مسلمون حول العالم ـ ترجمة وصياغة بتصرف: هاني صلاح
أوضح مفتي كورتشا، فضيلة الشيخ ليديان سيكالّشي، في مقابلة مع CNA MEDIA، أن أبرز التحديات التي تواجه المجتمع المسلم في جنوب ألبانيا تتمثل في الهجرة الواسعة وتباطؤ استعادة الأوقاف، مما يؤثر على استدامة الحياة الدينية ويضعف القدرة على الحفاظ على الدور الاجتماعي والثقافي للمؤسسات الدينية.
وتطرق في حديثه الصحفي إلى جامع إلياز بك ميراهوري الأثري، مؤكدًا أنه يمثل واحدًا من أقدم وأهم المعالم الدينية والثقافية في مدينة كورتشا وعلى مستوى ألبانيا، مشيرًا إلى أنه لا يزال يؤدي دوره الديني منذ بنائه عام 1496، ليبقى شاهدًا حيًا على استمرارية الهوية الإسلامية والثقافية للمدينة عبر القرون.
جامع إلياز.. رمز الصمود وذاكرة المدينة الحية
في قلب مدينة كورتشا الواقعة جنوبي شرقي ألبانيا، ينتصب جامع إلياز بيه ميراهوري شامخًا كأقدم معلم إسلامي ما يزال يؤدي وظيفته الدينية منذ أكثر من خمسة قرون. شُيّد هذا الصرح عام 1496 على يد القائد العثماني إلياز بيه ميراهوري، أحد أبناء المدينة البارزين، ليكون منارة للعلم والإيمان، وها هو اليوم يواصل أداء رسالته الدينية والثقافية، جامعًا بين عراقة التاريخ ودفء الحضور الإنساني في حياة أهل كورتشا.
يقول مفتي المدينة فضيلة الشيخ ليديان سيكالّشي إن جامع ميراهوري يمثل رمز الصمود الديني وذاكرة المدينة الحية، موضحًا أنه ليس مجرد مكان للصلاة، بل رمز يجسد استمرارية الإيمان وذاكرة المدينة، مضيفًا أن المؤسسة الدينية في كورتشا ترى في هذا الجامع أمانة تاريخية وواجبًا حضاريًا يجب صونه باعتباره قيمة دينية ووطنية في آن واحد.
ورغم مرور العصور وتعاقب الأنظمة، حافظ الجامع على أصالته المعمارية بفضل أعمال الترميم المستمرة التي صانت ملامحه التاريخية وروحه العثمانية الأصيلة، مما جعله وجهة مفضلة للزوار والسياح الألبان والأجانب، الذين يجدون فيه أحد أبرز رموز الهوية الإسلامية والثقافة المشتركة في المدينة.
التحديات الاجتماعية والدينية
غير أن الصورة المشرقة تخفي وراءها تحديات كبيرة تواجه المجتمع المسلم في جنوب ألبانيا، على رأسها مشكلة الهجرة الواسعة التي تستنزف الطاقات البشرية والمجتمعية. ويؤكد المفتي أن الهجرة لا تقتصر على الشباب أو العائلات، بل تمتد إلى الكوادر الدينية نفسها، إذ يغادر بعض الأئمة والعلماء، مما يترك فراغًا ملموسًا في العمل الديني والاجتماعي المحلي.
وفي جانب آخر، توقف المفتي عند علاقة المؤسسات الدينية بالسياسة، موضحًا أن المهمة الأساسية للمجتمع الديني هي نشر القيم الأخلاقية والروحية لا الانخراط في الاستقطابات السياسية. وأشار إلى أن بعض الفترات الانتخابية تشهد محاولات من أطراف سياسية لاستمالة الأصوات الدينية، إلا أن الوعي المتزايد لدى رجال الدين ساهم في ترسيخ الحياد والابتعاد عن الاستغلال الحزبي.
أما التحدي الأكبر، فيراه المفتي في قضية الأملاك الوقفية التي لم تُحسم بعد رغم مرور ثلاثة عقود على التحول الديمقراطي. فالكثير من الممتلكات التي صودرت خلال فترة الحكم الشمولي لم تُستعد بعد إلى أصحابها الشرعيين، مما يضع المؤسسات الدينية في وضع اقتصادي صعب ويحد من استقلاليتها. ويشرح المفتي أن الوقف في الإسلام مال خُصص لخدمة المجتمع وتمويل الأنشطة الدينية والتعليمية والخيرية، مشددًا على أن غياب حل عادل لهذه القضية يحرم المجتمع من مصدر أساسي لاستقراره الديني والاجتماعي.
القيم الأسرية والمجتمعية
وفي حديثه عن التحولات القيمية في المجتمع الألباني، يعبر المفتي عن موقف واضح تجاه البرامج الحديثة المتعلقة بالجندر والمثلية الجنسية، معتبرًا أن المؤسسات الدينية تتشارك موقفًا موحدًا يدعو إلى حماية القيم الأسرية والطبيعية للمجتمع. ويضيف أن الإسلام يرفض أي شكل من أشكال التمييز، لكنه لا يقبل التشريعات التي تمس جوهر الأسرة أو تحاول تغيير طبيعتها الفطرية.
واختتم مفتي كورتشا حديثه بالتأكيد على أن الأسرة هي جوهر المجتمع ومصدر توازنه، داعيًا إلى ترسيخ الوعي الديني والأخلاقي في مواجهة التيارات التي تسعى لتفكيك البنى القيمية التقليدية، مشددًا على أن رسالة الدين تظل إنسانية تهدف إلى تعزيز الخير والتعايش والوئام.
بين مئذنة تتحدى الزمن وجدران تحمل عبق القرون، يظل جامع إلياز بيه ميراهوري شاهدًا على صمود الإيمان في مواجهة التحولات، وذاكرة مفتوحة لمدينة تحافظ على هويتها بروحها الهادئة وثقافتها العميقة، لتبقى كورتشا نموذجًا فريدًا للتوازن بين التراث والحداثة، بين الانفتاح وحراسة الجذور.





