مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

كوسوفا.. مؤتمر علمي لإحياء تراث العالم الألباني الجليل علي أفندي يعقوب

المؤتمر نظّمته رئاسة المشيخة الإسلامية تكريماً لعالم ألباني عاش في الظل لكنه ترك بصماته العميقة في خدمة العلم والدين داخل كوسوفا وخارجها.

مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح

في أجواء علمية وثقافية مميزة، احتضنت اليوم 27 مايو، كلية الدراسات الإسلامية في العاصمة بريشتينا مؤتمرًا علميًا خُصص لإحياء تراث العالم الألباني الجليل علي أفندي يعقوب (1913–1988)، أحد أبرز الأسماء التي تركت بصمة واضحة في الحياة الدينية والثقافية للألبان في القرن العشرين.

المؤتمر نظّمته رئاسة المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا، من خلال إدارة الثقافة وأنشطة المطبوعات، بمشاركة عدد من العلماء والباحثين والمثقفين، الذين استعرضوا سيرة العالم الراحل وإسهاماته في خدمة العلم والدين، ودوره في الحفاظ على الهوية الإسلامية والثقافية في ألبانيا خلال فترات صعبة.

هذا اللقاء لم يكن مجرد تكريم لشخصية علمية بارزة، بل دعوة لإعادة الاهتمام بتراث العلماء الألبان، والتأكيد على أهمية توثيقه وتعريف الأجيال الجديدة به، باعتباره جزءًا حيًا من الذاكرة الوطنية والدينية.

المؤتمر، الذي حضره جمع من العلماء والباحثين والدبلوماسيين، جاءت تكريماً لرجل عاش في الظل، لكنه ترك بصماته العميقة في خدمة العلم والدين، داخل كوسوفا وخارجها.

في كلمته الافتتاحية، أكد رمضان شكودرا، مدير إدارة الثقافة وأنشطة المطبوعات في المشيخة، أن هذا النشاط يأتي في إطار العناية الرمزية والعلمية التي توليها المؤسسة للعلماء الذين خدموا الأمة في أزمنة عصيبة، وكانوا حماة للهوية في أحلك الظروف.

من جهته، أثنى فضيلة الشيخ الدكتور نعيم ترنافا، رئيس المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا ومفتي البلاد، على الدور الريادي لعلي أفندي يعقوب، واصفاً إياه بأنه “أحد أعلام القرن الماضي، ومثال للعالم الأصيل الذي جمع بين التواضع والعلم والغيرة على الدين”، مشيراً إلى أنه “مقدَّر دولياً، لكنه ظل مهمَّشًا في وطنه، وهو ما يتطلب إعادة الاعتبار لأمثاله من الرموز”.

وفي لفتة دبلوماسية لافتة، تحدّث السفير السابق لكوسوفا، إنفير هوجاي، عن الأثر المعنوي الإيجابي الذي تركته سيرة علي يعقوب في المحافل الدولية، حين كانت شخصيته تُقدَّر حتى من قبل دوائر الدبلوماسية الخارجية، لما عُرف عنه من علم ودماثة خلق.

من اللافت في سيرة علي أفندي يعقوب ما أورده بينجامين ألبيراك، الملحق الديني في السفارة التركية لدى كوسوفا، خلال مداخلته، حيث أشار إلى أن العالم الألباني الراحل لم يكن مجرد أستاذ في اللغة العربية، بل كان معلمًا مؤثرًا في المسار التكويني لعدد من الشخصيات الدينية البارزة في تركيا، ومن بينهم رئيس الشؤون الدينية في تركيا نفسه، الذي تتلمذ على يديه في مرحلة مبكرة من حياته العلمية.

هذا التفصيل يكشف عن الامتداد العابر للحدود لتأثير يعقوب، ودوره في صوغ الوعي الديني حتى خارج وطنه، وهو ما يعزز الحاجة لإعادة قراءة هذه الشخصية في سياقها الإقليمي، وتثمين إرثها العلمي والتربوي.

وفي الجانب الأكاديمي، قدّم نخبة من الباحثين دراسات معمقة حول حياة ومسيرة يعقوب، منهم: صبري بايغورا، حسين ماتوشي، صديق مهمتي، فريد بيكو، إيليز عثماني، بصير نذيري، وفالون شكودرا، الذين سلطوا الضوء على محطات حياته ومساراته الفكرية وتعليمه العالي في جامعة الأزهر، وجهوده العلمية في كل من مصر وتركيا، ودوره في الحفاظ على الموروث الإسلامي والهوية الثقافية الألبانية.

ينحدر علي أفندي يعقوب من قرية ديسيفويكا التابعة لبلدية كامينيتسا، وتلقى تعليمه الديني الأولي في جيليلان وسكوبيه، ثم التحق بالأزهر الشريف في القاهرة حيث تخرّج منه وتخصص في العلوم الشرعية واللغوية. عاش جزءاً من حياته في مصر، والجزء الآخر في تركيا، وكان طوال مسيرته مثالاً للعالِم الملتزم، والأستاذ المتفاني، والمربي الحكيم.

تأتي هذه المبادرة العلمية كمحاولة لاستعادة الذاكرة التاريخية لأحد العلماء المنسيين، والتأكيد على دورهم المحوري في بناء الجسور بين الثقافات الإسلامية، وتعزيز الهوية الدينية في المحيط الألباني، رغم المنفى والصمت والنسيان.

التخطي إلى شريط الأدوات