
مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
في عمق المجتمعات المسلمة في شرق أوروبا والبلقان، تتجلّى ملامح نهضة هادئة تقودها نساء من طراز خاص، هن معلمات الدين الإسلامي اللواتي يحملن على عاتقهن رسالة عظيمة في تربية النشء وتشكيل الوعي الديني والأخلاقي للأجيال القادمة.
من كوسوفا إلى بلغاريا، ومن مقدونيا إلى قلب روسيا، يتكرّر المشهد ذاته: نساء مؤمنات، متعلمات، رائدات في ميادين التربية والتعليم، يعملن بصمت وإخلاص وسط تحديات ثقافية واجتماعية جمّة، ليبنين مستقبلًا أكثر رسوخًا للهوية الإسلامية في مجتمعاتهن.
دور تاريخي ممتد
المرأة المعلمة لم تكن يومًا على هامش العمل الديني والتربوي في هذه المناطق. ففي كوسوفا مثلًا، يشكّل قسم المرأة في المشيخة الإسلامية إحدى أقوى الدعامات التربوية في البلاد، من خلال برامج تعليم الدين الإسلامي للأطفال واليافعين، وتنظيم الدورات الصيفية والأنشطة المدرسية والمسابقات القرآنية.
كذلك في بلغاريا، ساهمت المعلمات في الحفاظ على اللغة العربية وتعاليم الإسلام في القرى الجبلية والمناطق التي عانت لعقود من التهميش الديني والثقافي، وكنّ بذلك خط الدفاع الأول عن الهوية الإسلامية في مواجهة محاولات الطمس والتذويب.
نهضة لا تتحقق إلا بمشاركتها
الحديث عن نهضة حقيقية للمجتمعات المسلمة في شرق أوروبا والبلقان يظل ناقصًا إن لم نضع دور المرأة – ولا سيما في مجال التعليم والتربية – في قلب المشروع. فالمعلمة المسلمة لا تؤدي دورًا وظيفيًا فقط، بل تنسج خيوطًا من القيم واللغة والانتماء في وجدان الأطفال، وتزرع فيهم الإيمان والثقة بالنفس وحب الخير والانتماء إلى أمة ذات رسالة. هي التي تفتح أول نافذة للطفل على القرآن الكريم، وتلقّنه أولى كلمات الدعاء، وتعلّمه الفرق بين الحق والباطل بأسلوب حنون يغرس ولا يفرض.
المعلمات المسلمات في شرق أوروبا يرسمن ملامح نهضة تربوية
ليست مبالغة إذا قلنا إن كثيرًا من المدارس القرآنية والمراكز التربوية اليوم في كوسوفا وبلغاريا وروسيا، قائمة بفضل تفاني المعلمات المسلمات. هنّ من يُدرن الحلقات، ويُشرفن على البرامج، ويُتابعن الأطفال بحبّ الأم وحرص المعلّمة في آنٍ واحد. وقد أثبتت التجربة أن دعم هذه الكوادر النسائية بالتأهيل، والتدريب، والاعتراف المجتمعي بدورهن، هو استثمار طويل الأمد في بناء مجتمع مسلم متوازن، يحمل قيمه بإيمان وعقل ومسؤولية.
المعلمة المسلمة.. الأم المؤسِّسة للنهضة الدينية والثقافية
المرأة المسلمة المعلّمة ليست مجرّد رقم في مشهد التعليم، بل هي ركن أساس في بناء الحاضر والمستقبل. وإن كانت الأم مدرسة، فإن المعلمة المسلمة في هذه السياقات هي الأم المؤسِّسة” للنهضة الدينية والثقافية في شرق أوروبا والبلقان. من هنا، فإن دعمها وتمكينها، ليس مجرّد واجب أخلاقي أو ديني، بل هو ضرورة استراتيجية لكل مشروع نهضوي حقيقي.