مسلمون حول العالم
نافذتك إلى أخبار الأقليات المسلمة

صورة الإسلام والمسلمين في المناهج الدراسية الأوكرانية.. ماذا تعرف عنها؟

دراسة نقدية تحليلية لكتاب "تاريخ العالم" للصف الثامن الإعدادي بالمدارس الأوكرانية

مسلمون حول العالم ـ متابعات

بقلم/ الدكتور أمين القاسم ـ الباحث في تاريخ المنطقة

عندما كنت أطالع كتاب “تاريخ العالم” المدرسي لفت نظري عدد من الحقائق والمغالطات التي وردت في الكتاب، وهنا بدأت بدراسة عدد من الكتب المدرسية في الأدب والتاريخ والثقافة العامة الأوكرانية للمرحلتين الإعدادية والثانوية لما لهذه المرحلة من أهمية في تشكيل وعي الأجيال القادمة، وصنع صورة ذهنية معنية عن الإسلام والمسلمين في هذه الكتب..

وهنا أضع بين أيديكم جزء من دراسة نقدية تحليلية لي تحت عنوان: صورة الإسلام والمسلمين في المناهج الدراسية الأوكرانية.. كتاب “تاريخ العالم” للصف الثامن الإعدادي نموذجا.

ـ طالع هذه المحاور:

1 ـ نظرة على الواقع..

2 ـ التركيز على بعض المحاور..

3 ـ الخلاصة..

4 ـ التوصيات..

1 ـ نظرة على الواقع..

وقبل الولوج في الحديث عن توصيف الإسلام المسلمين في المناهج المدرسية الأوكرانية لا بد من الإشارة إلى عدد من الأمور:

ـ إن النظام في جمهورية أوكرانيا علماني، ولكن واقعيًا على المستوى التعليمي يتم تدريس مادة الدين في المدارس، ورغم ذلك يسمح لأحد الوالدين بكتابة طلب لإدارة المدرسة يلتمس فيه عدم تدريس مادة الدين لأبنائه إذا رغب في ذلك.

ـ كذلك كان يعيش في أوكرانيا قبل الحرب على البلاد عام 2022م حوالي مليون مسلم، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الوجود الإسلامي في أوكرانيا أصيل متجذر بحكم وجود حوالي نصف مليون تتري مسلم أوكراني يعيشون منذ قرون في جنوب وشرق البلاد.

ـ ومن ناحية أخرى نشير إلى أن تاريخ أوكرانيا وشعبها وتفاعله مع التواجد الإسلامي في الحدود الجغرافية الحالية للبلاد، وكذلك من خلال العلاقة مع دول الجوار آنذاك من خلال “القبيلة الذهبية” بعد إسلام حكامها في القرن الثالث عشر، و”خانية القرم” و”الدولة العثمانية”، كذلك كانت هذه العلاقة خلال مراحل التاريخ إيجابية بشكل عام.

ـ صادقت “وزارة التعليم والعلوم” الأوكرانية على إصدار عدد من المؤلفات للمادة الدراسية الواحدة، فمثلا توجد ثلاثة عشر إصدارًا مختلفًا لكتاب “تاريخ العالم” للصف السابع الإعدادي لمؤلفين متنوعين، وهنا نجد تباينًا واضحًا في النصوص العلمية عن الإسلام والمسلمين في هذه النسخ تتراوح بين النصوص الإيجابية والمحايدة والسلبية، لكننا لم نلحظ توجهًا عدائيًا عامًا في هذه النصوص، نذكر هنا أن الحديث عن المناهج المدرسية المطبوعة بعد عام 2020م، والتي ما تزال مستخدمة إلى لحظة كتابة هذا المقال.

ـ مصادر الإسلام في اللغة الأوكرانية في المناهج المدرسية القديمة كانت من الثقافة والمصادر الروسية، والتي كان أغلبها نقلا عن المصادر السوفيتيية فقط، لكن قبل عشرون عاما أصبحت تتجه النصوص التعليمية إلى الأخذ من المستشرقين الأوكران – أمثال: أغاتانغيل كريمسكي (1871- 1942م) وميخائيلو ياكوبوفيتش (مواليد 1986م)، وكذلك الإقتباس من كتابات المستشرقين الأوروبين، ومن بعض الكتاب والمؤرخين القرميين التتار.

2 ـ التركيز على بعض المحاور..

وهنا أحاول التركيز على بعض المحاور في مناهج دراسة الإسلام في الكتب المدرسية الأوكرانية من خلال استعراض وتتبع محتويات ما ورد في هذه الكتب:

ـ الإسلام:

يأتي ذكره في أغلب هذه المناهج على أنه ” أحد أكبر الأديان في العالم”، وفي مواضع أخرى: “دين ابتكره محمد الذي ادعى أنه نبي”، ” مؤسس دين الإسلام محمد”، ويتم إبراز تعريفات لبعض المصطلحات مثل: أركان الإسلام، الجهاد، الغزو، الخلافة، وغيرها. أحد الكتب المدرسية شرح بأن الزكاة هي خمس المال.
“ساهم الدين الإسلامي التوحيدي الجديد في توحيد القبائل العربية”، و”لم يفرض العرب عقيدتهم على الآخرين بالقوة”.

لكن أغلب الكتب المدرسية تبدي احتراما للإسلام، وتقدمه على أنه دين توحيدي عالمي، مع عرض صور للكعبة، وجامعة القرويين، مساجد اسطنبول، وصفحات من القرآن الكريم.

ـ القرآن:

يتم تعريف القرآن لغويا تعريفا مقبولا، كذلك ذكر بأن “القرآن كتاب الله للمسلمين”، و”القرآن: أقدس كتاب لدى المسلمين”، وأنه “يحوي الخطب التي ألقاها النبي محمد”، و”محتويات القرآن هي نبوءات محمد”، “القرآن يحوي على القواعد الدينية الرئيسية والآداب والنبؤات”، كما تم وضع صور لبعض صفحات من القرآن الكريم كسورة الفاتحة وأوائل البقرة، ونجد في بعض المناهج من اختار إبراز الآية الأولى من سورة الأنفال “ويسألونك عن الأنفال..” مع ترجمتها للأوكرانية.

ـ محمد صلى الله عليه وسلم:

هذه بعض النصوص التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المناهج المدرسية الأوكرانية، وقد عرّفته بأنه “شخص يدعي علاقة بينه وبين الذات الإلهية”، “وكلمة محمد تعني “الموحى إليه” أو “النبي”.

“درس محمد اليهودية والمسيحية ثم أوجد الإسلام”، “محمد تزوج من خديجة الأرملة الغنية، وأصبح بعدها تاجرا وثريا”.

“دعا محمد إلى التعامل مع أهل الكتاب بالحسنى ومع المشركين بالإستئصال والإبادة”، دعا محمد إلى مساعدة الفقراء والأيتام والأرامل ولفداء العبيد وتحريرهم”.

“كان حل محمد لمشكلة وضع الحجر الأسود في مكانه – في الكعبة- بين قبائل قريش حكيما وسليما”.

لكن تم نشر رسمين قديمين في كتابين للنبي عليه الصلاة والسلام تعودان للقرن 14م، الأولى وهو على المنبر يلقي خطبة، والثانية للنبي مع جبريل عليهما السلام.
المجتمع

ومن باب “التعددية الثقافية” جاء في أحد كتب القراءة للصف الثالث الإبتدائي رسم لفتاة صغيرة بالحجاب.

وفي بعض النصوص الواردة يتم مناقشة وجود صراع بين الصحابة ومشركي قريش في مكة على أنه خلاف طبقي بين الأغنياء والفقراء.

كذلك تم الإشارة إلى وضع المرأة في الإسلام في أكثر من نص بشكل إيجابي عموما، حيث أعطاها الإسلام حقوقا قانونية كثيرة، فهذه المناهج لا تقدم صورة مشوهة عن المراة المسلمة.

ـ علاقة الإسلام مع الأديان الأخرى:

تسلط كتب التاريخ في المدارس الإسلامية الضوء على موضوع التوسع الإسلامي والفتوحات العربية، وتنشر خرائط لذلك. وهناك عدم الدقة في التعريف ببعض الصور المرفقة للنص.

كما نلحظ دائما وجود صورة نمطية لربط العرب والمسلمين بالصحراء، فنادرا ما يخلو بحث عن الإسلام والمسلمين من صورة للصحراء والجمال والنخيل..

لا تتجاهل هذه الكتب إسهامات العلماء المسلمين وإنجازاتهم الحضارية، وأنهم كانوا روادا حقيقيين في مجالات علمية كثيرة كالجبر والفلك والفلسفة والطب والعمار، وتشير إلى أن اسبانيا أصبحت في القرون الوسطى مركز إشعاع حضاري بسبب انتشار العلم والعلوم الإسلامية.

تفسير الفتوحات الإسلامية على أن العرب أصبح عددهم أكثر وأصبحوا بحاجة إلى أرض أكبر!

“سيطرت الخلافة في القرن الثامن على أراض في آسيا وأوروبا وافريقيا، ومع مرور الزمن تقبل العرب المنجزات الحضارية الإيجابية بين الشعوب الأصلية”.

لا تميز نصوص الكتب المدرسية بين الحضارة العربية والحضارة الإسلامية وتنسب جميع المنجزات العلمية والحضارية إلى ماتسميه “الحضارة والدولة العربية” فقط.

كذلك تذكر هذه الكتب تاريخ الدول: العثمانية والمغولية والخانية القرمية التترية، بشكل من التفصيل والموضوعية عموما.

ومن الأخطاء المفاهيمية في الكتب المدرسية ذكر كتاب “ألف ليلة وليلة” واتخاذه أنموذجا للأدب العربي، وهو ليس كذلك من حيث المحتوى، كما أنه يعطي صورة مغلوطة عن حياة الخلفاء المسلمين، بتصويرهم مستغرقين في الترف واللهو والمجون، وكأنه مرآة للمجتمع الإسلامي آنذاك.

تم الإشارة إلى أنه توجد في اللغة الأوكرانية مئات الكلمات التي تعود جذورها إلى اللغات العربية والتركية والفارسية.

3 ـ الخلاصة..

من خلال تحليل كتب المناهج المدرسية الأوكرانية الحديثة ونوصوصها نجد أنها تتناول الإسلام بشيء من الحيادية، ولا يوجد تحيز مقصود في المناهج ضد الإسلام.

واضعوا المناهج المدرسية يتصفون عموما بالمهنية، لكن قد ينقصهم الكتب والمراجع باللغة الأوكرانية، وهذا قد يفسر الخلط في بعض المعلومات لمفاهيم.

4 ـ التوصيات..

إن معرفة تاريخ وواقع الإسلام والمسلمين في أوكرانيا والعالم يقوي التفاهم المتبادل والتلاحم بين التلاميذ الأوكرانيين ونظرائهم من ذوي الخلفيات المسلمة، وذلك حين يدركون أن كلا منهما قريب من الآخر رغم كل الاختلافات، وهنا نوصي بالتالي:

1 ـ ضرورة تثقيف التلاميذ والطلبة الأوكران عن الإسلام والمسلمين، وتنظيم برامج لزيارة المراكز الإسلامية والمساجد المتاحة للتعرف بشكل أكبر على المسلمين وثقافتهم.

2 ـ معظم المدرسين يفتقرون إلى المعلومات والتدريب الكافي عن الإسلام والمسلمين في العالم، لذلك ينبغي على الإتحادات ومجالس المسلمين النهوض بهذه المهمة لتنظيم دورات تعريفية عن الثقافة الإسلامية للمدرسين.

3 ـ كتابة وترجمة المزيد من الكتب المرجعية عن الإسلام والمسلمين وثقافتهم وتاريخهم إلى اللغة الأوكرانية.

4 ـ تزويد مكتبات المدارس والجامعات ومراكز الأبحاث ذات الصلة، بانتظام، بالكتب والمراجع التي تسهم تدريجيا في تعديل مسار تدريس الإسلاميات إلى نهج الصواب.

5 ـ عقد المؤتمرات العلمية التي تتناول الشؤون الإسلامية بالدراسة والتحليل، كذلك حرص المسلمين المعنيين على حضور هذه المؤتمرات التي تعقدها الجامعات والمعاهد الأوكرانية، وذلك لإبراز وجهة النظر الإسلامية، وتصحيح تصورات ومعلومات من يسمّون بالخبراء في شؤون الإسلام في أوكرانيا.

6 ـ مخاطبة وزارة التعليم والعلوم الأوكرانية عبر لجنة من المتخصصين المسلمين في فروع علوم التاريخ والإسلام والثقافة والفلسفة للوقوف على الأخطاء والملاحظات في المناهج الدراسية، ورفع كتاب للوزارة لإعادة النظر في صياغة المواد التاريخية، وما من شأنه الإساءة إلى الإسلام والشعوب المسلمة التي تعيش على الأراضي الأوكرانية. وأظن أن الوزارة لا تمانع في ذلك على أن تراعي النصوص المعدلة لغة وفلسفة التعليم، ولا تكون النصوص المعدلة المقترحة بأسلوب ديني محض.

إن صورة الثقافة العربية الإسلامية وعرض الإسلام وتاريخه في المادة التدريسية وكتب التاريخ المدرسية في أوكرانيا توحي بأنها مستسقاة من قراءات تاريخية غير دقيقة، فهي ما زال متأثرة بالتراث الإستشراقي الأوروبي، وما زالت هذه النصوص بحاجة لنقد وتقويم للإرتقاء بالمادة العلمية لهذه المناهج.

التخطي إلى شريط الأدوات