مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

خطوة تاريخية في مسار ألبنة العلوم الإسلامية.. صدور الترجمة الألبانية لكتاب “الاختيار لتعليل المختار”

الكتاب الفقهي المعتمد في المذهب الحنفي للإمام عبد الله بن محمود الموصلي، أحد أعلام الفقه الإسلامي

مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح

في إنجاز علمي ومؤسساتي نوعي، شكّل محطة مفصلية في مشروع ألبنة التراث الفقهي الإسلامي في مناطق غرب البلقان الناطقة بالألبانية، أعلنت المشيخات الإسلامية الثلاث في منطقة غرب البلقان – المشيخة الإسلامية في ألبانيا، والمشيخة الإسلامية في كوسوفا، والمشيخة الإسلامية في مقدونيا الشمالية – عن صدور الترجمة الألبانية للكتاب الفقهي المعتمد في المذهب الحنفي “الاختيار لتعليل المختار” للإمام عبد الله بن محمود الموصلي الحنفي، أحد أعلام الفقه الإسلامي.

عمل مشترك يعكس وحدة الهدف

يمثل هذا الإصدار ثمرة تعاون مؤسساتي فريد من نوعه بين كبرى المرجعيات الإسلامية في غرب البلقان، ويعكس مستوى متقدمًا من التنسيق والوعي الجماعي بأهمية نشر المعرفة الإسلامية بلغة الجمهور، ضمن مشروع طويل الأمد يهدف إلى توطين التراث الإسلامي ليكون في متناول جمهور الباحثين وطلبة العلم والجمهور العام من المسلمين الناطقين بالألبانية في منطقة غرب البلقان.

أهمية فقهية وعلمية واسعة

كتاب *”الاختيار لتعليل المختار”* يُعتبر من أبرز كتب الفقه الحنفي، ويتميّز بجمعه بين الفتوى والدليل، والرواية والتعليل، وهو ما جعله معتمدًا في التعليم والفتوى لقرون. وقد شكّل نقله إلى اللغة الألبانية نقلة نوعية تفتح الباب أمام فَهْم أصيل للفقه من منابعه الموثوقة، دون حواجز لغوية.

دعم للهوية الدينية وتعزيز للثقافة الإسلامية

تُمثّل هذه الترجمة خطوة استراتيجية لتعزيز الهوية الدينية لمسلمي البلقان، من خلال ربطهم المباشر بتراثهم الفقهي الأصيل بلغة يفهمونها ويتفاعلون معها، وتُسهم في تثبيت حضور الفقه الإسلامي في الحياة اليومية والثقافية لجمهور المسلمين في المنطقة.

توزيع مدروس لضمان الوصول

سيُطرح الكتاب قريبًا في ثلاث عواصم رئيسية: تيرانا، بريشتينا، واسكوبيا، لتيسير اقتنائه من قِبل المهتمين في جميع أنحاء غرب البلقان، سواء في المعاهد الشرعية أو المساجد أو المكتبات الأكاديمية.

فتح جديد في ألبنة العلوم الشرعية

يمثل هذا المشروع نقلة نوعية ضمن جهود “ألبنة” العلوم الإسلامية، وهو مصطلح دقيق يُشير إلى ترجمة وإعادة إنتاج التراث الإسلامي باللغة الألبانية، بما يسمح ببناء قاعدة معرفية راسخة ومستقلة في الوسط الألباني، ويُعزّز من إمكانات التأليف، والتدريس، والبحث العلمي محليًا.

هذا المشروع لا يقتصر على كونه ترجمة لكتاب، بل هو تجسيد لرؤية استراتيجية تسعى إلى تمكين المسلمين في غرب البلقان من الوصول إلى منابعهم الشرعية بلغتهم الأم، ويُؤكد أن التعاون والتكامل بين المؤسسات الإسلامية قادر على إحداث أثر معرفي عميق يعبر الحدود، ويخدم الهوية، ويُثبّت الجذور.

مَن هم الألبان في غرب البلقان؟

الألبان في غرب البلقان يشكلون أكبر تجمع مسلم في المنطقة، حيث اعتنق معظمهم الإسلام منذ أكثر من قرنين، ويبلغ عددهم نحو سبعة ملايين نسمة، يشكل المسلمون منهم أكثر من ٨٠٪.

تاريخيًا، خلال العهد العثماني بين 1389 و1912، تأسست أربع ولايات ألبانية، كانت ولاية كوسوفا الأكبر، وتمتد من مدينة إسكيبي (عاصمة شمال مقدونيا اليوم) وحتى إقليم السنجق في جنوب غرب صربيا.

بعد استقلال هذه الولايات عن الدولة العثمانية عام 1912، قامت القوى الكبرى في عام 1913 بتقسيم أراضيها لصالح دول الجوار مثل اليونان وصربيا، مما أدى إلى بقاء نصف الأراضي الألبانية ونصف شعبها خارج حدود دولة ألبانيا.

اليوم، يعيش الألبان في مناطق مختلفة منها إقليم برشيفا في جنوب صربيا، المناطق الغربية من مقدونيا الشمالية، إقليم أولتشيني في جنوب الجبل الأسود، دولة كوسوفا، وجمهورية ألبانيا نفسها. أما في اليونان، فقد تعرض الألبان للتهجير الكامل من إقليم تشاميرية شمال البلاد.

هذه الحقائق تعكس تاريخًا معقدًا وتحديات مستمرة، لكن الألبان في غرب البلقان ما زالوا يحتفظون بهويتهم وتراثهم الثقافي والديني المميز.

التخطي إلى شريط الأدوات