
مسلمون حول العالم ـ خاص ـ هاني صلاح
في عمق أرخبيل الفلبين، حيث يعيش أكثر من 12% من السكان تحت راية الإسلام منذ قرون، تعيش شريحة من خريجي الجامعات الإسلامية معاناة صامتة، لا تقل حدة عن المعارك الفكرية والدعوية التي أتوا من أجلها إلى مجتمعاتهم. لقد عادوا محمّلين برسالة، لكن الواقع الذي وجدوه لم يكن بقدر الآمال.
دعوة على الهامش.. وهمّ المعيشة أولاً!
مئات من خريجي الجامعات الإسلامية، لا سيما من الجامعات العريقة مثل الأزهر وجامعة المدينة المنورة والجامعة الإسلامية بالسودان، عادوا إلى جنوب الفلبين، حيث تتركز الأغلبية المسلمة. جاءوا بشهادات ودورات عليا في الشريعة والتفسير والدعوة، لكنهم اصطدموا بجدار التجاهل المؤسسي والتهميش الوظيفي.
“وكأن التعليم الإسلامي أصبح تهمة!” هكذا عبّر فضيلة الشيخ حبيب عثمان، في حديثه عن النظرة السائدة في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، والتي ترفض توظيف هؤلاء الخريجين بحجة أن تخصصاتهم “غير عملية” في ميادين الإدارة أو التقنية.
مؤسسات محدودة.. و”كفالات” لا تكفي
وفقًا لعثمان، فإن المؤسسات القليلة التي من الممكن أن تكفل هؤلاء الدعاة، مثل وزارة الأوقاف السعودية أو رابطة العالم الإسلامي، لا تغطي إلا أعدادًا محدودة، وغالبًا ما يُستبعد خريجو الدول غير الخليجية من القبول في برامجها.
في ظل هذا الغياب شبه التام للدعم، اضطر الكثيرون إلى القبول بوظائف لا تليق بمكانتهم، كأن يعمل خريج أزهري كخادم في متجر مقابل ما لا يتجاوز 100 دولار شهريًا، وهو مبلغ لا يكاد يسد رمقًا، ناهيك عن تفرغه للخطابة أو التعليم في معاهدهم الإسلامية المحلية.
منبر الجمعة.. ومخيمات نهاية الأسبوع
ورغم تلك الظروف، لا يزال الكثير منهم، كما هو حال عثمان نفسه، يصر على القيام بدوره التربوي والدعوي تطوعًا، فيُدرّس القرآن الكريم للأطفال مساءً، ويعتلي منبر الجمعة خطيبًا، ويشارك في الدورات والمخيمات الشبابية في نهاية كل أسبوع، مستندًا إلى قناعة شخصية بأن تبليغ الرسالة أولى من البحث عن امتيازات دنيوية.
سؤال مفتوح.. ومصير مقلق
الحوار مع الشيخ عثمان يفتح ملفًا مسكوتًا عنه: أين هي المؤسسات الإسلامية الكبرى من هموم الدعاة في العالم الإسلامي خارج الدائرة الخليجية؟.. وهل يكفي أن نُخرج آلاف الطلاب من جامعاتنا الإسلامية دون أن نؤسس بيئة حاضنة لهم، تُمكّنهم من القيام بدورهم وتكفيهم عن ذلّ السؤال؟
إن تجربة خريجي الفلبين ليست حالة فردية، بل تمثل نمطًا يتكرر في مناطق عديدة من آسيا وإفريقيا والبلقان، ويجدر بالعالم الإسلامي، مؤسسات وحكومات ومجتمعات، أن يعيد النظر في أولوياته تجاه هؤلاء الجنود المجهولين في ميدان الدعوة.
** المصدر بتصرف/ جزء من تحقيق صحفي سابق عن واقع الدعاة في ثلاث دول حول العالم ـ من بينها الفلبين موضوع المقال الحالي ـ بعنوان: “صعوبات الحياة”.. تعوق الدعاة عن دورهم حول العالم