يعاني الكثيرين من خريجي الجامعات الإسلامية من أبناء الأقليات المسلمة خاصةً في دول العالم الثالث معاناة الشديدة بعد أن عادوا لبلدانهم بهمة عالية لتبليغ رسالة الإسلام إلى أهاليهم وأبناء مجتمعاتهم المسلمة نظراً لعدم وجود المؤسسات الكافية أو عدم توفر الامكانيات المادية اللازمة لهذه المؤسسات كي توظفهم وتفرغهم للعمل براتب مناسبة في منابر الدعوة بالمساجد ومحاريب العلم بالمدارس الإسلامية؛ مما اضطر الكثيرين منهم للالتجاء لأعمال حياتية أخرى طلباً للكفاف والاستغناء عن سؤال الناس وهو ما أضر بمتطلبات الدعوة والتعليم الإسلامي في مناطق يعد أهلها من السكان الأصليين لها منذ قرون عديدة منذ أن دخلها الإسلام مثل دول جنوب شرق أسيا ودول البلقان وغيرها في إفريقيا.
في هذا التحقيق.. نسعى إلى إلقاء الضوء على معاناة هؤلاء الدعاة من أبناء الأقليات المسلمة الذين تخرجوا من الجامعات الإسلامية بالدول العربية والإسلامية..
الفلبين.. رفض التعيين!
“نعم.. الوضع الاقتصادى العام يعد معاناة شديدة.. وكأن التعليم فى الجامعات الإسلامية بالنسبة لأبناء الأقليات المسلمة يعد ذنباً!.. فلا مؤسسة حكومية أو غير حكومية تقبل تعيين خريجى الجامعات الإسلامية بحجة أنهم خريحوا تخصصات دينية، وبالتالى فلا يناسبهم العمل فى المجالات الحياتية سواء الإدارية أو التقنية أو غيرها”..
بهذه الكلمات وصف لـ(المجتمع)، “حبيب عثمان”، المفوض من قسم إعلام “جبهة تحرير مورو الإسلامية”، للتحدث باسم الجبهة مع الجمهور الناطق بالعربية، الوضع المعيشي الصعب الذي يعانيه غالبية خريجي الجامعات الإسلامية بالدول العربية بعد انتهائهم من دراستهم وعودتهم لبلادهم للعمل في مجالات الدعوة والتعليم الإسلامي؛ إلا أنهم يفاجئون بعدم توفر فرص عمل لهم أو أن المقابل المادي ضئيل جداً لا يكفيهم ويغنيهم عن سؤال الناس!
ويعيش الغالبية العظمى من مسلمي الفلبين في جنوب البلاد ويشكلون ما نسبته 12% من إجمالي تعداد سكان البلاد البالغ نحو 100 مليون نسمة.
ويواصل “عثمان”، وهو خريج الدراسات العليا قسم التفسير بجامعة الأزهر بالقاهرة للعام 2010، حواره مع (المجتمع) ملقياً مزيد من الضوء على المعاناة الحالية التي يواجهها هؤلاء الدعاة في مناطق جنوب الفلبين، موضحاً بأنه: “وحتى المؤسسات التى يمكنها كفالة هؤلاء الخريجين مثل وزارة الأوقاف السعودية ورابطة العالم الإسلامى والندوة العالمية فإنها تكفل عدد محدود منهم فقط ولا تتسع هذه الكفالات لباقي الخريجين لا سيما الخريجين من دول إسلامية أخرى غير السعودية؛ فهؤلاء لا يفتح لهم المجال أساساً للقبول فى الؤسسات المؤسسات السعودية”..
عدم توفر فرص العمل يدفع هؤلاء الخريجين إلى التوجه لسوق العمل بمؤسسات تجارية غير إسلامية وأحيانا “قد تكون هذه الوظائف غير مشرفة لهم باعتبارهم أئمة ودعاة في مساجد المسلمين”.. وفقاً لـ(عثمان).
وضرب مثال بأحد الخريجين حيث “يعمل كخادم فى أحد المتاجر ويتقاضى 5،000 بيزو فى الشهر أى ما يساوى 105 دولار أمريكى، إذ أن راتبه فى التدريس فى المعاهد الإسلامية الأهلية فى بلادنا لا يتجاوز راتبه فى الشهر بـ 2000 بيزو أى ما يساوى 45 دولا أمريكى”.
وحول أعداد الخريجين، أوضح عثمان ـ وهو قد عمل مدرساً فى المعاهد الإسلامية، بجنوب الفلبين، يقوم بتحفيظ الأبناء الصغار للقرآن الكريم فى الفترة المسائية، كما يعمل خطيباً فى منابر مساجد المنطقة، ومحاضرا فى كثير من المخيمات والدورات الدعوية ـ بأنه: “لا أعلم إحصائية دقيقة للخريجين، ولكن أعدادهم هنا في جنوب الفلبين تقدر بالمئات، والأكثرية منهم قد تخرجوا حسب ترتيب أعدادهم أولاً من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم جامعة الملك سعود ، ثم جامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم السودانية، ثم الأزهر بالقاهرة، ثم كلية الدعوة بليبيا، ثم جامعة الإمام محمد بالرياض”.
كوسوفا.. العمل تطوعاً
ما يعانيه هولاء الدعاة من خريجي الجامعات الإسلامية من شظف العيش بعد تخرجهم وعودتهم إلى بلادهم في الفلبين وهى إحدى دول منطقة جنوب شرق أسيا؛ يعانيه كذلك أقرانهم من خريجي الجامعات في دول منطقة جنوب شرق أوروبا..
ومن أحدث دولة ظهرت على الخريطة السياسية الأوروبية، سألت (المجتمع)، “كوراب خيراي”، رئيس الأئمة في محافظة درينتسا بشمال كوسوفا، عن عدد خريجي الجامعات الإسلامية من أبناء كوسوفا، فأوضح بأنه: “لا أعرف عددهم.. ولكن أظن أنهم أكثر من 150 خريج”.
وحول مدى توظفهم بعد عودتهم لكوسوفا، وعما إذا كانت رواتبهم تكفيهم بالقدر الذي يسمح لهم بالتفرغ التام للدعوة والاستغناء عن أعمال أخرى أو سؤال الناس، أوضح “خايراي”، وهو كذلك مسؤول قسم التربية في المؤسسة الثقافية للعلوم والتربية (آكيا)، والتي تعد من أبرز المؤسسات الشبابية الإسلامية في كوسوفا، بأنه: “هناك مشكلة في توظيف هؤلاء الخريجين، بعضهم لم يتوظف من الأساس”.
وتابع “خيراي”، تصريحاته الخاصة لـ(المجمتع)، واصفاً الأحوال المعيشية لهؤلاء الخريجين، حيث أن: “بعضهم يعمل بالمشيخة الإسلامية؛ إلا أن رواتبهم ضعيفة ولا تلبي متطلبات الحياة.. بينما آخرون يعملون كمتطوعين وغير متفرغين بمؤسسات إسلامية محلية لأسباب مالية.. بينما توجد جمعيات إسلامية من خارج كوسوفا تتكفل ببعض الدعا ولكن بمبالغ بسبطة جداً”.
ويصل تعداد سكان كوسوفا لنحو 1.8 مليون نسمة، أكثر من 97% منهم مسلمون، وتعد إحدى الأراضي التي أخذت من دولة ألبانيا المجاورة عام 1913م، وتم ضمها إلى صربيا الجارة الشمالية، إلى أن تم استقلالها نهائياً عن صربياً في عام 2008م، واعترف بها أكثر من 110 دولة حتى اليوم إلا أن الأمم المتحدة لم تعترف بها بعد.
برشيفا بصربيا.. كفالة رواد المسجد
بينما في صربيا المجاورة، وتحديداً من “إقليم برشيفا” الألباني في جنوب البلاد، والذي كان في الماضي جزءاً من كوسوفا؛ قبل أن تقتطعه صربيا منها وتضمه إليها بعد الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي، قال الشيخ “جمال الدين حساني”، المفتي السابق للمنطقة الألبانية في جنوب صربيا، أن: “أكبر مشكلة أن الدعاة ليس لهم راتب شهري ولا ضمان صحي”..
ولفت “حساني”، إلى أن رواد المساجد هم من يتكفلون برواتب أئمتها، موضحاً بأن: “كل مصل بالمسجد يدفع لصندوق الزكاة يورو شهرياً يصرف منه راتب الإمام نظير قيامه بأداء الشعائر بالمسجد وتحفيظ أبنائهم القرآن الكريم وتعليمهم مبادىء الدين الإسلامي”.
ولذا فكل إمام راتبه يختلف راتبه بحسب عدد المصلين بالمسجد؛ وغالباً لا يكفي الإمام لتغطية متطلبات الحياة وهو ما يدفع بالكثيرين منهم للعمل في مجال آخر، وفقاً للمفتي المنطقة السابق.
وضرب مثال بأحد الأئمة في قرية مجاورة متزوج ولديه أربعة أبناء، وتقدر جماعة المسجد بحوالي 70 مصلي، وهم من يتكفلون بمصروفات المسجد ورواتب القائمين عليه، وبناءاً عليه يقدر ما يتقاضاه هذا الإمام في العام ما بين500 إلى 700 يورو، وبالتالي دفعه هذا الأمر لاستلام عمل آخر إضافي كى يستطيع تغطية تكاليف أسرته.
وأوضح الشيخ “حساني”، والذي يتولى حالياً إمامة مسجد “نورشا”، أقدم مسجد في منطقة برشيفا، بأن في منطقته التي يعيش فيها نحو 47 ألف من الألبان المسلمين، وحوالي 26 مسجد، يقوم على خدمتهم 26 إمام كلهم من خريجي الجامعات الإسلامية بالدول العربية والإسلامية.
وإذا كان هذا هو الحال في أوساط الأقليات المسلمة في منطقة جنوب شرق أسيا ومنطقة البلقان؛ فإن الحال أصعب منه في أوساط الأقليات المسلمة بالدول جنوب الصحراء بالقارة الإفريقية.
إفريقيا.. أعمال أخرى
وقد سعت (المجتمع) للتواصل مع دعاة في دولة تنزانيا والكونغو الديمقراطية ولكن لم يتسنى لها الحصول على معلومات حول واقع الدعاة هناك، ومن خلال استقراء ما نشر من حوارات على شبكة الانترنت؛ فإن كثير من الدعاة من خريجي الجامعات الإسلامية بالدول العربية حينما يعودون لبلادهم من أجل التفرغ للدعوة وعمارة المساجد والتعليم والذهاب في قوافل دعوية للقرى؛ فإن شظف العيش وصعوبات الحياة الإقتصادية تجبرهم على استلام أعمال أخرى قد تشغلهم عن أداء كثير من الأدوار المطلوبة تجاه مجتمعاتهم التي هى في أشد الاحتياج لمثل هؤلاء الدعاة وأدوارهم في الدعوة والتعليم والتربية.
ففي حوار كان قد أجراه موقع “مرصد الأقليات المسلمة”،، في الربع الأول من عام 2015م، مع الشاب الداعية “اباغانا حسن”، وهو من خريجي جامعة الأزهر في مصر، كان قد أشار إلى أن أحد التحديات أمام الدعاة في الكاميرون يتمثل في: “الوضع الإقتصادي الصعب لكثير من دعاة الكاميرون؛ مما دفعهم للانخراط في دوامة العمل الحياتي بحثاً عن الاكتفاء الذاتي وهو ما شغلهم رغماً عنهم عن التفرع الكامل والمطلوب لشئون الدعوة الإسلامية”.
ويتضح خطورة هذا التحدي في وقت “لا توجد هيئة رسمية معتبرة تشرف على الشئون الدينية والدعوية في الكاميرون، إضافةً إلى أن المؤسسات التي ترعى المسلمين هناك محدودة جداً”، وفقاً للداعية “حسن” في حواره مع “المرصد”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجتمع ـ نوفمبر2016م ـ هاني صلاح