الإفريقي الواعي المحب للتواصل والنبوغ.
وأحب التوجه للشباب العربي، فهم المستقبل، ونصيحتي لهم أن يتعرفوا على تاريخ إفريقيا المشرق، فلقد نشأت في إفريقيا ممالك وإمبراطوريات وحضارة كانت تضاهي حضارة الغرب والعرب، وتتفوق عليهم أحيانًا، وكانت أكثر تقدمًا علميًّا واقتصاديًّا؛ كممالك مالي، وغانا، وسنغاي، وصكتو، والهوسا في الغرب الإفريقي، وممالك الطراز في الشرق الإفريقي.
وإفريقيا حاليًّا فيها تجارب عظيمة ومشرّفة، وظهر جيل من الشباب المثقف الجاد الذي يسعى لاستعادة مجد وحضارة إفريقيا التي دمَّرها الغرب.