مسلمون حول العالم ـ هاني صلاح
شددت مترجمة الكتب الإسلامية من العربية للروسية إيكاترينا سوروكؤوموفا على أن مهنة المترجم تتطلب منه معرفة عميقة باللغتين التي يترجم منها وإليها، ولا يكفي فقط أن يكون ناطقاً بهما، محذرة من أن ترجمة الكتب الإسلامية تعد مسؤولية كبيرة تتعلق بفهم الدين ذاته.
وأشارت إيكاترينا (كريمة)، في حوار مع “المجتمع”، إلى أن هناك إنجازات في مجال الترجمة الإسلامية إلى اللغة الروسية تمثلت في ترجمة معاني القرآن الكريم وكتب رئيسة في الحديث الشريف، إلا أنها لفتت إلى أنه مازالت هناك تحديات تعوق من حركة الترجمة الإسلامية للروسية، أبرزها غياب العمل المؤسسي والإمكانيات المادية اللازمة.
من هي إيكاترينا سوروكؤوموفا؟
– روسية الجنسية، ولدت ونشأت في العاصمة موسكو، من والدين ملحدين، حيث توفي والدها وعمرها 14 سنة، بينما والدتها لم تتبع أي دين، على عكس جدتها وبقية أقاربها فهم مسيحيون.
وعلى الرغم من نشأتها على المسيحية؛ فإنها شكت في صحة عقيدتها، وهو ما دفعها للبحث عن الحقيقة عبر مطالعة الكتب التي تتحدث عن الأديان الأخرى إلى أن وصلت بعد بحث طويل إلى إعلان إسلامها وكان عمرها حينذاك 15 سنة.
وعلى الرغم من مواجهتها لصعوبات مع أسرتها وأقاربها الذين أنكروا عليها اعتناقها للإسلام؛ فإنها صبرت وتغلبت على كافة هذه التعقبات.
وتالياً تفاصيل الحوار معها حول جهودها في مجال الترجمة الإسلامية من العربية إلى الروسية.
كيف بدأت مسيرتكم في تعلم اللغة العربية؟
– بعد مرور عام واحد من إسلامي تزوجت، ثم سافرت مع زوجي إلى الأردن للدراسة، وهناك تخرجت في كلية الشريعة بجامعة الزرقاء الأهلية، وكان تخصصي أصول الدين، وبعد ذلك توجهنا إلى ماليزيا، حيث تخرجت في جامعة المدينة الخاصة بدرجة الماجستير في فقه السُّنة.
كنت منذ أيام طفولتي أحب اللغات وخاصة لغتي الروسية، وكنت متفوقة فيها دائماً، وكنت أنظم الشعر وأكتب القصص وأنا في سن المراهقة، وبدأت تعلم اللغة الإنجليزية في السادسة من عمري مع خالتي التي كانت معلمة اللغة الإنجليزية.
ومتى بدأتم في الترجمة عن العربية إلى الروسية؟
– في بداية دراستي في الأردن بدأت محاولاتي الأولى في الترجمة ولكن من الإنجليزية؛ لأنني لم أكن قد تعلمت العربية جيداً بعد، بعد فترة بدأت أترجم الكتيبات والمقالات من العربية بشكل يومي لأجل التدريب، وفي الوقت نفسه كنت أقرأ الكتب في النحو والصرف والبلاغة العربية بجانب قراءتي في علوم القرآن والحديث والسيرة النبوية؛ لأن تعلم أمور الدين كان مرامي الأول، ولأنني كنت أعرف أنه من المستحيل أن يترجم الإنسان نصاً ما بشكل صحيح أو حتى قريب من الصحيح دون أن يتيح له فهم جيد للموضوع الذي يترجمه.
اليوم، كم كتاباً قمتم بترجمته للغة الروسية؟ وهل من أمثلة لبعضها؟
– بدأتُ في ترجمة الكتب الإسلامية منذ أكثر من 15 عاماً، وقد ترجمت أكثر من 50 كتاباً، منها سنَن أبي دَاوُد، وكتب ابن القيم، وسلسلة كتب في تاريخ الخلافة الراشدة، والأدب المفرد للبخاري.
وبالإضافة للترجمة، بدأت في مجال التأليف، فقد كان أملي منذ الصغر أن أصبح كاتبة، وقد تحقق لي ذلك؛ فلقد ألفت 5 كتب للأطفال غرضها تعليم الإسلام للناشئة، وهذا أعتبره من أهم إنجازاتي في الفترة الأخيرة؛ لأنني أمٌّ لستة أولاد وأعرف أهمية وصعوبة التربية في العالم المعاصر من خبرتي الشخصية.
وبجانب الترجمة والتأليف أكتب كذلك وبشكل مستمر مقالات دعوية أنشرها على الموقع الإلكتروني “e-minbar.com” في زاوية مخصصة لي.
ما أهمية اللغة الروسية وحجم الناطقين بها؟
– الروسية تعتبر من أكثر لغات العالم انتشاراً، ونظراً إلى مساحة روسيا التي هي أكبر بلاد العالم مساحة، فعدد الناطقين بها كبير جداً ويفوق الـ٢٠٠ مليون نسمة.
والروسية هي ليست لغة رسمية في روسيا فحسب؛ بل منتشرة في البلاد التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي زمن وجوده لأن الروسية كانت لغة رسمية في الاتحاد السوفييتي.
تحتضن روسيا شعوباً مسلمة من عرقيات مختلفة، فهل لكل منها لغته المحلية؟
– نعم لكل شعب مسلم في روسيا لغة محلية ينطق بها ويحافظ عليها، وكثرة هذه الشعوب تعني كثرة اللغات المحلية، ومنها لغات عدد الناطقين بها لا يزيد على عدة آلاف، وهذا من أجمل خصائص مسلمي روسيا في نظري.
والروسية هي لغة التواصل لهذه الشعوب مع الروس الأصليين ومع بعضها، وفي هذا تتمثل أهميتها الكبيرة، وبها نتواصل بسهولة مع الشعوب المسلمة التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، وأصبحت دول مستقلة بعد انهياره، وكذلك يمكنهم قراءة كتب مؤلفة بالروسية أو مترجمة إلى الروسية والاستفادة منها.
منذ متى بدأت حركة الترجمة للروسية؟
– من الصعب عليَّ تحديد تاريخ بدأتُ عنده الترجمة الإسلامية في روسيا، لكنني أظن أنها صاحبتْ الدعوة الإسلامية في هذه المناطق منذ البداية، على الأقل الترجمة الشفهية التي كان لا بد منها للإيصال الدعوة إلى الشعوب المحلية.
وكانت العناية الخاصة بترجمة معاني القرآن لذلك هناك ترجمات مختلفة معاصرة وقديمة، وكذلك الفلاسفة والكتاب والشعراء المعروفون في روسيا على مدى التاريخ اقتبسوا أفكاراً من القرآن واستخدموها في مؤلفاتهم وهم غير مسلمين، وقد حاول بعض هؤلاء الترجمة إلى الروسية ما جاذب اهتمامهم من معاني القرآن التي تعرفوا عليها من خلال ترجماتها إلى لغات أخرى وهي أوروبية غالباً.
وفي فترة وجود الاتحاد السوفييتي كانت الترجمة ما زالت موجودة، ولكن كانت من طبعها كثرة الأخطاء والتخريف؛ لأنها كانت غالباً من عمل مستشرقين الذين لم يكونوا مسلمين، وكانت تنقصهم معرفة حقيقة الدين الإسلامي، وهناك ما لم يفهموه وما أولوه تأويلاً غير صحيح.
وطبعاً لم يزل في الشعوب المحلية من يقوم بالترجمة الإسلامية والتأليف.
هل تتم الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة المحلية مباشرةً، أم هناك لغات أخرى يتم الترجمة عنها أيضاً؟
– الآن يتم الترجمة من العربية إلى الروسية مباشرة في أغلب الأحيان، وكذلك هناك عدد من الكتب الإسلامية المترجمة من الإنجليزية واللغات الأخرى، ولكن هذا الصنف قليل نسبياً.
كما أن هناك ترجمة تتم لـ”الكتب المترجمة” من العربية إلى الروسية، حيث يعاد ترجمتها إلى اللغات المحلية للشعوب المسلمة داخل روسيا، هذا بجانب حركة الترجمة المباشرة من العربية إلى هذه اللغات المحلية الكثيرة داخل روسيا، وكل هذا يتم مع أن الناطقين بها ينطقون بالروسية كذلك، ولكنهم يعشقون لغاتهم المحلية كذلك.
عملية الترجمة.. تتم بشكل فردي أم مؤسسي في روسيا؟
– الترجمة الإسلامية في روسيا حسب معرفتي هي جهود فردية، وليس هناك مؤسسات متخصصة لهذا العمل؛ بل هناك مترجمون أفراد يتعاملون مع دور نشر إسلامية، وهي قليلة في روسيا.
اليوم.. أين وصلت حركة الترجمة في روسيا؟
– الفترة الأخيرة وهي فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي تعتبر فترة نهضة الأديان في روسيا، وأخذت معها الترجمة الإسلامية عندنا في ازدياد، ومع ذلك لا يمكن مقارنتها مع الترجمة الإسلامية إلى اللغة الإنجليزية في دول العالم الأخرى.
مثلاً، هناك عدد كبير جداً من كتب إسلامية مهمة قد ترجمت إلى الإنجليزية، ولكنها لم تترجم إلى الروسية بعد، وهناك مترجمون متخصصون في الترجمة الإسلامية لهم كفاءة وخبرة وإن كان عددهم ما زال ضئيلاً، وقد ظهر في الأزمنة الأخيرة دور نشر إسلامية موثوقة.
ما أبرز الإنجازات التي تحققت حتى اليوم في حركة الترجمة الإسلامية في روسيا؟
– من أبرز الإنجازات التي حققها الذين يعملون في ساحة الترجمة الإسلامية ترجمات معاني القرآن المختلفة التي تساعد غير الناطقين بالعربية على فهم آيات كتاب الله.
لقد كانت بينها ترجمات عليها ملاحظات كثيرة، ولكن استفاد منها من عمل على الترجمات الأخرى التي كانت أفضل بكثير وأقرب إلى الصواب، ومن أفضلها ترجمة إلمير كولييف وهي جديدة نسبياً.
وهناك تفسير السعدي الذي كان إصداره مهماً جداً لأنه قد قرب معاني القرآن إلى أفهام مسلمي روسيا، وهناك كذلك ترجمة لصحيحي البخاري ومسلم وفيهما أصول ديننا الإسلامي، وهناك ترجمات لمؤلفات ابن القيم، وابن كثير، وكذلك عدد من كتب معاصرة جيدة ومهمة في التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية والعقيدة والفقه والتربية الإسلامية.
ونجهز حالياً ترجمة سنن أبي داود المزودة بالشروح من المصادر المعتمدة.
سؤال من شقين حول أبرز التحديات والعقبات تواجهكم في مجال الترجمة:
1- نود التعرف على التحديات التي تغلبتم عليها بالفعل.
– من الصعوبات التي واجهتها في بداية العمل كانت صعوبات متعلقة بترجمة المصطلحات خاصة والقاموس الذي كان متوافراً لديَّ في تلك الفترة لم يكن يحتوي على هذه المصطلحات وما شاكلها، ولكن مع مرور الزمن وتوافر الخبرة العملية ذهبت هذه المشكلة، والآن مع ظهور الموسوعات والقواميس والمعاجم والمكتبات العربية الإلكترونية أصبحت عملية الترجمة بشكل عام أسهل وأسرع.
2- ما التحديات التي مازالت تواجهكم ولم تستطيعوا التغلب عليها بعد؟
– هناك صعوبات طبيعية نواجهها كلما نُقْدم على ترجمة كتاب في موضوع جديد، وأحياناً لا بد من دراسة هذا الموضوع قبل بداية العمل على الكتاب.
وهناك صعوبات التمويل خاصة في المشاريع الكبيرة التي يشارك فيها المترجم المحققون والمحررون والمدققون والصفافون وغيرهم، وكتب الأطفال التي يجب أن تكون ملونة ومصورة وذات جودة عالية بشكل عام ليس من حيث المحتوى فحسب ولكن من حيث الغلاف والمنظر العام، وقد يكون صعباً على دور نشر إكمال مثل هذه المشاريع دون المساهمات والتبرعات من قبل المحسنين.
ما أبرز التوصيات المستقبلية للارتقاء بمجال الترجمة الإسلامية إلى اللغة الروسية؟
– للأسف الشديد، هناك تصورات خاطئة تماماً لدى كثير من الناس؛ حيث يعتقدون أنه لكي يصبح الشخص مترجماً للكتب الإسلامية يكفيه أن يكون ناطقاً باللغة التي يترجم إليها، وهو قد تعلم أيضاً العربية بشكل ما، هذا المعتقد غير صحيح؛ بل خطير جداً ويؤدي إلى أن يقوم بترجمة كتب مهمة وصعبة من ليس أهلاً لذلك العمل ويخطئ كثيراً والنتيجة معروفة.
مهنة المترجم تتطلب معرفة اللغتين معرفة عميقة على مستوى يؤهله لأن يترجم، وقراءة مستمرة وتدريباً يومياً وثقافة عامة، وترجمة الكتب الإسلامية هي مسؤولية كبيرة جداً.
لذلك أنصح لمن يريد تكريس حياته للترجمة الإسلامية بالآتي:
1- أن يكون مخلصاً في عمله؛ إذ لا بركة ولا توفيق إلا بالإخلاص.
2- أن يتعلم اللغتين حتى يتقنها جيداً ولا يتعجل.
3- أن يكون في تطوير دائم لبضاعته العلمية وطلب العلم الشرعي الذي يمكنه من ترجمة الكتب الإسلامية وتعلم ما له علاقة بمهنة المترجم.
4- أن يتعلم من المتخصصين في الترجمة ويستفيد من خبرتهم ويقبل النصائح منهم.
5- أن يفكر دائماً في مدى حاجة مسلمي روسيا إلى الكتاب الذي يريد ترجمته قبل أن يقوم بترجمته.
6- ألا يتردد في تصحيح وتحسين الترجمة إن وجد كلمة أو جملة أفضل وأصح.
7- وألا ينسى مهما كانت الظروف أنه عمل للآخرة وليس للدنيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**أجرى الحوار/هاني صلاح، ونشر في “المجتمع” الكويتية بتاريخ: 14/4/2018م.