( 10 ) حوار أستراليا الأول ـ 2014م
“تحديان أمام مسلمي أستراليا؛ فالتبعية الخارجية والإعلام هما من أهم الأسباب التي قد تؤثر نسبيًّا على النسيج الداخلي الأسترالي، وهو الثمن الذي يدفعه الآن مسلمو البلاد”..
أدار الحوار/ هاني صلاح
بهذا التحليل أرجع الإعلاميُّ اللبناني “فواز شوك”؛ مدير شبكة الوسط الاعلامية ورئيس تحرير صحيفة الوسط الأسترالية، أسباب الحملة التي تستهدف مسلمي أستراليا في هذه الآونة.
وأشار “شوك” – الناشط في أوساط مسلمي أستراليا، والمقيم في مدينة ملبورن – إلى أن “المجتمع الأسترالي محصن، ولا يمكن للسياسات والإعلام أن يُغيِّرا من النمط العام للمواطن الأسترالي على المدى البعيد”، لافتًا إلى أن “مَن يعيش في المجتمع الأسترالي يلاحظ الفجوة بين ما تشاهده في الإعلام وما يعيشه المواطن العادي”.
وتطرق لتاريخ الوجود الإسلامي في أستراليا، مشيرًا إلى أن “معظم الباحثين أرجعوا تاريخ الوجود الإسلامي في أستراليا إلى سنة 1860م”، وموضحًا أن “عدد مسلمي أستراليا وفق الإحصاءات شبه الرسمية يبلغ حوالي 750 ألف مسلم، وهو ما يعادل 2% من عدد السكان”.
جاء ذلك في سياق حوار: (مسلمو أستراليا والتحديات التي تواجههم)، وهو الحوار الأول عن أستراليا، والعاشر في سلسلة “حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والتي تأتي في سياق برنامج للتعريف بواقع المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية حول العالم.
أجري الحوار على فيسبوك في نوفمبر 2014م، ونُشر بجريدة “الأُمّة” الإلكترونية.
وإلى الحوار..
بلد التنوع والتعددية الثقافية
المشاركة الأولى.. من: هاني صلاح؛ مُنسّق الحوار ورئيس قسم الأقليات المسلمة بجريدة “الأُمّة” الإلكترونية، وتتضمن سؤالين (أرقام: 1، 2):
1 ـ سؤال بشأن إلقاء الضوء على “أستراليا” و”المجتمع الأسترالي” والعلاقات مع العالم الإسلامي..
أ ـ بدايةً أستراليا دولةُ أم قارة؟
ـ أستراليا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر قارة؛ حيث تعتبر أصغر قارات العالم؛ إذ تبلغ مساحتها حوالي 7.7 ملايين كم تقريبًا، كما تعتبر جزيرة، وبالتالي فهي أكبر جزيرة في العالم، وتقع في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية.
يبلغ عدد سكان أستراليا أكثر من 23 مليون نسمة، حسب إحصائيات 2014م، وتعتبر من أقل القارات كثافة في العالم. يتركز معظم سكانها في جنوبها وشرقها (خاصة في مدينتَيْ سيدني وملبورن)؛ حيث تتميز هذه المناطق بمناخها المعتدل.
سكنها الإنسان منذ أكثر من 40 ألف سنة، ويُشكل سكان أستراليا الأصليون (الأبورجنيز) حوالي 1.5% من عدد سكان أستراليا – وقد تعرَّض هؤلاء للتطهير العرقي من قبل المستوطنين الأوربيين – ويسكن معظمهم في أماكن نائية وبعيدة عن المدن.
أما نظام الحكم في أستراليا، فهو نظام برلماني فيدرالي، وعلى الرغم من أن أستراليا دولة مستقلة، فإن ملكة بريطانيا تعتبر رسميًّا ملكة أستراليا أيضًا كبقية دول الكومنولث؛ حيث يتم تعيين الحاكم العام من قِبلها ليقوم بتمثيلها.
وتنقسم أستراليا إلى ست ولايات وإقليمين، وهي كالتالي:
– ولاية “نيو ساوث ويلز”، وعاصمتها “سيدني”.
– ولاية “كوينزلاند”، وعاصمتها “بريزبن”.
– ولاية “جنوب أستراليا”، وعاصمتها “أداليد.”
– ولاية “تزمانيا”، وعاصمتها “هوبارت”.
– ولاية “فيكتوريا”، وعاصمتها “مِلبورن”.
– ولاية “غرب أستراليا”، وعاصمتها “بيرث”.
– الإقليم “الشمالي”، وعاصمته “داروِن”.
– إقليم “العاصمة” الأسترالية، وعاصمته “كانبيرا”.
ب ـ أستراليا كدولة، ما هي أهميتها الاقتصادية؟
ـ تعتبر أستراليا من الدول المتقدمة، خاصة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدماتية، وتمتلك اقتصادًا قويًّا؛ حيث لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، وغالبًا ما تُصنّف أستراليا في مراكز متقدمة في العديد من التصنيفات العالمية؛ مثل: (التنمية البشرية، وجودة الحياة، والرعاية الصحية، والعمر المتوقع، والتعليم العام، والحرية الاقتصادية، وحماية الحريات المدنية، والحقوق السياسية(.
وعلى سبيل المثال، فإن مدينة “ملبورن” الأسترالية احتفظت بلقب أفضل مدينة للعيش في العالم للسنة الثالثة على التوالي، بينما صُنّفت ثلاث مدن أسترالية أخرى هي: (سيدني، وبيرث، وأداليد) ضمن أفضل عشر مدنٍ للعيش في العالم.
ج ـ أستراليا كدولة، كيف تصِفُونها للقارئ العربي؟
أعتقد أن الوصف المناسب الذي يمكن أن نُطلقه على أستراليا أنها بلد التنوع والتعددية الثقافية؛ حيث تعتبر “التعددية الثقافية” من أهم ما يميز المجتمع الأسترالي الذي ينحدر من خلفيات ثقافية وإثنية ودينية متعددة؛ حيث إن قسمًا كبيرًا من سكان أستراليا قد ولدوا في بلد آخر، أو على الأقل أحد الوالدين وُلد خارج أستراليا. كما أن القانون الأسترالي يحمي هذه التعددية؛ حيث يحرّم كافة أشكال التمييز التي تقوم على أساس العِرق أو الجنس أو الدين.
د ـ وماذا عن طبيعة المجتمع الأسترالي؟
يمكن القول بأن “المجتمع الأسترالي” هو مجتمع متجانس ومتعدد، ويعدّ من أكثر المجتمعات العالمية التي تُحترم فيها قيم التسامح والاحترام والمساواة وحرية التعبير والعبادة، إضافة إلى أنه مجتمع ينبذ العنصرية، فالأستراليون بطبيعتهم شعبٌ طيب، ويتقبل الآخر.
هـ ـ وكيف هي علاقتها بالدول العربية والإسلامية؟
ترتبط أستراليا بعلاقات تجارية مع عدد من الدول العربية والإسلامية، خاصة دول الخليج ودول جنوب شرق آسيا، وبخاصة في مجال تصدير اللحوم والمنتجات الحلال. هذا إضافة إلى أن أستراليا تستضيف في جامعاتها الآلاف من الطلاب المبتعثين من الدول الخليجية ودول جنوب شرق آسيا، إضافة إلى طلاب من بنجلاديش والهند وباكستان وغيرها.
كما تقيم أستراليا علاقات جيدة مع معظم الدول الإسلامية. أما علاقتها مع دول جنوب شرق آسيا، وخاصة مع إندونيسيا، فإنها تمر بين الحين والآخر بفترات مضطربة ومتأرجحة على حسب العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية.
تواجد إسلامي سبق اكتشافها
2 ـ سؤال حول تاريخ الوجود الإسلامي في أستراليا، وتعريف بالخريطة العِرقية للمسلمين هناك، وبمؤسساتهم الإسلامية.
أ ـ نرجو التفضل بتعريف “قراء الأُمّة” بتاريخ الوجود الإسلامي في أستراليا.
معظم الباحثين يعتبرون أن الوجود الإسلامي في أستراليا يعود إلى سنة 1860م، عندما تم استقدام عمال مسلمين من أفغانستان وباكستان مع جِمالهم من قبل “توماس ألْدر”، كما استقدمت الحكومة البريطانية بحّارة وعمالًا من إفريقيا إلى مستعمرتها الجديدة.
الموجة الأولى: غير أن “د. محمد عامر عبد الحميد”؛ الكاتب في صحيفة “الوسط” الأسترالية، خلص في تحقيق أجراه عن تاريخ المسلمين في أستراليا، إلى أن الوجود الإسلامي في هذه القارة النائية سابق على اكتشافها عام 1606 من قبل الهولندي “فيليم يانسون”؛ حيث أكّد عدد من الباحثين الأستراليين على وجود آثار ودلائل تُثبت اكتشاف القارة من قبل المسلمين الذين كانوا يستوطنون جزر إندونيسيا، وبالتحديد “أرخبيل ماكاسار” الواقع في جنوب غرب إندونيسيا.
وأشار إلى دراسة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC، أكد فيها “جاناك روجرز” أنه في منطقة “أرنهيم لاند” الأسترالية، تم اكتشاف صورة محفورة داخل كهف قديم لقوارب شراعية، ما هي إلا زوارق صيد إندونيسية معروفة باسم “براوس”، وبعد التحليل الكربوني لأجزاء هذه الصورة، تبيّن أنها تعود لبدايات القرن السادس عشر الميلادي “1500- 1600″، أي إلى فترة أبعد من مائة عام من أول اكتشاف لقارة أستراليا على يد الأوروبيين.
ولفت إلى أن “جون برادلي”؛ الباحث المتخصص في علم الاجتماع من جامعة “موناش” بـ”ملبورن”، أكد على الاتصال بين سكان أستراليا الأصليين (Aboriginals) والمسلمين القادمين من إندونيسيا بغرض التجارة، بقوله: “إذا ذهبت إلى شمال شرق “أرنهيم لاند”؛ فإنك ستجد أثر الإسلام واضحًا في أغاني السكان الأصليين من قبيلة (يولنجو Yolngu)، وفي رقصاتهم الشعبية، بل وفي بعض طقوسهم الدينية؛ كصلاتهم على الجنائز، وسجودهم، وتوجههم إلى الغرب (نحو اتجاه الكعبة المشرفة) في صلواتهم”.
ونقل “د. محمد عامر” عن “هوارد مورفي”؛ المتخصص في علم الاجتماع من الجامعة الأسترالية الوطنية، أن «شعب “يولنجو” يؤمن بالوحدانية المطلقة للخالق، كما يؤمن المسلمون بوحدانية الإله الحق، وهذه العقيدة لابدّ أنها نتاج الاتصال بالمسلمين “الماكاساريين”، الذين تعوّدوا على زيارتهم بشكل مستمر، وكانت بينهم علاقات تجارية وثقافية، بل وحتى التزاوج والمصاهرة».
ـ أما الموجة الثانية: فكانت هجرة الأفغان التي بدأت في سنة 1860، عندما أراد المستعمر الإنجليزي استكشاف الصحراء الأسترالية الشاسعة من أجل استغلال ثرواتها، وبعد أن فشل في التوغل في وسط أستراليا لافتقاره إلى وسائل النقل المناسبة، عمد “توماس ألْدر” إلى جلب 120 جملًا مع سائقيها إلى أستراليا، حيث أطلق عليهم اسم الأفغان. وقد ساهم الأفغان في بناء أستراليا الجديدة، وتركوا بصمة مهمة في تاريخ النهضة الأسترالية من خلال الاستكشافات في قلب أستراليا الصحراويّة؛ حيث ساعدوا في مدِّ السكك الحديدية، وأوصلوا إليها المياه، كما ساهموا في نقل الأدوات والمعدات والمواد اللازمة لبناء المزارع والمساكن والمناجم.
ولم يبق من الأفغان إلا آثارهم التي تدل على تاريخهم، وخاصة المساجد التي بنوها أثناء ترحالهم، والتي تعد بالعشرات؛ حيث حُوّل بعضها إلى أماكن سياحية. أما الباقي فيبقى شاهدًا على تاريخ أناس ساهموا في بناء أستراليا، إضافة إلى تسمية سكة الحديد التي تربط بين “أداليد” و”داروين” باسم “غان” (اختصار لكلمة أفغان) تخليدًا لتواجدهم في تلك المنطقة.
أما الموجة الثالثة لهجرة المسلمين إلى أستراليا، فقد كانت في العشرينيات والثلاثينيات من قبل مسلمي ألبانيا والبوسنة الذين سمحت لهم الحكومة بالقدوم إلى أستراليا؛ حيث بنى الألبان أول مسجد في ولاية “فيكتوريا” (منطقة شيبارتون) سنة 1960م، كما بنى الألبان أيضًا أول مسجد في “ملبورن” في سنة 1963م.
ثم تلتها موجة هجرة الأتراك، لكن الموجة الأكبر كانت في السبعينيات والثمانينيات، وكان معظمها من لبنان، وأما في التسعينيات فقد فتح باب الهجرة للصوماليين ولأبناء القرن الإفريقي.
ب ـ كيف هي الخريطة العِرقية لمسلمي أستراليا اليوم؟
ـ اليوم يتكون المسلمون في أستراليا من عشرات الجاليات والقوميات؛ حيث تعتبر الجالية اللبنانية الأكبر من حيث التعداد، تليها الجالية التركية، إضافة إلى الجاليات من كلٍّ من البوسنة والهرسك، وإندونيسيا، وماليزيا، وإيران، وفيجي، وألبانيا، والسودان، ومصر، وفلسطين، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، وبنغلاديش، وغيرها. وتتمركز معظم الجاليات في مدينتي “سيدني” و”ملبورن”، ويعتبر أكبر تجمع إسلامي موجود في مدينة “سيدني”.
يبلغ عدد المسلمين في أستراليا، حسب الإحصاءات شبه الرسمية حوالي 750 ألف مسلم، أي ما يعادل 2% من عدد السكان، لكن البعض يرجح أن يكون العدد مليونًا.
ـ وما هي هياكلهم التنظيمية؟
توجد عدة هياكل تنظيمية لمسلمي أستراليا؛ حيث عادةً ما يكون لكل جالية أو مجموعة معينة جمعية تنظم شئونها، بينما يتكوّن المجلس الإسلامي للولاية من مجموع هذه الجمعيات، ويتكون الاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلامية من مجموع المجالس الإسلامية في الولايات، حيث يعتبر الاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلامية هو المظلة الرسمية للمسلمين في أستراليا، غير أن عددًا لا بأس به من الجمعيات لا ينضوي تحت مظلة الاتحاد.
أما المؤسسة الشرعية، فهي تتكون من مجلس الأئمة الفيدرالي، ومجالس الأئمة في كل ولاية، والتي تضم معظم الأئمة والمشايخ. ويتم انتخاب مفتي عام أستراليا من قبل مجلس الأئمة الفيدرالي، الذي يضم أئمة من كافة الولايات الأسترالية.
ويوجد في أستراليا مئات المساجد والمصليات والمراكز الإسلامية؛ حيث تنتشر في معظم المدن الأسترالية. كما توجد عشرات المدارس الإسلامية في كافة الولايات الأسترالية.
مشاركات الجمهور
المشاركة الثانية.. من: “يسري الخطيب”؛ شاعر وباحث إسلامي، ورئيس القسم الثقافي بموقع الأُمّة، وتتضمن سؤالًا واحدًا (رقم: 3):
3 ـ حتى نهايات القرن الماضي، كان علماء الإسلام يرددون كثيرًا في أحاديثهم وأطروحاتهم عن أستراليا أنها الأندلس الجديدة وحلم المستضعفين في الأرض، لكن فجأةً تحوّل الحلم إلى كابوس، والأندلس الجديدة إلى تل أبيب. ماذا حدث؟
لابد أن نعرف أن السياسة الخارجية لأستراليا تتأثَّر بالسياسات الخارجية للاعبين الكبار، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب عديدة يُفسّرها البعض بأسباب أمنية واقتصادية وغير ذلك، وقد يتفاوت هذا التأثير بين حكومة وأخرى، ويتغير بحسب طبيعة الأحداث الخارجية.
وقد ظهرت التبعية الأسترالية للسياسة الأمريكية في عدة ملفات، خاصة في ملفات حرب الخليج والحرب في أفغانستان، إضافة إلى التحالف الدولي الأخير ضد الإرهاب؛ حيث كان لهذه السياسة الخارجية انعكاساتها السلبية على السياسة الداخلية، وبالتالي على مكونات المجتمع الأسترالي، وبالدرجة الأولى على الجالية الإسلامية.
كما لعب الإعلام دورًا سلبيًّا في هذا المجال من خلال تضخيم الأحداث، وتحريف الحقائق لأهداف متعددة دفع ثمنها الأسترالي المسلم.
إذن فالتبعية الخارجية والإعلام هما من أهم الأسباب التي قد تؤثر نسبيًّا على النسيج الداخلي الأسترالي.
ورغم ذلك يمكن القول أن المجتمع الأسترالي محصن، ولا يمكن للسياسات والإعلام أن يُغيّرا من النمط العام للمواطن الأسترالي على المدى البعيد، ومَن يعيش في المجتمع الأسترالي يلاحظ الفجوة بين ما تشاهده في الإعلام وما يعيشه المواطن العادي.
كما أن المجتمع الأسترالي بغالبيته ينبذ التطرف ودعوات التحريض والكراهية والعنف، والتي تصدر من منظمات يمينية متطرفة؛ مثل «رابطة الدفاع الأسترالية» وغيرها، والتي استغلت التطورات الأخيرة للترويج لأجندتها المتطرفة. وقد فشلت هذه المنظمات المتطرفة في بناء قاعدة شعبية لها، واقتصر نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، واللافت للنظر أن الكثير من أعضائها تعود خلفيتهم إلى أصول غير أسترالية.
المشاركة الثالثة.. من: شادي الأيوبي؛ إعلامي لبناني مقيم في أثينا/اليونان، وتتضمن سؤالًا واحدًا (رقم: 4):
4 ـ سؤال عن طبيعة العلاقة بين مكوّنات الجالية المسلمة في أستراليا؛ لأني كنت سمعت عن وجود تنافُس أو تشاحُن بين أبناء الجالية على خلفية انتماءات وطنية وقومية.
ـ رغم حجم الإنجازات التي حققتها الجالية الإسلامية في أكثر من مجال، إلا أنها ما تزال بعيدة عن العمل الموحد، ولم تستطع أن تتخطى الكثير من الحواجز التي تفصل بين الكثير من مؤسساتها ومكوناتها، وما يزال اتجاه بوصلتها ينحرف عن العمل الجماعي المؤسساتي، ليقترب أكثر إلى العشوائية في الأداء، وإلى ضعف التخطيط، وبالتالي إلى التشاحن في بعض الأحيان بين بعض مؤسساتها وفعالياتها وناشطيها.
هذا التشاحن أدّى في كثير من الأحيان إلى التفرقة وتشتيت العمل وإضعافه، بل وإفشاله، لكن هذا التشاحن أو التصادم لم يكن على خلفية انتماءات وطنية أو قومية، ولم يصل إلى مرحلة القطيعة أو الصراعات.
وتُبذل بين الفينة والأخرى جهودٌ من بعض القياديين والنشطاء في الجالية؛ من أجل تنظيم العلاقة بين جميع مؤسسات ومكونات الجالية الإسلامية على مختلف مشاربهم وأهوائهم وتوجهاتهم وأفكارهم، ومن أجل الوصول إلى توافُق على القضايا المشتركة؛ من خلال ترك الخلافات، والتخفيف من شدة الانقسامات، والعمل على حصرها في إطار أخلاقي متفق عليه.
وأرى أنه لابد من تأصيل العمل الجماعي المؤسساتي وجعله أكثر مصداقية، بحيث لا تتداخل الأمور الشخصية مع الأمور العامة، وبحيث ننتقل من الزوايا الضيقة إلى فضاء الجالية الواسع.
المشاركة الرابعة.. من: روعة قاسم؛ إعلامية لبنانية مقيمة في تونس، وتتضمن سؤالًا واحدًا (رقم: 5):
5 ـ ما موقفكم من التهديدات الإرهابية الأخيرة في أستراليا؟ ومن مشاركة أستراليا في الحرب ضد “داعش”؟
أجمعت الجالية الإسلامية في أستراليا على رفض أي تهديدات قد تمس أستراليا، وقد عبرت قيادات الجالية عن هذا الموقف – بكل وضوح – من خلال بيانات رسمية صدرت عن الاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلامية، وعن المفتي العام لأستراليا، إضافة إلى الجمعيات والمؤسسات الأخرى.
وهنا لابد أن نوضح مسألة مهمة، فبحسب الكثير من المحللين والمراقبين، فإن الحديث عن التهديدات الإرهابية في أستراليا تم تضخيمه، والترويج له، واستغلاله من قبل الإعلام، ومن قبل السياسيين الذين يريدون أن يجدوا المبرر الكافي أمام الشعب الأسترالي لإرسال الجنود الأُستراليين إلى العراق، والمشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
أما بالنسبة لموقفي من مشاركة أستراليا في إرسال جنودها إلى العراق، فإنني كمواطن أسترالي أرفض أن يزجّ أفراد الجيش الأسترالي في حروب خارجية (عبثية) بناء على طلب قوًى مثل أمريكا، وبدون أي رؤية استراتيجية، وبدون وضوح في الأهداف.
كما أرفض أن تتعامل حكومتنا بازدواجية مع القضايا الإنسانية، بحيث تراها ترسل طيرانها لتلقي المواد الغذائية على اليزيديين في جبل سنجار بعد أقل من أسبوع من بدء الأزمة، بينما لا تحرك ساكنًا تجاه ملايين السوريين الذين ظلوا محاصرين في حمص والغوطة الشرقية واليرموك وغيرها لأكثر من ثلاث سنوات.
على الحكومة الأسترالية أن تتعامل مع الأقليات والنازحين بمنظار واحد، فلا تميز بين اليزيدي في العراق وأبناء السُّنة مثلًا في البصرة وبغداد، والذين هُجِّر منهم مئات الآلاف.
المشاركة الخامسة.. من: محمد سرحان؛ مراسل موقع “علامات أونلاين” في إسطنبول، وتتضمن سؤالين (أرقام: 6، 7):
6 ـ ما مدى مشاركة مسلمي أستراليا في العملية السياسية في البلاد؟ وكيف تُقيّم هذه المشاركة بمعيار صالح الأقلية المسلمة؟
ـ إذا ما نظرنا إلى واقع جاليتنا الإسلامية في أستراليا من جوانب مختلفة، فإننا بدون شك سوف نلمس حجم الإنجازات التي حققتها في مجالات عدة، فهي جالية تنبض بالحياة والنشاط، جالية غنية بإمكاناتها وبمؤسساتها التي تُقدّر بالمئات، وتتوزع على مختلف المجالات، ولها حضور فعال ومؤثر، ولديها طاقات تضخ وتعمل في أكثر من اتجاه. لقد استطاعت الجالية الإسلامية أن تُسجّل نجاحات عديدة في المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية.
أما المجال السياسي، فما تزال مشاركة الجالية خجولة، ولم تصل إلى المستوى الذي يتناسب مع حجم الجالية وطاقاتها البشرية. دخل بعض أبناء الجالية معترك السياسة من خلال الأحزاب السياسية أو كمستقلين، كما خاضوا الانتخابات البرلمانية والبلدية، واستطاع البعض أن يصبحوا نوابًا في البرلمانات المحلية. كما يوجد العشرات من أبناء الجالية الإسلامية كرؤساء أو أعضاء مجالس بلدية، ومعظمهم في مدينة سيدني.
أما تأثير الجالية في القرار السياسي فما زال ضعيفًا، وهنا تبرز أهمية وجود “لوبي فيدرالي” قوي يستطيع أن يؤثر على سياسة الحكومة والمعارضة، على حد سواء، من خلال المشاركة الواسعة في الأحزاب السياسية.
ولمعرفة أهمية وجود لوبي قوي، وفي تجربة غير مسبوقة، لابد أن نذكر أن الجالية الإسلامية في “سيدني” استطاعت في شهر رمضان الماضي، أن تجبر مسئولًا حكوميًّا على الاستقالة بعد تصريحاته المنحازة لإسرائيل ضد غزة؛ حيث تم تشكيل مجموعة ضغط تمثل الجالية الإسلامية والعربية في “سيدني”، دعت إلى مقاطعة أي نشاطات أو فعاليات تقيمها مفوضية العلاقات الاجتماعية في الولاية الأسترالية إلى حين الاستجابة لمطلبهم بإقالة رئيس المفوضية في سيدني، والرئيس التنفيذي لممثلي المجلس اليهودي في “نيو ساوث ويلز” (فيك الهادف) من منصبه الحكومي. كما قاطعت إفطارًا أقامه رئيس حكومة الولاية في البرلمان الأسترالي.
7 ـ ما نصيب مسلمي أستراليا من الحملة الغربية في السنوات الأخيرة ضد المسلمين تحت ستار الحرب على الإرهاب؟
ـ لا شك أن الجالية الإسلامية في أستراليا تأثَّرت كبقية الجاليات الإسلامية، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ويمكننا أن نتحدث عن الشهور الأخيرة، والتي مرت فيها الجالية الإسلامية بظروف دقيقة، وتحديات كبيرة وخطيرة، فمن قانون التمييز العنصري إلى الموقف من العدوان على غزة، إلى القوانين المقترحة لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى أمور أخرى.
تكمن خطورة هذه التحديات في أنها وضعت الجالية الإسلامية وقياداتها وجهًا لوجه مع الحكومة الأسترالية، كما وضعتها تحت مجهر الإعلام.
لقد شكلت هذه التحديات اختبارًا لمدى قدرة قيادات الجالية على التعامل مع هكذا تحديات واجتيازها بنجاح، وما يتطلبه ذلك من الحكمة في التعامل مع الموضوع بعيدًا عن التساهل والتفريط في الحقوق والحريات.
لعل التحدي الأبرز هو المتعلق بالمقترحات المقدمة من قبل الحكومة لتعديل قوانين مكافحة الإرهاب، والتي قوبلت بالرفض من معظم قيادات الجالية لتأثيراتها السلبية على الحريات العامة، وعلى حقوق الإنسان.
ومن تشعبات هذا التحدي ظهر تحدٍّ آخر، وهو الهجمة الإعلامية الموجهة، إضافة إلى ضعف الجالية في الجانب الإعلامي، سواء من خلال التواصل مع وسائل الإعلام، أو من خلال إيجاد الآليات التي يمكن أن تسهم في إيصال المعلومة الصحيحة للمجتمع الأسترالي ككلٍّ.
إضافة إلى عدم الشعور بالأمن والسلام في الشارع، وفي البيت، وفي دور العبادة، بعد أن كثرت دعوات التحريض والكراهية والعنف ضد المسلمين، والتي صدرت عن منظمات يمينية متطرفة؛ مثل «رابطة الدفاع الأسترالية»، وقد حصلت بالفعل بعض الاعتداءات، ومع أنها لاقت رفضًا واسعًا من قبل المجتمع الأسترالي الذي لا يتقبل دعوات العنصرية والكراهية، إلا أن هاجس الخوف بقي موجودًا.
كما جرت محاولات لربط الإرهاب بالإسلام؛ حيث حاولت السيناتور (جاكي لابي) أن تربط الإرهاب بالدين الإسلامي وبالنقاب، وهو ما دفع البعض إلى الخوف على حرية المعتقد والثقافة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية بعيدًا عن الترهيب والتضييق.
لكن الأمر الذي يدعو إلى التفاؤل هو أن المجتمع الأسترالي بغالبيته الساحقة هو مجتمع متسامح، وبعيد عن العنصرية والكراهية.