شدد الشيخ كفاح مصطفى، رئيس تجمع الأئمة التابع لمجلس المؤسسات الإسلامية لشيكاغو الكبرى، الذي يضم أكثر من 85 مسجداً ومؤسسة إسلامية، على أن دور المسجد في الغرب عامة وأمريكا خاصة يجب أن يكون منطلقاً للعمل في كافة مسارات الحياة الحيوية الرئيسة للحفاظ على تواجد المسلمين بشكل فعال وإيجابي في مجتمعاتهم الغربية والأمريكية.
جاء هذا في حوار مع “المجتمع”، تطرق للدور المجتمعي للمسجد في الولايات المتحدة الأمريكية – مسجد “مركز الصلاة” لضاحية “أورلاند بارك” في شيكاغو، نموذجاً
في بداية حوارنا، نرجو تعريف أنفسكم تعريفاً إنسانياً واجتماعياً ودعوياً ووظيفياً.
– كفاح أنور مصطفى (المرعبي)، من قضاء عكار شمال لبنان، متزوج ولديّ ولدان وابنتان، عملت إماماً ومديراً في مساجد شيكاغو منذ أوائل التسعينيات، وآخرها مركز الصلاة لضاحية أورلاند بارك.
أشغل منصب ممثل دار الفتوى اللبنانية عن ولاية إلينوي، ورئيس لتجمع الأئمة التابع لمجلس المؤسسات الإسلامية لشيكاغو الكبرى، الذي يضم أكثر من 85 مسجداً ومؤسسة إسلامية.
حاصل على بكالوريوس في الشريعة من الجامعة الإسلامية الأمريكية بفرجينيا، ودبلوم شريعة من كلية أزهر عكار التابع لجامعة بيروت الإسلامية، وماجستير قسم الشريعة في المؤسسة اللاهوتية للدراسات العليا برسالة عنوانها “إجراءات الطلاق في المراكز الإسلامية الأمريكية.. دراسة مسحية تحليلية في شيكاغو”، وأدرس الآن مواد الدكتوراه في نفس الجامعة المذكورة آنفاً.
نود نبذة تعريفية عن مسجدكم. والمنطقة التي يقع بها، وأهميتها.
– “مركز الصلاة”، يقع في الجنوب الغربي لمدينة شيكاغو، في ضاحية اسمها “أورلاند بارك”، ويخدم أكثر من 25 ألفاً من أبناء المجتمع المسلم الأمريكي، الذي يتكون أغلبه في هذه المنطقة من أبناء فلسطين.
المسجد يقدم كافة الخدمات الدينية، ولكنَّ لنا تركيزاً خاصاً على برامج الشباب لكافة الفئات العمرية، ونركز خصوصاً على مرتادي المدارس الأمريكية العامة، حيث يعتبر المسجد هو الرافد الوحيد لهم للارتباط بدينهم وثقافتهم العربية والإسلامية بعد الأهل.
المسجد مبني كنسخة مطابقة لقبة الصخرة بالقدس، ويعتبر من أجمل مباني ضاحية “أورلاند بارك”، ولدينا أيضاً مبنى خاص لتحفيظ القرآن الكريم ضمن برنامج دراسي ممنهج يشرف عليه الشيخ الحافظ الشاب جعفر أحمد سعيد حوى، من حماة سورية.
ما أبرز الأنشطة التعريفية بالإسلام التي يقوم بها المسجد سواء في أوساط زائريه أو عبر زياراتكم لمؤسسات المجتمع المحيط؟
– أبرز الأنشطة التعريفية بالإسلام، هي:
أ- التعريف بالإسلام:
وذلك من خلال متابعة كل زوار المسجد من المدارس والجامعات والكنائس المجاورة، التي تأتي ضمن برامجها الثقافية للتعرف إلى الجيران من جهة أو طلاب الجامعات قسم الأديان العالمية أو مقارنة أديان يأتي بعضهم فرادى أو مجموعات لمشاهدة الصلاة وحوار الإمام وكتابة تقرير ليقدم كورقة مدرسية.
ب- الخدماتية:
حيث تقوم لجنة الناشئة واللجنة الاجتماعية بإرسال شبابنا وفتياتنا للتطوع من خلال بلدية ضاحية أورلاند بارك لحملة تنظيف دور المسنين مثلاً أو مساعدة في توزيع الطعام على فقراء المدينة أو إمضاء فقرات ترفيه مع الأطفال في مركز البلدية الثقافي الاجتماعي وهكذا.
جـ- الحضور الميداني:
حيث أبادر كإمام للتواصل مع الأديان الأخرى من خلال استجابتي لدعوات إلقاء المحاضرات والندوات التي تتحدث عن الإسلام سواء في الكنائس أو المحافل الأكاديمية من جامعات وغيرها، آخر هذه الأنشطة كان من أيام حيث دعيت إلى المؤتمر السنوي للمؤسسة الإنجيلية بعنوان “من أجل الإسلام في أمريكا” لإلقاء ندوة بعنوان “رؤية إمام لطبيعة العلاقة من المسيحيين في أمريكا” التي امتدت فوق وقتها المعتاد لكثرة الأسئلة والاستفسارات.
كيف تفسرون سر اهتمام بعض شرائح المجتمع الأمريكي في الحضور للمسجد للتعرف على الإسلام في ظل تصاعد حملات “الإسلاموفوبيا” في وسائل الإعلام؟
– سر اهتمام المواطن الأمريكي بالإسلام، يرجع إلى:
أ- الأثر العكسي:
وذلك من خلال فهمنا لقوله تعالى (يخرج الحي من الميت)؛ أي أن حكمة الله أن يُقبل البعض للتعرف على الإسلام من خلال الدعوة المضادة له من باب الفضول من جهة أو معرفة حقيقة ما ينشر من جهة أخرى.
ب- البصمة الإيجابية:
عدد مسلمي شيكاغو يربو على 400 الف نسمة ما بين أفارقة أمريكان أو هنود وباكستانيين وعرب وغيرهم يترك بصمة إيجابية مع المواطن الأمريكي من خلال التواصل العام في نواحي الحياة، فمنهم الطبيب وسائق التاكسي وصاحب البقالة وعليه فتواصل الناس مع مختلف شرائح المجتمع المسلم يكون بمثابة تقديم حقيقة مختلفة عمّا يروّج له ضد الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام العنصرية.
لكم دور ملموس في التواصل مع وسائل الإعلام الأمريكية المحلية والكتابة لها مقالات تعريفية بالإسلام، هل يمكن إلقاء الضوء على تجربتكم هذه؟
– المجتمع المسلم الأمريكي أدرك قيمة تواجد أبناء وبنات المسلمين في الأوساط الإعلامية العامة، أقول والحمد لله أن هناك مجموعة تكبر وتتزايد عاملة الآن في كبريات القنوات التلفزيونية والإذاعية الأمريكية والتي نفخر بتواجدها لتكون أولاً صوتاً يعبّر عن الإسلام والمسلمين، وثانياً لإعطاء صورة عن قدرة المسلم لأداء دوره الاحترافي في شتى مجالات الحياة، آخر هذه الإنجازات ظهور أول مسلمة محجبة (الأخت طاهرة رحمن) على قناة تلفزيونية محلية عندنا في ولاية إلينوي كمراسلة.
هذا ونحن نشجع شبابنا وبناتنا لدراسة الصحافة والإذاعة والتلفزيون والمسرح والتمثيل والإخراج والانخراط في العمل الإعلامي العام من أجل نشر بذور خير وتمثيل حقيقي لصورة الإسلام والمسلمين ولتتحدث بلسان المسلمين عن أنفسهم بدل أن يتحدث غيرهم عنهم، تغطية صورة المسلمين في الإعلام اليوم نادراً ما تأتي بإنصاف وكثيراً بحقد أو دونية وازدراء كما هو الحال في هوليوود وغيرها.
ما أهم الموضوعات التي تولونها أهمية في الطرح؟
– نقيم قنوات تواصل مع الجهات الإعلامية أنفسنا خصوصاً بما يتعلق بمواضيع الشأن العام المحلّي كمشكلة البطالة مثلا وكيفية التعامل مع الأقليات غير المسجلة قانونياً وارتفاع الضرائب وقلة فرص العمل لنأخذ دورنا كمسلمين للدفاع عن حقوق المواطن الأمريكي أو للتعليق على الشأن العالمي وعلى ما يجري من أحداث خصوصاً بموضوع الإرهاب وغيره.
هل ترون أن من واجبات الإمام في الغرب عدم الاقتصار على دوره المسجدي والانطلاق للتواصل حتى مع وسائل الإعلام الغربية المحلية؟ ما نصائحكم؟
– الإمام غدا الآن وفي كثير من الأحيان، الواجهة التي تعبر عن المجتمع المسلم والدين الإسلامي بكافة نواحي الحياة أمام الإعلام، وعليه لا يمكن لأي إمام الآن الانغلاق على الخدمات للمجتمع المسلم الشعائرية فقط بل يجب أن يتواصل مع المجتمع الأمريكي العام، ويكون حاضراً في قضاياه العامة بل ويحث المجتمع المسلم على قيمة وضرورة الانخراط في الشأن العام.
تحرصون على التواصل مع المؤسسات الدينية للشرائع الأخرى وحثهم على التعاون في المشتركات الإنسانية، كما أن لكم دوراً في التعريف بحقائق الإسلام في أوساطهم، ما أبرز القضايا التي تناقش معهم؟
– حوار الأديان:
وهي تشرف على 4 أنشطة رئيسة خلال السنة يشترك فيها أكثر من 18 كنيسة مسيحية ومعابد يهودية، تُختار فيها مواضيع فكرية دينية ثم يقدم ممثل عن كل جهة وجهة نظر الدين الذي يؤمن به ثم يصار إلى نقاش في نقاط الخلاف والتطابق وأثر ذلك على استحداث أرضية مشتركة للتفاهم بين الأديان، النشاط القادم لهم هذا الشهر وفي مسجدنا وبعنوان “العدالة الاجتماعية من منظور ديني”.
تبني القضايا المحلية:
كثيراً ما نقوم بالمشاركة في القضايا المحلية وتكون طبيعة المشاركة ليس فقط التواجد بل إبداء وجهة النظر الإسلامية تجاه هذه القضايا، على سبيل المثال الشهر القادم لدينا نشاط مشترك مع كنائس وكنس عنوانه “لو أنك مهجّر”؛ بمعنى أن تضع نفسك مكان العائلات المهجّرة فماذا تفعل؟ فنتحدّث فيه عن الهجرة ومساعدة الأسر المهاجرة من منظور إسلامي، أقول: إننا لا نتحرك للتعريف بالإسلام من خلال تبيان الشعائر التعبدية أو أركان الإيمان فقط بل من خلال تبني القضايا المحلية ودور المسلم فيها من خلال فهمه لدينه الحنيف.
ما تقييمكم لجهود التواصل التي تمت حتى اليوم بين المؤسسات الإسلامية ونظيراتها من غير المسلمين؟
– لا شك أن هناك جهوداً طيبة خصوصاً على مساحة تواجد المساجد والمراكز الإسلامية العديدة في شيكاغو، ولكن بل شك هناك مجالات للتوسع ينقصها تفرّغ الأئمة المشغولون بقضايا المجتمع المسلم والكثيرة من جهة أو عدم قدرة هذه المساجد على توظيف أئمة أكثر أو تفعيل دور اللجان التطوعية لأخذ زمام هذه الأمور.
بشأن القضايا المجتمعية والمشكلات التي تواجه المجتمع، هل كان للمسجد دور في المشاركة أو المساهمة في وضع حلول لها أو التخفيف من آثار تلك المشكلات أو المساعدة بتقديم أي صورة من صور الدعم لمساعدة المجتمع في تخطي تلك المشكلات؟ وكيف تنسيقكم مع السلطات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في هذا الإطار؟
– لدينا تجارب رائدة على مستوى شيكاغو عموماً، ولكننا بحاجة للمزيد، وعلى سبيل المثال:
مركز توزيع الطعام:
وهو مكان تستأجره المساجد ويتم شراء السلع الغذائية من بنك الطعام الخاص بالمدينة بالسعر المخفّض وتوزيعه على عموم الشعب الأمريكي.
توزيع لحوم الأضاحي:
وهو مشروع له عدة سنوات تقوم المساجد بحث الناس على إهداء لحوم الأضاحي إلى بنك الطعام الخاص بمدينة شيكاغو وهو بدوره يقوم بتعليبه وتوزيعه على مراكز توزيع الطعام بين المناطق الفقيرة في شيكاغو وضواحيها.
العيادات المجانية:
وهي 3 على مستوى شيكاغو على ما اعتقد متواجدة في الأماكن الفقيرة تتبناها بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية العاملة على خدمة المجتمع العام. لدينا خدمات كشف طبي، توزيع دواء وفحوصات عامة.
بشكل عام، هل تواجهكم أي عقبات في دور مسجدكم المجتمعي؟ وما هي؟
– من أهم هذه العقبات محاولة إقناع المجتمع المسلم الأمريكي بضرورة بذل المال لدعم هكذا مشاريع محلية، معظم المتبرعين يعطون الأولوية للبلد الأم سواء فلسطين أو سورية أو غيرها من البلدان؛ بل حتى المؤسسات الخيرية العاملة أعتقد أن 80% من عملها هو صرف أموال الزكاة للبدان العربية والإسلامية.
من العقبات أيضاً عدم قدرة المسلمين الأمريكيين ومن خلال مؤسساتهم التنافس على الحصول على أموال الدعم الحكومي لمثل هكذا مشاريع إذ سبقهم بحرفية كبيرة مجتمعات دينية عريقة في العمل الخيري أخرى كالكاثوليك واليهود وغيرهم.
أخيراً، هل تودون إرسال أي رسائل للمؤسسات الإسلامية المعنية بالدعوة والتعليم والارتقاء بدور الأئمة والمساجد في أمريكا؟
– الحقيقة أن أي مجتمع حتى يحافظ على كينونته لا بد له من الاستثمار في هذه المؤسسات الخمس:
1- مؤسسة الأسرة أو العائلة.
2- المؤسسة التعليمية.
3- المؤسسة الاقتصادية.
4- المؤسسة الدينية.
5- المؤسسة السياسية أو العمل العام إن شئت.
ولا بد لكل مسجد أو مركز إسلامي أن يجلس بإدارته وأئمته ومتطوعيه ليوم أو أكثر لوضع خطة إستراتيجية عن دور هذا المسجد أو المركز لخمس أو عشر سنوات قادمة من خلال التركيز على هذه النقاط الخمسة بتفصيلاتها التي تندرج تحتها.
الأمر الآخر لا بد من تثقيف العامة على أهمية الدعم المالي للوقوف خلف هكذا قضايا ثم تدريب كوادر شبابية تستلم الراية من بعدهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجتمع ـ 24 مارس 2018 ـ هاني صلاح