
مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
يُعدُّ مسلمو الفلبين، ولا سيما سكان الجنوب المعروفين بـ”شعب مورو”، إحدى أقدم المجتمعات الإسلامية في جنوب شرق آسيا، الذين ظلوا صامدين على مدى قرون في وجه الاستعمار ومحاولات الطمس الثقافي والهوية الدينية.
هذا الحوار الذي أُجري قبل عشر سنوات في أكتوبر 2014 مع الأستاذ “حبيب عثمان”، الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب المفوض من قسم إعلام “جبهة تحرير مورو الإسلامية”، للتحدث باسم الجبهة مع الجمهور الناطق بالعربية، يعكس صورة شاملة عن واقع مسلمي الفلبين، مسلطاً الضوء على أهم الاتفاقيات السياسية التي تحكم مستقبلهم، ومناقشات حول الأوضاع الاجتماعية والسياسية في شمال وجنوب البلاد.
وقد شارك في هذا الحوار التفاعلي الذي أجري مباشرة على موقع فيسبوك؛ عدد من المختصين والصحفيين والمراقبين العرب والأجانب من مختلف دول العالم؛ وهذه أبرز المحاور المعلوماتية التي وردت في الحوار:
أولاً: مسيرة السلام.. من الاتفاقيات الأولية إلى اتفاق بانجسامورو الشامل
بدأت محاولات السلام الرسمية بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية في أواخر التسعينيات، عبر اتفاق “الإطار العام لنوايا الطرفين” في 1998، تلاه سلسلة من الاتفاقيات التي توجت بـ”الاتفاق الشامل حول بانجسامورو” في 27 مارس 2014.
هذا الاتفاق يمثل نقطة تحول تاريخية لإقامة كيان سياسي جديد يُدعى “بانجسامورو”، يحل محل الحكم الذاتي السابق في إقليم مسلمي منداناو، ويُكسب شعب مورو هويته المستقلة المعترف بها رسمياً من قبل الحكومة المركزية.
يتضمن الاتفاق إنشاء حكومة ذات صلاحيات واسعة، تشمل توليد الدخل القومي، تقاسم الثروات الطبيعية، فرض الضرائب، السيادة على المياه الإقليمية الغنية، وصياغة دستور خاص، وهو ما يعكس بُعداً سياسياً واقتصادياً عميقاً يتجاوز مجرد حكم ذاتي تقليدي.
في المقابل، تحرص الأطراف على ضمان سير عملية السلام عبر مراحل مدروسة تشمل نزع السلاح التدريجي، وإشراف دولي حيادي، وتشريع القانون الأساسي من قبل البرلمان الفلبيني، ثم التصديق عليه بالاستفتاء الشعبي في المناطق ذات الصلة.
ثانياً: الصراعات التاريخية وتحديات الحاضر
يمتد الصراع بين مسلمي الفلبين والحكومات المتعاقبة لأكثر من أربعة قرون، بدأها الاستعمار الإسباني ثم الأمريكي والياباني، حيث استهدفوا القضاء على الهوية الإسلامية لمجتمع مورو الذي كان يتمتع بسيادة مستقلة قبل الغزو في القرن السادس عشر.
بينما بعد استقلال البلاد من الاستعمار الخارجي استمر الصراع مع حكومة مانيلا في الشمال بقوة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، إذ واجه شعب مورو عدة حملات عسكرية وسياسية تهدف إلى قمع حركاتهم الوطنية والمطالبة بحقوقهم المشروعة.
بينما الانقسامات بين فصائل جبهة تحرير مورو، مثل جبهة تحرير مورو الوطنية (القومية) وجبهة تحرير مورو الإسلامية، فهي ليست نزاعات أو صراعات، بل تمثل توجهات سياسية مختلفة داخل الحركة الوطنية الواحدة، حيث اختلفت هذه الفصائل في استراتيجيات تحقيق الأهداف، خاصة بعد رفض بعض الفصائل للاتفاقيات التي اعتبرتها مقيدة لحقوق شعب مورو.
الحروب الأهلية والاشتباكات السياسية ترافقها حوادث عنف وقمع مورس على السكان، خاصة في فترات إعلان الحكم العرفي خلال السبعينيات والثمانينيات، مما أدى إلى نزوح آلاف الأسر وتهجيرها، وأثار أزمة إنسانية عميقة.
ثالثاً: الثروات والموارد الطبيعية
يشكل إقليم بانجسامورو الجديد حوالي 10% من مساحة الفلبين، وهو غني بثروات طبيعية هائلة، منها احتياطيات نفطية ضخمة تُقدر بتريليونات الأمتار المكعبة، ومعادن النيكل في مناطق مثل محافظة تاوي تاوي، إلى جانب ثروات بحرية هامة من سمك السردين وغيرها.
هذه الموارد الطبيعية تشكل رافداً اقتصادياً أساسياً لتأسيس الدولة الجديدة، وتمثل عاملاً محورياً في اتفاقيات تقاسم الإيرادات مع الحكومة المركزية.
رابعاً: وضع مسلمي الشمال
على النقيض من الجنوب، يعيش المسلمون في شمال الفلبين ضمن أعداد أقل ونمط حياة مختلف. كثير منهم أسلموا حديثاً خلال تجاربهم في دول الخليج أو إثر اعتناق الإسلام بسبب أحداث دينية استثنائية مثل نجات بعض المساجد من الكوارث الطبيعية.
هؤلاء يواجهون تحديات اندماج كبيرة، حيث لا تتوفر لهم فرص سياسية أو اجتماعية واسعة، مع استمرارية ظاهرة التمييز الديني في العاصمة مانيلا وباقي المناطق، مما يحد من مشاركتهم الفاعلة في العمل العام.
خامساً: المشاركة السياسية ومستقبل الحكم الذاتي
رغم وجود بعض التمثيل السياسي لمسلمي الجنوب في البرلمان، إلا أن تأثيرهم محدود نتيجة صغر عددهم النسبي مقارنة بالأغلبية المسيحية، فضلاً عن كون التشريع يعتمد على تصويت الأغلبية.
تأسيس حكومة بانجسامورو وتطبيق قانونها الأساسي يفتحان المجال أمام إعادة بناء الإدارة المحلية، تأسيس مؤسسات شرطية وأمنية خاصة، وضمان حقيقي للحقوق السياسية والاقتصادية.
سادساً: التحديات والفرص
يواجه مسلمو الفلبين تحديات عدة، أهمها الحاجة إلى تأهيل الكوادر في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو مطلب أساسي لإدارة دولتهم الوليدة بفعالية.
كما يشكل الاستثمار وإدارة الثروات الطبيعية المفتاح لتحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر الذي طال أوساط المسلمين في الجنوب.
من جهة أخرى، يُنظر بخطورة إلى انتشار التشيع الإيراني، الذي بدأ يظهر في المجتمع المسلم الفلبيني، مما يطرح تحديات دينية وثقافية جديدة.
سابعاً: خطر نزع السلاح والإبقاء على السلم
تُدار عملية نزع السلاح بشكل تدريجي وتحت رقابة دولية، مع تأسيس قوة شرطة محلية تابعة لحكومة بانجسامورو لتحل محل القوات المسلحة الفلبينية في المنطقة، وهو ما يقلل مخاوف الانكفاء الأمني أو الانقلاب على الاتفاق.
خاتمة
يشكل “اتفاق بانجسامورو” خطوة جادة نحو حل نزاع استمر قروناً، وأمل في استقرار طويل الأمد لشعب مورو الذي يسعى لاستعادة كرامته وهويته.
ومع ذلك، يبقى الطريق نحو السلام والتنمية محفوفاً بالتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى ضرورة إشراك المسلمين في شمال الفلبين في مسيرة التقدم، وتحقيق تواصل أوسع مع العالم الإسلامي والعربي.
المصدر: حوار أجري في 18 أكتوبر 2014، ونُشر في جريدة “الأمة” الإلكترونية، إعداد رئيس قسم الأقليات المسلمة وقتها: هاني صلاح.. وتمت إعادة نشره بعدها سنوات بعد إطلاق المواقع الالكتروني: مسلمون حول العالم.
ـ رابط الحوار الكامل: ( اضغط هنا ).