
مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
في أجواء احتفالية مهيبة، شهدت العاصمة بريشتينا بتاريخ 22 مايو 2025 مراسم تخريج الدفعة الثلاثين من طلبة كلية الدراسات الإسلامية، في حدث يعكس مسيرة ثلاثة عقود من التكوين الأكاديمي والنهج الراسخ في إعداد الكوادر العلمية المتخصصة في علوم الشريعة الإسلامية.
وقد أقيمت الاحتفالية في رحاب الكلية بحضور ممثلين عن المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا، وعدد من المسؤولين الرسميين، وأعضاء الهيئة التدريسية، إلى جانب الطلبة الخريجين وذويهم.
استُهل الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ثم ألقى عميد الكلية، الأستاذ المشارك الدكتور إسلام حساني، كلمة ترحيبية هنّأ فيها الخريجين على ما حققوه من إنجاز، داعيًا إياهم إلى حمل مشعل العلم والمسؤولية لخدمة مجتمعاتهم والارتقاء بها.
أما كلمة المشيخة الإسلامية، فقد ألقاها نيابةً عن فضيلة الشيخ الدكتور نعيم ترنافا، رئيس المشيخة الإسلامية ومفتي البلاد، الأمين العام للمشيخة الإسلامية ونائب المفتي، الشيخ أحمد سادريو، حيث تقدم بالتهنئة للخريجين وحثهم على الاستمرار في العطاء العلمي وخدمة مؤسساتهم الدينية والاجتماعية بالعلم والالتزام.
وشهدت المراسم توزيع الشهادات على الخريجين وتكريم المتفوقين منهم بشهادات تقدير، في لفتة تجسد روح التميز التي تميز بها هذا الصرح الأكاديمي عبر تاريخه.
وقد شكّل هذا الحدث علامة فارقة تؤرخ لنهاية مرحلة أكاديمية مهمة، وتؤكد في الوقت نفسه التزام كلية الدراسات الإسلامية برسالتها التربوية في بناء أجيال من العلماء والدعاة المؤهلين فكريًا وروحيًا لخدمة الإسلام والمجتمع في كوسوفا وخارجها.
كلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا.. منارة التعليم الشرعي في الأراضي الألبانية
رغم أن كلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا، التابعة للمشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا، تُعد ثاني أقدم مؤسسة شرعية في منطقة البلقان بعد نظيرتها في سراييفو التي تعتمد اللغة البوسنية في التدريس؛ إلا أنها تحظى بتميّز فريد يجعلها أقدم مؤسسة للتعليم العالي الإسلامي تُدرّس باللغة الألبانية في كامل الرقعة الجغرافية التي يسكنها الألبان في غرب البلقان.
وتتزايد أهمية الكلية بكونها مركزًا علميًا يجمع طلابًا وطالبات من خمس دول تضم تجمعات ألبانية كبرى، هي: كوسوفا (حيث يقع مقر الكلية)، ألبانيا، مقدونيا الشمالية، الجبل الأسود، وصربيا. وهي دول فرضها الواقع الجغرافي والسياسي منذ تفكيك الدولة الألبانية عام 1913م، ما أدى إلى تفرّق الشعب الألباني بين هذه الدول.
وإذا علمنا أن الألبان يشكّلون أكبر قومية مسلمة في منطقة البلقان، من حيث العدد الذي يناهز 7 ملايين نسمة، والنسبة التي تتجاوز 80% في هذه الدول مجتمعة، فإننا ندرك مدى الأهمية الإقليمية والدينية التي تمثلها هذه المؤسسة الأكاديمية.
أما على المستوى المحلي، فتبرز مكانة كلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا بوصفها أول مؤسسة للتعليم العالي أُسست خارج إطار جامعة بريشتينا الحكومية، ما أضفى عليها طابعًا استقلاليًّا ورساليًّا منذ نشأتها.
تأسست الكلية في ظروف شديدة الصعوبة، وسط تصاعد القمع الصربي الوحشي بحق أبناء كوسوفا، فبدأت عامها الدراسي الأول 1992/1993م بإمكانات متواضعة، ولكن بعزيمة صلبة وإصرار لا يلين. واستطاعت، رغم كل التحديات، أن تستمر دون انقطاع، حاضنةً الحلم التعليمي والديني لشعب يرزح تحت الاحتلال منذ عام 1913م، حتى تحققت الحرية المنشودة في عام 1999م.
ومع بزوغ فجر الاستقلال عام 2008، بدأت كوسوفا تشهد نهضة إسلامية علمية يقودها علماء ومؤسسات المشيخة الإسلامية، وكانت كلية الدراسات الإسلامية في قلب هذه النهضة، فكرًا وتأهيلًا وإعدادًا.
خلال ثلاثة عقود، خرّجت الكلية نحو مئات الطلبة والطالبات، بالإضافة إلى أكثر من 40 من حملة الماجستير، يعملون اليوم في مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع، ويُسهمون بفاعلية في الحياة الدينية والثقافية، سواء داخل كوسوفا أو في أوساط الجاليات الألبانية في الشتات، وفي بعض دول البلقان المجاورة.
بهذا المسار العلمي والثقافي، تواصل كلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا أداء رسالتها، مرسّخةً مكانتها منارةً تعليميةً شرعيةً في قلب منطقة البلقان، وركنًا أصيلًا في مشروع النهوض الديني والثقافي للشعب الألباني.