مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
“ماذا نترجم.. ولماذا نقوم بذلك؟ فليس كل ما يكتبه المسلمون في بلد ما مثيرًا للاهتمام بالنسبة للمسلمين أو غيرهم في دولة أخرى؛ لذا “فهم الرؤية” ينبغي أن يكون الهدف الأساسي لكل مترجم.
بهذه الكلمات، أكد د. ميخائيلو يعقوبوفيتش، الذي قام بأول ترجمة كاملة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الأوكرانية، على ضرورة أن تكون هناك منهجية واضحة لكل مترجم تراعي خصوصية كل مجتمع وحاجاته المعرفية.
جاء ذلك في حوار خاص مع “مسلمون حول العالم”، حول جهود الترجمة الإسلامية في اللغة الأوكرانية.
وإلى الحوار..
-في بداية حوارنا.. نودُّ نبذةً تعريفية عنكم وعن دراستكم في مجال الترجمة الإسلامية.
حقيقًة، ليس من السهل التحدث عن نفسي كثيرًا، فعادةً أُفضّل التركيز على عملي أكثر من الشخصية.
لكن أجيب على سؤالكم بأنني قد وُلدت في أوكرانيا عام 1986م، وحصلتُ على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، ويركز بحثي في الغالب على تاريخ الإسلام والمسلمين في دول أوروبا الشرقية.
ولأن مسألة الترجمة مهمة جدًّا بالنسبة للأقليات المسلمة في شرقي أوروبا؛ فقد توجّهتُ في دراستي إلى هذا المجال، وقد أُتيحتْ لي فرصة العمل لبعض الوقت في مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية.
وبالمناسبة، من بين أعمالي في مجال الترجمة الإسلامية: ترجمةُ معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأوكرانية، وقد نُشرت هذه الترجمة في المملكة العربية السعودية، وأُعيدت طباعتها حتى اليوم أكثر من 10 مرات.
كما أنني حصلتُ على العديد من الزمالات الأكاديمية في أوروبا وأمريكا؛ ففي أوروبا حصلت على زمالات أكاديمية مِن كلٍّ مِن بُولندا والمجر وألمانيا.
وفي وقت لاحق، عملت أيضًا في برينستون بالولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث درستُ مخطوطات عديدة في علوم الكلام، والفقه، والتفسير، واطلعت على كُتب تفسير القرآن الكريم لشعب تتار القرم بجنوبي أوكرانيا.
حاليًّا، يرتبط مشروعي البحثي بجامعة فرايبورغ بألمانيا، ويتعلق بترجمات معاني القرآن الكريم.
– نأمل في إطلالة موجزة عن لغتكم المحلية في أوكرانيا.
اللغة الأوكرانية هي اللغة الأم في أوكرانيا؛ حيث يتحدث بها نحو 42 مليون نسمة، وهم إجمالي تعداد سكان البلاد.
لكن هناك أقليات تتحدَّثُ- بالإضافة إلى اللغة الأوكرانية- لُغتَها التاريخية؛ فهناك الأقلية التتارية المسلمة، التي يبلغ تعدادها ما بين نصف مليون إلى مليون نسمة، ويتحدثون بلغتهم التترية التي تنحدر أصولها من اللغة التركية القديمة، ويعيش غالبيتهم في جزيرة القرم جنوبي البلاد، كما أن هناك نسبة كبيرة أخرى تعيش في شرقي البلاد.
وهناك أقليات تنحدر من جمهورية أذربيجان، وتتحدث لغتها الأم، وهي اللغة الأذريَّة. كذلك تنتشر اللغة الروسية، وفي الآونة الأخيرة ازداد الإقبال على اللغتين الإنجليزية والعربية.
– وهل من نبذة مختصرة عن تاريخ الترجمة الإسلامية في اللغة الأوكرانية؟
إذا كنا نتحدث عن اللغة الأوكرانية، فإن النصوص الأولى المترجَمة هنا كانت لنصوص من آيات القرآن الكريم، وبعض الأدعية والأذكار النبوية التي كتبها التتار خلال القرنين 17 و18 الميلاديين.
كما أن هناك نصوصًا أخرى باللغات البولندية والبيلاروسية والأوكرانية، لكن باستخدام الأبجدية العربية.
في وقت لاحق، في فترة النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وخلال النصف الأول من القرن العشرين، تطورت الدراسات الشرقية بشكل جيد، وبسبب جهود “أغاتانغيل كريمسكي”؛ وهو أحد أوائل المستشرقين الأوكرانيين؛ حيث ظهرت بعض النصوص العربية في الترجمة الإسلامية.
أما ترجمة معاني القرآن الكريم كاملةً إلى اللغة الأوكرانية، فتمت خلال عامَيْ 1913-1914م، ولكن كانت الترجمةُ من الألمانية وليس من العربية.
– عن أي لغةٍ تتم الترجمة الإسلامية إلى لغتكم الأوكرانية؟
في بداية القرن الحادي والعشرين، كان لدينا عدد من النصوص المترجمة عن اللغة العربية مباشرةً؛ فقد تمت ترجمة جزئية لمعاني القرآن الكريم من قبل اثنين من المستشرقين الأوكرانيين عن اللغة العربية، كما تمت ترجمتانِ لمعاني القرآن الكريم بالكامل عن العربية كذلك.
من جهةٍ أخرى، هناك أيضًا عدد من الكتب الإسلامية المعاصرة قام بترجمتها آخرون، وعلى سبيل المثال: الطلاب الأوكرانيون في المملكة العربية السعودية.
كذلك هناك ترجمات قليلة للأدبيات التي تُقدِّم الإسلامَ والنظرة الإسلامية للعالم، وهي مترجمة عن الإنجليزية.
وأخيرًا، ظهرت العديد من الكتب- أيضًا- المترجمة عن اللغة التركية، مثل كُتب سعيد النورسي.
ـ متى بدأت بالتفكير في الترجمة؟ وعن أي لغة قمت بالترجمة؟
أولًا: قرأتُ معاني القرآن الكريم المترجمة في سن التاسعة، ثم خلال دراستي في الجامعة عندما تعلمت اللغة العربية لأول مرة، قررتُ أن أنجز مشروع الترجمة الكاملة لمعاني القرآن الكريم في اللغة الأوكرانية.
لذا؛ فإن معظم تجربتي في الترجمة إلى اللغة الأوكرانية كانت عن اللغة العربية، ولكن ليس فقط للنصوص أو الكتب الدينية، بل أيضًا للنصوص الفلسفية.
أيضًا لدي بعض الخبرة في الترجمة عن اللغة العربية إلى اللغة الروسية.
– ما حصيلة إنتاجكم في الترجمة.. وهل من أمثلة لبعض ما قمتُم بترجمته؟
أهم نصٍّ قمتُ بترجمته هو معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأوكرانية، وقد نشرتها في عام 2012 بالتعاون مع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة وأعضاء اللجنة الذين وافقوا عليها.
بعد بضع سنوات، طُبعت هذه الترجمة هنا أيضًا في دار النشر الأوكرانية، وأيضًا من وزارات الشؤون الدينية التركية.
ثم قمتُ بعمل ترجمات لنصوص أخرى، مثل: كتاب الأربعين حديثًا للنووي، وأيضًا ترجمت نصوصًا فلسفية مهمة؛ مثل: رسائل الفارابي، ومسكويه، وابن رشد، وابن خلدون، وبعض القطع الأدبية، وعلى سبيل المثال: قمتُ قبل بضع سنوات بترجمة بعض الروايات والشعر العُماني المعاصر إلى الأوكرانية. وبحلول هذا العام، ظهرت ترجمتي المطبوعة لكتاب ابن سينا المسمى بـ”النجاة”.
الآن لدي حوالي 10 إصدارات مترجمة منشورة، كما أن ترجمتي لمعاني القرآن الكريم متاحة في بعض المواقع الإلكترونية على الإنترنت.
من بين الأعمال التي سيتم نشرها هذا العام بأمر الله: آمل أن تكون ترجمة كتاب “حكمة الإشراق” للسهروردي.
بالنسبة لي، من المهم دائمًا عدم تقديم الجانب الديني فحسب في الترجمة، بل من المهم كذلك تقديم الجانب الفلسفي أيضًا من الثقافة الإسلامية.
– ما الذي تطمحون إلى ترجمته مستقبلًا؟
من المهم حقًّا ترجمة الحديث الشريف، وأعتقد أن فكرة ترجمة بعض مجموعات الحديث الكبرى؛ مثل: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، فكرة جيدة، لكنني لم أبدأ بعدُ، وآمل أن يقوم شخص بهذا العمل، أو أقوم بذلك حينما تتيسر الفرصة لي.
– جهود الترجمة الإسلامية.. فردية أم مؤسسية؟
قبل نحو عقد أو عقدين كانت معظم جهود الترجمة تتم بشكل فردي، وتسعى فقط للحصول على دعم من بعض المؤسسات الإسلامية.
بينما حاليًّا تعمل العديد من الجمعيات الإسلامية بجدية لتعزيز الترجمات، فهناك جمعية “الرائد”، وبعض المجتمعات الإسلامية الأخرى، وكذلك المعهد الدولي للفكر الإسلامي، وبعض المؤسسات الدينية التركية، وما إلى ذلك.
على مدى السنوات العشر الماضية، ظهرت مجموعة من الكتب الإسلامية المترجمة الجيدة التحرير والطباعة، وهذا أمر مهم للغاية؛ لأن كلًّا من المترجمين وهيئات التوزيع مسؤولة بشكل عام عن جودة الترجمة.
– ما أبرز العقبات التي تواجهكم في مجال الترجمة؟
بادئ ذي بدء، العقبة الأولى تتعلق بالمفردات؛ حيث يصعب أحيانًا تفسير الكلمات العربية الأساسية باللغة الأوكرانية، خاصةً أنه لم يتم إجراء الكثير من الترجمات.
وأما العقبة الثانية، فتتصل بمسألة الأيديولوجية بين المسلمين حتى في ترجمة القرآن الكريم، ولا يمكنك إرضاء جميع المدارس الفقهية أو الفكرية.. إن الصدام الشديد حول العقيدة الدينية والمنهجية يجعل من المستحيل جعل المعنى مقبولًا للجميع؛ لذلك يجب أن يكون هناك بعض المرونة في التعليق، وليس الموقف القاطع.
– ما هي أهم توصياتكم المستقبلية للارتقاء بمجال الترجمة الإسلامية؟
الهدف الأساسي لكل ترجمة هو فهم الرؤية التالية: ماذا نترجم؟ ولماذا نقوم بذلك؟ هناك الكثير من الكتب المكتوبة في جزء من هذا العالم، ثم تترجم إلى جزء آخر. لكن في الواقع، ليس كل ما يكتبه المسلمون في بلد ما مثيرًا للاهتمام بالنسبة للمسلمين أو غيرهم في دولة أخرى.
للأسف، يحدث أن تتم كتابة العديد من الكتب لتقديم معانٍ ليست إسلامية حقًّا، بل طائفية ترتبط فقط بحركة إسلامية واحدة!
لذا أعتقد أن المسلمين الذين يعيشون خارج العالم العربي يجب أن يطوروا شيئًا مثل مناهج أو برامج الترجمة، يعني ليست الكتب الدينية فقط، بل الثقافية كذلك؛ مثلًا الأدب العربي المعاصر.
ما هو مهم ليس فقط “الأدب الإسلامي” الذي يعني الترويج للإسلام، أو الحديث عن القانون واللاهوت، ولكن كتب الروايات التي تروِّج للإسلام والعالم الإسلامي بالمعنى الثقافي.
في الماضي، كانت معظم تعليقات القرآن الكريم تشير إلى الشعر العربي، فهل نسمع حتى من الشيوخ المحليين خارج العالم العربي أي إشارات إلى كُتب أدباء معاصرين من أصول إسلامية؟
كان الإسلام طوال الوقت يعيش الدين، والترجمة ليست هي الطريقة التي تجعل الدين معلومًا عند عامة الناس في كل مكان في العالم، لكن لزيادة التواصل، لجعل الخطاب الإسلامي أكثر ثراءً.