رئيسة اللجنة النسائية بالندوة العالمية في البرازيل
نجاح المشروعات الدعوية النسائية بالبرازيل مرهون بتبني المؤسسات لها
“أناشد جميع المؤسسات الإسلامية أن تتبنى الأعمال الدعوية النسائية التي تساهم في نشر الدعوة؛ فلو لم تتبن الندوة في البرازيل أعمالنا؛ لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا عليه اليوم”..
بهذه الكلمات الموجزة، أكدت الداعية نوف مأمون الصيفي، مسؤولة القسم العربي والدين بالمدرسة الإسلامية في سان برنادو، ورئيسة اللجنة النسائية للندوة العالمية للشباب في البرازيل، أهمية تبني المؤسسات الإسلامية للمشروعات الدعوية النسائية وتقديم كافة أنواع الدعم اللازم لإنجاحها.
وقد نشأت ضيفة الحوار في أسرة مميزة ومحافظة بإحدى قرى لبنان، ومنذ صغرها أبدت اهتماماً ملحوظاً بتعليم الصغار في بيتها وتحفيظهم القرآن الكريم، وبعد انتقالها للبرازيل واصلت مشوارها الدعوي الذي أثمر عن صحوة إسلامية في أوساط مسلمات البرازيل، بينما على المستوى التعليمي كمدرسة بالمدرسة الإسلامية بمدينتها؛ فقد تحسن مستوى أبناء الجالية المسلمة في مادة اللغة العربية إثر البرامج التي طبقتها خلال الدروس والأنشطة المدرسية، وبجانب دورها الدعوية كان لها أنشطة خيرية وتواصلية مع المسلمين وغير المسلمين تضمنها هذا الحوار.
في بداية حوارنا.. نود تعريف بكم لقراء “المجتمع”؟
– اسمي نوف مأمون الصيفي، والدة لخمسة أولاد، نشأت في ضيعة السلطان يعقوب التحتا بالبقاع الغربي في لبنان، أنهيت الدراسة الجامعية في منطقة زحلة في تخصص الأدب العربي.
ساقني الله سبحانه للعمل الدعوي في البرازيل عام ١٩٩٧م، وكان السبب الزواج، حيث كان زوجي يعمل هنا منذ زمن، وفي البداية سكنت بمدينة سان ماتيوس مدة سنتين، ثم انتقلت إلى مدينة فيلا فيرموزا حيث بقينا بها لسنتين ونصف سنة، ولم يكن في هاتين المدينتين أي مسجد، ثم استقر بنا المقام أخيراً بمدينة سان برنادو، والمدن الثلاث تقع بولاية ساوباولو الحاضرة الاقتصادية للبرازيل.
حالياً أنا مسؤولة القسم العربي والدين بالمدرسة الإسلامية (المدينة)، ورئيسة اللجنة النسائية للندوة العالمية للشباب.
كيف هو الواقع البرازيلي الذي تحيا فيه المرأة المسلمة؟
– المرأة هنا في البرازيل بشكل عام ليس لديها في قاموسها كلمة حشمة، عيب، حلال أو حرام، رغم أن إنجيلهم يمنع الزنى والسّكر وما إلى ذلك، فالمرأة المسلمة الملتزمة بلباسها الشرعي في هذا المجتمع تعدّ نموذجاً غريباً مختلفاً عنهن، وأغلبيتهن يعملن.
لكن رغم الانحلال في المجتمع البرازيلي؛ لا تعاني المرأة المسلمة المحجبة من اضطهاد أو تمييز في الأغلب، وإن وجدت نظرة أو كلمة سلبية فقليلاً جداً أو على الأكثر سؤالهن: ألا تشعرن بالحر بسبب لباسكن هذا؟
وماذا عن المشاركة المجتمعية للمرأة المسلمة؟
– المشاركة المجتمعية للمرأة المسلمة في المجتمع هنا ضعيفة جداً جداً للأسف، مقارنة للمساحة وعدد السكان.
ما أسباب ذلك؟
– أعتقد أنه يرجع إلى المرأة المسلمة، ولا دخل فيه للمجتمع البرازيلي؛ لأنه لا يمنع أو يعوق أي نشاط تقوم به المرأة المسلمة أو غيرها؛ إذ إن جميع النساء البرازيليات هنا تقريباً يعملن خارج البيت، والدوام العملي ٨ ساعات.
وأعتقد أن سبب ضعف دور المرأة المسلمة المجتمعي يعود إلى النشأة؛ عندما لا نزرع لدى أولادنا شعوراً المسؤولية بواجبنا نحو ديننا، ونزرع داخلهم حب الله وتطبيق شريعته أولاً ثم نشره في المجتمع حولهم ثانياً على قدر استطاعتهم، لأننا جميعاً كآباء وأمهات وأبناء سوف نُسأل أمام الله: ماذا قدمنا للإسلام؟
كيف كانت بدايات عملكم الدعوي في البرازيل؟
– لم يمر على وجودي في البرازيل وقت حتى أتت بعض النساء وطلبن أن أقوم بإعطائهن دروساً لتعليمهن الأمور التي يجهلنها في الدين، ترددت في القبول لأنني شعرت بمسؤولية هذا الأمر! وبأن تعاملي كان دائماً مع الفتيات الصغار، حيث كنت أقوم بتجميعهن في بيتي في لبنان، منذ أن كان عمري ثلاث عشرة سنة، وأقوم بتحفيظهن القرآن الكريم، ولكن بتشجيع من الأخوات والمشايخ بدأت بإعطاء الدروس وهكذا كان.
وبدأت بمشاركة بسيطة بمنطقة معينة، وسبحان الله العظيم بدأ الاهتمام من قبل النساء والغيرة على تعلّم أمور دينهن، فأصبحن يطالبن بإعطائهن أيضاً وذلك عبر اجتماع النساء كل جمعة ببيت إحداهن، ومن فضل الله بدأ التفاعل وبدأ كلام الله ودينه الحنيف يتغلغل أكثر فأكثر في قلوبهن فالتزمت الكثيرات بالحجاب، والتي كانت مقصرة بصلاتها أصبحت تؤدي حقها.
وشاء الله العلي القدير أن أتوسع أكثر في الدعوة، فطلب مني رئيس الندوة العالمية للشباب الإسلامي الشيخ علي عبدوني، بأن أقوم بإنشاء لجنة نسائية للتوسع بالعمل الدعوي، وبالفعل تم إنشاء لجنة نسائية بالندوة سنة ٢٠٠٩م، وكانت تتألف من ٨ نساء، وكان هدفها العمل مع الجالية المسلمة وتحديداً مع النساء والصبايا والأطفال.
وبدأنا في تنظيم محاضرات أسبوعية بمقر الندوة العالمية أيام السبت، ومدتها ساعتان لتعليم العلوم الإسلامية والقرآن الكريم للبنات اللواتي اخترنهن ليكن داعيات ويكملن المسيرة في المستقبل بإذن الله تعالى، كما نقوم كل شهرين تقريباً بمخيم لهن مدته ثلاثة أيام حيث يكون برنامجاً مكثفاً لتعليمهن العلوم الشرعية، واختيرت هذه المجموعة من خلال مشروعنا الأول وهو إقامة مخيمات للبنات مرتين في السنة (تتراوح أعمارهن ما بين ٨ – ٢٢ سنة) يتلقين فيها العلوم الإسلامية ويعشن حياة إسلامية معاً على مدار أربعة أيام.
ومن ثمار هذه المخيمات أنه أصبح لدينا الآن مجموعة متميزة من الفتيات نواصل تدريبهن ليصبحن داعيات في المستقبل، وبدأنا بالفعل في تكليفهن خلال العطلة الصيفية، بإقامة دورات لتحفيظ القرآن الكريم للأولاد والبنات تحت إشرافنا، مع تنظيم مسابقات وتوزيع الهدايا على الأولاد والبنات في نهاية الدورة.
وهكذا قد كتب الله سبحانه لنا النجاح في مشروعنا الأول وتحقيق الهدف منه بإعداد جيل من الداعيات، ثم تواصلت المشاريع الدعوية التالية الواحدة تلو الأخرى.
هل من إطلالة سريعة على هذه المشروعات الدعوية الأخرى؟
– سعينا من خلال تنفيذ أنشطة متعددة للتواصل مع شرائح مختلفة من المجتمع المسلم في البرازيل، وعلى سبيل المثال:
أ- في الجانب الخيري: نقوم بتوزيع السلال الغذائية في كل شهر لمساعدة بعض العائلات بسبب ظروفهم.
ب- في الجانب الاجتماعي والتواصلي: ننظم عمرة تكريمية للنساء وذلك لمساهمتهن أو مساهمة أزواجهن المادية لمشاريع اللجنة النسائية أو لمساعدتهن لأعمال اللجنة بالمساعدة العملية عند الحاجة.
جـ- في الجانب التربوي التعليمي: كنا نقوم بمحاضرات للمتزوجات حديثاً لإقامة بيوتهن على أسس صحيحة للمنهج الإسلامي لتغمر السعادة بيوتهن ولتربية أولاد صالحين بارين بآبائهم.
د- كذلك في المجال التواصلي: نقيم إفطارات تواصلية تكريمية للبعض وجبر للخواطر للبعض الآخر بهدف توثيق الصلات بين المجتمع المسلم في البرازيل.
ماذا عن دوركن التربوي والتعليمي بالمدرسة الإسلامية؟
– اختارتني الجالية المسلمة للعمل كمنسقة للغة العربية والدين بمدرسة المدينة “سان برنادو” الإسلامية لإنهاضها في اللغة والدين، وبفضل الله وكرمه أعطت نتيجة طيبة، وعلى سبيل المثال:
فقد أتى إلى البرازيل كثير من المهاجرين بسبب الحروب أو لأخذ الجنسية، وانتسب أبناؤهم إلى مدرستنا، وبفضل الله ومنته حصل تلاميذ مدرستنا (المولودون في البرازيل) على نتائج أعلى من أبناء المهاجرين الذي حضروا من بلاد عربية.
كما نعد أنشطة ثقافية وفنية وإسلامية بهدف تدريب أبناء المدرسة على التحدث باللغة العربية، وعلى سبيل المثال ننظم حفلة في آخر رمضان وذلك عبر تدريب الأطفال على مسرحيات باللغة العربية بهدف إثبات أنهم يستطيعون تعلمها وليست بمسألة مستحيلة، وأيضاً لغرس القيم من خلالها، حيث كنت أقوم بكتابة المسرحيات من خلال ما أرى من أخطاء يقوم بها الأطفال أو الأهل ونقوم بتوزيع الهدايا لكل مشترك لإدخال الفرحة وتكريمه للمجهود الذي قام به لحفظه لما طلب منه.
كما لنا نشاط اجتماعي خيري من خلال توزيع الثياب الجديدة في مناسبة العيد لإدخال السرور إلى قلوب الأطفال الذين ليس لدى أهلهم القدرة على شراء الثياب لهم.
وماذا عن دعوة غير المسلمين في البرازيل؟
– بجانب الأنشطة الدعوية الموجهة للمسلمين، كنا حريصين على التواصل مع البرازيليين الأقرب لنا سواء الساكنين في محيط المسجد أو زميلاتنا في المدرسة، وذلك بالتودد إليهم وتعريفهم على الدين الإسلامي، فعلى سبيل المثال:
أ- بالنسبة لجيران المسجد: كنا في رمضان ننظم إفطاراً خاصاً للساكنين في محيط المسجد من البرازيليين من غير المسلمين. كذلك في الأعياد نقوم بتوزيع الحلوى أمام الجامع على المارة والسيارات مع توزيع كتيبات للتعريف بالدين الإسلامي.
ب- بالنسبة لزميلاتنا في المدرسة: فهناك معلمات برازيليات يدرسن معنا في المدرسة الإسلامية، وكنا نحرص على إظهار أخلاق الإسلام في تعاملنا اليومي معهن، وبعضهن كن يأتين ويستفسرن عن أمور متعلقة بالإسلام؛ فأشرح لهن، وحدث مرة أن حضرت إحدى المدرسات لمكتبي بعد أن سمعتني أقرأ القرآن، وقالت لي: “رغم أنني لا افهم شيئاً؛ فإنني أشعر براحة كبيرة وسلام نفسي حينما أستمع للقرآن الكريم”؛ فشرحت لها أنه كتاب الله أنزله على نبيه حتى إنني أنزلت لها على هاتفها القرآن وقلت لها: استمعي عندما تشعرين أنك بحاجة إليه، وفعلاً تقول: أصبحت أستمع إليه قبل النوم وزوجي ينظر إليَّ مستغرباً مشككاً بي لما أستمع إلى كتاب المسلمين.
خلال مسيرتكم الدعوية في البرازيل.. هل واجهتكم أي عقبات؟
– لم تواجهني خلال عملي في هذه السنين كلها أي عقبة في هذا البلد؛ لأنه يعطي الحرية ولا يمانع في إقامة الشعائر الدينية.
ونشاطاتنا تعتمد أغلبها على التبرعات المادية لإقامة هذه المشاريع، فعندما تكون الماديات متاحة نكثر من الأعمال، أما إذا كان الدعم المادي ضعيفاً فتقل النشاطات ولكنها لا تتوقف من فضل الله، ولكن مثلاً نقوم بمخيمات عدة خلال السنة، أما إذا ضعفت المادة لدينا نقوم بتقليل عدد المخيمات، والحمد لله بوجود المحبين لعمل الخير لا يتوقف عملنا تقبل الله منهم وجعلها صدقة جارية في ميزان حسناتهم.
ربما تكون عقبة أنه وللأسف ليس لدينا الكثير من النساء الداعيات؛ لذا نسعى لتكوين فريق متفاعل وقيادي لإدارة الأنشطة الدعوية دون أن تتوقف على فرد واحد.
وماذا عن التحديات التي تواجه أي مسلمة ناشطة في العمل المجتمعي بالبرازيل؟
– المرأة مخلوق تستطيع أن تكون أمّاً تربي أولادها تربية صالحة وزوجة تعمل لتساعد زوجها وداعية، والمرأة قادرة على كل ذلك إن أرادت، فهي مخلوق قوي وليس بضعيف، ولكنها تبقى امرأة، فهي بحاجة دائماً إلى دعم زوجها واهتمامه تستمد قوتها منه.
ما نصيحتكم للمسلمات حول العالم؟
– قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم: “بلّغوا عني ولو آية”؛ فيجب على كل مسلمة أن تساهم بما تقدر عليه مهما كان بسيطاً، فبذلك سننشئ مجتمعاً مسلماً قوياً بإذنه تعالى، ويجب علينا الاهتمام خاصةً بالجيل الناشئ، وغرز حب الدين وأهميته في نفوسهم والأجر الذي يناله في الدنيا والآخرة.
وأذكر بأن العمل في الدعوة هو نعمة ورزق من الله يرزقه من يشاء.
هل من رسالة للمؤسسات الدعوية؟
– أناشد جميع المؤسسات الإسلامية أن تتبنى الأعمال الدعوية النسائية التي تساهم في نشر الدعوة؛ فلو لم تتبنَّ الندوة في البرازيل أعمالنا؛ لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا عليه اليوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجتمع ـ 18 أكتوبر 2017 ـ هاني صلاح
(*) شكر وتقدير للأستاذ حسين علي الصيفي، مدير مكتب هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنة في البرازيل، التابعة لهيئة الإعجاز العلمي في المملكة العربية السعودية، التابعة لرابطة العالم الإسلامي، لدوره في التنسيق والتواصل مع ضيفة الحوار.