مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

هنري ستانلي.. أول عضو مسلم في مجلس اللوردات البريطاني

بقلم الدكتور مجدي سعيد الكاتب الصحفي المقيم في لندن

مسلمون حول العالم ـ متابعات

في هذا المقال، ضمن سلسلة #قصص_ومعان_4، يسلط الدكتور مجدي سعيد الضوء على حياة اللورد هنري ستانلي، أول نبيل مسلم في مجلس اللوردات البريطاني.

يبرز المقال أهميته التاريخية في تسليط الضوء على التعددية الدينية في المؤسسات البريطانية، ودوره الفريد في الدفاع عن العدالة الاجتماعية وحقوق المسلمين ضمن السياسات الاستعمارية الأوروبية. كما يوضح كيف اجتمع فيه العلم والدبلوماسية والإيمان، ليصبح نموذجًا للتعايش بين القيم الدينية والسياسية والاجتماعية في القرن التاسع عشر، مع إسهامه في تعزيز الحوار بين الشرق والغرب.

هنري ستانلي.. أول عضو مسلم في مجلس اللوردات البريطاني

ـ بقلم/ الدكتور مجدي سعيد ـ كاتب صحفي مقيم في لندن

عندما عرضت سلسلة “مسلمو العصر الفيكتوري” على قناة الجزيرة الوثائقية في رمضان الماضي (فبراير 2025)، تعرف المشاهد العربي على كل من روبرت رشيد ستانلي، وعلى اللورد هيدلي، ضمن 6 من أشهر من عرفوا طريقهم للإسلام من البريطانيين في ذلك العصر، لكن ما لم يعرفه المشاهد، أن هناك ستانلي آخر، ولورد آخر سبق كل تلك الكوكبة التي تناولتها السلسلة إلى الإسلام. إنه الدبلوماسي والمترجم والكاتب والنبيل بالوراثة، اللورد هنري إدوارد جون ستانلي Henry Edward John Stanley، وهو البارون ستانلي الثالث لألدرلي Alderley والبارون الثاني لإديسبري Eddisbury.

سيرة ومسيرة

ولد هنري في يوليو من عام 1827 في تشيشاير، شمال غرب إنجلترا، كان والده إدوارد، فضلا عن كونه بارونا، عضوا بالبرلمان البريطاني عن حزب الأحرار، بينما كانت والدته البارونة هاريتا ماريا من المناضللات من أجل تعليم المرأة، وكان هنرى هو أكبر أبنائهم.

تلقى هنري تعليمه في مدرسة إيتون المرموقة، ثم في كلية ترينيتي بجامعة كمبريدج، وقد عانى منذ طفولته من ضعف في السمع، وتميز بطبيعته الانطوائية، وهي الطبيعة التي حفزته على القراءة وحببت إليه الحكايات الغريبة في كتاب ألف ليلة وليلة، فضلا عن كتابات الرحالة عن آسيا وأفريقيا، وقد قاده هذا إلى دراسة اللغة العربية في جامعة كمبريدج في 1846/ 1847.

وفي عام 1847 التحق بالعمل كمساعد كاتب ملخصات في مكتب وزير الخارجية البريطاني اللورد بالمرستون، في وقت كانت علاقة بريطانيا (والقوى الأوروبية، خاصة فرنسا وروسيا) مضطربة، وهي الفترة التي عرف فيها موقف تلك القوى بالإمبراطورية العثمانية باسم “المسألة الشرقية”، حيث كانت تلك القوى تدعم انفصال الشعوب المسيحية في شرق أوروبا عن الدولة العثمانية.

وخلال تلك الفترة أعجب ستانلي بكاريزما بالمرستون وذكائه فضلا عن دفاعه عن الأتراك العثمانيين ووصفه لهم بأنهم “عرق متطور ومتحضر للغاية”، في حين كانت المواقف البريطانية تجاه القادة العثمانيين ودينهم الإسلامي سلبية بشكل عام. حيث كان هنرى في هذا مثل بالمرستون، يقدرالفوائد الاجتماعية والروحية التي قدمها الإسلام للعثمانيين. كما رأى أن الإمبراطورية العثمانية أكثر قبولا من التهديد الاستراتيجي والسياسي والديني الذي شكلته روسيا في الشرق.

وكما يقول المؤرخ البريطاني المتخصص جيمي جيلهام Jamie Gilham في مقاله المنشور على موقع معجم تراجم ويلز في مايو 2024، فإنه بسبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية في أوروبا عام 1848، واجه ستانلي أزمات سياسية وروحية خلال عامه الأول في العمل، حيث فقد ثقته في التوجه الليبرالي اليميني الذي ورثه عن والديه، وازداد تحفظا سياسيا وأخلاقيا.

ورغم أنه لم يفقد إيمانه بالله، إلا أن شكوكه اللاهوتية – لا سيما حول دقة الكتاب المقدس – أبعدته عن الكنيسة لأول مرة في حياته. وقد عبر عن قلقه الروحي هذا خلال زيارة له إلى باريس عام 1849، حيث تلقى هناك دروسا من شيخ صوفي مسلم، كما كانت له لقاءات مطولة مع قس كاثوليكي، لكنه عاد إلى حياته المهنية في لندن.

وفي عام 1851 عمل هنري ملحقا بالسفارة البريطانية في القسطنطينية (اسطنبول)، لكنه كره السياسات البريطانية التدخلية في الدولة العثمانية، وفي عام 1853 تولى أعمال القنصلية البريطانية في فارنا ببلغاريا العثمانية، ثم عمل سكرتيرا للمفوضية البريطانية في أثينا، من عام 1854 إلى عام 1858.

وفي النهاية أدى استياء هنري من انتقادات واستغلال البريطانيين للأتراك العثمانيين إلى استقالته من السلك الدبلوماسي عام 1858، وعاد لفترة وجيزة إلى لندن، حيث اكتسب علاقات وثيقة بالعديد من منظمات السفر والاستشراق، بما في ذلك جمعية هاكلويت Hakluyt Society، والجمعية الملكية الآسيوية، وجمعية الهند الشرقية.

وفي أواخر عام 1858، سافر في رحلة شرقية طويلة مر خلالها بمصر، ثم بجدة في شبه الجزيرة العربية عام 1849، وأثناء وجوده هناك تحدى الأعراف والتقاليد ورغبات عائلته الصريحة باعتناقه للإسلام حيث نشرت بعض الأخبار غير المؤكدة بأنه قد أدى فريضة الحج في زيارته تلك. وبينما كان في سيلان (سريلانكا الحالية) نشر خبر اعتناقه الإسلام في الصحافة البريطانية، ما أثار غضب وخجل والديه، واللذان صارا ينفيان الخبر علنيا، لكنه عبر لأخيه جوني ستانلي، الذي كان يخدم في الجيش البريطاني في الهند عن مكنون صدره قائلا: “لطالما كنت مسلمًا في قلبي”.

وفي أبريل من عام 1860 عاد إلى بريطانيا، لكنه قضى حتى عام 1869 (تاريخ وفاة والده) يتردد على سويسرا كثيرا، حيث عمل على ترجمة العديد من كتب الرحلات التي دونت خلال الفترة الاستعمارية البرتغالية والتي نشرتها جمعية هاكليوت، وهو العمل الذي استمر يقوم به حتى عام 1881.

وخلال تلك الفترة أيضا قام بتحرير كتاب “الشرق والغرب، تعاملاتنا مع جيراننا East and the West, Our Dealings with our Neighbours” وهو الكتاب الذي صدر عام 1865، ويضم بحسب غلافه مقالات لعدد من الكتب، وإن كان بعض المؤرخين يرون أنها جميعا مقالات كتبها هنري بنفسه، وتتناول المقالات العلاقة بين أوروبا والشرق في سياق السياسات الاستعمارية والإمبريالية آنذاك، وتقدم تحليلا للجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية لهذه التفاعلات، مع التركيز بشكل خاص على الإمبراطورية العثمانية ودورها في العلاقات الدولية.

أول نبيل مسلم في المملكة المتحدة

وفي عام 1869 خلف هنري والده في بارونياته بعد وفاته، كما أصبح نبيلا بالوراثة في مجلس اللوردات، وبذلك فهو أول نبيل مسلم في المملكة المتحدة.

وفي المجلس عبر عن معارضته للإمبريالية البريطانية العدوانية، وهاجم الاتفاقات الاستعمارية التي تتقاسم فيها بريطانيا وهولندا النفوذ في جنوب شرق آسيا، كما هاجم العبودية، ودافع عن رفاهية الرعايا المستعمرين، بمن فيهم المسلمون، وكانت مخاوفه تتعلق أساسا بقضايا العدالة الاجتماعية والقيم الدينية وحقوق الإنسان.

ورغم إيمانه الإسلامي إلا أنه – تماشيا مع توجهاته السياسية – دافع عن الحفاظ على كنيسة إنجلترا في ويلز، وسعى لدعم عدد من الكنائس فيها، وثار غضبا في المجلس ضد ما اعتبره “علمنة” للتعليم في إنجلترا وويلز.

وفي ديسمبر من عام 1903، توفي هنري بعد إصابته بالالتهاب الرئوي، ودفن في ضيعة ألدرلي، وأقيمت له صلاة جنازة إسلامية أشرف عليها إمام من السفارة العثمانية في لندن، كما أقام الشيخ عبد الله كويليام صلاة الغائب على روحه في مسجد ليفربول.

وقد وصفته مجلة “ريفيو أوف ريليجنز Review of Religions” الصادرة في أبريل 2004 بأنه “كان مسلما مخلصا وورعا، وهو أمر لم يكن معروفا إلا لدى قلة قليلة من الرجال، إلا أن قراء كتاب “صفوة الإتبار” (رحلات الشيخ محمد بيرم الخامس من تونس) كانوا يعلمون جيدا أن اللورد ستانلي كان مؤمنا مخلصا بمبادئ الإسلام منذ زمن طويل”.

ـ طالع المقال مع المصادر على صفحة الكاتب: ( اضغط هنا ).

التخطي إلى شريط الأدوات