
مسلمون حول العالم ـ متابعات
تكتسب دراسة تاريخ طباعة المصحف الشريف في أوروبا أهمية خاصة لفهم بدايات الاهتمام الغربي بالإسلام والقرآن الكريم، وكيف تعامل المستشرقون الأوائل مع النص القرآني بين البحث العلمي والتشويه المقصود.
وفي هذا السياق يقدّم الدكتور أمين القاسم، الباحث المتخصص في تاريخ المنطقة، قراءة توثيقية معمّقة تسلط الضوء على أبرز المحطات التي قام فيها الألمان بطباعة المصحف منذ القرن السابع عشر، مع بيان مميزات هذه الطبعات وما شابها من ملاحظات وأخطاء.
عندما طبع الألمان المصحف الشريف
بقلم/ الدكتور أمين القاسم ـ الباحث في تاريخ المنطقة
اهتم الباحثون الألمان في فترة مبكرة بدراسة الإسلام والقرآن الكريم، لذا قاموا منذ القرن السابع عشر الميلادي بطباعة المصحف الشريف في بلادهم ليسهل عليهم دراسته وترجمته.
طبعة الأستاذ الجامعي والراهب البروتستانتي الألماني إبراهام هينكيلمان
أول نسخة كاملة مطبوعة للقرآن الكريم باللغة العربية في أوروبا، لكنها لم تخلُ من الأخطاء والتشويه.
فقد نشر الأستاذ الجامعي والراهب البروتستانتي الألماني إبراهام هينكيلمان (1652-1695م) طبعة للقرآن الكريم عام 1694م في مدينة هامبورغ، وتُعد هذه الطبعة ـ لدى كثير من الباحثين ـ أول نسخة كاملة مطبوعة للقرآن الكريم باللغة العربية في أوروبا، وهي طبعة دون ترجمة مع بعض الهوامش باللغة الإنجليزية. وقد جاءت هذه النسخة في 560 صفحة، في كل صفحة بين 17 و19 سطرًا. وجاء في مقدمة هذه الطبعة أن هدفه من نشرها هو التعرّف على العربية والإسلام.
ولم تخلُ هذه الطبعة من الأخطاء والتشويه، ابتداءً من العنوان ـ باللغة اللاتينية ـ الذي جاء فيه “محمد بن عبد الله النبي الزائف”، إلى مقدمة النسخة، ثم مرورًا بالأخطاء الإملائية من حيث الرسم والضبط، والنقص في بعض الآيات، وأخطاء تتعلق بأسماء السور. لكنها تبقى من أقدم الطبعات القديمة المعروفة، وتوجد منها عدة نسخ، إحداها محفوظة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض.
طبعة المستشرق الألماني غوستاف ليبرخت فلوغل
طبعة مدينة لايبزيغ كانت جيدة عمومًا وانتشرت بشكل واسع بين الباحثين الأوروبيين.
قام المستشرق الألماني غوستاف ليبرخت فلوغل (1802-1870م) بنشر طبعة جديدة للمصحف الشريف ظهرت لأول مرة عام 1834م، وقد صدرت عن دار نشر تاوخنيتز بمدينة لايبزيغ في ولاية ساكسونيا الألمانية.
ثم أعاد فلوغل طباعة هذا المصحف مرة ثانية عام 1837م، وثالثة عام 1841م مع بعض التصحيحات، ثم أصدر فلوغل ـ اعتمادًا على طبعته هذه ـ عام 1842م كتابًا بعنوان “نجوم الفرقان في أطراف القرآن”، وهو عبارة عن فهرس موضوعي لألفاظ القرآن الكريم كتبه باللغة اللاتينية. ثم أعاد فلوغل طباعة المصحف مرة أخرى في أعوام 1849، و1858، و1869م.
نلاحظ أن طبعة مدينة لايبزيغ كانت جيدة عمومًا، وقد انتشرت بشكل واسع بين الباحثين الأوروبيين، لكنها لم تخلُ من عدة ملاحظات أشار إليها المتخصصون، منها: مخالفتها لقواعد الرسم العثماني، واعتمادها على عدة قراءات في النسخة الواحدة، وأخطاء في عدد الآيات وفواصل السور، وغيرها.