مسلمون حول العالم ـ هاني صلاح
في حوار خاص معه حول واقع الترجمة الإسلامية في روسيا، أكد الداعية والمترجم الروسي ومدير المركز الإسلامي لمدينة “وولسك”، بمنطقة “سراتوف” وسط روسيا، الشيخ عبدالحكيم جعفر، الذي قام بترجمة نحو عشرة كتب من العربية إلى الروسية، أهمية وضع معايير في انتقاء الكتب الإسلامية وفق احتياجات المجتمع المسلم الروسي البالغ ما بين 20 – 30 مليون نسمة.
كما أكد أهمية ضمان نجاح عملية التسويق حتى تستطيع دور النشر في إصدار المزيد منها؛ وهو ما يساهم في نشر العلوم والثقافة الإسلامية وسط مسلمي روسيا.
وقال جعفر: أختار الكتب التي سوف أقوم بترجمتها وفق معيارين، هما: مدى احتياج المجتمع المسلم الروسي لموضوع الكتاب، والثاني: مدى نجاح تسويق وبيع الكتاب؛ وذلك حتى تستطيع دور النشر مواصلة نشاطها بإصدار كتب أخرى.
ونصح بعدم ترجمة الكتب الصعبة في العقائد وأصول الفقه، لافتاً إلى أن أي خطأ في الترجمة سوف يؤدي للاختلاف في فهم الدين وهو ما يشتت المسلمين ويزرع بينهم الخلافات الكثيرة؛ وعوضاً عن ترجمتها شدد على ضرورة دراسة هذه الكتب الصعبة بالعربية فقط.
جاء ذلك في الحوار الخامس ضمن ملف: (الترجمة الإسلامية إلى لغات العالم المحلية: الواقع.. التحديات.. الإنجازات)، وهو الحوار الخاص باللغة الروسية. ويأتي هذا الملف ضمن سلسلة ملفات تلقي الضوء على أبرز قضايات الأقليات المسلمة حول العالم.
وإلى الحوار..
نرجو تعريف أنفسكم.
– اسمى عبدالحكيم جعفر، من دولة روسيا، ولدت سنة 1979م بمدينة سيزران (Syzran)، بمنطقة سامارا (Samara)، وهي تبعد بنحو 300 كم عن مدينة سراتوف (Saratov) التي تقع في وسط روسيا.
بعد انتهائي من أداء الخدمة العسكرية، وكان عمري وقتها عشرين عاماً، بدأت في تعلم اللغة العربية والعلوم الإسلامية؛ فالتحقت بجامعة الفرقان الإسلامية (تسمى عندنا بالمدرسة)، وتقع بمنطقة أورنبرج (Orenburg)، لمدة أربع سنوات.
بعد تخرجي في الجامعة عام 2004، لم أشأ ترك العمل في مجال الدعوة؛ لذا بدأت في إلقاء الدروس وخطب الجمعة، بجانب عملي الخاص في التجارة، وكانت أول بداية لي في إلقاء خطبة الجمعة عام 2005م.
وفي عام 2007م، تم تعييني رسمياً إمام المسجد ومدير المركز الإسلامي لمدينة وولسك (volsk) في منطقة سراتوف، ومنذ هذا التاريخ تركت الاشتغال بالتجارة، وتفرغت للدعوة ولترجمة الكتب وإلقاء الدروس في كل المناسبات المتاحة.
كيف بدأتم في ترجمة الكتب عن العربية إلى الروسية؟
– قبل التحاقي بالجامعة لم أكن أعرف أي كلمة بالعربية، وبعد تخرجي واصلت تعلمي للعربية، ومن خلال الاستمرار في التعلم والتعليم كنت أتطور في اللغة العربية إلى أن بدأت في مسار الترجمة من العربية إلى الروسية.
وبدأت أترجم أولاً مقاطع فيديو محاضرات العلماء خاصة من مصر؛ لذا تعلمت أيضاً اللهجة المصرية، وفي مرحلة تالية بدأت بترجمة الكتب العربية إلى اللغة الروسية.
وقد ساعدني في تحسين لغتي أنني ذهبت في دورة تدريبية في اللغة العربية بالكويت، ثم ذهبت لدورات خاصة بالأئمة في كل من مصر وتركيا، هذا بجانب حضوري لدورات الأئمة داخل روسيا ذاتها.
وقد أكرمني الله تعالى خلال دراستي بالجامعة بحفظ ثمانية أجزاء، وبعد تخرجي واصلت حفظي للقرآن الكريم بشكل يومي إلى أن أتممت حفظه كله عام 2015م.
وقد حصلت على إجازة في قراءة القرآن الكريم من مصر عام 2012م، من الشيخ فوزي هيكل، كما حصلت على إجازة ثانية في القراءة والحفظ معاً من الشيخ حسن هدية بمدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان في روسيا.
ماذا تقولون عن اللغة الروسية وأهميتها؟
– “الروسية”، هي اللغة الرسمية لكافة الأعراق والشعوب التي تعيش داخل روسيا، ويتكلم بالروسية نحو 200 مليون شخص وهم سكان روسيا نفسها بالإضافة لدول الاتحاد السوفييتي السابق، وتعد اللغة الروسية الثانية في العالم من ناحية الفهم والاستعمال.
متى بدأت حركة الترجمة للكتب الإسلامية إلى اللغة الروسية؟ وهل تترجم كذلك إلى اللغات المحلية للعرقيات المسلمة في روسيا؟
– بدأت الترجمة من العربية إلي الروسية (واللغات المحلية للشعوب والعرقيات المسلمة بها) منذ بدء انتشار الإسلام في هذه المنطقة.
والقومية الأولى التي دخلت في الإسلام هي التتار؛ فقد أسلم التتار في جمهورية تتارستان في القرن 10 الميلادي وبالضبط في السنة 922م.
ومع الوقت كلما دخلت في الإسلام قوميات أخرى في روسيا؛ زادت حاجتها لترجمة الكتب الدينية إلى لغاتها المحلية، فعندنا في روسيا لغات أخرى محلية تتحدث بها العرقيات المختلفة وتصل لحوالي 150 لغة أو أكثر.
وبالفعل يقوم المسلمون في مناطقهم مثل التتار والباشكير والداغستانيون والشيشانيون وغيرهم بترجمة كتب إسلامية إلى لغاتهم المحلية بجانب كتب أخرى مثل الأدب حسب احتياجاتهم.
وعن منطقتي في سراتوف، وأنا أنتمى للعرقية التتارية؛ فإنني لا أجيد اللغة التتارية وأجيد فقط الروسية، بينما يوجد مترجم آخر يجيد التتارية ولا يجيد الروسية، والبعض يترجم للغة التتارية عن الروسية والعكس، ومن يجيد ثلاث لغات العربية والروسية والتتارية قليل جداً جداً.
هل توجد في روسيا مؤسسات متخصصة في الترجمة الإسلامية؟
– حسب علمي، لا توجد مؤسسات خاصة بالترجمة الإسلامية في روسيا، ولكن توجد دور نشر للكتب الإسلامية وهي بدورها تتعامل مع مترجمين ثقات مستقلين في ترجمة الكتب التي تقوم بطباعتها بعد ذلك.
وعدد هؤلاء المترجمين الثقات لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، مثل “أم إكليل”، و”إلمير كوليف”، وهذا نشاط تجاري وليس تطوعياً؛ لأن الترجمة تحتاج من المترجم التفرغ حتى يستطيع إنجاز عمله بدقة وإتقان وفق المعايير العلمية.
هل من معايير وشروط لاختيار الكتب للترجمة؟
– وفق اجتهادي الشخصي؛ فأنا أختار الكتب التي سوف أقوم بترجمتها وفق معيارين، وهما:
1- مدى احتياج المجتمع المسلم الروسي لموضوع الكتاب.
2- مدى نجاح تسويق وبيع الكتاب؛ وذلك حتى تستطيع دور النشر مواصلة نشاطها بإصدار كتب أخرى.
في نقاط محددة، نود منكم إلقاء الضوء على مسيرتكم في مجال الترجمة مع توضيح أبرز إنجازاتكم الشخصية فيها.
– عملي في ترجمة الكتب الإسلامية يتم بشكل شخصي وحسب اجتهادي الفردي، وقد تخصصت في الترجمة في موضوعات الأخلاق الإسلامية والوعظ التي توضح الطريق إلى الله تعالى؛ لأن هذا الجانب -حسب اعتقادي- من أهم الجوانب التي يحتاجها المجتمع المسلم في روسيا.
وهناك مترجمون آخرون قد تخصصوا في ترجمة كتب الفقه، وآخرون ركزوا على ترجمة كتب العقيدة أو كتب التفسير، وهكذا.
وعودة لسؤالكم؛ فإنجازاتي في الترجمة كالتالي:
1- ترجمت بفضل الله حوالي 10 كتب إسلامية عن العربية من أحجام مختلفة (50 – 300 صفحة)، كما قمت بترجمة دروس وخطب جمعة من مقاطع فيديو، وكذلك برامج فضائية مثل برامج رمضان.
2- وكانت بدايتي في الترجمة مع برنامج رمضاني اسمه “جنة الدنيا” للشيخ محمد حسين يعقوب من مصر، وحينما لم أستطع نشر الفيديو المترجم؛ قمت بتحويل الترجمة إلى كتاب، وكان هذا كتاباً لي مترجم وهو متداول الآن بين المسلمين.
3- ثم كان كتابي الثاني ترجمة لبرنامج رمضاني اسمه “الدندنة” وهو عن الدعاء.
4- بعد ذلك بدأت في ترجمة الكتب مباشرة نظراً لسهولتها عن البرامج الفضائية أو الدروس المنشورة على الإنترنت، ومن بين العناوين التي قمت بترجمتها كتاب عن الأخوة بعنوان “الأخوة أيها الإخوة”، لأن هذا ما يحتاجه المجتمع المسلم الروسي وأعتبره من الإنجازات المهمة لي في مجال الترجمة.
5- بعد ذلك انتقلت لمرحلة جديدة وهي التأليف؛ حيث وجدت أن الترجمة تحتاج لجهد كبير وتمويل خاص من أجل إعدادها للطباعة؛ لذا فضلت إعداد وتجميع محتوى الكتاب من مصادر متعددة نقلاً عن الشيوع والعلماء ويصدر باسمي.
6- بينما أكبر إنجازاتي سواء في الترجمة أو التأليف كانت مع كتاب عن دور المساجد في روسيا، تحت عنوان “نسيم المسجد”، وتطرقت فيه عن دور المسجد في المجتمع، ودور مختلف شرائح المجتمع المسلم نحو المسجد، والكتاب حوالي 300 صفحة؛ إلا أنه لم يصدر بعد لعدم وجود الإمكانيات اللازمة لذلك.
هل واجهتكم صعوبات أثناء عملكم في الترجمة؟ وكيف تغلبتم عليها؟
– في البداية وحينما كنت أترجم مقاطع الفيديو والبرامج كنت لا أفهم بعض الشيوخ المصريين لأنهم يلقون الدروس بلغتهم العامية (اللهجة المصرية)؛ إلا أنني تغلبت على هذه العقبة بتعلم اللهجة العامية ذاتها، وقد ساعدني ذلك ذهابي لمصر في دورة الأئمة، وكان مقصدي التكلم والاستماع للهجة العامية، بجانب تحسين مستوى العربية الفصحى.
وماذا عن التحديات التي مازالت تواجهكم حتى اليوم؟
– التحديات المستمرة تتمثل في الآتي:
1- الهاجس الدائم من عدم حدوث خطأ في إيصال المعنى الحقيقي للقراء أثناء عملية الترجمة، ولعل هذا الهاجس سوف يستمر معنا حتى الممات؛ لأننا لا نترجم كلمة مقابل كلمة؛ فالعربية لغة غنية بالألفاظ والمعاني، لذا نجتهد في توضيح المعنى المراد.
3- كما أن هناك إشكالية كبيرة في ترجمة الكتب الصعبة في العقيدة وأصول الفقه ومقاصد الشريعة والمليئة بالمصطلحات الكثيرة، لذا وجهة نظري الشخصية أن هذه النوعية من الكتب لا بد أن تتم دراستها فقط باللغة العربية، ولا يجب ترجمتها إلى لغات أخرى، فأي أخطاء في الترجمة سوف تؤدي لخطأ في فهم الدين، وتتسبب في نشر فرق التكفير والتبديع بين مسلمي روسيا وهذا أيضاً يساهم في نشأة الإرهاب والعنف.
4- كذلك هناك تحدٍّ ضاغط على دور النشر التي أصل عملها هو تجاري محض بجانب سعيها لنشر العلوم والثقافة الإسلامية، ويتمثل هذا التحدي في انصراف مسلمي روسيا عن القراءة لتفضيلهم المشاهدة والاستماع لمقاطع الفيديو، وهذا تسبب في إحجام دور النشر عن مواصلة نشاطها في الترجمة والطباعة تفادياً للخسارة المادية وعدم مقدرتها على الصمود كثيراً.
إذن، ما أبرز توصياتكم المستقبلية بهدف تطوير حركة الترجمة الإسلامية إلى اللغة الروسية واللغات المحلية الأخرى داخل روسيا؟
– توصياتي كالتالي:
1- في مجال الترجمة لا بد من إتقان لغتين معاً؛ لذا أنصح المترجمين في روسيا بمواصلة تعلم اللغة العربية بجانب تحسين لغتهم الأم؛ وقد يكون مفيداً الالتحاق بكليات اللغة الروسية للارتقاء بمستوى اللغة الروسية ومفرداتها لدى المترجم.
2- كما أنصح بعدم ترجمة الكتب الصعبة في العقائد وأصول الفقه كما ذكرت سابقاً؛ لأن أي خطأ في الترجمة سيؤدي للاختلاف في فهم الدين؛ وهو ما يشتت المسلمين ويزرع بينهم الخلافات الكثيرة، وهذه الكتب الصعبة ينبغي دراستها بالعربية فقط.
3- نصيحتي الثالثة والأخيرة لإخواني وأخواتي المترجمين بأن نخاف الله، وألا نستعجل في الترجمة قبل التأكد من صحة المعنى، وعلينا أن نتعلم دائماً كي نكون قادرين على إيصال المعني المراد من المؤلف إلى القراء، والحل الوحيد لنا هو التعلم والتطور المستمر في الترجمة واللغة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أجرى الحوار: هاني صلاح، ونشر في “المجتمع” الكويتية بتاريخ: 13/1/2018م.