مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

لندن.. أقدم مكتبة إسلامية تواجه خطر الإغلاق بعد أربعة عقود من العطاء الثقافي

المكتبة تحوّلت منذ نشأتها إلى فضاءٍ مفتوح للحوار الثقافي والبحث المعرفي وملتقى لطلبة الجامعات والمفكرين المسلمين والبريطانيين على حد سواء.

مسلمون حول العالم ـ متابعات ـ هاني صلاح ـ عن: The Guardian

على مقربة من شارع “بيكر ستريت” الشهير في قلب العاصمة البريطانية لندن، تقف دار التقوى (Dar al-Taqwa)، أقدم مكتبة إسلامية مستقلة في المملكة المتحدة، على أعتاب مرحلة حرجة تهدّد استمرارها بعد مسيرة قاربت الأربعين عامًا من الحضور الثقافي والديني والتنويري.

فضاء مفتوح للحوار الثقافي والبحث المعرفي

المكتبة التي تأسست عام 1985 على يد الناشر المصري سمير العطار، لم تكن مجرد محلّ لبيع الكتب الإسلامية، بل تحوّلت منذ نشأتها إلى فضاءٍ مفتوح للحوار الثقافي والبحث المعرفي، وملتقى لطلبة الجامعات والمفكرين المسلمين والبريطانيين على حد سواء. وكانت رسالتها تتجاوز بيع الكتب إلى نشر الفكر الإسلامي الوسطي، وترسيخ ثقافة القراءة والتأمل في زمنٍ كانت فيه المطبوعات الجادة نادرة في الساحة البريطانية.

منذ وفاة مؤسسها في عام 2022، تولّت زوجته نورا العطار، وهي بريطانية اعتنقت الإسلام في مدينة ليدز، مهمة إدارة المكتبة رغم التحديات المادية المتزايدة. وتقول نورا، البالغة من العمر 69 عامًا، إن دار التقوى «بدأت من المجتمع ولم تستند إلى قروض بنكية»، مؤكدة أن المكتبة اليوم تحتاج إلى حملة دعم عاجلة لتأمين مبلغ 25 ألف جنيه إسترليني لتغطية الإيجار والنفقات التشغيلية، في ظل تراجع المبيعات وتزايد تكاليف التشغيل في واحدة من أغلى مدن العالم.

Yusry Yusoff visited the bookshop while on a trip from Malaysia. Photograph: Christian Sinibaldi/The Guardian
Yusry Yusoff visited the bookshop while on a trip from Malaysia. Photograph: Christian Sinibaldi/The Guardian

عنوان ثقافي بارز في المشهد الإسلامي البريطاني

تاريخيًا، شكّلت مكتبة دار التقوى عنوانًا ثقافيًا بارزًا في المشهد الإسلامي البريطاني، إذ وفّرت منذ انطلاقتها باقة واسعة من الكتب التي تغطي موضوعات العقيدة والفكر والسياسة الإسلامية، فضلاً عن ترجمات معتمدة لمعاني القرآن الكريم إلى لغات أوروبية عدة، ومنشورات ثقافية للأطفال والناشئة.

كما كانت المكتبة محطة دائمة لزوّار المسجد المركزي في لندن (London Central Mosque) القريب منها، حيث كانت تستقبل المثقفين والدعاة والباحثين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، في مشهد ثقافي متنوع يجسّد التفاعل الحضاري بين الشرق والغرب.

لكن التحولات الرقمية العاصفة التي طالت صناعة النشر والتوزيع في العقد الأخير لم تستثنِ هذا الصرح العريق. فمع اتساع انتشار الكتب الإلكترونية والمتاجر الافتراضية، بدأ عدد الزبائن يتناقص تدريجيًا. يقول أحد العاملين بالمكتبة منذ عام 1996: «الناس أصبحوا يقرأون على الإنترنت، لذلك قلّت زياراتهم إلينا».

أما أحد الزبائن الماليزيين المقيمين في بريطانيا، فيقول: «دار التقوى ليست مجرد مكتبة، إنها بوتقة للمعرفة والتواصل، وإغلاقها سيكون خسارة لا تُقدّر بثمن».

في الواقع، تمثل أزمة دار التقوى نموذجًا مصغّرًا للتحولات التي تعيشها المؤسسات الثقافية الإسلامية في أوروبا. فالتحدي لم يعد في تأمين الكتب بقدر ما هو في الحفاظ على المكان ككيان ثقافي حي، يوفّر فضاءً للتلاقي والتفاعل الإنساني والمعرفي. لقد كانت هذه المكتبة وما تزال رمزًا لذاكرة المسلمين في بريطانيا، ومختبرًا ثقافيًا ساهم في تشكيل خطاب إسلامي بريطاني متوازن ومنفتح.

اليوم، يقف هذا المعلم الثقافي على مفترق طرق: فإما أن تُثمر حملات الدعم المجتمعي لإبقائه منارة فكرية في العاصمة البريطانية، وإما أن يُضاف اسمه إلى قائمة طويلة من المؤسسات الثقافية المستقلة التي غابت بصمت تحت ضغط الاقتصاد الرقمي والعزلة الاجتماعية الحديثة.

وبين الماضي المجيد والحاضر المقلق، تظل دار التقوى شاهدًا على رحلة أربعة عقود من العمل الثقافي الإسلامي في أوروبا، وعلى الحاجة الملحّة لأن تعيد الجاليات المسلمة اكتشاف دور المؤسسات الثقافية كجسور للهوية والحوار لا كمجرد محالّ تجارية لبيع الكتب.

التخطي إلى شريط الأدوات