مسلمون حول العالم ـ خاص
أجرى الحوار: هاني صلاح ـ بريشتينا
مع بدايات الألفية الثالثة، خطتْ المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا، عبر دار النشر (المعرفة الإسلامية) التي كانت قد تأسست في 1993م، خطوات متسارعة غير مسبوقة على درب تحقيق نهضة ثقافية في مجال التأليف والنشر المطبوع في العلوم والمعارف الدينية الإسلامية، أثمرت عن طفرة إبداعية وعددية غير مسبوقة.
فقد مثَّل رحيل الصرب عن كوسوفا بداية حقيقية لنهضة غير مسبوقة في مجال المطبوعات الإسلامية، وتزايدت في أجواء الحرية مساحات ومجالات النشر بمرور الوقت، خاصة مع حصاد الكفاح الوطني الطويل لشعب كوسوفا بإعلانها الاستقلال رسميًّا عن صربيا من جانب واحد في 17 فبراير 2008م، واعتراف غالبية دول الاتحاد الأوروبي بها مع دول عديدة حول العالم، بلغت في هذه الأونة أكثر من 100 دولة.
وبالتوازي مع إصدار المؤلفات والكتب الدينية والثقافية في مختلف فروع المعرفة الأساسية؛ حقق الإعلام الديني المطبوع التابع للمشيخة الإسلامية، ويصدر عن دار النشر “المعرفة الإسلامية”، وعبر ثلاث دوريات تعد الأقدم باللغة الألبانية في منطقة البلقان تطور كبير في المحتوى والتوزيع والانتشار في غرب البلقان وفي أوساط الجاليات الألبانية المهاجرة حول العالم.
مظاهر هذه النهضة الثقافية في النشر المطبوع سواء في إصدارات المؤلفات الدينية والثقافية أو الدوريات الإعلامية الإسلامية، ظهرت بوضوح في ثلاثة مسارات رئيسية ضمن منظومة نجاح غير مسبوق حققتها دار النشر “المعرفة الإسلامية”، وهي: “تكوين كادر مؤهل ومبدع في مبادراته وأطروحاته العلمية والثقافية، بجانب طفرة في كثرة عناوين المؤلفات بشكل غير مسبوق تغطي كافة مساحات اهتمام القُرّاء وتروي شغفهم للمعرفة، وبالإضافة لريادة في الإعلام المطبوع حققته دوريات ثلاث على مدار سبعة عقود، ساهمت -بشكل كبير- في الارتقاء بالحياة الثقافية في أوساط الشعوب الألبانية داخل كوسوفا وخارجها في غرب البلقان”.
حول بدايات النهضة الثقافية في المعارف والعلوم الدينية، التي فجرتها المشيخة الإسلامية في كوسوفا بمؤسساتها وكوادرها ومشروعاتها، وأحدثت فيها طفرة هائلة بعد رحيل الصرب، وكيف تطورت على مدار سبعين عامًا، وانجازاتها التي تحققت، والتحديات التي تواجهها؛ كان لـ”مسلمون حول العالم” هذا الحوار الخاص مع الإعلامي رمضان اشكودرا، رئيس دائرة النشر والثقافة في رئاسة المشيخة الإسلامية..
“رامضان اشكودرا”.. في سطور
ـ مدير أنشطة الثقافة والنشر في رئاسة المشيخة الإسلامية في كوسوفو منذ عام 2019م.
ـ شغل في وقت سابق منصب مدير الثقافة بالمشيخة الإسلامية في كوسوفا.
ـ قبل هذا عمِل صحفيًّا في دائرة المعلومات التابعة لرئاسة المشيخة الإسلامية في كوسوفا، وكذلك في مجلة “المعرفة الإسلامية” المطبوعة الشهرية.
ـ تخرج في قسم اللغات الشرقية في كلية اللغات بجامعة بريشتينا الحكومية، وحصل على الماجستير في تخصص التاريخ المعاصر.
وإلى الحوار..
ـ أهلًا بكم أستاذ رمضان في حوارنا حول أنشطة الثقافة والنشر التابعة للمشيخة الإسلامية في كوسوفا.
أشكركم على اهتمامكم بكوسوفا بشكل خاص والبلقان بشكل عام، وأود أن أهنئكم على العمل الذي تقومون به لتقديم أعمال وأنشطة مؤسساتنا للجمهور العربي، وأرى أن عملكم يمثل دفعة جديدة في توثيق العلاقات بين شعب كوسوفا والشعوب العربية.
ـ نود نبذة تاريخية عن الأنشطة الثقافية والإعلامية للمشيخة الإسلامية في دولة كوسوفا، كيف بدأت وتطورت؟
بالنسبة لنشاطات النشر داخل مؤسسات المشيخة الإسلامية في كوسوفا، أود -في بداية حديثي- لفت الانتباه إلى أن انطلاق وتطور المطبوعات الإسلامية باللغة الألبانية في الأبجدية اللاتينية في بلادنا كان وثيق الصلة بمصير شعبنا وأمتنا.
فنتيجة للظروف التاريخية والسياسية التي تعرضت لها كوسوفا والمناطق الألبانية الأخرى إثر تقسيم ألبانيا عام 1913م، أضحتْ نصف الأراضي الألبانية وسكانها خارج الحدود السياسية لألبانيا (الدولة الأم)، وذلك لصالح دول البلقان المجاورة في ذلك الوقت: اليونان وصربيا، وعاشت كوسوفا -ومعها مناطق الألبان الأخرى التي وقعت تحت سيطرة الصرب- فترة صعبة وغير مستقرة، وذلك في النصف الأول من القرن العشرين؛ لذا فقد تأخرت نشاطات النشر عندنا في كوسوفا إلى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا السياق التاريخي، بدأت نشاطات النشر للمشيخة الإسلامية في كوسوفا في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما اتخذت رئاسة المشيخة الإسلامية قرارًا تاريخيًّا ببدء تأليف الكتب الإسلامية باللغة الألبانية في الأبجدية اللاتينية، والتي لم تكن مستخدمة في المؤلفات الإسلامية في كوسوفا قبل ذلك، حيث كانت اللغة الألبانية خلال الحقبة العثمانية السابقة تكتب بالأبجدية العربية.
جاء هذا التحول استجابة للواقع الجديد للشعوب الألبانية في كافة مناطق غرب البلقان، فبعد مغادرة الدولة العثمانية للمنطقة في عام 1912، تحولت دولة ألبانيا لكتابة لغتها الألبانية في الأبجدية اللاتينية أولًا، ثم تبعتها لاحقًا الشعوب الألبانية التي بقيت داخل الحدود السياسية ليوغوسلافيا السابقة، وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، سواء في كوسوفا أو إقليم أولتشيني في جمهورية الجبل الأسود، أو إقليم برشيفا داخل جمهورية صربيا نفسها.
وبدأت المشيخة الإسلامية في كوسوفا رسالتها الإسلامية في مجال الكلمة المطبوعة في النصف الثاني من القرن العشرين باستخدام اللغة الألبانية في تأليف الكتب الدينية؛ تلبية لاحتياجات الألبان المسلمين الذين بقوا خارج حدود دولتهم الأم (ألبانيا) في أنحاء يوغوسلافيا.
في البداية، تم التركيز على المبادئ الأساسية للدين الإسلامي كالعقيدة الإسلامية، والعبادات، وبعض سور القرآن الكريم القصيرة والأدعية اللازمة.
في هذا السياق، قامت المشيخة الإسلامية في كوسوفا عام 1957م بطباعة أول كتاب ديني باللغة الألبانية تضمن كل هذه الأشياء، وهو كتاب الميهال الصغير (علم الحال)، وبمرور الوقت تم إضافة موضوعات دينية أكثر عمقًا وفقًا تطور احتياجاتنا، وتم طباعة كتاب الميهال الكبير.
وهكذا، ركزت نشاطات النشر وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي على المعرفة الأساسية بالدين الإسلامي من خلال كتيبات ومطويات صغيرة؛ تلبية لاحتياجات الألبان في كوسوفا وكافة أنحاء يوغوسلافيا السابقة في تلك الأوقات.
بدءًا من منتصف الثمانينيات، شهدت نشاطات النشر المطبوعة تطورًا جديدًا كانت الساحة الإسلامية في كوسوفا في حاجة إليه، وهو دخولها إلى مجال ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألبانية، في مرحلة تراجع فيها -بشكل كبير وغير مسبوق في تاريخ كوسوفا- الإلمامُ باللغة العربية، فكانت أولوياتنا في هذه الفترة هي إتاحة الفرصة لكل بيت ألباني في يوغوسلافيا للاطلاع على القرآن الكريم بالأبجدية اللاتينية الجديدة للغة الألبانية.
في هذا السياق، قامت المشيخة الإسلامية -وخلال فترة ثلاث سنوات- بطبع ترجمتين لمعاني القرآن الكريم في اللغة الألبانية؛ الأولى للعالم المشهور أستاذ فتحي مهديو في عام 1985م، والثانية للعالم الكبير -الذي يوصف بأستاذ العلماء في كوسوفا- الشيخ المعلم شريف أحمدي في عام 1988 مع شرح مختصر للآيات.
في هذه الفترة التي كانت كوسوفا تتمتع فيها بميزة الحكم الذاتي في إطار يوغوسلافيا السابقة، شهدت نموًّا وتطورًا تدريجيًّا في مجال النشر للمؤلفات الإسلامية المطبوعة، خاصة أن كثيرًا من كوادر المشيخة الذين درسوا في الجامعات الإسلامية بالدول العربية، سواء في مصر أو العراق أو ليبيا وغيرها، بدوءا في العودة لكوسوفا والإسهام في النهوض الديني والثقافي في إطار مؤسسات المشيخة الإسلامية في كوسوفا.
مع نهاية العقد الثامن من القرن العشرين وبدايات العقد التاسع والأخير، وعلى مدار هذه السنوات حتى رحيل الصرب في عام 1999، شهدت كوسوفا فترة تعد من أصعب فتراتها، حيث ألغيت ميزة الحكم الذاتي في عام 1989م، ثم تفككت يوغسلافيا بعدها سنوات، وبدأ مشروع جدي من قبل ألبان كوسوفا نحو التحرير الوطني. في هذه الآونة، بدأت المشيخة الإسلامية كذلك مشروعها للاستقلال بمؤسساتها التعليمية والدعوية وغيرها في إطار وطني، وليس كما كانت من قبل تابعة للمشيخة الإسلامية في سراييفو خلال الحقبة اليوغوسلافية.
في هذا الإطار، أطلقت مشاريع عديدة في خطوة مبكرة سايرت التغييرات السياسية السريعة في منطقة البلقان، وكان من بينها تأسيس دار النشر “المعرفة الإسلامية” التي كانت مهمتها المطبوعات الإسلامية، ووضع رؤية استراتيجية لاحتياجات المشيخة الإسلامية في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ كوسوفا وتاريخ البلقان بشكل عام، وبدأت مرحلة جديدة من التوسع في نشر المطبوعات الإسلامية المختلفة.
ومع ذلك فقد مثَّل رحيل الصرب عن كوسوفا بداية حقيقية لنهضة غير مسبوقة في مجال المطبوعات الإسلامية، وتزايدت في أجواء الحرية مساحات ومجالات النشر بمرور الوقت، خاصة مع حصاد الكفاح الوطني الطويل لشعب كوسوفا بإعلانها الاستقلال رسميًّا عن صربيا من جانب واحد في 17 فبراير 2008م، واعتراف غالبية دول الاتحاد الأوروبي بها مع دول عديدة حول العالم، بلغت في هذه الأونة أكثر من 100 دولة.
وبشكل غير مسبوق وصل عدد عناوين المطبوعات الإسلامية لأكثر من 300 عنوان في مجالات العلوم الإسلامية: الدينية والثقافية واللغوية والتاريخية وغيرها. وهذا الإنجاز غير المسبوق في مجال نشر المطبوعات الإسلامية لم يكن ليتحقق في ظل حقبة الاحتلال الصربي لكوسوفا، وهذا ما دفعني للقول في بداية حديثي وردًّا على سؤالكم بأن مصير المؤلفات الإسلامية المطبوعة ارتبط منذ البداية بمصير كفاح الشعب الألباني المسلم في كوسوفا.
ـ نود التعرف على الدوريات الإسلامية التي تصدرها المشيخة الإسلامية في كوسوفا، خاصة أنها بدأت في فترة مبكرة وتطورت بمرور الوقت.
هذا صحيح، الدوريات الإسلامية التي بدأت المشيخة في إصدارها تدريجيًّا تعد الأقدم في منطقة البلقان بالنسبة للدوريات التي تصدر في اللغة الألبانية، وتم الاعتماد على هذه الدوريات في البداية في توصيل رسالة الإسلام عبر الكلمة المطبوعة.
وقد لعبت هذه الدوريات دورًا بارزًا رئيسيًّا في إعداد كوادر المشيخة وتدريبها في مساحة الكلمة المطبوعة؛ وهو الأمر الذي انعكس إيجابًا وبشكل كبير في كافة مجالات النشر المطبوعة، سواء في المؤلفات والكتب الإسلامية أو غيرها من المقالات والأبحاث والدراسات التي تقدم في مؤتمرات وطاولات مستديرة، وفي فعاليات ثقافية وعلمية مختلفة وعديدة.
وبدأت المشيخة الإسلامية في إصدار الدوريات الإسلامية المطبوعة منذ بدايات العقد السابع من القرن الماضي، أي قبل أكثر من خمسين سنة، وهي كالتالي:
1 ـ التقويم السنوي:
يصدر التقويم سنويًّا بداية كل عام ميلادي، ويتألف من جزأين؛ يتضمن الجزء الأول مواقيت الصلوات للعام الكامل. أما الجزء الثاني فيتضمن عدة مواضيع علمية في المجال الديني والتربوي والتعليمي والثقافي من منظور العلوم الإسلامية. وكان أول إصدار للتقويم في عام 1970م.
2 ـ مجلة “التربية الإسلامية”:
صدر أول عدد لمجلة “التربية الإسلامية” في عام 1971م، وذلك كمجلة دورية تصدر كل ثلاثة أشهر، وكانت أول مجلة دينية (والوحيدة في ذلك الوقت) تصدر باللغة الألبانية في كوسوفا والمناطق الألبانية في غرب البلقان، مثل: ألبانيا، ومقدونيا الشمالية، والجبل الأسود، وإقليم برشيفا الألباني في جنوب صربيا. وعلى مدار أكثر من خمسة عقود ساهمت في الارتقاء بالوعي الديني والثقافي في أوساط الشعوب المسلمة الناطقة بالألبانية في البلقان، وخارجها في أوساط الجاليات الألبانية المهاجرة.
3 ـ مجلة “المعرفة الإسلامية”:
مثَّل شهر يونيو من عام 1986 إنجازًا جديدًا للمشيخة الإسلامية في كوسوفا، وخطوة مهمة في مجال الصحافة الإسلامية باللغة الألبانية، حينما صدر العدد الأول من هذه المجلة كدورية دينية وإخبارية ربع سنوية؛ لتصبح بعد إصدار العدد 18 مجلة شهرية دينية ثقافية علمية، وأضحت منبرًا حقيقيًّا للفكر الإسلامي الألباني في مساحة الكلمة المكتوبة، ونموذجًا للمجلات والصحف الإسلامية باللغة الألبانية في جميع أنحاء الأراضي الألبانية في غرب البلقان، وفي أوساط الجاليات الألبانية المهاجرة حول العالم، وساهمت في نشر المعرفة الإسلامية والعامة ما يقرب من أربعة عقود إلا قليلًا.
وقد لعبت هذه الدوريات المطبوعة دورًا حاسمًا ومحوريًّا في التعريف بالإسلام في أوساط الشعب الكوسوفي، وكذلك في أوساط ألبان يوغوسلافيا السابقة، واليوم توسع نطاق تأثيرها لتصل إلى الجاليات الألبانية المهاجرة حول العالم، وتعد من أقوى أدوات المشيخة الدينية والثقافية والإعلامية في مجال الكلمة المطبوعة، والتي أضحت تصدر –كذلك- بشكل رقمي عبر موقعها الإلكتروني.
ـ بعد مرور أكثر من نصف قرن على إصدار أول دورية مطبوعة في كوسوفا وكامل الأراضي الألبانية في غرب البلقان، كيف تنظرون إلى هذا الإرث الثقافي في مجال الإعلام المطبوع اليوم من خلال مسار التقييم والتطوير؟
اليوم، ومنذ عدة سنوات، ونظرًا لثراء وأهمية وقيمة محتوى هذه الدوريات المطبوعة الثلاث، فقد سعينا لإعادة تقييم دورها وبحث سبل تطويرها، وذلك من خلال عدد من الوسائل والفعاليات العلمية والعملية معًا، والتي قمنا بتنظيمها في السنوات الماضية، ومن أبرزها:
1 ـ تجميع الإصدارات السابقة: حيث قمنا في السنوات الماضية وعبر دار نشر “المعرفة الإسلامية” بإصدار مجلدات مطبوعة متسلسلة اشتملت على الإصدارات السابقة لهذه الدوريات.
2 ـ تنظيم مؤتمرات علمية حول الدوريات المطبوعة: فقد عقدنا ثلاثة مؤتمرات علمية في الذكرى الخمسين لدورية التقويم، وكذلك لمجلة التربية الإسلامية، ثم في الذكرى الثلاثين لمجلة المعرفة الإسلامية، وشارك عشرات من الباحثين والكتًاب والمتخصصين بأبحاثهم في هذه المؤتمرات العلمية التي تناولت بالتحليل محتوى هذه الدوريات الثلاث وإنجازاتها، والتحديات التي واجهتها، ومقترحات مستقبلية لتطويرها. وقد صدرت أبحاث كل مؤتمر في كتاب خاص يتعلق بكل إنجازات هذه الدوريات ومحتواها وتحليله.
3 ـ تنظيم طاولات مستديرة بحثية حول الدوريات المطبوعة: عقدنا طاولة مستديرة عن الإعلام المطبوع للمشيخة الإسلامية، وقد شارك فيها باحثون متخصصون من بينهم كتًاب بهذه الدوريات الثلاث لتقييم أدائها عبر 70 عامًا، وتحليل الإنجازات والتحديات، ووضع رؤية مستقبلية لتطويرها في ظل تحديات العولمة الحديثة ومستجدات العصر.
في ختام ردي على سؤالكم عن أنشطة الدوريات المطبوعات، أود لفت الانتباه إلى أنه وفي سياق تنظيم الأنشطة الثقافية والعلمية، قامت المشيخة الإسلامية في كوسوفا وعبر إدارة النشر “المعرفة الإسلامية” بتنظيم سلسلة من الفعاليات والأنشطة الثقافية والعلمية، مثل: المؤتمرات، والطاولات المستديرة، والدورات العلمية.
وقد ركزت هذه الأنشطة والفعاليات على إبراز دور شخصيات إسلامية مهمة في تاريخنا الإسلامي الحديث في كوسوفا، وكذلك تناولت في بعض الأحيان إصدارات هامة حديثة من الكتب التي تناولت موضوعات دينية محورية كترجمة معاني القرآن الكريم. وكثير من هذه المؤتمرات والطاولات المستديرة صدرت أبحاثها في كتب خاصة مطبوعة عن دار النشر “المعرفة الإسلامية”. هذا بالإضافة لتنظيم العديد من المسابقات والمعارض الثقافية المصورة.
ـ ما التحديات التي واجهتكم في مساركم التاريخي في مجال النشر المطبوع؟
كل وظيفة، وكل مهمة، وكل نشاط له بالتأكيد تحدياته الخاصة، ولكن حيثما يوجد إخلاص وتفان ورؤية للمستقبل والتطوير تتشكل الأشياء بطريقتها الخاصة.
إذا تحدثنا هنا عن نشاطات النشر المطبوع، فقد أصبح الأمر أسهل الآن بكثير بالنسبة لنا، في حين كان يمثل تحديًا كبيرًا أمام المبادرين من الجيل السابق من قادة المشيخة الإسلامية في كوسوفا قبل سبعين عامًا.
هنا أذكر بافتخار وإجلال الشيخ شريف أحمدي -الذي ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألبانية مع تفسير مختصر للآيات- فدوره لم يكن فقط في المبادرة وبدء سلسلة الدوريات الإسلامية المطبوعة، بل في تجسيد هذه المبادرة من خلال حياته وقلمه وخطبه، وقيادة هذه المبادرة باقتدار ونجاح باهر كبير، بل والأهم من كل هذا في إعداده كوكبة رائدة من الأقلام الشابة الألبانية ودفعها في مجال الكتابة في الموضوعات الإسلامية، وهي التي قادت لفترة طويلة مؤسسات ومشروعات وأنشطة المشيخة الإسلامية على مدار عقود متتالية، ومن بينها هذه الدوريات الثلاث المطبوعة.
وأذكر من هذه الأسماء التي تربت في مدرسة الشيخ شريف أحمدي: الأكاديمي كمال موريني -رحمه الله- الذي كان رئيس قسم اللغة العربية ونائب العميد لكلية الدراسات الإسلامية التي تأسست في عام 1992م. وكذلك رُوّاد المشيخة الإسلامية من الجيل الأول مثل: خير الله هوجا، ورسول رجب، وآفي ألياون.
وعودة للإجابة على سؤالكم حول التحديات الحالية، فاليوم لدينا تحديان أساسيان هما:
1 ـ التحدي الأول: يتمثل في اختيار موضوعات المؤلفات الإسلامية التي ننشرها. ولتوضيح ذلك، فمجال النشر في كوسوفا وكافة المناطق الألبانية الأخرى في غرب البلقان قد اتسع ودخل فيه كثير من دور النشر المختلفة، وأصبحت هناك رؤًى وأيدولوجيات عديدة تنعكس في نوعية الكتب التي تصدر عن دور النشر الأخرى، والتي لا تكون تحت متابعتنا وتقييمنا.
لذا أضحى في سوق الكتاب والمؤلفات الدينية الإسلامية كتب صدرت عن دور نشر حديثة متعددة، والتي لا علاقة لها بالواقع والتقاليد الإسلامية في بلدنا، ولا تراعيهما، وتترك آثارًا سلبية في الواقع الثقافي الديني في مجتمعنا الكوسوفي الذي انفتح بشكل واسع على العالم بشكل غير مسبوق بعد رحيل الصرب عن بلادنا، وزوال همينتهم المتسلطة على ثقافتنا وديننا.
بعد ذلك، يجب أيضًا مراعاة تحقيق ضوابط النشر، مثل: مستوى اللغة، ومستوى الإدراك المهني والتقني والجمالي؛ من أجل تلبية احتياجات مواطنينا من الأدب والدوريات بأفضل صورة ممكنة، وبأكبر قدر ممكن من المسئولية، مما يجعلهم يسعون جاهدين من أجل التعليم المناسب والتعرف على عقيدتهم، بعيدًا عن الاستقطابات والتسييسات المحتملة التي تتم باسم الدين. فمن مسئوليتنا الإسلامية الاهتمام بما نقدمه لقُرَّائنا سواء من حيث المذهب أو العقيدة.
2 ـ التحديث الثاني: متعلق بجودة المحتوى وشكله، من حيث المضمون العلمي ومستوى اللغة المكتوبة، وجودة الطباعة وغيرها؛ فهذه أمور هامة ضرورية تحقق الهدف العام من الارتقاء بالمستوى الثقافي للجمهور، وتحفيزه، وجذبه نحو اقتناء المؤلفات الجديدة التي تصدر في السوق في كل عام.
ـ وماذا عن النجاحات التي تحققت حتى اليوم من وجهة نظركم؟
هنا، وبكل أمانة ومسئولية، نؤكد بأن مجال التآليف المطبوعة شهد تطورًا تاريخيًّا لم يشهده من قبل، ونرى أن النجاحات التي تحققت في مجال النشر سواء للدوريات المطبوعة أو المؤلفات الدينية والثقافية كثيرة، ولكن أشير هنا لثلاثة مسارات محورية في منظومة نجاحنا:
ـ الكادر المبدع: فقد توفر لدينا على مدار عقود متتالية كادر كبير مؤهل ومبدع في مبادراته وأطروحاته العلمية والثقافية، الأمر الذي انعكس في المحتوى الذي تقدمه الدوريات المطبوعة الثلاث أو في الكتب الجديدة التي تصدر عن دار النشر “المعرفة الإسلامية”.
ـ كثرة العناوين: فقد توفر لدينا -ولأول مرة- رقم كبير من عناوين المؤلفات الدينية والثقافية والعلمية والتاريخية والحضارية واللغوية بشكل غير مسبوق تخطى حاجز الـ300 عنوان، تغطي كافة مساحات اهتمام القراء وتروي شغفهم للمعرفة.
ـ ريادة في الإعلام المطبوع: حققته الدوريات الثلاث المطبوعة على مدار سبعة عقود، وحققت مستوًى عاليًا من الإعلام الإسلامي الديني والثقافي، بل والعلمي والمعرفي، ساهم وبشكل كبير في الارتقاء بالحياة الثقافية في أوساط الشعوب الألبانية داخل كوسوفا وخارجها في كافة مناطق الألبان في غرب البلقان، وكذلك في أوساط الجاليات الألبانية المهاجرة حول العالم.