مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

كوسوفا ترفع راية القرآن في قلب البلقان.. اختتام المسابقة الدولية للقرآن بحضور إمام الحرم المكي

التي نظّمتها المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية

مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح

في مشهد مهيب جمع بين الخشوع والاحتفاء، أسدل الستار في العاصمة بريشتينا على فعاليات المسابقة الدولية للقرآن الكريم، التي نظّمتها المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية، في تظاهرة قرآنية عابرة للحدود جسّدت وحدة الأمة الإسلامية وتكريمها لحَمَلَة كتاب الله.

إعادة رسم موقع كوسوفا على خارطة العالم الإسلامي

ليست المسابقة الدولية للقرآن الكريم في بريشتينا مجرد تظاهرة دينية، بل هي مشهد رمزي يعيد رسم موقع كوسوفا على خارطة العالم الإسلامي، ويُخرجها من هامش الجغرافيا إلى قلب الحضور الروحي والثقافي. لقد بدت كوسوفا، في تلك اللحظات التي صدحت فيها الأصوات بآيات الذكر الحكيم، وكأنها تجدد عهدها مع الأمة، وتؤكد أنها ليست جزيرة معزولة، بل رافد أصيل في نهر الحضارة الإسلامية.

وقد غصّت قاعة الحفل الختامي بجمع من العلماء والضيوف والدبلوماسيين ومحبّي القرآن، وكان في مقدّمتهم فضيلة الشيخ الدكتور نعيم ترنافا، رئيس المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا، ومفتي البلاد، الذي عبّر عن اعتزازه العميق بهذا التعاون المثمر مع المملكة العربية السعودية، واصفًا المسابقة بأنها “رسالة روحية وتعليمية تحمل عبق القرآن وسموّه، وتُعيد رسم موقع كوسوفا على خارطة العالم الإسلامي من بوابة الحرف الإلهي والتلاوة الخاشعة.”

وفي كلمة وجدانية، نوّه المفتي ترنافا بزيارة إمام الحرم المكي الشريف، الشيخ بندر بليلة، واعتبرها “حدثًا تاريخيًا في الذاكرة الدينية لشعب كوسوفا، ودليلًا على عمق انتماء هذا البلد الصغير بجغرافيته، الكبير بإيمانه، إلى جسد الأمة الإسلامية.” وأكد أن القرآن الكريم “يجمعنا في ظل معانيه، ويوحّدنا في رحاب نوره، ويعلّمنا كيف نُشيّد حضارة بالسلام والعلم لا بالصراع والانقسام.”

القرآن.. الحبل المتين الذي يشدّ أطراف الأمة إلى قلب واحد

أما إمام الحرم المكي الشريف، الشيخ بندر بليلة، فقد خاطب الحاضرين بكلمة مؤثرة ذكّر فيها بأن “القرآن كلام الله الخالد، أنزله للعالمين هدىً ورحمة، وهو الجامع الذي لا يفرّق، والحبل المتين الذي يشدّ أطراف الأمة إلى قلب واحد.” وقد ختم كلمته بتلاوة مهيبة لآيات من الذكر الحكيم، اهتزّت لها القلوب واغرورقت لها العيون.

ومن جانبه، عبّر سعادة سفير المملكة العربية السعودية لدى ألبانيا، الأستاذ فيصل حفظي، عن فخره برعاية بلاده لهذه التظاهرة القرآنية، مشيرًا إلى أن “القرآن هو جسر التواصل الحقيقي بين الشعوب الإسلامية، ومصدر الإلهام في بناء أجيال متمسكة بدينها، منفتحة على العالم، وراسخة في هويتها.”

وقد اختُتم الحفل بتوزيع الجوائز على الفائزين في خمس فئات رئيسية، احتفى من خلالها المنظمون بجودة الحفظ وحسن التلاوة والتدبر، من كلا الجنسين، ومن دول متعددة، ليكون التكريم احتفاءً بجهود فردية وشهادة على أن الإسلام يُزرع في القلوب بالعلم، ويُثمر في المجتمعات بالقرآن.

أبعاد حضارية وتربوية وروحية متعدّدة

لا تقتصر أهمية المسابقة الدولية للقرآن الكريم في بريشتينا على بعدها الديني فقط، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد حضارية وتربوية وروحية متعدّدة:

1. تعزيز الهوية الإسلامية: في بلد خرج من رماد الحرب، يُعاد بناء الشخصية المسلمة فيه على أسس الإيمان والمعرفة، ويُشكّل القرآن حجر الأساس في هذا البناء.

2. رسالة سلام عالمية: بحضور وفود من دول إسلامية متعددة، ومنهم إمام الحرم المكي، بدت كوسوفا وكأنها منبر قرآني عالمي، ينقل رسالة الإسلام الوسطي إلى كل قلب.

3. تثبيت مكانة التعليم الديني: تمثل المسابقة دعمًا صريحًا لمؤسسات التعليم القرآني، وتأكيدًا على دور المشيخة الإسلامية كمصدر إشعاع ديني وحضاري في المنطقة.

4. دبلوماسية الهوية: يعكس التعاون بين السعودية وكوسوفا في هذا الحدث نموذجًا للعلاقات الإسلامية التي تتأسس على الدين، وتتوجّه نحو بناء الإنسان وخدمة المجتمع.

5. استعادة الموقع الحضاري لكوسوفا: من خلال فعاليات كهذه، تقول كوسوفا للعالم إنها ليست فقط بلدًا يتعافى من الأزمات، بل هي أمة تصنع مستقبلها بأنوار الكتاب الكريم.

إنه مشهد استثنائي يعيد الاعتبار للدور الروحي الذي يمكن أن تؤديه الشعوب الصغيرة حين تتشبث بالكلمة الإلهية، وتبني جسورًا من الآيات بين قلوب البشر.

التخطي إلى شريط الأدوات